أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!














المزيد.....

في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2377 - 2008 / 8 / 18 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يمكن إدراج التقاتل الفلسطيني في مخطط عام يضفي على وقائعه قيمة نسبية أو وقتية، فيحوز من ثم شيئا من الشرعية؟ هل يسعنا القول إن التقاتل هذا ضروري كي تكون للمقاومة اليد العليا، أو إن تصفية نفوذ فتح في غزة لا مناص منه كخطوة على الدرب الطويل إلى تصفية الكيان الإسرائيلي؟ الأرجح أنه على هذا النحو يفكر جماعة حماس. لكن ألم يسبق أن سمعنا طوال نحو جيلين كلاما مشابها؟ ألم يكن الطريق إلى فلسطين، يمر مرة بعمان، ومرة بجونيه، ومرة بالكويت؟ وهل لدينا ما يسوغ الاعتقاد بأن مقاومي اليوم، في فلسطين بخاصة، أفضل من مقاومي الأمس؟
وهل يستطيع من ينتقد حماس أن يستند إلى فتح؟ يصعب أن يمحض متعاطف مع الشعب الفلسطيني ثقته للخيارات السياسية لأبي مازن وفريقه. لكن حتى لو انحزنا إليها بالكامل، كيف نسكت على الفساد الهائل وأنانية النخبة السياسة وجشعها ورثاثتها؟ كيف نحترم فريقا ينعم بالثراء والوجاهة في محيط من العوز والبؤس والمذلة اليومية؟
لا نورد هذه الملاحظات من أجل أخذ "موقف متوازن" بين طرفي الاستقطاب الفلسطيني، ولا لنصح الفلسطينيين أن يفعلوا كذا ويجتبنوا كذا؛ فهم أدرى بأحوالهم، ويحسن أمثالنا إلى أنفسهم لو كانوا لأنفسهم ناصحين.
الغرض بالأحرى اقتراح تفسير لآلية الانكفاء عن القضايا العامة والانطواء على الشؤون الشخصية على نحو ما يفعل كثيرون بيننا. فحين يعسر عليك أن تتماهى مع أي من طرفي نزاع يهمك أمره، وهذه خبرة شائعة في مجتمعاتنا، فإن إدارة الظهر للأمر كله هي التصرف الحكيم. فهي تجنب المرء تجاذبا عاطفيا ووجدانيا مرهقا، يفسد حياته ويغمرها بالغم والبؤس، وقد يميت قلبه في النهاية فيكره الجميع والقضايا جميعا ونفسه أيضا.
هذا شائع في أوساطنا أيضا. إنه حصيلة تسمم بطيء بقضايا متحللة. نكرر ما سبق لنا قوله مرات: إن المشكلات التي لا تنحل تتحلل هي ذاتها، بل إن من لا يحل مشكلاته يتحلل هو أيضا.
الوقوف ضد الانحلال يقتضي وقوفا في مواجهة الذات. العدو هو نحن، طرق تفكيرنا وسلوكنا وأخلاقياتنا، وبالخصوص رفضنا التأمل في أنفسنا. ولعله ما من شعب وثني أكثر من نحن العرب. نعبد "القضايا" كثيرا وبصورة مباشرة، لا تأمل فيها ولا تفكير ولا روح. هذا يجعل منها قضايا مادية، اسمية، أصنام، لا أثر فيها للروح أو المعنى الذي يفترض أننا نعتنق القضايا هذه من أجله. لماذا نريد فلسطين؟ أليس من اجل الحرية؟ الاستقلال، العدالة؟ حين تتجاوز العداوات بين فلسطينيين عتبة عدائهم المشترك لإسرائيل، وحين يعتقل الفلسطيني ويعذب على يد فلسطينيين، هل يبقى من قضية فلسطين غير صنم ربما تدر عبادته مكاسب مادية وسياسية متنوعة على معتنقيها؟ ولماذا نريد توحد العرب؟ أليس من أجل أن ننهض ونتحضر ونساوي غيرنا؟ فماذا يبقى لقضية التوحد العربي حين لا يكف رافعيها عن إذلال مواطنيهم وتمزيق مجمعاتهم والتفظيع في من يحملون آراء مختلفة عن آرائهم؟ وأية قضية سامية هذه التي يكون صدام حسين شهيدها الخالد؟
والحال تتعدى صنمية القضايا فلسطين ووحدة العرب لتشمل الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية، وبالطبع الإسلام أو الشريعة. فالمسألة تتعلق بشرط تاريخي ثقافي عام، ينعكس على هذه القضايا جميعا فقدانا للروح والعقل والمقصد الأخلاقي الحي.
ولا تتعارض عبادة القضايا مع كونها في الواقع مطايا لأصناف من تنابل السياسة والثقافة نحو أصناف من العلياء تشبههم. وكلما كانت القضايا مقدسة أكثر كانت أنفع في "جلب الدنيا إلى الرؤساء" على قول أبي العلاء قبل أكثر من ألف عام.
ومن سمات العبادة هذه، عدا مادية القضايا أو صنميتها، توسل الأصنام لتعريف الأطراف والمعسكرات. فنحن لا نوالي قضايا لسمو معناها الأخلاقي، بل لأنها الأنسب لتعريفنا وتمييزنا عن غيرنا. نحن المسلمون الحقيقيون أو الوحيدون، أما هم فكفار؛ أو نحن القوميون الأصلاء، أما هم فخونة؛ أو نحن الشيوعيون الثابتون على المبدأ، أما هم فمرتدون؛ نحن منفتحون على الحداثة، أما هم فمتخلفون... ويفترض أننا تلقائيا أخيار وأبرار، جديرون تاليا بالقيادة والسلطة والمجد. أين المضمون، أين الروح؟ أين الأخلاقية؟ أين الثقافة؟ أين الإنسانية؟
ومن سمات عبادة القضايا أيضا التعصب. فهذا "علاقة اجتماعية" تربط المعتنقين بصنمهم، وتصنع منهم هوية أو "أمة" أو "ملة ناجية"، تنتصب ضد هويات وأمم وملل وطوائف وأحزاب تشبهها شبه التوائم.
وتقترن عبادة الأوثان في حاضرنا اليوم بما اقترنت به في ماضينا الجاهلي: القبلية والعنف الذي لا ينتهي.
تعصب مقابل إيمان، وأصنام مقابل روح، وعصبيات وقبائل مقابل تضامنات حية بين أنداد، وعنف منفلت مقابل سلام وأمن. هذا هو دستورنا.
فكيف لا يقتل حمساويون فتحاويون أو العكس؟ الشيء الصحيح في عالم كهذا أن يقتلوهم ويعذبوهم. ولا يستطيع المرء أن يعترض على ذلك بينما هو يعبد "القضية" ويزجي الثناء على "نهج المقاومة" وإيديولوجيته وتحالفاته.
السؤال هنا ماذا لو انتصر هذا النهج؟ قد يقول قائل إنه لا يمكن أن ينتصر. هذا ما نراه أيضا. غاية ما يمكن أن يتحقق له وعلى يديه تبديد حياة آلاف الناس طوال جيل أو أكثر من سؤدده الكالح. لكن لنفترض أنه انتصر؟ لنفترض أن حماس لم تسد في غزة فقط، بل واسترجعت كل حبة رمل من الضفة الغربية؟ بل لنفترض أنها حررت فلسطين "من البحر إلى النهر"؟ ثم ماذا؟ أية دولة سننال، وأية حقوق وأية ثقافة وأية حياة يومية؟ سنكون استرجعنا فلسطين الصنم، وقد نزفت آخر قطرة من روح التحرر والعدالة والمساواة بين الناس. هل يستحق هذا الصنم مقتل شخص واحد؟
الخروج من عبادة الأصنام تقتضي جهدا ثقافيا وروحيا، أوله الإقرار بأن العدو هو نحن في صورتنا الحالية، أو بأننا أسوأ حلفاء لأنفسنا وأفضل حلفاء لأعدائنا. بدلا من نفي العالم يتعين أن نتوجه إلى نفي ذاتنا الوثنية. والطاقة التي نستهلكها في رفض العالم قد يمكن تحويلها إلى أساس لأخلاقية إنسانية، تقر المساواة والحرية للناس جميعا.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!