أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حصاد العمر(9)















المزيد.....

حصاد العمر(9)


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 2379 - 2008 / 8 / 20 - 10:22
المحور: سيرة ذاتية
    


لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي (أبو هادي)
بعد خروجي من الدار التي كنت مختبئا فيها،سرت في الزقاق الذي دلني عليه صاحب الدار،وكانت الأزقة متشابهة وتتفرع إلى منافذ عديدة فسرت على غير هدى حتى لاح لي الشارع الرئيسي وهو ما يسمى الآن شارع الأمام علي،وبعد أن اجتزته دخلت في زقاق فرعي وأخذت أسير على غير هدي متخذا الجهة التي توصلني إلى شارع الديوانية،وبعد أن قطعت العديد من الأزقة التي لم أراها في حياتي أو أمر بها ذات يوم لمحت الشارع العريض فتوجهت إليه دون أن أستدل على الوجهة التي يوصلني إليها ،وكان أملي أن أعرف إلى أين يوصلني حتى أحدد اتجاهي،وعبرت إليه وإذا بي بجوار سجن الحلة الذي هربت منه،وفي تلك اللحظة تجردت من الخوف ،ولم يظهر على وجهي الارتباك وقررت مواصلة طريقي بعد أن أوكلت الأمر للأقدار،وفعلا تجاوزت باب السجن حتى وصلت ساحة باب المشهد،فتجاوزتها سائرا في الطريق المؤدي الى منطقة الجبل وكان هناك بعض السائرين فاختلطت في أوساطهم سائرا بينهم كأني واحدا منهم وكانوا يرتدون الزي الريفي مثلي،وبعد أن سرت مسافة انحرفت في شارع فرعي وسرت فيه الى أمام وإذا بي مقابل مركز الشرطة فقلت في نفسي من (يعرف فطيمة بسوق الغزل) وتابعت سيري وكأني إنسان عادي ولست هاربا،ولا أدري من أين واتتني الشجاعة في تلك اللحظة لأكون بهذا القدر من الجرأة وعدم الخوف ،وبعد أن سرت لاح لي الشارع الرئيسي فتوجهت إليه وإذا أنا في المنطقة التي تسمى الآن حي نادر،وكانت حينها خالية من الأعمار وغير مسكونة وهي خارج مركز الحلة ويتفرع منها شارع يؤدي الى النجف وآخر الى الديوانية،فسلكت أحدى الطرق الريفية،وسرت بجوار نهر خال من الماء،فخرجت بعض الكلاب السائبة تنبح وتعدو ورائي في محاولة منها لمهاجمتي ،ولكن لطبيعتي الريفية ومعرفتي التعامل معها فلم أهرب أمامها بل واجهتها لأن المواجهة تدفع الخصم للتراجع،وسرت غير عابئ بها حتى خرجت كلبه لديها بعض الجراء فهاجمتني من الخلف ليس لطبيعتها العدوانية كما يخال للبعض بل خوفا على جرائها وتلبية لغريزتها في الدفاع عنهم،وعضت رجلي من الخلف ولكني ضربتها بعصا صغيرة فولت مدبرة وواصلت السير حتى وصلت الى أحد البساتين،ومزرعة للخضروات فوجدت فيها صبيا وعندما رآني أبتسم فخلت أنه عرفني لأن المطلوب يخال له أن الجميع يعرفون أمره،فسألته عن الطريق الذي يوصلني الى مقام النبي أيوب القريب من الحلة،فأشار الى طريق يوصلني الى بغيتي،وسرت بمحاذاة النهر وبعد أقل من ساعة شاهدت راعيا في سن العشرين تبدو عليه الملاحة والنجابة،فسلمت عليه،فرد السلام مع ابتسامة مطمئنة فقلت لعله عرف أمري،فقلت له أنا ضيفك اليوم فقال لي باسما أهلا بالضيف،فأخبرته أن لي ولدا بعمره وهو هارب من الجيش وعندما علم بهروب السجناء من سجن الحلة وأن القوى الأمنية تقوم بحملة مداهمة للقرى بحثا عنهم قرر اللجوء الى أعمامه البدو من قبيلة شمر ليحتمي بهم،وقد خرجت أنا للبحث عنه وأعادته بعد هدوء الحال وأنه غير مقصود بالحملة،لأن الهاربين قد القي القبض على بعضهم،فرحب بي أجمل ترحيب،وعندما غربت الشمس اصطحبني معه الى القرية أخبرني أنه يسكن قرية المعيميرة،وسار أمام أغنامه تاعيا لها وسرت أنا خلفها ،فدخلنا القرية بعد غروب الشمس،وعندما شاهدني أهل القرية رحبوا بي،ودخلنا بيت الراعي فوجدت والده ووالدته وكان بيتهم يتكون من غرفة واحدة وطارمة أمامها ففرشوا لنا في الطارمة،فطلبت ماءا وملحا لإزالة المرارة من فمي بعد هذا المسير الطويل،وهذه طريقة (للممالحة) يتبعها الريفيون لزيادة العلائق والأمان ،وكسب الثقة في العرف العشائري فيقال (صار بينه زاد وملح) مما يحتم عليهم حمايتي وتقديم العون لي،ولا يمكنهم خيانتي أو الأخبار عني لما في ذلك من أخلال بالعهود والمواثيق العشائرية،وطلبت منهم أكلا خفيفا وتعشيت لديهم ،ولكن الجيران كانوا على حذر،فجاءت امرأة وولدها يتساءلون عن وجهتي وعشيرتي وما الذي جاء بي الى القرية،فأخبرتهم بقصتي المفبركة وأني أفتش عن ولدي الذي يريد اللجوء الى أعمامه من قبيلة شمر،وعندما حان وقت النوم تنازل صاحب الدار عن سريره لضيفه ونام على الأرض الى جانبي،وبدأت الأمطار تهطل بغزارة تلك الليلة ما جعل الأغنام تلجأ الى الطارمة،وقد فرحت لهذا المطر لأن دوريات الشرطة يصعب عليها الخروج في مثل هذا الجو،وسياراتهم لا يمكن لها المسير وسط الوحل،وأن ذلك يبعد عني الخطر ولو الى حين،،ولكن فرحتي لم تتم لأن الخراف والنعاج التي التجأت الى الطارمة كانت تعبث بنا وتضايقنا بروائحها النتنة،وقد سحقت عدة مرات على جسد صاحب الدار عند تحركها هنا وهناك،وكانت ليلة ليلاء ولكن التعب والجهد جعلني أنام نوما عميقا ،وفي الصباح استيقظت من النوم وجلبوا لي فطورا من الحليب والبيض المسلوق فتناولت فطوري وتهيأت للخروج فوصفوا لي الطريق الذي يوصلني الى قرية الحاج كطران آل زغير رئيس عشيرة خفاجة الذي يستطيع أرشادي الى مساكن البدو، إذا كانوا موجودين في المنطقة.
وسرت على شاطئ نهر المعيميرة،وعبرت شارع الديوانية وصرت بعيدا عن معالم المدينة،وواصلت سيري في الوحل حتى صار الظهر وأنا أسأل المارة عن قرية الشيخ كطران،فوصفها لي أحدهم وقال بعد قليل ستجد قنطرة صغيرة عليك عبورها فسوف توصلك إليه مباشرة،لأن قريته ومضيفه في الجهة الثانية من النهر،وعندما وصلت الى القنطرة عبرتها سألت عن الشيخ كطران فوجدته منهمكا في ملج السقوف بالطين خوفا من تسرب مياه الأمطار الى داخل الغرف،سلمت عليه وقلت له أنا ضيفك اليوم فرحب بي أجمل ترحيب وأوصلني الى مضيفه المبني من القصب المقوس ومحمي من سقوط الأمطار بالطين،فوجدت هناك ماءا فغسلت أقدامي ووجهي وجلست على الفراش فسألني عن وجهتي، فأخبرته بقصة ولدي وبحثي عنه وأني بحاجة إليه في أرشادي الى مكان البدو،فصدق ذلك ولكن أحد الفلاحين أسر الى الشيخ بكلمات لم أسمعها،ولكني حزرت أنه شخصني تقريبا ،وبعد أن أكملت غدائي جاء الشيخ كطران وقال لي:يا أخي نحن قرية قريبة من المدرسة التي يداوم فيها بعض المعلمين من خارج القرية،فإذا كنت من رجال الأمن الذين يبحثون عن الهاربين فلا يوجد لدينا هارب،وأن كنت من الهاربين فهذه المنطقة لا تنفعك في الاختفاء لأن المعلمين يداومون يوميا وأخشى أن يخبر عنك أحدهم ولا أستطيع حمايتك والأفضل أن تبحث عن مكان آخر للاختفاء،فقلت له سأرحل من هنا لأني لا أنوي الإقامة وإنما أبحث عن ولدي اللاجئ الى أعمامه من قبيلة شمر،وكان الوقت قد تجاوز الظهر بقليل فاصطحبني أحد أبنائه وأوصلني الى خارج القرية وقال لي أسلك هذا الطريق فأنه يوصلك الى القاسم،فسرت بين المزارع والسواقي والحفر،حتى وصلت الى طريق ترابي وواصلت السير فشاهدت فلاحا في مزرعته فسلمت عليه وطلبت منه أن يضيفني عنده هذه الليلة لأني قاصد الى مكان بعيد،ويبدو أنه عرفني شخصيا أو عرف أني من الهاربين فطلب مني الابتعاد عن المنطقة وإلا سيأخذني إلى الملاكين القريبين وهم يتصرفون كما يريدون،سلمت عليه مودعا وابتعدت عن المنطقة بعد أن استدللت منه على الطريق،وكانت الأمطار تهطل بغزارة وقد أظلمت الدنيا وسرت على وجهي غير عابئ بالأمطار والوحول التي جعلت حركتي صعبة إضافة للتعب جراء المسير،وكنت لا أسمع غير عواء الكلاب التي كنت أستهدي بصوتها للوصول الى مكان يؤويني هذه الليلة،وفعلا وصلت الى شبه قرية من الصرائف ،فدخلت على أحد البيوت مسلما طالبا إيوائي لديهم فرحبوا بي وعلمت أن هؤلاء من العاملين الرحل الذين يعملون في المواسم الزراعية وينتقلون من مكان الى آخر حسب الحاجة إليهم،وعندما شاهدو ملابسي المبللة جلبوا ملابس غيرها وقمت بتجفيف ملابسي على النار،وجلبوا لي عشاء من البيض والخبز وقدموا لي الشاي وبت هناك تلك الليلة وحكيت لهم قصة أبني المزعوم،وقد علمت أن الكثيرين منهم متخلفين أو هاربين عن الخدمة العسكرية،وبقيت لديهم ليلتين ثم سألتهم عن أماكن تواجد البدو لعلي أجد أقاربي الذين لجأ إليهم أبني وهم من آل علي عشيرة شمر،فوصفوا لي مكانهم وأنهم ربما يسكنون منطقة الحفار القريبة من هور أبو نجم القريب من ناحية الكفل.
وفي اليوم التالي ودعتهم وسرت في الطريق الذي وصف لي،وقد تجاوزت مدينة القاسم دون الدخول إليها وكان مسيري في الطرق الريفية خوفا من دوريات الشرطة وقد تمكنت من الوصول الى مضارب البدو ودخلت عليهم مسلما،فلاحظت أنهم قد تضايقوا من قدومي عليهم لأنهم يخشون أن أكون من اللصوص الذين يستغلون طيبة الناس فيلجئون إليهم وإذا وجدوا غفلة منهم سرقوا ماشيتهم وهربوا تحت جنح الظلام،،فطلبت منهم خبزا وملحا لزرع الثقة في نفوسهم،وقصصت عليهم قصة ولدي الهارب وأني متوجه الى هور أبو نجم،وبت لديهم تلك الليلة وفي الصباح وصفوا لي الطريق المؤدي الى الهور ،وسرت ساعات حتى وصلت الهور المذكور،وعندما صعدت السد العالي وجدت خلفه الماء،فحاولت العبور الى الجانب الثاني لأن هذا الجانب يشكل خطرا لقربه من الشارع الرئيسي وخشية وصول دوريات الشرطة التي تجوب تلك المناطق فأقع صيدا سهلا بأيديهم،ولعلي أجد هناك من يوصلني الى (آل علي) لأني فعلا أحاول اللجوء إليهم لأنهم أبناء عمي وقادرين على حمايتي وإيجاد الملاذ المناسب لي،وكان الماء غزيرا لا يمكن اجتيازه سيرا ،فنزعت ملابسي وكورتها على رأسي وأردت الدخول في الماء،وإذا الماء عميق جدا ويصل أعلا من هامتي،عندها سرت الى مسافة قريبة فوجدت مكانا صالحا للعبور فاجتزته بمشقة وأصبحت في الجانب الثاني وقد شاهدت عن بعد رجلا كبير السن ومعه امرأة تحمل طفلا فأسرعت للحاق بهم وعندما وصلت سلمت عليهم وكان الرجل يرتدي نظارات طبية،فأخبرتهم بقصتي وأني أبحث عن ابني الهارب،فلم يصدقوا ذلك وكانوا يحملون معهم عجينا يضعونه في النار لينضج وهو ما يسمى بخبز الطابق،فأوقدوا النار وساعدتهم في ذلك وبعد أن نضج الخبز أكلت معهم حتى شبعت.




#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصاد العمر(10)
- حصاد العمر(11)
- الصراع الحزبي وأثره في فشل النقابات والجمعيات
- حصاد العمر7
- حصاد العمر(8)
- حصاد العمر(6) لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هادي)
- بطلان الفتاوى الاجتهادية
- حصاد العمر (5) لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هادي ...
- بعرس اليتيمه غاب الكمر
- الكيل بمكيالين
- حصاد العمر(4) لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هادي)
- حصاد العمر(3)
- حصاد العمر..(2)
- من هو الأخطر ..البعث أم القاعدة (2)
- حصاد العمر..(1) لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هاد ...
- من هو الأخطر..البعث أم القاعدة (1)
- (لو كل يوم جلمة جا ختمنه القاموس)
- أكذب أكذب حتى يصدقك الناس/2
- إلى أين تمضي القافلة بالصحفيين العراقيين
- نفق سجن الحلة ملحمة الملاحم في مسيرة الشيوعيين العراقيين


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - حصاد العمر(9)