أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - البلطة والسنبلة إطلالة على تحولات المصريين















المزيد.....

البلطة والسنبلة إطلالة على تحولات المصريين


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 2368 - 2008 / 8 / 9 - 10:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


هذا كتاب يحتفي بطرح الأسئلة، ويتخذ من النقد والنقد الذاتي منهجا للبحث في الجذور بهدف معرفة من نكون نحن المصريين؟، وكيف صرنا إلى ما نحن فيه الآن؟!، وماذا نريد؟، وهل ترانا قادرين على تحقيق ما أردناه؟، وما هي العقبات الداخلية والخارجية التي تواجهنا وتحول دون مرادنا؟ .
في البداية يستبعد مهدي بندق التوجه الأيديولوجي، الذي ينسب شعبا بأسره إلى بيت كبير( برعو=الفرعون) أو إلى عرق (العروبة) أو إلى عائلة( الطولونيين، الفاطميين، الأيوبيين) أو إلى فئة( المماليك) أو حتى إلى دين( المسيحية، الإسلام) فهذا ما ألقى بالمصريين في دوامات الحيرة والاضطراب عبر تاريخهم، إضافة إلى أنه خلل فكري يغطرش على محاولة الإجابة العلمية عن الأسئلة المطروحة سابقا .
وهو ينطلق من اعتبار الحضارة الإنسانية سياقا متصلا وكلا واحدا، مثل شجرة لها فروع متعددة، يبلغ فيها الفرع الحضاري مرحلة الذبول ساعة أن يتوقف أصحابه عن إنتاج المعرفة، عندئذ يسقط الفرع متيبسا . ذلك ما حدث للفرع الحضاري الفرعوني، فمنذ القرن السابع عشر قبل الميلاد توقف المصريون عن الإبداع وأخذوا يعيشون على ثمرات الماضي، ذلك بسبب اندفاع الدولة المصرية إلى الفتوحات الكبرى، أما الفرع الحضاري الروماني فقد اضمحل، وسقطت أوراقه جراء بلوغ روما ذروة الازدهار، وماذا بعد القمة غير الترف والاستمتاع الكسول؟، الذين يؤديان إلى البدانة فالجمود ثم الموت؟ وهو المعنى الذي شخصه ابن خلدون في قانون تطور العمران .
والأمر ذاته فيما يتعلق بفرع الحضارة الإسلامية الذي بلغ مكانة سامقة في العصور الوسطي، ولكنه توقف في القرن الحادي عشر الميلادي، حينما أعلن العرب المسلمون اكتفائهم بما حققوه( مبتدأ بضرورة الحفاظ على النص، ومنتهيا بتفسيره وتأويله) . وبنفس القانون الخلدونى نلاحظ كيف اخضر فرع الغرب الحضاري، ولكنه أخذ يضمر ويتيبس اعتبارا من القرن العشرين، حينما أعلنت الحداثة الأوربية عن مفارقتها لمبادئها : العقلانية، والمناداة بجدارة الفرد وحقوقه الإنسانية، والثقة في أن التقدم مستمر إلى ما لا نهاية .
ويركز بندق غاية بحثه في إمكانية مساهمة المصريون في تأسيس حضارة المستقبل التي أساسها تعميم العلم والتكنولوجيا (وليس عولمة السوق الذي هو الاسم الحركي للرأسمالية المتوحشة) أعمدة هذه الحضارة تكامل مراكزها الإنتاجية، وسقفها يتسع لتنوع ثقافات الإنسان، والاعتراف بالآخر من خلال الاحترام المتكافئ، بما يؤدي طواعية إلى وحدة مصير الجنس البشري .
هذا ما جعله يتساءل : هل يمكن للمصريين - باعتبارهم الشعب الذي أنجز أول شكل حضاري في التاريخ – أن يسهموا في سقاية شجرة الحضارة العالمية الإنسانية القادمة؟ الأرجح أنهم قادرون، بحكم الخبرة التاريخية، وبفضل الميمات الثقافية الإيجابية المتوارثة، شريطة حزف الأخرى السلبية، وآية ذلك ما عرف عن الإنسان المصري من تدين دون تطرف ، ومن وداعة تنبذ العنف، ومن صبر على المكاره، ونفور من الترحال والتغرب، وهو ما يرمز إليه برمز "السنبلة" .
إلا أن متغيرات كثيرة رنت على هذه الشخصية منذ منتصف القرن العشرين، حيث تحولت أحلام التحرر الوطني إلى كوابيس المعتقلات والتعذيب، فكانت الهزيمة العسكرية 1967 التي تلاها الانكسار النفسي للشعب، وتفريط السادات في النتائج الإيجابية لحرب أكتوبر 1973، وإطلاقه سراح المتطرفين الدينيين ليس برغبة تحريرهم من المعتقلات، بل لكي يصفوا له قوى المعارضة اليسارية، وكذلك إفساحه طريق الانفتاح للطفيليين ليدشنوا عصر النهب ماديا ومعنويا، في ظل هذا المناخ المضطرب استبدلت الشخصية المصرية الشراسة بالوداعة ، والتطرف بالاعتدال ، والطقوس الشكلية بروح التدين السمح، فحل الفساد محل الاستقامة، وتضاعفت جرائم القتل والاغتصاب، وظهرت المذابح الجماعية، وتوظيف "البلطجة" وهكذا يمكن القول بأن رمزا جديدا قد ركب في يد الشخصية المصرية، ذلك هو رمز "البلطة"
واتساقا مع منهجه النقدي باعتبار النقد أول خطوة على طريق التغيير، تجاوزا لسلبيات ترسخت، وفتحا للحدود أمام التقدم، لإنهاء الحصار المضروب على العقل باسم الثوابت، فإنه يعمل آلية النقد في جهد النخب الثقافية، فلا أمل في التخلص من الجمود الفكري لدى النخب الثقافية بدون التصدي لمهمة تنوير الشعب توطئة لدخوله معترك السياسة، وهو لا يستثني نفسه من النقد الذاتي، إذ يتوجه مهدي بندق بنقده الذاتي إلى أفكار سبق وأن تبناها في صدر الشباب . ففي إطار رفضه لمقولة "الفرعونية" انتقد اتجاه بعض المفكرين من أمثال لويس عوض، وحسين فوزي وسلامة موسي الذين كانوا يدافعون عن التوجه الفرعوني، ليجد نفسه متعلقا بالبديل العروبي تأثرا بالأيديولوجية السائدة في الستينات، ولكنه أدرك بأن مضاد الخطأ ليس صوابا، فالعروبة ليست نقيضا للفرعونية، إنما قد تكون الاثنتان قد غطرشتا على الصفة الأصلية ألا وهي مصرية المصريين، بالرجوع إلى ما هو أبعد من العروبة والفرعونية معا، فلا يجب أن تنسب مصر بأسماء الطغاة أو الغزاة، فمصر لم تكن أبدا إلا مصرية، لا فرعونية، ولا فارسية، ولا بطلمية إغريقية، ولا رومانية، ولا عربية .
وهو يتبنى مفهوم "النمط الآسيوي للإنتاج "Asiatic mode of production كأداة تحليل للتاريخ المصري القديم، وليس كنظرية عامة للتاريخ كله، فلقد وضعت الدولة (= الفرعون) يدها على وسيلة الإنتاج الرئيسية ( الأرض الزراعية) دون أن تجعل الفلاحين أقنانا Helots ، بل تركتهم أحرارا بالمعني القانوني، نعم يحصلون على جزء من المحصول ليعيشوا عليه، أما فائض إنتاجهم فالخزانة العامة .
وكذا الحرفيين وصناع المدن، كان الأمراء، ورجال الحاشية، والكهنة، يكلفونهم بأعمال خاصة نضير أجور زهيدة، أو بطريق السخرة، وكانت التجارة الخارجية نشاطا بيد الدولة، كل ذلك أسهم في تعطيل مولد طبقة وسطي، وبالطبع فإن ظهور الإقطاع بجموده الطبيعي وبخضوعه للسلطة المركزية إلى حالة من الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي انعكس على ثبات البناء الفوقي المتمثل فيه غياب التنظير السياسي، ومن بعده الفكر الفلسفي، ومن قبلهما الأدب والفنون الدرامية، حيث اقتصر النشاط الفني على الفنون السكونية كالعمارة والتصوير .
ليتحدث غيرنا كيف يشاء عن عظمة "الحضارة الفرعونية" بيد أننا وقد أخذنا مهمة الحديث باسم العامة لا نملك ترف التغني ببناء أهرمات لملوكنا لكي "يمثلونا" في عالم الخلود، ولا نستطيع أن نبادل حريتنا بالتأمل المنبهر بما نحته أسلافنا من تماثيل، وما أقاموه من معابد وقصور لحكامهم وكهنتهم، فالشعب المصري لم ينل من ثمار هذه الحضارة إلا البؤس والفقر والهوان .
يخلص مهدي بندق إلى أن النمط الآسيوي للإنتاج بمحدداته نمط استبداد وجمود، وأن الإنسان المصري بدأ بناء حضارته خلال العصر الحجري الحديث قبل تكوين الأسرات وقبل نشوء الدولة الطبقية، ولكن جراء ازدياد قوة الدولة فقد الإنسان المصري الكثير من حريته وقدرته على الإبداع، فنظام إنتاج يقوم أساسا على حوض النهر الواحد يؤدي إلى ضرورة أن يلجأ صاحب السلطة إلى "تأميم" الأرض الزراعية بما لا يسمح لنمو النوازع الفردية، فكل فرد ينظر لنفسه بحسبانه جزءا من كل . لا كيانا مستقلا . فضلا على أن الجمود الذي يتسم به النمط الآسيوي يكون بمثابة عقبة كأداء أمام احتمال ميلاد الرأسمالية، فالرأسمالية نظام يقوم على الحرية الاقتصادية "الليبرالية" ويستتبع حتما قدرا كبيرا من الحرية السياسية (= الديمقراطية) والبداية في كل ذلك وجود الحرية الفردية .
وهو يرى أن النمط الآسيوي للإنتاج بتجذره في النظام الفرعوني أورث المصريون بجانب الاستكانة, والرضي بحكم المقادير مجموعة من السمات السلبية منها : لجوؤهم بشكواهم إلى كبير العائلة، والتعلق الشديد بالدين وتوظيفه اجتماعيا، وفكرة المخلص التي قد تتجسد في الحاكم المستبد العادل، وتقاعس الانتلجنسيا المصرية عن العمل الفلسفي والإبداع الفكري، وعدم القدرة على طرح مشروعات إنسانية كبري، وتقاعس الكهنة عن تعليم الشعب المصري طرائق التفكير والتنظير، ونظرا لوضع المدينة الفرعونية التي لم تكن سوى قصور ملحقة بالريف فقد غاب عنها العمل السياسي، وثمة موروث أفدح – عساه الأساس المادي لهذين الجانبين السياسي والفلسفي – ذلك هو كراهيتنا للعمل . صـ 48-57
هل المصريون عرب ؟
يؤكد بندق . لم يكن المصريون عربا لا قبل ولا بعد تأسيس دولتهم الموحدة حوالي 3200 ق.م، والقول بغير ذلك يدخل في أدبيات التوهم لأغراض التلوين السياسي، ومن قبل المحاجاة الكلامية غير المستندة إلى توثيق تاريخي علمي، الزعم بأن اليهود (أبناء عم العرب) هم الذين بنوا الأهرامات، والقول بأن النبي يوسف القادم من بادية العرب هو من علم المصريين كيفية تخزين الغلال، وأن العرب جميعا جاءوا من صلب النبي إسماعيل بن إبراهيم وهاجر المصرية، وعليه يصبح العرب نصف مصريين .
ولتأصيل ذلك بعيدا عن أسطورة تناسل البشر جميعا عن رجل واحد وامرأة واحدة يرى مهدي أن عرب الجزيرة لم يظهروا على مسرح التاريخ إلا في القرن التاسع قبل الميلاد حيث يرد ذكرهم لأول مرة في أعمال أسخليوس وأحاديث هيرودوت حسب ما بين لويس عوض، لكن ذلك لا يعني أنهم كانوا غير موجودين قبل ذلك، هذا ما دعا مهدي يستنتج أن القوم الذين غزوا مصر حوالي عام 1720 ق.م ليحكموها لفترة طويلة (153عاما) كانوا عربا، ولتأكيد ذلك يعود للمؤرخ الإسرائيلي يوسيفوس (ت93م) الذي نقل عن مانيثون المؤرخ السكندري (ت250ق.م) بأن الهكسوس هم عرب بدو، وأنهم لم يكفوا قط عن محاربة المصريين بغرض أبادتهم، أو على الأقل احتلال بلادهم وإذلالهم، وقد تمكن أحمس ثالث ملوك الأسرة السابعة عشر عام 1567 ق.م من طرد هؤلاء الغزاة فتفرقوا في أنحاء الجزيرة العربية بهيئة قبائل ظلت قائمة حتى البعث الإسلامي .
ويشير المؤلف إلى الطبيعة الثقافية لهؤلاء البدو الرعاة من خلال رصد ابن خلدون لأهم ملامح هذه الثقافة، فهم يتصفون بالنشاط العارم، والأنفة من الراحة ، والوثوب إلى تحقيق الأمجاد الحربية، ويظلون كذلك إلى أن يخلدوا للترف، فتخل عزائمهم ويتفشى فيهم الضعف فينكسرون، وهم اقرب إلى التوحش والتعصب، وجهلهم بأمور السياسة يعيقهم عن العمران .
وبقبولهم للإسلام تهذبت بعض سماتهم وحل التحضر محل البدواة، وتمكنوا من التوحيد الاجتماعي وتأسيس دولتهم المركزية، ثم اندفعوا نحو الغزو والفتوحات العسكرية، صاعدين بتيارات التزمت إلى قمتها، وإضفاء صفات شبه إلهية على حكامهم، مما عكر على أية إمكانية تستهدف الإصلاح الديني أو السياسي، وراحوا يمارسون شكلا من الاستعلاء التي انبنت – اقتصاديا – منذ البدواة على النفور من العمل الإنتاجي، اكتفاء بامتصاص موارد الآخر . سواء أكان هذا الآخر شعوب بلاد مفتوحة (الخراج) أم كان طبقات اجتماعية مقهورة (الضرائب والجزية ...الخ) ولكن بقد ما كانت ثقافة الاستعلاء تلك حافزا على النجاح في عصر الفتوحات الكبرى، بقدر ما صارت حاجزا – في عصور الهزائم والانكسارات الذي مازال ممتدا حتى الآن- يحول دون امتلاك القدرة على النقد الذاتي، هذا الذي به وحده يمكن تجاوز أزمة الثقافة العربية .
إذا كان العرب قد حققوا وحدتهم القومية وتأسيس دولتهم المركزية بعد قبولهم الإسلام دينا، ولم تتمكن عديد من الدول الأوربية من تأطير فكرة القومية Nationality التي اعتمدت أساسا للدولة الحديثة إلا بعد توقيع معاهدة وستفاليا 1648 . فأن المصريين قد تمكنوا من تحقيق وحدتهم القومية قبل هذه الاتفاقية بأكثر من أربعة آلاف عام، مستخلصين عناصرها لا من الدين الواحد، ولا من الدولة الواحدة، بل من التجربة العملية التاريخية، وذلك يفسر تماسك النسيج الاجتماعي عند المصريين رغم تعدد دياناتهم عبر العصور: عبادة أوزير، فأمون رع، فأتون، ثم المسيحية فالإسلام، وكذلك قدرة الأمة المصرية على الانصهار الجنسي، فالعرب وغيرهم من الأجناس الذين استوطنوا مصر صاروا مصريين خلال عقود قليلة .
فمن أين جاء المصريون ؟ وكيف تمكنوا من تشذيب فكرة القومية ؟
للإجابة على السؤال الأول يتفق عديد من علماء الأجناس على أن السلالات التي سكنت وادي النيل قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد كانت من الأحباش والنوبيين والليبيين من ناحية، ومن المهاجرين الساميين والأرمن من ناحية أخري، وأن عملية انصهار تاريخية طويلة تمخضت عن ميلاد هذا الشعب المميز، الذي أنشأ حضارته ومدنيته ما بين الألف الرابعة والألف الثالثة قبل الميلاد .
ولكن مهدي بندق يميل إلى رأي نجيب ميخائيل الذي يحدد ظهور المصريين ببداية العصر الحجري الحديث حوالي عام 6000 ق.م، حين عرف الإنسان الاستقرار وتوصل للزراعة بعد أن استأنس الحيوان وبنى المساكن، وعرف النحاس الذي راح يصنع منه أدواته . في هذا العصر ظهرت حضارات أولى في ديرتاسا والبداري والفيوم ومرمدة بني سلامة وحلوان والمعادي، وهذا الرأي يؤيده السير فلندرز بيتري، والبروفيسور دى مورجان، وبهذا يخلص مهدي إلى أن المصريين لم يكونوا عربا منذ ولادتهم كأمة وحتى بلوغهم النضج، تلك المرحلة التي لا تأتى بعدها تغييرات جوهرية .
وللإجابة على السؤال الثاني فأن مهدي يستبعد عن المصريين الانزلاق للفاشية بحكم قوميتهم الواضحة، فتاريخهم الطويل، وطبائعهم الوديعة التي رمز لها بـ (السنبلة) هما ما أبعدا الفاشية عن التسلل إلى المكون الفلسفي والثقافي لديهم، ففي مرحلة المشترك القروي كانت ملكية الأرض تحت التصرف المعنوي لمجلس حكماء القرية، وما كانت ثمة حاجة للتصارع على ريعها بفضل حكمة هؤلاء، أما حين انتقلت الملكية إلى الدولة، فقد انقسم المجتمع المصري إلى طبقتين : الحكام والمحكومين، ساد بينهم نوع من التوافق المجتمعي( إذعانا أو بالرضا الظاهري) كان حريا بألا يقسم الناس إلى سادة وعبيد، وظل هذا الحال حتى العصر الحديث، حيث بقى الناس ينظرون إلى الدولة باعتبارها الأم الرءوم، وإلى الحاكم بأنه الأب المحبوب والمرهوب في أن، دون حاجة إلى فلسفة تستهدف الوصول إلى مركب الزمان/المكان يتجلى فيه العقل الجمعي من خلال زعيم أوحد أو حزب ذي تشكيل إرهابي .
وقد أسهمت المسيحية الأرثوذكسية في إقرار فصل الدين عن الدولة ( دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) وانتفاء صفة الكهنوت عن النظام الإسلامي أسهم بدوره في إبعاد النشاط الاجتماعي عن السيطرة المطلقة للنخب الإسلامية الحاكمة، وهكذا فإن تعريف "نيتشه" للشعب بأنه" جماعة معنوية يشترك أعضاؤها في مفاهيم الخير والشر" ينطبق على المصريين تمام الانطباق، في تأكيد واضح لهويتهم، حتى وإن اتصلوا ثقافيا بغيرهم من الشعوب، وفي مقدمة هؤلاء الشعوب : العرب .
تبقى قضية تعريب مصر والتي يري مهدي أنه لم يكن الإسلام كدين هو منشئ التصور لعروبة مصر، ولكن المنشئ الحقيقي لهذا التصور إنما كان اللغة من ناحية، والأيديولوجيا من ناحية أخرى، فأما اللغة فقد ظهرت –كإشكالية- بالعبارة القائلة بأن المصريين يتكلمون الآن العربية، وهي مفارقة توهم بالصحة بينما هي متناقضة، ذلك لأن المصريين – حتى المثقفين منهم – لا يتكلمون في حياتهم اليومية بالعربية الفصحى، بل بالعامية المصرية، والدليل على ذلك أن الأطفال الذين فاتهم التعليم في المدارس لا يكادون يفقهون شيا من الفصحى، أولا : لأنها ليست لغة الأم Mother Tongue وثانيا : لأن مواضيع الفصحى هي الفكر والأدب الرسميين، والعامة بطبعها لا تنشغل بالفكر، ولا تستوعب إلا الأدب الشعبي المنطوق بالعامية، هذا إضافة إلى أن البناء النحوي مختلف . فالمصريون يقولون – في صيغة النفي مثلا – ( ما روحتش، ما أكلتش ..الخ) فعلامة النفي هي حرف "الشين" الذي يأتي في آخر الفعل، بينما العربية تأتي علامة النفي في بدايته ( لم أذهب، لم أكل ..الخ)وعليه فلا يمكن اعتبار العامية المصرية مجرد لهجة منحطة متفرعة من العربية الفصحى، بل هي لغة مستقلة لها اجروميتها وتركيبها المغاير للعربية .
أما بالنسبة للأيدولوجيا السياسية، تلك التي أرسى نصارى الشام أسسها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بغرض التخلص من الحكم العثماني القائم على رابطة الدين، مستبدلين بذلك الرابطة القومية التي تجمع العرب المسلمين والمسيحيين لمواجهة المصير المشترك، بدعم من دول الغرب( انجلترا وفرنسا) لمصلحتهما في الإجهاز على رجل أوروبا المريض، كما كان لضياع فلسطين أثره في ازدياد حاجة العرب إلى أيديولوجية قومية، تواجه بها الصهيونية المنتصرة عسكري والداعية إلى قومية توسعية تهدف إلى جلب يهود العالم إلى المنطقة، فكان أن نهض القوميون العرب : ناصريون وبعثيون إلى هذه المجابهة، والحق أن أيديولوجية القومية العربية استطاعت أن تروج لنفسها بين الجماهير، لكنها شأن كل فكرة فوقية لم تسمح لهذه لجماهير أن تدخل معها في حوار حر، من خلال تنظيمات شعبية مستقلة، فكان إفصاح هذه الإيديولوجية عن وجه التعصب ضد كل فكر مغاير، والتنكيل بكل معرضة .






#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة والتنمية
- شواهد العجز عن الإصلاح في العالم العربي
- العجز العربي عن مسيرة الإصلاح مرصد الإصلاح نموذجا
- الليبرالية الجديدة : هل يمكن المصالحة بين الوضعية المنطقية و ...
- مشروع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي
- العقد الاجتماعي الجديد
- البنات البنات ... أفضل الكائنات
- 3 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- 2 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- 1 - المؤتمر الخامس للإصلاح العربي
- الجزء الأخير من العقل السياسي العربي
- العقل السياسي العربي2
- العقل السياسي العربي 1
- بنية العقل العربي
- فانتازيا الواقع المرير
- اشكالية الديمقراطية في الواقع المصري 1
- نقد العقل العربي
- تعليق على مقالة اللغة والثقافة الشعبية المظلومة لمهدى بندق
- تمكين الفقراء من التنمية الاقتصادية
- كان ياما كان


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فتحى سيد فرج - البلطة والسنبلة إطلالة على تحولات المصريين