أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين الهنداوي - رحيل عبد الرحمن منيف روائي الصحارى المتخيلة














المزيد.....

رحيل عبد الرحمن منيف روائي الصحارى المتخيلة


حسين الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 735 - 2004 / 2 / 5 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


غير الذي يعرفه الرائح والغادي عنه من توزع وتنوع وحنين خفي الى مرابع البداية. وغير انه ولد لأبٍ من نجد وأم عراقية ومسقط رأس اردني واقامة مصرية فسورية فلبنانية وحتى يوغسلافية وفرنسية قبل ان يرجع الى ديار الصبا من جديد. وغير انه درس الحقوق ولم يكملها وتخصص في اقتصاديات النفط ولم يمارسها واشتغل في الصحافة ولم يحبها، وغير انه تبعثن وتقومن وتمركس وتأنسن دون ان يغمض له على كسرة منها جفن. فان عبد الرحمن منيف ظل في اعماقه الصافية وفيا لقيم وروح صحراء محض عراقية- نجدية، ظلت حاضرة وطرية بين عينيه باحلامها واوهامها حتى لحظة رحيله المبكر أمس وبعيد بلوغه السبعين بالكاد.

فالصحراء عندما تكون بأشجار وطيب وخرائط ومتخيلة، تكون بالرواية والبوح المديد احرى. (الأشجار واغتيال مرزوق) فضحت الحماس ذلك منذ 1973. بيد ان (شرق المتوسط) و(تقاسيم الليل) و(النهايات) و(سباق المسافات الطويلة) و(مدن الملح) هي في التحصيل الاخير، "رثائيات ذات" حميمة ومتعالية في آن اقرب الى، وربما استلهمت، ولو من بعيد جدا، وقطعا دون وعي، نفَسَ بعض البكائيات الجاهلية، العمروكلثومية خاصة، اكثر مما هي تسعى، كما توهم البعض عند الكتابة عن العمل الروائي لعبد الرحمن منيف، وربما كما توحي، الى تصفية حساب مع وعي سياسي او ايديولوجي فردي او قومي ما. فإبن البادية، ولو عن بعد، لا يفاجأ بالهزيمة ولا يغره الانتصار لانه يتوقعهما دائما ومتناوبان غالبا الا ان الكمد هو ما يغدر به وغالبا بسبب مرارة الصفاء والوفاء لا سيما اذا كانت مترعة بالتوق للتغيير منذ الصبا.  

وفي هذا يتفوق فن منيف وفكره على مثيله لدى معظم الروائيين العرب وقطعا على الطيب صالح او حنا مينه وحيدر حيدر من حيث ان "الاستحضار"، ولنقل النظري، لا يتم واعيا او اصطناعيا في الموضوع الا نادرا، انما يأتي تلقائيا فيما يتركز الاستحضار على شروط لحظة الكتابة ذاتها التي تعتقد أن مادتها ليست متواطئة مع الواقع التاريخي او الاجتماعي او السياسي او ما شابه رغم انها تداهنه او تلويه احيانا حسب مستوى قوة العادة لحظتئذ. من هنا التنازل الطوعي في النص عن اي سلطة بما فيها سلطة السرد والرثاء: ليس هناك استراحة او نياشين او شعارات للمحارب لأن ليس هناك محارب اصلا، انما كل شيء يأتي لوحده ليمثل نفسه وليجدد أداة تطهير الروح من نزواتها الطارئة وهكذا عند شروق شمس كل يوم. وهنا تكمن اسباب القطيعة مع المجموع الاول القبيلة او الصحراء او الامة كما يكمن سر الحنين اليها، اللواذ بها بالاحرى: كل شيء مجرد الى اقصى حد بما فيه الكتابة ذاتها.
لكن عبد الرحمن منيف لا يكتب نصا صحراويا او نصا للصحراء كما لا يكتب نصا قوميا انما نصا كونيا معتمدا على الصوت الواحد وبلا تعقيدات سردية وبروح وفضاءات صحراء ارض السواد العربية وحدها، صحراء النفط والبراءة وتمجيد الذات والقمع والتحولات والمقاومة والكرم والقسوة ومتعب الهذال والقرن العشرين. وهي فضاءات وروح يكاد يكون قد ورثها فطريا واكاد اقول ابديا كما تؤكده نشأة وسيرة ونجاحات وخيبات هذا الروائي المولود لأب من قرية قصيباء، من أعمال القصيم في وسط نجد السعودية، هاجر منها اولا ضمن إحدى القوافل البدوية الى بلاد الشام، ثم ارجعه الحنين اليها، ثم هجرها ثم وبعد رحيل متكرر بين نجد والشام، استقر ابراهيم المنيف في الاردن، فولد له فيها آخر أبنائه الذكور (عبد الرحمن) في العام 1933، وبعد ثلاث سنوات توفي الأب ونشأ الابن في المدن.
 
وكإبن صحراء بالوراثة، والصحراء ام طاردة، لا ينضب خيال الروائي منيف عندما يهجرها انما ترافقه كظله البعيد اينما حل وهو يبتكر لها المواقع والهيئات ليدسها في حله وترحاله. فهي مع سجناء الضمير ومع تناقض الحرية-القومية، وحتى عندما تنأى عنه تماما، فان تاريخها هو ما يعود له كما في "ارض السواد"، كتابه الاخير الذي اراد له ان يكون ما يمكن اعتباره تاريخ العراق في القرن العشرين. بيد ان التجريد، الثروة العظمى للروائي الموروثة من تلك الام، تتحول مع تنائيها الى ادغال وهذا ما بدا واضحا في اعمال منيف بعد "مدن الملح" التي تظل درة اعماله.
فالتاريخ، كما قال منيف نفسه مرة، حالة منجزة اغلب الأحيان، وبالتالي فان الاقتراب منه بمقدار ما يبدو سهلا، فإنه شديد الصعوبة، لأن مهمة الروائي يجب ان تتساوق مع الروح الكامنة في هذا التاريخ، وليس اعادة انتاجه، على حساب هذه الفسحة من الخيال، او عبر خلق الشخصيات التي لم يكن لها وجود تاريخي، والتي تعطي ملامح عن التاريخ الحقيقي الذي وقع.
ومهما يكن الامر، وكجبرا ابراهيم جبرا شريكه في كتابة "عالم بلا خرائط" وفي روح "أرض السواد" ربما، والوافد مثله على العراق في سن متأخرة نسبيا، كان عبد الرحمن منيف روائيا عربيا كبيرا لكنه وكجبرا ايضا لم يكن مفكرا او مبشرا بنفس القدر.. فلقد كان مبدعا في قراءة التاريخ لا في كتابته لا سيما اذا كان ثريا وشائكا ومشاكسا كتاريخ ارض السواد. ومثله ايضا كان اقرب الى اديب مهجر بالنسبة لبلديه الاصليين العراق والسعودية، كما كان جبرا مع العراق وفلسطين. اذ لم يستطيعا كما يحصل دائما، رؤية الأشياء التي قد لا يستطيع رؤيتها الا المصهور بها ومنها كل ساعة وكل يوم. ووحده المستقبل ربما سيقول ما اذا كان هذا سيشكل اضافة جديدة وتكميلية في قراءة او كتابة مرحلة تاريخية معينة ام لا.

انتهى
د. حسين الهنداوي، شاعر وكاتب عراقي.

 



#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية الدستورية في العراق وهشاشة التأسيس
- العراق واوهام العرش الفارغ الاحرى بالعراقيين استلهام النظم ا ...
- وجها لوجه مع قوات الاحتلال الامريكية في العراق
- الفلسفة ليست غير الحرية في تعريفها الاول والاخير والاسمى
- اوليفيه روا: -عولمة الاسلام- تجري بسرعة وكذلك فشل الاصولية
- الترجمة الفلسفية إلى العربية ونحو فلسفة للترجمة
- تناقضات التأسيس الأرسطي لمفهوم الاستبداد الآسيوي
- سلطة الرقيق او الاستبداد التابع نظام البعث العراقي نموذجا


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين الهنداوي - رحيل عبد الرحمن منيف روائي الصحارى المتخيلة