أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (4)















المزيد.....


العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (4)


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2370 - 2008 / 8 / 11 - 10:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


4.هنا والآن Here and Now
إن كل أشكال العلاج النفسي والتي تعتبر كلها فعالة على الإطلاق ، لابد أن تعمل ضمن نطاق (هنا والآن). وإن جعل الغائب حاضراً هو سر التغيير الحقيقي. فتقوم الدراما النفسية (السيكودراما) بذلك من خلال لعب الأدوار المؤاتية، ولعب الأدوار المعاكسة للمشكلة، لذا فإنها تبزغ إلى الحياة في الحاضر. وأما مدخل الجشتالتي فيقوم بذلك من خلال إقناع العميل بالكلام إلى الشخص مباشرة، بدلاً من الكلامِ عن الشخص بشكلٍ غير مباشر. وان المدخل الأساسي(Primal) يقوم بذلك من خلال السماح للعميل بالعودة وإعادة استحداث الأحداث المؤلمة الفعلية، وإعادة أحياءها في الوقت الحاضر. وأما مدخل التركيب النفسي فيقوم بذلك من خلال جعل العميل يعيش بوهم معين أمام المُعالج، والذي يشارك فيه المعالج فعلياً. وأما (كارل روجرز) فيقوم بذلك من خلال التحويل إلى مشاعر الشخص مثلما يتم التعبير عنها الآن بشكلٍ سري أو علني. ويقوم أنصار المذهب الوجودي من خلال أظهار استجاباتهم إلى السطح، والعمل بها وفقاً لما يتعلق بالعميل. وربما توجد هنالك مئات الطرق، التي لازال الكثير منها غير موصوفاً، لإدخال المادة الملائمة في نطاق (هنا والآن). وعملية (هنا والآن) تتم من خلال عدد من الممارسات تظهر في الجلسة العلاجية منها: التحويل، والمقاومة.
لذا فالمعالج بالمدخل الإنساني لا يحتاج إلى التحويل (transference) بأية طريقة مقصودة، لأنهم لديهم الكثير من البدائل له. وفي الحقيقة إن الكثير من ممارسي المدخل الإنساني يتجنبون التحويل، ولا يميلون له، ولا يرغبون بمعرفته، ويتنكرون له بشكلٍ عام. فـ(بيرلز) يدعو التحويل باسم الفخ وهو تعبير عدائي ومقيت جداً. ويقول(جانوف):
"إن المُعالج بالمدخل الأساسي لا يتعامل مع التحويل..... ففي الحقيقة تكون علاقة العميل بالمُعالج علاقة مُهملة كلياً ".
وفي الإرشاد المشترك(co-counseling)، لا يفترض أن يكون هنالك قلق أو اهتمام بمن يكون شريكك بالإرشاد، إذ يمكن تبديل الواحد بالآخر. ويستخدم (مورينو) كلمة(tele) بمعنى بعيد بدلاً من كلمة التحويل، ويرى إن هذه الكلمة ملائمة لأعضاء المجموعة الأخرى، وليس لموجه الدراما النفسية(السيكودراما). ومن الجانب الوجودي، يرى (ميدارد بوس)التحويل على انه تدميرياً أو هداماً لأية علاقة حقيقية بين المُعالج والعميل، ويقول بان العميل سوف يكرهُ المُعالج طالما انه يكونُ مُقيداً بالإدراك المحدود لعلاقة الأب بالطفل أو الأم بالطفل. ويقول(اريك بيرن):
" إن هذه هي العملية المتقاطعة من النوع الأول، والتي تُمثل الصيغة الشائعة لرد فعل التحويل حال حصوله في عملية العلاج النفسي، وكذلك انه نوع العملية الذي يسبب معظم المشكلات في العالم ".
هذا ما يوضح لنا بان معظم أفراد المدخل الإنساني لا يميلون إلى فكرة التحويل والتحويل المعاكس والتي تجري بين العميل والمُعالج. إذن لماذا هذا الموقف ؟
إن السبب الرئيسي هو بسبب الاعتقاد بان الاعتماد المقصور على التحويل من قبل المُعالج يعني الاختلال(أي عدم التوازن) الضيق جداً والأحادي الجانب في العلاقة. حيث يصبح المُعالج ليس أكثر من شخص أو شكل يمثل السلطة الأبوية، ويصبح العميل مجرد طفل معين. وهذا ما يعطي المُعالج قوة من جانب واحد في هذا الموقف الذي لا يمكن مقاومته. وان ذلك يضع المُعالج في الوضع الذي لا يمكن أبداً أن يكون فيه على خطأ. إذ إن كل شيء مُقلق أو غير فعال يحدث في العلاقة يمكن عزوه إلى عُصاب العميل، وإذا ما أراد العميل أن يتخلص من مثل هذا الموقف غير المتكافئ، فان هذا يمكن أن يفسر على انه مجرد نوع آخر من المقاومة أو المعارضة. وهو ما يميل إليه الفرويديون، وهو له تبرير أساسي حالما يجد له طريقه. في حين أصحاب المدخل الإنساني يعتقدون بأنهم على حق في رفضهم لتلك الطريقة من العمل وذلك لأنها غير ديمقراطية وهي مخطوءة من الناحية الأخلاقية.
وان ما يمكن قوله هو إن عدم التوازن الدائم والمُبيَّت في العلاقة عندما يرفض المحلل الدخول في أي اتصال مُتكافئ مع العميل وإصراره على مناداة العميل بالشخص المريض، يكون ملائماً للتلاعبmanipulation)). وليس إن المحللين النفسيين هم المتلاعبين الوحيدين، فالسلوكيين وأفراد الاتصالات وأفراد NLP)) هم سيئين أيضاً بطرقهم. وان ما يسبب هذا هو الاهتمام المقصور على التحويل طوال الوقت. وهذه هي وقفة ثابتة ومحدودة يتم اتخاذها، والتي تمنع من القيام بمجموعة كآلية من الخطوات العلاجية المرغوبة. لكن في الحقيقة لا يوجد شيء فريد أو استثنائي للتحليل النفسي حول معظم هذا الموضوع. إذ إن كل العلاجات ذات الهدف الواحد، والتي تتمسك بأسلوب معين واحد، تعرض أيضاً انتقاءاً ضيقاً للأدوار والخطوات. وان كل العلاج يضع المُعالج في موقع القوة والتلاعب الكامن(potential manipulation). والمثال البسيط على ذلك هو إن المعالجين الذكور غالباً ما يهتمون بالاستغلال الجنسي لمرضاهم(عملاءهم) من الإناث. بيد إن هذا الاتهام يقتصر على المعالجين بالتحليل النفسي، وهو يعتبر شكلاً واحداً معيناً من التلاعب الذي يبدو ليكون ملموساً أكثر من الأشكال الأخرى.
وفي كل أشكال العلاج، من السهل للمُعالج أن يصبح معصوماً، بحيث يجعل أي من الصعوبات في العلاقة المعنية يكون سببها عُصاب المريض(العميل)، وهذا ليس غريباً على الإطلاق لأنصار المدخل الفرويدي. فيحصل المُعالج كل نقاط الامتياز سواءاً أكان يريد ذلك أم لا. وهذه هي الحقيقة الحاسمة حول التحويل، والتي يعيها أنصار المدخل الفرويدي، والتي يهرب منها المعالجون النفسيون في المدخل الإنساني.
وعليه، فان أصحاب المدخل الإنساني لا يريدون العمل بالتحويل بشكلٍ حصري أو بشكلٍ كلي، إلا إن ذلك لا يعني بأنهم لا يحتاجون للتعامل به على الإطلاق. فانه ينشأ باستمرار، وانه ينشأ فعلا في كل علاقةٍ علاجيةٍ بطريقةٍ معينة، وكذلك هي الحال بالنسبة للتحويل العكسي، لذا علينا معرفة ماهيته وكيفية عمله.
وبالتأكيد، فان معالجين مثل(رايخ) و(اليزابيث منتز) و (فرانك ليك) يعترفون بوجود التحويل والتحويل العكسي، سواء أكنا نميل له أم لا، وإنهم قد وجدوا طرقاً جيدة جداً لتمييزه من دون تركه يسود طوال الوقت. فيقول (فرانك ليك1966) فعلاً بانه إذا ما كانت أية علاقةٍ على الإطلاق قويةٍ إلى حدٍ يكفي لان تكون مفيدة من الناحية الشخصية في مواجهة أزمات الحياة، فأنها تكون عميقةً أيضاً إلى حدٍ يكفي لإثارة الأمل بأن الأزمات الشخصية المؤلمة للحياة، المدفونة حيةً للعديد من السنوات، يمكن تحويلها أيضاً لغرض الحل. ولدى(مينتز) صورة واضحة جداً عن كيفية إمكانية المُعالج، في الحالة الجماعية، على الدخول والخروج من مواقف التحويل بطريقةٍ فاعلةٍ جداً. لكن يبدو من الصعب جداً على المعالجين بالمدخل الإنساني أن يدركوا عمق التحويل، وعدم إمكانية تجنبه في علاقة أحادية(one-to-one) ولاسيما التحويل الطويل.
وهذه النقطة الأخيرة، بطبيعة الحال، هي نقطة دخول ممكنة لفكرةٍ بديلة. فبعض أفراد المدخل الإنساني يميلون إلى العلاج النفسي المقتضب بسبب ذلك فقط. ويبدو انه بسبب نشوء معارضة التحويل أكثر فأكثر مع استمرار العلاج، لذا لابد من تحقيق بعض الجلسات فقط، بدلاً من الاستمرار لسنوات عديدة. وهي فكرة مُغرية وان هناك شيء ما فيها، فهي تعيد إلى الذهان نقاشاً طالما جرى بين أصحاب التحليل الفرويدي ومخالفيهم. فقد يكون السبب كما يطرح مخالفيهم من وراء كون المحللين النفسيين مقتنعين جداً بفكرة التحويل وذلك لخوفهم من الهو (Id)واللاوعي. ومن خلال الاحتفاظ بهدفهم الأبوي، كانوا قادرين على تلافي فزع الهيجانات من اللاوعي، لأنهم كانوا قادرين على السيطرة على الجلسة فقط من خلال عدم الإجابة على الأسئلة أو على أي شيء آخر. وقد رَدَّ على ذلك المعالجين الإنسانيين بأنهم قد فزعوا هم أيضاً، وان فزعهم قد كان بسبب العلاقة الطويلة مع شخصٍ واحد. وبغية تلافي ذلك، فأنهم كانوا يؤيدون العمل في الجماعات، والعلاج النفسي المقتضب، وكثرة التنقل(أو التغيير)، وإلصاق قدر كبير من المسؤولية بالعميل. وربما كان ذلك صحيحاً عند بعض الأفراد وفي نقطة زمنية معينة في الماضي، لكن ممارسي المدخل الإنساني في الوقت الحاضر بالتأكيد قادرين وراغبين بالقيام بالعلاج النفسي الطويل، والمصمم للمساعدة في تغيير العميل بطريقةٍ منفتحةٍ تماماً. وهذا يعني بأن قضايا التحويل تنشأ باستمرار، فما الذي سنفعله معها ؟
التفسير(interpretation): إن الجواب الفرويدي هو انه يتعين علينا تفسيره. في حين كان (روجرز) ضد التفسير، وكان (بيرلز) ضد التفسير، وكان (جانوف) ضد التفسير. وكان (مورينو) ضد التفسير أيضاً، وكان كل الممارسين في المدخل الإنساني ضد التفسير. ولكن في الحقيقة هي إن المعالجين بالمدخل الإنساني يقومون بالكثير من التفسير مثلما يقوم بذلك المعالجين بالتحليل النفسي، وربما أكثر منهم، غير أنهم لديهم طرق معينة للتنكر من أنفسهم بأنهم يقومون بذلك.
وهنالك خطوتين في صياغة التفسير. الخطوة الأولى هي ملاحظة إن شيء ما يجري، والقرار بان هنا مجال يستحق التحقيق فيه. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يشير الفتى الشاب إلى صديقته بلهجة الاعتماد، الأمر الذي يمكن أن يجعل من المعالج أن يعتقد ويتساءل فيما لو كان هذا الفتى يرى أمه في صديقته، وانه يحاول أن يحصل منها ما لم يستطع الحصول عليه من أمه. وهذه هي احتماليةٌ جديرةً بالاستكشاف، لأنها إذا ما كانت صحيحة، فان هذا سوف يعود بنا إلى مادة مبكرة جداً في مرحلة الفحص الشفوي الفرويدية. إذن، تلك هي المرحلة الأساسية الأولى في التفسير، وهي اختيار شيئاً ما يستحق الاهتمام.
والخطوة الثانية هي جعل الزبون يولي اهتماما به أيضاً. فما لم يكون كلاهما(المُعالج والعميل) يوليان الاهتمام ذاته لنفس الشيء، لن يكون هنالك أي تفسير فاعل على الإطلاق. لذا على المُعالج أن يأخذ آخر شيء أخذه العميل، والذي كان يعتبره ملائماً، ومن ثم عرضه على العميل كي يراه بطريقة معينة.فلو كان المعالج من أنصار (كارل روجرز)، فانه سوف يقول:
" أنت لطيف بالتماسها لأن تُلي نوعاً من الاهتمام لك ".
ولو كان من أنصار مدخل الجشتالتي فانه يمكن أن يقول:
" على هذه الوسادة تجلس والدتك، حاول أن تقول ذات الشيء لها".
ولو كان مرشداً مشاركاً يمكنه أن يقول:
" حاول أن تقول ذلك مرةً أخرى بضع مرات وانتظر إلى ما يحصل".
وإذا ما كان مُعالجاً أساسياً، ربما بانه سوف يقوم بإقناع العميل على أن يستلقي، وان يرفع ذراعيه، وان يكرر الطلب بضع مرات، ويقول له:
" أني أريدُ المزيد منك".
ولو كان محللاً نفسياً يمكنه أن يقول:
"إن الأمر كما لو كنت حقاً تتحدث إلى والدتك".
والآن يمكننا أن نفهم كيف إن أياً من هذه الردود لا تعتبر تفسيرات. إذ أنها جميعها تضع تخمين المُعالج في ذهن العميل بطريقةٍ أو بأخرى، على نحو مُباشر بشكلٍ أو بآخر. وبالتأكيد توجد هنالك كل أنواع الحركات التي ربما يريد المُعالج القيام بها بين الخطوة الأولى والخطوة الثانية. وان يجعل الزبون يركز أكثر على المجال العام قبل القرار بشكلٍ مضبوط حول كيفية خصوصية القيام بذلك. غير إن هذا يصح على المحلل النفسي مثلما هي الحال على ممارس المدخل الإنساني.
لذا فعندما اشرنا سابقا بان طريقة التعامل مع التحويل هي تفسيره، فإنها تلك الدرجة من المجال الواسع. حيث إن الخطوة الأولى هي مُلاحظة حدوث التحول الايجابي أو السلبي، والخطوة الثانية هي جلب اهتمام أو انتباه العميل له بطريقة مُعينة. إن احد الأشياء التي غالباً ما يقوم بها المُعالج، على سبيل المثال، هو إقناع العميل بالجلوس على الوسادة أو الكرسي الذي كان جالساً عليه قبل قليل، ومن ثم التعليق على ما كان يجري من ذلك الوضع، كما يفعل المُعالج. وان هذا له أثرٌ في استخراج أي أوهامٍ يمكن أن يمتلكها العميل حول ردة فعل المُعالج. وفي الإرشاد المشترك، فأن إحدى التوصيات المعيارية هي طرح سؤال على الشخص الآخر في أوقات معينة مثل القول له:
" هل أني أذكرك بأني شخصٍ معين ؟ ".
لكن بطبيعة الحال إن أفضل مكان للعمل على معالجة المشكلات ضمن التحويل هو العلاج ضمن مجموعة(group)(العلاج الجماعي). وكما أشار(ثوماس زاس) قبل زمن بعيد فانه من الصعب جداً معالجة شيء ما مثل هذا في حالةٍ فردية. فإذا ما قال العميل:
" انك بارد وانك تكرهني حقاً " .
فان المُعالج يمكن أن يفسر ذلك بأنه شيء ما حول والد العميل أو والدته، لكن ربما هنالك ثمة حقيقةً فيه، وان ذلك لن تتم معالجته مطلقاً. لكن في المجموعة(العلاج الجماعي) توجد وجهات نظر أخرى يمكن حملها، بحيث تكون عادلة إزاء الواقع فضلاً عن عدالتها إزاء الوهم. وهذا القول لا يعني إن المجموعة معصومةً عن الخطأ مُطلقاً. فان هنالك بعض الديناميكيات الساخرة جداً والتي تجري أثناء العمل مع المجاميع. فقد أشار احد المعالجين بطريقة المجموعات إلى صعوبة معالجة مثل هذا الموقف، ويضيف أشياء بريئة إلى قوله أقوال مثل:
" يقول(س) بأني أضايقه بطريقة عدائية. فهل إن الأفراد الآخرين يرون بأن الأمر كذلك ؟ ، وتبقى المجموعة صامتة، أو إنها تعطي إجابات غامضة، بسبب الاعتماد اللاواعي على المعالج، والمسكين(س) كان يتلوى طوال الوقت ! " .
ولكن توجد هنالك على الأقل فرصة واحدة، فإذا ما تمت معالجة الشيء بشكل نزيه، وهي إمكانية استخراج حقائق ومنظورات مختلفة.
كما إن هناك من يقول بانه عندما يحاول العمل مع مجموعة معينة، ويقوم شخص ما بتعكير ما يقوم به أو ما يقوله، فانه يقوم بطلب المساعدة من الآخرين العاملين معه، أو من عضو من أعضاء المجموعة اللذين يثق بهم، أن يضطلع بالمسؤولية ويقوم بتسهيل عملية التفاعل، ومن ثم يدخل في ذلك التفاعل جاهزاً لاكتشاف شيئاً ما حول نفسه وحول الشخص الآخر. ومن الممكن أن يقول المُعالج الفرويدي بان انسحاب المعالج، ومن ثم القيام بالتفاعل مثل عضو آخر من أعضاء المجموعة سيكون أمراً ليس حكيماً وذلك لأنه سوف يهدد أعضاء المجموعة، ويهز التركيب الآمن للمجموعة. ويكون المُعالج هو المسئول عن عمل وحدود المجموعة، وان تخفيض الخطوات بهذه الطريقة هو التنازل عن تلك المسؤولية، أو على الأقل محاولة القيام بذلك.
المقاومةResistance
هي ردة فعل أو استجابة العميل على ما يقوم به المُعالج في الجلسة العلاجية. غير إن المعالجين النفسيين بالمدخل الإنساني يجدون الكثير من المقاومة أيضاً. وهي تنشأ بالضبط بذات الطريقة التي ينشأ فيها لأنصار المدخل الفرويدي. حيث يأتي الناس إلى مجموعة معينة من العلاج الجماعي، أو جلسة فردية معينة من جلسات العلاج الفردي للعمل على حل مشكلاتهم، ولكن الذي يحدث هو تحاشيها وصرف النظر عنها، وعدم معرفة كيفية العمل عليها، أو الاهتمام بمشكلات أفراد آخرين، وقضاء الوقت بتدخين السكائر بشكلٍ كبير، وشرب أقداح الشاي، والذهاب المتكرر إلى دورة المياه وما إلى ذلك.وبعد فترة يمكن أن يبدأ العمل، ولكن العميل يجد بان المُعالج لا يقوم به على وجهه الصحيح..... لكن المعالجين النفسيين بالمدخل الإنساني لا يتكلمون كثيراً عن المقاومة على الإطلاق. فـ(روجرز) يشير لها فقط كمرحلةٍ مؤقتة في حياة المجموع. و(بيرلز) يقلل من شأنها ويعتبرها مجرد انفصال آخر في الشخصية. ويقول(كورسيني) إنها تنشأ بشكلٍ حقيقي فقط في العلاج الطويل المدى، لذا فهو يؤيد العلاج القصير المدى. وأما أفراد((NLP فيقولون) لا توجد هنالك مُقاومة، فهنالك فقط معالجين غير كفوئين).
لكن هنالك شخصٌ واحد ينصف الشيء كله(أي يعطيه حق تقديره)، ويبين لنا أين يمكن أن يكون الجواب، وذلك هو(رايخ). والذي خصص حلقة نقاشية لتوضيحها أجراها بناءاً على طلب من (فرويد) وان الطريقة التي جاء بها لينظر من خلالها إلى المقاومة كانت هي إن شخصية الإنسان تعتبر مثل البصل(onion) بجذوره. وان أعمق جذر داخلي وهو المركز. وهو ما اسماه بالذات الحقيقية(real self)، وهي موافقة وأساسية وسليمة. لكن ما يحيط به من كل جانب هو جذر آخر ، وهو بالضبط ما نسميه باسم الهو(Id)، وهو جذر ذو دوافعٍ محرفة أو مشوهة وأوهام خطيرة.
ولكن ما هي استجابة المُعالج(Therapist response) على تلك المقاومة أن ظهرت ؟
أن أفضل شيء للمُعالج هو أن يقوم بتفسير المقاومة. وان إحدى أفضل الطرق التي يمكن له من خلالها القيام بذلك هي تشخيص المقاومة والحديث إليها وتركها تجيب على ذلك الحديث.
والخطوة الأولى في ذلك هي الانتظار حتى يأتي الشخص بصورةٍ معينة ويظهر المقاومة ثم نقوم بوصفها: " إنها مثل ُالجدار "، " إنها مثلُ الحمام الصيني الذي لا منفذ فيه " ، " إنها مثلُ الضباب " ، " إنها مثلُ الهيكل العظمي الميت "، وما إلى ذلك من أوصاف.
الخطوة الثانية: هي وضع تلك المقاومة على الوسادة، ويمكن القيام بذلك بشكلٍ مُباشر تماماً، لكن على المعالج أن يقنع العميل برسم صورة عنها، ومن ثم وضع الصورة على الوسادة. وهذا يعمل كتركيز سحري قوي جدا ًللاهتمام، والذي يبدو انه سوف يجلب الشيء أو الأفكار عنه حياً وبشكل أكثر نشاطاً.
الخطوة الثالثة هي الحديث إليها. وان ما يقوله المعالج للعميل هو:
" انتظر حتى يمكنك أن تراها حقاً هناك على الوسادة، ويكون لديك أحساسٌ حقيقي بوجودها. وعندما تكون هناك حقاً، ابدأ بقولِ أية كلمات يمكن أن تصدر عنك ، من دون التفكير بها أو رقابتها، بحيث تنصب مباشرةً عليها. ودعنا نفترض بأنها بمعجزةٍ معينة يمكن أن تسمعك، وترِدُ عليك عند الضرورة ".
فإذا ما كان العميل لا يتقبل هذا، ويعلن بان الضباب لا يمكن له أن يجب ، فان على المُعالج أن يقول له ببساطةٍ:
" إذا ما أردنا تبسيط ذلك، تخيلها فقط بأنها شخصيةً معينة في مسرحية معينة اسمها الضباب. إذ تظهر هذه الشخصية وتمثل الضباب، وتتكلم كما لو كانت ضبابك ".
هذا إذن يمكن أن يذلل الاعتراض المنطقي الذي يبديه العميل، والذي هو طبعاً جانب آخر من جوانب المقاومة ذاتها. وحالما يبدأ العميل الحديث على المُعالج أن يدعه يستمر لبعض الوقت.
الخطوة الرابعة: هي إقناع العميل على تغيير وضعه والجلوس على الوسادة الأخرى( مع وضع الرسم تحت الوسادة حتى لا يتمزق أو يتجعد كثيراً). وهنا يقول المُعالج له:
" خذ لحظة لينتابك شعوراً بكينونة تلك الشخصية. واجلس بالطريقة التي تجلس فيها تلك الشخصية، وتنفس بالطريقة التي تتنفس بها تلك الشخصية. وفكر بالطريقة التي تفكر بها تلك الشخصية، واشعر بالطريقة التي تشعر بها تلك الشخصية، وما إلى ذلك، وعندما تكون جاهزاً، انظر فيما إذا كان هنالك أي شيء تريد الإجابة به. (اسم الشخص) الذي يجلس هناك على تلك الوسادة الأخرى. فقد كان يتحدثُ إليك ويقول لك أشياء مختلفة، (كرر بعضها). وانظر لها تجلس على الوسادة. ولاحظ كيفية هندامها، وماهية تعبيرها، وكيفية جلوسها، وكل ذلك. ومن ثم أنظر فيما إذا كانت هنالك أية استجابة تريد طرحها ".
ومن المهم أن تضع ذلك بهذه الطريقة الجائزة أو الاختيارية، وذلك لان المقاومة أحياناً لا تتكلم، ولكن من المهم بان لا تُهمل ذلك.
وعندما تكون المقاومة قد ردت بالكلام، يستمر الحوار. ولكن هناك سؤال يمكن أن يطرحه الآخرون وهو: كيف يعرف المُعالج متى يستطيع إقناع العميل أن ينتقل من وسادة إلى وسادة أخرى ؟ والجواب الأساسي على ذلك هو انه لابد أن يسمح للعميل بان يفرغ من الوسادة الأولى قبل الانتقال إلى الوسادة الأخرى، وبخلاف ذلك، من الممكن فقدان مادة عفوية مهمة يمكن أن تنشأ. فذلك هو أسلوب المحاورة، وهو كما هي الحال في جميع المحاورات، فان اتصال العين يستخدم كرموز معينة لتوضيح المعنى، لذا فعندما يتوقف العميل قليلاً وينظر للمُعالج، فان عليه أن يعرف بانه قد آن الأوان للتغيير أو الانتقال.
وأحياناً عندما يكون التفاعل(interaction) قد انتقل إلى مرحلته الوسطى، فان على المُعالج أن يسرع قليلاً، وذلك من خلال الانتظار حتى يتم نطق عبارة مهمة من قبل جانب معين أو من قبل الجانب الآخر، وهو شيء إذا ما تم الرد عليه فانه سوف يحرك التفاعل إلى أمام، من دون انتظار العميل لإعطاء الإشارة. غير إن هذا يجب أخذه بنظر الاعتبار بشكل دقيق، وذلك لأنه يضع المُعالج في وضع من الرقابة والضغط، ولابد من تركه بالسرعة الممكنة. كما يجب على العميل أن يشعر كما لو انه أو الآخر يقومون به، وليس المُعالج.
وهنالك الكثير من الطرق للتعامل مع المقاومة. فأحياناً يكفي فقط الكلام حولها بشكلٍ مباشر، فالأشياء مثل: الوصول متأخراً، ونسيان الموعد، وترك دفتر الصكوك دون علم، يمكن مواجهتها كلها والتعليق عليها بشكلٍ مباشر. فعلى سبيل المثال عندما يكون العميل متأخراً ربع ساعة أو أكثر، فان أفضل سؤال يمكن توجيهه إليه هو: متى كانت اللحظة الأولى عندما علمت بأنك سوف تتأخر ؟. ورغم ذلك، فإذا ما كان الأمر هو امتحان يحدث فقط مرة واحدة في السنة، وان مستقبل الشخص كله يتوقف على ذلك الامتحان، فان ذلك الشخص لن يتأخر مهما كلف الأمر. إذن فان تأخره هو إلى حدٍ كبير مسألة خيارات وأسبقيات، ومن هناك تأتي المقاومة.
إن كيفية تعامل الشخص مع المقاومة تفيد بالكثير حول شخصيته كمُعالج وكذلك حول أهدافه. فكلما كانت أهداف الشخص محدودة، كلما قلت المقاومة. وكلما كانت أهداف الشخص بعيدةً أكثر، كلما زادت احتمالية لعب المقاومة دوراً رئيسياً. بيد إن المُعالج يمكن بالتأكيد أن يُبالغ وان يُفرط بالتأكيد على المقاومة. وان (رايخ) نفسه كان مثالا كلاسيكيا عن ذلك. فقد كان مُعالجاً جيداً، لكنه ربما أثار الكثير من المقاومة أكثر مما كان ضرورياً في الواقع.
إن هذا المدخل ليس معارضة المقاومة، بل هو أن يدعها تتكلم، ويدعها أن تعيش يومها. وأنها عادة ما تعتقد بأنها تقوم بعمل كبير في حماية الشخص من التهديد بعدم البقاء. لكن في الواقع إن التهديد سيبقى، وبخلاف ذلك، فان العميل لن يكون هنا اليوم. لذا لابد إن هنالك نوعاً من القصور في ذلك المنطق.
وعادة ما يكون هنالك مستويين: على المستوى الأول، يكون هناك التهديد الخارجي الذي لابد من الدفاع ضده. وعلى المستوى الآخر يكون هناك الرد الهدام، حيث يذهب العميل للدخول في الهجوم بدلاً من الدفاع. ويقول معظم المُعالجون، بان الأول يأتي أولاً والثاني يأتي ثانياً. ويقول(ميلاني كلين) بان الثاني يأتي أولاً. لكن بكلتا الحالتين سوف ترتبط مشاعر الذنب بالجزء الثاني، لان الشخص الذي يهاجمه العميل الطفل عادة ما يكون هو الأم، وبذلك وبشكل طبيعي يشعر مذنباً بمجرد محاولة إيذاء والدته. لذا فان الألم ينشأ من التهديد المفرط (الذي لا يحتمل) والذنب المفرط، في بعضٍ من الجوانب المؤلمة. فلا عجب أن تزداد المقاومة، حالما تقترب من هذا العرض أكثر. وكل ما تستطيع أن تفعله كمُعالج، هو العمل من خلال هذه المادة.



#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنُ الغائبُ الحاضر دوماً
- العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (3)
- العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (2)
- المدخل الإنساني في العلاج والإرشاد النفسي(1)
- الموسيقى والإرشاد والعلاج النفسي
- مدخل باب الوهم نظرية في العلاج والإرشاد النفسي
- الإنسان والعراق والديمقراطية
- إرشاد ولكن!!!!!
- إيران والمنطقة والضربة الموعودة...,وجهة نظر
- إهداءُ من القلب
- فكر معي رجاءً
- التخيل والإرشاد والعلاج النفسي
- متعةٌ ولكن!!!!!
- البحث العلمي وأنواعه
- العراق والفكر ألاستئصالي
- طرق ومصادر المعرفة
- العلم والتفكير العلمي
- المعرفة الانسانية وأنواعها
- وجهات نظر: أفيون ولكن !!!!!
- وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - العلاج والإرشاد النفسي: المدخل الإنساني (4)