أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية والثورة الديمقراطية ثورة أم ...........إصلاح؟!















المزيد.....


الماركسية والثورة الديمقراطية ثورة أم ...........إصلاح؟!


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 733 - 2004 / 2 / 3 - 08:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في إطار بحثنا عن طريق التطور في الوطن العربي. حددنا الدور الذي يجب أن تلعبه الماركسية. وبالتالي الحزب الماركسي لكن نسأل الآن كيف يتحقق التطور؟ ثورة، أم إصلاح؟!
ونحن لا نضع هذه في مقابل تلك، وعلى التضاد منها، ولا نعتبر أن الحديث عن الثورة يعني الطرف، واليسراوية الزائدة، كما لا نعتبر أن الحديث عن الاصلاح وعن ضرورة الديمقراطية مسألة خاطئة بل تعتبر أن المطلوب هو التحويل الجذري للمجتمع، و اتباع كل الأساليب التي تؤدي إلى ذلك.
لذا من الضروري التأكيد على الهدف الجوهري، الذي نسعى لتحقيقه، وهذه خطوة أولى، رغم أنها لا تحدد الفارق بين الثوري و الاصلاحي، لأن المهمات، المطروحة راهناً، هي مهمات ديمقراطية عامة، لطبقات مختلفة مصلحة في تحقيقها، وبالتالي لا يعني تحديد برنامج ديمقراطي (التطوير الاقتصادي، النظام الديمقراطي، العلمانية، الوحدة القومية) رغم أنه برنامج ثوري في جوهره، لا يعني هذا التحديد، ثورية الماركسيين، بل أن المطالبة بتحقيقه دون تحديد أي الطبقات قادرة على ذلك، يضع هؤلاء في مصاف الاصلاحيين الحالمين (أو الموهومين)، لأن المطلوب أيضاً تحديد أي الطبقات قادرة على إنجاز هذه المهمات، أن هذه المسألة هي التي تحسم في ثورية أو إصلاحية الماركسيين ولقد أشرنا سابقاً، إلى أن البرجوازية عاجزة عن تحقيق هذه المهمات، بل أن اقسامها المرسملة غير معنية بها أصلاً، وأن الأقسام المعنية بها (البرجوازية الصغيرة) غير قادرة على تحقيقها، رغم أنها تحاول ذلك واقعياً، إلا أن سرعة تفككها نتيجة التحول السريع لدى فئاتها النافذة نحو الرأسمالية التابعة تمنعها _بالتالي _ من تحقيق "حلمها" هذا، لذا فأن اعتبار أن هذه المهمات هي مهمات برجوازية، وأن الماركسية (وبالتالي الطبقة العاملة) غير معنية بها مباشرة، يعني القبول بمسار التطور التدريجي العفوي، الذي يتحقق فقط بفعل التشققات الجزئية في النظام الامبريالي العالمي، وتخفيف الضغط _ مرحلياً _ عن المجتمعات التابعة.
وهذا خط إصلاحي لا يفعل سوى انتظار التراكم التدريجي البطيء، وغير المؤكد، ويؤمّل في تحسين تدريجي في البنية الاقتصادية، ويقرر أن سيادة الرأسمالية المتطورة، يتحقق عن طريق التراكم البدائي الذي يفضي إلى تطور تدريجي في الاقتصاد عموماً. هذا خط إصلاحي، لا يفعل سوى نشر الأوهام حول تقدم لا يتحقق، وحول مرحلة لن تأتي، وحول طبقة تهرب من دورها التقليدي إلى دور مختلف بفعل مصالحها بالذات وهو في كل الأحوال لا يحقق "حلمنا" البرجوازي.
إن الثورية هنا تتمثل في التأكيد على الدور القيادي الفاعل "للحزب _الطبقة" أي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء بما هم القوة الطبقية الفاعلة، والحزب الماركسي الذي من المفترض أن يمثلهم، وأي تردد في الحسم في هذه المسألة، وأي تخل عن هذا الدور يكرس منطقاً إصلاحياً لا يفعل سوى تهميش هذه الطبقة وتفكيكها، ترسيخ الوعي الزائف لديها، وإلحاقها بالطبقة القائدة، التي هي البرجوازية، ولا يفعل سوى تهديد الماركسية بالتصفية، واستثارة الأيديولوجيا القديمة التي لا تجلب سوى التفتيت والتدمير. حيث لا تؤدي المراهنة على دور برجوازي سوى إلى نثر الاحلام، التي سرعان ما تتجاوزها الجماهير هي ترى عجز البرجوازية بل سعيها لتحقيق ما يزيد من اضطهاد الجماهير وسحقها ونهبها.
إذن، الثورية تعني في هذه المسألة التحديد أن للحلف العمالي الفلاحي، وللحز ب الماركسي المعبّر عنه الدور القيادي الفاعل، دون تجاهل أي دور آخر، سواء للطبقات أو للأحزاب. وربما كانت فاعلية دور الحلف العمالي الفلاحي، والحزب الماركسي، في المقدرة على تنظيم نشاط كل هؤلاء، وقادته، وفي تحديد التكتيك الصحيح الذي يوحد كل هؤلاء على ضوء التصور الاستراتيجي الواضح، هنا يلتغي التفرّد، وتسقط الانعزالية، لكن يتأكد الدور الفاعل الذي يجعل هذا الخيار، هو الخيار السائد وهذا الحلف هو الحلف الذي يفرض دوره واقعياً، يسقط المنطق "الطبقي" الضيق _الذي هو مطلبي _ ويتحدد الدور السياسي (الاقتصادي الاجتماعي) للطبقة.
إن تبلور المشروع الماركسي، بما هو مشروع معبّر عن الظروف الواقعية في الوقت الراهن، والمعبّر عن مطمح التقدم العربي، والدور المركزي الفاعل الذي يلعبه الماركسيون، هو الحد الذي يفرض تجاوز الاصلاحية، إلى الفعل الثوري. تجاوز تبعية طبقة قادت عملية التقدم العربي منذ عقود، ولم تحقق التقدم الذي ينقل الوطن العربي إلى مرحلة نوعية جديدة، من أجل تحقيق هذه المرحلة النوعية الجديدة بالذات. ولا شك أن هذه التبعية أوقعت الماركسيين في نفس الأزمة التي تعيشها الطبقة البرجوازية، وجعلتهم يقبلون الخط الاصلاحي التدرجي الذي سارت به البرجوازية، على أساس أنه الخط الوحيد الممكن ، وإن حاولوا أن يلعبوا دور الناصح، والمرشد، والمصوّب لمسار هذه الطبقة.
هذا هو الشكل الأول للإصلاحية، إنه جذر الاصلاحية، فحينما ينتفي الدور المركزي الفاعل للماركسيين، لا يكون أمامهم سوى طريق الاصلاحات، طريق التدرج في التقدم، أي عامل الفعل الانساني، أي الطريق الذي تسمح به عفوية اقتصاد السوق، وهو طريق _ في ظل السيطرة الامبريالية _ مسدود.
أ/ا الشكل الآخر للاصلاحية، فهو المتعلق بالصبغة الخاصة بشكل التغيير، شكل التقدم. فإذا كان الشكل الأول للإصلاحية يعتمد عفوية التطور الاقتصادي، شكل الانتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية، ومن ثم إلى الاشتراكية. وبالتالي يحلق دور الماركسيين، بدور الطبقة البرجوازية،فإن الشكل الآخر يعتمد الطريق "الديمقراطي"، من أجل تحقيق التقدم، الشكل الذي يعتمد النمط البرلماني، كطريق للتغيير.
وبالتالي فتلك إصلاحية اقتصادية، وهذه إصلاحية سياسية، ولا شك أنهما متلازمان نظرياً، رغم أنهما افترقا في الواقع، في بعض المراحل، حيث يستتبع طريق "التقدم" البرجوازي، القبول بالديمقراطية البرلمانية، ليبدو هذا القبول ، كشكل مناسب لتعبير الماركسيين عن أفكارهم التي هي _في جوهرها _ أفكار تهدف إلى عقلنة:وترشيد سياسة البرجوازية الحاكمة. لهذا فالديمقراطية البرلمانية، بالنسبة للماركسي، فسحة من أجل ظهوره بصفته العقل الضابط لنشاط البرجوازية، العقل المعقلن لنشاطها ولسياساتها. لأن الهاجس الذي يشكله هو كيف يلتحم هذا العقل بجسمه الطبيعي، والذي يرى ن هذا الجسم غالباً ما يرفضه ولهذا يكون غضبه كبيراً.
إن الماركسي _ ونقصد التصور الماركسي السائد _ لا يرى دوراً له، سوى دور المفكر "البرجوازي"، أي دور الذي يقدم النصح للبرجوازية، وبالتالي يرى في الديمقراطية الجسر الذي يربط "المفكر" بالطبقة، إنها الصيغة التي يستطيع من خلالها إعلان رأيه، ومحاورة الطبقة، ونقصد بعض تصوراتها، من منطلق تكريس التصور الذي يحقق مصالحها بشكل أفضل، بالتالي فهي الصيغة الطبيعية لموقفه. الأساسي الخاص برؤيته للتقدم، فهو يرى التلازم بين هذا وذاك، يرى وحدتهما. أليس هذا هو وضع البرجوازية الأوروبية؟ طبعاً يتناسى الماركسي هنا أن حالة التلازم هذه لم تتحقق في أوروبا، إلا في القرن الأخير، وأن ثلاثة قرون من التطور تضمنت أنفصالهما، حيث تحقق التقدم البرجوازي في إطار أنظمة قمعية (بونابرتية، أو دكتاتورية، أو فاشية). لأنه يحلم بأن تسود الصيغة المتحققة الآن في البلدان الرأسمالية، لأنه يرى فيها الصيغة المناسب لكي يلعب دوره أي دور "المفكر" البرجوازي، متناسياً أن التقدم لا يسير وفق تصور "نظري" مجرد، بل أن له حركته الواقعية، وصيغته العملية، لأنه أساساً هرب من رؤية الواقع، وتعلق بالنية الفوقية، هرب من الإرتباط بمصلحة الطبقات الشعبية، رفض أن يكون المعبّر السياسي عن حركتها وهرب أصلاً من رؤية أزمة البنية التحتية، وهذه الحالة هي التي تأزمه، تثير به الرعب، وتجعله يتعامل مع البرجوازية بعصبية وأحياناً بطفولية، بتطرف. هنا نلمس جذر التطرف كما نلمس جذر الاصلاحية، جذر واحد.
نحن نحلل هنا، كيف يرى الماركسي مسالة الديمقراطية، أو كيف تتمظهر الديمقراطية، في الفكر الماركسي الرائج. لكن دون أن يعني ذلك أننا نرفض الديمقراطية. نحن إذن ننتقد الرؤية الاصلاحية للديمقراطية فقط؟ حيث تكون وسيلة من أجل عقلنة التطور البرجوازي. وحيث لا تكون، حتى طريقاً للتغير، فهي في وعي الماركسي وسيلة عقلنة لبرجوازية مسيطرة وحاكمة وليست وسيلة من أجل نفي سيطرتها أو إزالة حكمها. إنها _ كما أوضحنا_ الجسر الذي يربط "المفكر" بالطبقة، ولحم العقل بجسمه الطبيعي، وهذه صيغة فظة في تمظهر الاصلاحية، لأنها تنفي إمكانية التغيير، وتحقيق التقدم المصاغ وفق رؤية ماركسية عن طريق البرلمان، وهذا مستوى أعلى في الاصلاحية لم يظهر في الوطن العربي، لأن حدّ التقدم وفق رؤية الماركسيين العرب، كان مقتصراً على البرجوازية، فهي وحدها محققة التقدم، وبالتالي فليس صحيحاً أن يلعب الماركسيون دوراً مسيطراً لأن هذا يتنافى مع التقدم، بل أنه نزوع "طفولي"، فإذن، حتى الاصلاحية المتمظهرة في شكل التغيير عن طريق البرلمان، هي نزوع طفولي في الماركسية الرائجة.
والسبب في ذلك أن الرؤية الماركسية الرائجة، تنطلق من حتمية بقاء الطبقة البرجوازية، الطبقة المسيطرة اقتصاديا ، بينما تسعى من أجل "الاتحاد" مع ممثليها السياسيين عن طريق الديمقراطية والبرلمان، أي من أجل أن يفرض "التنوع" في إطار البنية الفوقية (السلطة السياسية). "التنوع" المعبّر عن مصلحة البرجوازية تحديداً. لهذا لا نجد مكاناً، في الرؤية الماركسية الرائجة لخيار اقتصادي اجتماعي بديل، بل نجد التأكيد على الخيار البرجوازي، أنها فقط تحاول أن تكون جهازاً ايديولوجياً للطبقة المسيطرة، ومعبراً عن "عقلانية" بعض فئاتها. إذن ، ما هو موقع الديمقراطية؟
إنها وفق هذه الصيغة شكل بزوغ لعقل فقط، أي شكل حرية "المفكر" الماركسي، في عقلنة سياسات البرجوازية، ليس شكل حرية "المفكر" الماركسي، في عقلنة سياسات البرجوازية، ليس شكل نفيها، وبالتالي فإن تمرد "المفكر" الماركسي نابع من غطرسة البرجوازية، واعتبارها ذاتها مكتملة.
لكن ، لكي لا يؤدي نقدنا لشكل من الاصلاحية، انتشار اصلاحية أخرى، لكي لا يؤدي نقدنا لهذه الصيغة الفظة التي تتمظهر بها الاصلاحية، انتشار صيغة جميلة، صيغة متألقة، وهي جميلة متألقة، لأنها تطرح ضرورة التغيير، لكنها تختط طريقاً يقود إليه، حيث أن البرلمان يجدد سيطرة الطبقة البرجوازية، لأن قوانين الانتخابات معدة من أجل ذلك ، ولأن الجماهير لا تعير انتباها لها.سوف نحاول الاجابة على سؤال: ما هو موقع الديمقراطية؟ لقد حاولنا في السابق تحديد موقعها في السلب، ولسوف نحاول الآن تحديد موقعها في الأيجاب، لكن، لكي يكون التحديد أيجابياً، لا بد من أن نقرر في مسألتين، أشرنا إليهما سابقا، الأولى: تتمثل في ضرورة بلورة برنامج  اقتصادي، وسياسي بديل، برنامج لمجتمع  جديد،غير المجتمع الذي صاغته البرجوازية،ويسهم في تحقيق التقدم الحقيقي، التقدم العميق وهنا تكون الديمقراطية جزءا مهماً في النظام السياسي المتحقق. والثانية: تتمثل في الحسم في الدور القيادي الفاعل للماركسيين، ضرورة قيادتهم لثورة ديمقراطية الطابع.
هنا يكون التقدم متحققاً رغما عن البرجوازية، وإن كان لا ينفي بالمطلق دورها الاقتصادي.
وبالتالي فما يطرح هنا هو كيف يمكن الافادة من الاشكال الديمقراطية التي تحققها البرجوازية (حرية الاحزاب، الصحافة، الرأي، الانتخاب...) من أجل نفيها؟ طبعاً، واضح أن هذا السؤال مؤسس على التحديد سابق الذكر.فلا إمكانية له، دون الاقرار بوجود برنامج بديل، ودور قيادي فاعل. لهذا من الضروري تأكيد الموضوعات التالية:
1_ لا بدّ أن نقرر أن الديمقراطية، ليست صيغة سائدة في النظام السياسي البرجوازي القائم في الوطن العربي، بل أنها تسود أحياناً فقط، وهذه واقعة ناتجة، ليس عن "غباء" البرجوازية، ولا عن عجزها عن فهم مصالحها، بل نتيجة أزمة البنية الرأسمالية ذاتها، حيث أن النهب السريع الذي تقوم به البرجوازية المحلية (وأساساً الشركات الاحتكارية الامبرياليةـ)، من أجل تحقيق التراكم الرأسمالي ، يؤدي إلى مفاقمة التمايز الطبقة محلياً، الذي يغرض اشتداد الصراع الطبقي هذه الحالة تفرض القوة من أجل تشتيت نشاط الجماهير الشعبية، ومنع تبلور صيغتها السياسية الثورية، وبالتالي تحقيق الهدف الرأسمالي الأساس ، التراكم الرأسمالي، وهذه هي صيغة التطور الرأسمالي في أوروبا، فقد فرض السعي من أجل زيادة في مستوى معيشة الجماهير الشعبية، مما فرض على هذه الجماهير النزوع نحو القبول بمعادلة الديمقراطية أي التنافس الديمقراطي في تقسيم الثروة.
وهذه معادلة بعيدة المنال في الوطن العربي _ وكل البلدان المتخلفة _ لأن النهب المحلي، ليس منوطاً بالبرجوازية المحلية فقط، بل أنها _ أساساً_ عملية تقوم بها البرجوازية في المراكز (الشركات الاحتكارية الامبريالية). وهذه البرجوازية تزيد من نهبها، لكي تحافظ على المعادلة هذه في بلدانها،ـ ولأن الاختلال في البنية الاقتصادية (سيادة نمط التجارة _ الخدمات، غياب لقطاع المنتج في الزراعة والصناعة) نفتح الأفق أمام مفاقمة النهب، لأن الاعتماد على الاستيراد، يعرض المواطن للافقار، نتيجة الفارق بين الدخل، المؤسس على أساس الشروط المحلية، والسلعة، المؤسسة على أساس شروط البلدان لرأسمالية المتقدمة، ولأن غياب القطاعات المنتجة، يزيد من عدد العاطلين عن العمل، ولأن البرجوازي المحلي يمعن في النهب، لأنه يقيس ذاته ليس بقدر الفارق بينه وبين الجماهير، بل يقيم المقارنة بينه وبين رأسمالي الأمم المتقدمة، و مفاقمة النهب، التي تعني اشتداد الصراع الطبقي ، تفرض الدكتاتورية.
2_ كما لا بدّ أن نقر "بهامشية" الحاجة إلى الديمقراطية، لدى الجماهير الشعبية حيث لا زال وعيها مصاغا وفق البنية السابقة للرأسمالية، وهذا يبدو واضحاً في طبيعة علاقات الفرد حيث يسود النمط البطريركي، الذي يقر بالسلطة المطلقة للأب والزعيم والآلة، وبالتالي ينفي إمكانية المناقشة والنقد، الانتخاب، حيث كل شيء مقدر مسبقا، في هذا الاطار _ وعلى ضوء مفاقمة النهب الطبقي _ يبدو الصراع الطبقي عنيفاً، لأن القوة هي البديل للسلطة المطلقة، هكذا تتمظهر المسألة في ذهن الفرد "البطريركي". وبالتالي فالوعي الديمقراطي غائب عن هذا الذهي، فما معنى حق الانتخاب إذا كان يعيد إنتاج نفس السلطة؟ وما معنى حرية الرأي والصحافة، إذا كان الرأي المقابل لا يطرح بديلاً حقيقياً، وإذا كان النقد لا يجد آذاناً صاغية، ولا يفضي إلى تحسين الظروف المعيشية، التي هي هم الفرد "البطريركي" هذا؟ وما معنى كل ذلك، إذا كان الثوري، المعبّر عن المصالح ا لجذرية (وفق المقياس الاقتصادي) يقمع، حتى في مرحلة سيادة الديمقراطية،وهو المصير الذي يلاقيه هذا الفرد، حينما يطالب بحقوقه المطلبية فقط؟
إن مفاقمة النهب الذي تقوم به البرجوازية (المحلية والدولية) يمنع الوعي الديمقراطي من اختراق المنظومة القديمة، بل أن ما يتمسك به الفرد هذا، هو مسالة القوة، العنف كخيار من أجل إزالة الغبن الذي يعيشه. وهذا و منفذ القبول بالدكتاتورية، لكن التي تحقق مستوى معيشياً أفضل.
وفي هذا الإطار تبدو المعادلة الممكنة (وهي لذلك المعادلة السائدة) هي: السلطة المطلقة _ الثورة.
3 – لكن لماذا تسود "الديمقراطية" في بعض الأحيان؟ إذا كان هدف سيادة السلطة المطلقة، هو منع الفكر الثوري، ومنع النشاط السياسي، من التأثير في جماهير مأزومة، وبالتالي إبقاء النشاط العفوي سائداً لدى الجماهير، الذي هو في سياق وعيها السائد عاجز عن التأثير في بنية السلطة هذه، فلماذا تنقلب الأمور أحياناً؟
أولاً لا بد أن سيادة "الديممقراطية" يترافق مع استمرار النمط الاقتصادي السائد، وبالتالي استمرار النهب الممارس. لذلك فإن التغير المتحقق، هو تغير في البنية الفوقية فقط.
وثانياً: ليست الديمقراطية هذه _  والتي وضعناها بين مزدوجين هي الديمقراطية الليبرالية، بل إنها مقيدة، سواء من خلال استمرار طبيعة السلطة، ثم استخدام التزوير حينما يكون ذلك ضرورياً.
في هذا الاطار يبدو الهدف من هذه الخطوة، هو تجميد نشاط قطاعات جماهيرية، شق اندفاعه الجماهير من داخلها، بإعطاء فسحة لأقسام من البرجوازية الصغيرة, من أجل أن تحسن وضعها،وإعطاء فسحة لمثقفيها من أجل أن يلعبوا الدور الذي طالما حلموا به، ونقصد عقلنة سياسات البرجوازية من أجل نجاح سياساتها، لكن من أجل _ أيضاَ _ أن تلعب دوراً في شق اندفاعة الجماهير، وإقناع فئات منها، بالقبول بسياسة المطالبة والمناشدة في هذا الأساس يقبع جذر الخط الاصلاحي عموماً وفي الماركسية تحديداً.
أننا هنا نقرر أن السلطة البرجوازية لا تقدم هذه الخطوة سوى لكي تعيد إنتاج ذاتها، يساعدها في ذلك الميل العام لدى الجماهير، الرافض لكل أشكال السلطة، المطلقة و"الديمقرطية" نتيجة عنف مناهضتها لهذه السلطة من جهة، ولتخلف عيها الديمقراطي من جهة أخرى.
4_ وبالتالي، فإذا كنا معنيين بتحقيق البديل، الاقتصادي أولاً (وهو ما يسقط غالباً لدى الاتجاه الاصلاحي كما يكون مطلوباً التخلي عنه في إطار الديمقراطية البرجوازية) والسياسي ثانياً. وإذا كنا معنيين ب "المزاج العام" لدى الجماهير، واساساً إذا انطلقنا من طبيعة الصراع الطبقي المتفاقم، نرى أن هذه "الديمقراطية" لا تنسجم مع كل ذلك، بل أن الهدف منها هو التخلي عن كل ذلك.
حيث أن الحدود التي تفرضها السلطة الحاكمة، هي بالضبط التخلي عن الخيار الاقتصادي الاجتماعي البديل، وتحويل التعبئة الايديولوجية من تعبئة لمفاقمة الصراع الطبقي، إلى تعبئة لإخماد هذا الصراع، وتحويله إلى "صراع" سياسي، شكلي في أساسه، يقوم على أساس القبول بطبيعة السلطة، وبنيتها، وباختياراتها الاقتصادية الاجتماعية، مع ترك فسحة ضيقة من أجل النقد والتوضيح. وبالتالي فهي صيغة في مقاس النزعة بالضبط.لهذا ، من الضروري التركيز على أشكال الصراع الطبقي أولا، اي أن يجري العمل على تطوير النشاط الجماهيري، ودفعه إلى آفاقه المستطاعة. من أجل الوصول إلى الأهداف الأساسية لكن ذلك لا يعني تجاهل الديمقراطية المتحققة، في لحظة من لحظات الصراع، بل يعني أن يجري التمسك بالاستراتيجية، وبالرؤية الشمولية، كما بإسقاط المراهنات على اختيارات هي برجوازية في جوهرها. لهذا فإن النضال الديمقراطي جزء من برنامج أشمل، والاهداف الديمقراطية أهداف مطلبية عامة وأساسية. كما أن تحقق "متنفس" ديمقراطي، مهم في سياق تطوير الصراع الطبقي، وتطوير الوعي العام في المجتمع.

 



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية والعقل الأحادي
- ملاحظات على ورقة المهام السياسية المقدمة إلى الإجتماع الثالث ...
- نقد التجربة التنظيمية الراهنة
- ملاحظات عن ماركس والعولمة
- عسكرة العالم: الرؤية الأمريكية لصياغة العالم
- بعد العراق نهاية عصر و بدء آخر
- صدام مصالح و ليس صدام حضارات - وضع الثقافة في الحرب الإمبريا ...
- جريدة الكترونية هائلة يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذا الوضع ا ...
- الانتفاضة والسياسة
- الماركسية في الصراع الراهن
- تساؤلات حول الراهن السوري
- ســؤال الازمة فـي سوريــا تـجـاوز الـبـنـيـة الـشـمـولـيـة
- اليسار ومشروع النهضة في الوطن العربي
- عن الرأي الآخر الذي في السجن
- في كشف دكتاتوريتنا / في كشف ديمقراطيتنا
- المسألة اليهودية، الصهيونية والعرب
- تأملات في الدين والدولة
- ما الماركسية؟
- الماركسية، التقدم والصراع الطبقي
- الليبرالية والليبرالية الجديدة


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية والثورة الديمقراطية ثورة أم ...........إصلاح؟!