أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إلهامى الميرغنى - رؤية لما حدث في 6 أبريل















المزيد.....



رؤية لما حدث في 6 أبريل


إلهامى الميرغنى

الحوار المتمدن-العدد: 2367 - 2008 / 8 / 8 - 11:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تتعسني فكرة إني حاموت
قبل ما أشوف ـ لو حتي دقيقة ـ
رجوع الدم لكل حقيقة ..
وموت الموت.!!
قبل ما تِصْحي ..
كل الكتب اللي قريت
والمدن اللي فْ أحلامي رأيت
والأحلام اللي بنيت
والشهدا اللي هويت
والجيل اللي هداني
والجيل اللي هديت.!!
قبل ما أملس ع الآتي
وأدفن كل بشاعة الماضي
في بيت .!!
حاقولها بالمكشوف :
خايف أموت من غير ما أشوف
تَغًيُر الظروف
تَغًيُر الوشوش..
و تَغًيُر الصنوف .!!
والمحدوفين ورا
متبسمٌين في أول الصفوف .
خايف أموت وتموت معايا الفِكرة
لا ينتصر كل اللي حبٌيته..
ولا يتهزم كل اللي كنت اكْرَهْ..
أتخيلوا الحسرة.!!
عبد الرحمن الأبنودي

إن الاشتراكية مذ غدت علماً ،تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تطلب أن تدرس. والوعي الذي يكتسب بهذا الشكل يزداد وضوحاً، ينبغي أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبداً.
لينين
مقدمات ما قبل 6 إبريل
لم يتوقع الكثير من المراقبين أن الدعوة التي ظهرت علي احد مواقع الانترنت للإضراب العام أن تكون علامة فارقة في التطور السياسي المصري . لقد عانت الأحزاب الشرعية من الترهل والركود وتقلصت عضويتها وعجزت عن تمرير ممثلين لها في المجالس النيابية والمحلية واكتفت بتمثيل رمزي في مواقع محدودة والقبول بالتعيين في كثير من المواقع.

كما أن الحركة المصرية من أجل التغيير ( كفاية ) دخلت في أزمة هيكلية عقب انتهاء معركة الانتخابات وتعديل الدستور وفقدت الكثير من زخمها وان كان يحمد لها كسر رهبة الشارع واعتماد التظاهر كوسيلة ديمقراطية للتعبير.

وقد شهدت الأعوام الأخيرة نهوض فلاحي لم نعهده منذ معركة قانون الإيجارات الزراعية في التسعينات وأصبحت هناك بؤر لمقاومة إعادة الأرض للإقطاعيين في سراندوا وكمشيش وميت شهالة وبهوت ودكرنس وغيرها من قري مصر التي وقف الفلاحين بها للدفاع عن الأرض وسقط الشهداء مثل الشهيدة نفيسة المراكبي التي دشنت مرحلة جديدة من النضال الفلاحي الذي تولدت عنه لجنة الدفاع عن فلاحي الإصلاح الزراعي . كما شهدت عدة قري ومدن مصرية مظاهرات واحتجاجات فلاحيه ضد عدم وجود الأسمدة والمبيدات وضد نقص المياه للشرب والزراعة وعرفت مصر في الصيف الماضي ما عرف بمظاهرات العطش والتي امتدت للصيف الحالي وهي مستمرة في المستقبل نتيجة استمرار نقص الموارد المائية وغياب العدالة في التوزيع.

منذ نهاية عام 2006 شهدت مصر صحوة عمالية لم تشهدها منذ سنوات عديدة ورغم أن عام 2006 شهد انتخاب دورة نقابية جديدة ، إلا أن معظم التحركات جاءت من خارج الأطر النقابية بل وكانت تهتف بسقوط النقابات العمالية الرسمية. وشهد عامي 2007 و2008 حتى الآن مئات من الاحتجاجات العمالية التي امتدت من أدفوا وعمال النقل النهري إلي عمال العامرية للغزل والنسيج ومن عمال ابوالمكارم في مدينة السادات إلي عمال تراست السويس ومن عمال المحلة وكفر الدوار إلي عمال الحناوي للدخان في دمنهور.

لذلك نجد أنفسنا أمام حركة عمالية تمتد في جميع محافظات مصر وفي جميع القطاعات الاقتصادية ، وتوجت التحركات بإضراب موظفي الضرائب العقارية الذي امتد لأكثر من 11 يوم وتوج بنجاح المضربين في تحقيق المطالب التي رفعوها ومساواتهم بزملائهم في المالية . إضافة إلي الإعلان عن قيام أول نقابة عمالية مستقلة لموظفي الضرائب العقارية.

ورغم استمرار غالبية النقابات المهنية مجمدة بحكم القانون 100 لسنة 1993 إلا إننا شهدنا ميلاد حركات مقاومة مثل " أطباء بلاحقوق " و" معلمون بلا نقابة" والتي تشكل أجنة ميلاد كيانات نقابية جديدة.بل أن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومن خلال " حركة 9 مارس " لاستقلال الجامعات نجحوا في تنظيم أول إضراب عام لأعضاء هيئة التدريس في جامعات مصر.وتوجد بوادر لتحركات في العديد من القطاعات حتى معلمي وموظفي المعاهد الأزهرية الذين أضربوا مطالبين بخضوعهم لكادر المعلمين وأصبح المهنيين جزء من الحراك الاجتماعي الجاري في مصر.

شهدت الجامعات المصرية بعض التحركات المتفرقة في الأحداث الوطنية كما حاول شباب الأخوان المسلمين تشكيل اتحادات طلابية مستقلة . ولكن لم تشهد الجامعات المصرية خلال الخمس سنوات الأخيرة أي صعود في حركة الاحتجاج باستثناء بعض المظاهرات التي حدثت اعتراضاَ علي ارتفاع المصروفات الجامعية. ولم تشهد الجامعات اهتمام بالانتخابات الطلابية ، كما لم يوجد حراك طلابي يمكن رصده وشدد الأمن من قبضته البوليسية خاصة عقب المظاهرة العسكرية لشباب الأخوان في جامعة الأزهر .ولكن استطاعت أحزاب الغد والجبهة والكرامة جذب قطاعات من الشباب لعضويتها.

لم يتخذ شباب الحركة الجدد من الجامعات مواقع لنشاطهم ولم يهتموا بالاتحادات الطلابية بل اندمجوا في الحياة العامة وهي ظاهرة تحتاج للمزيد من التأمل والتحليل فكانوا وقود الوقفات الاحتجاجية والتحركات خلال السنوات الأخيرة. كما أن ظهور المدونين الذي تواكب مع حركة القضاة وبناء الإعلام المستقل بأيدي هؤلاء الشباب هو الذي رسم ملامح المرحلة الجديدة.

لذلك لم تكن حركة الفيس بوك سوي خطوة علي طريق بناء أدوات جديدة واختبار الشباب لقدراتهم الذي يتطور ويحتاج لبناء جسور للتفاهم والتواصل مع هؤلاء الشباب ربما يفيد في صياغة خطاب سياسي مختلف يتواكب مع عصر التدوين والفيس بوك ورسائل ال SMS . لذلك يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة ليس بمنطق عواجيز الفرح وادعياء احتكار الحكمة !!! بل علينا أن نتواصل معهم بأفق مفتوح ودون موقف مسبق نتعلم منهم ونستفيد من تجاربهم لأننا في قارب واحد وعلينا أن نعي طموحاتهم ونشجعهم ونعرض عليهم خبراتنا لكي لا يكرروا أخطائنا ، وليكون مستقبلهم أفضل من ماضينا.

منذ انتهي يوم السادس من إبريل والتحليلات تنهال علينا من كل حدب وصوب البعض يهلل لما حدث والبعض ينسب لنفسه الفضل ويصدق نفسه ، البعض شارك والبعض قاطع ، البعض يتحدث عن غياب الأحزاب والبعض يري أن الأحزاب بالمعني التقليدي انتهي زمانها، البعض أرجع العنف للحكومة والبعض ارجع العنف للعشوائيات والبعض اعتبره رد فعل تلقائي علي عنف الأمن. لكن المؤكد أن أشياء كثيرة ولدت وأشياء كثيرة ماتت في ذلك اليوم والمهم هو أن نتأني في قرأة ما حدث بعيداً عن الحماسة أو الاستخفاف المبالغ فيها ، المهم أن ندرسه بعناية لنحدد متطلبات حركتنا خلال الفترة القادمة.

لقد لفت نظري في كل التحليلات التي كتبت عن المحلة مقال للباحث العمالي المجتهد الصديق خالد علي عمر في جريدة البديل حيث فصل الحدث لثلاث عناصر هي: إضراب عمال المحلة ، ومظاهرات الغلاء ، والإضراب العام. وأنا متفق تماماً مع هذا التقسيم وسأعتمد عليه لتقييم ما حدث.

لقد انتهيت من هذا التحليل قبل نهاية ابريل ولكنني ترددت في نشره لثلاثة شهور انتظاراً لما تسفر عنه الأيام . ولكن الدعوات المتكررة للإضراب العام ونبرة التحدي في خطاب شباب الفيس بوك تدعونا للمزيد من الحوار .

كما أن اعتقال مجموعة من نشطاء الفيس بوك في الإسكندرية عقب احتفالهم بذكري 23 يوليو جعلني أعود مرة أخري للبحث عن آليات للحوار.لقد حاول شباب 6 إبريل إقامة حوار مع مختلف الأحزاب السياسية ولكنهم لم يجدوا لدي هذه الأحزاب ما يبحثون عنه.

لذلك قررت نشر هذه المحاولة وهي اجتهاد فردي ربما يدفع لبناء قنوات للتواصل مع هؤلاء الشباب من ناحية . وربما يدفع بعض الشيوعيين المصريين للتفكير في صياغة خطاب جديد يلاءم لغة العصر . لقد علمتنا الماركسية أن شجرة الحياة متجددة دوماً ولكن البعض يصر علي لبس الطربوش في عصر البدي والتي شيرت ومصر علي استخدام الرنيو والبلوظة في عصر التدوين وال SMS . هل نحن قادرين علي مسايرة روح العصر وتجديد خطابنا في عصر العولمة التي نتحدث كثيرا عنها ، هل نصيغ مفاهيم حقيقة للحداثه أم نظل نردد مقولات كتاتيب الماركسية؟! هل يمكننا بناء حزب جديد أم سنكتفي بالنقد والتعليق الرياضي؟!

إضراب عمال غزل المحلة
يخوض عمل المحلة نضال متواصل بدأ بمطالبة بالأرباح وإعادة تقييم تسعيرة الإنتاج وبدل الوجبة وتطور إلي مواقف ارقي سواء سحب الثقة من اللجنة النقابية وجمع أكثر من 14 ألف توقيع أو تشكيل " رابطة لعمال الغزل والنسيج بالمحلة " ومن ثم خطي العمال خطوات حقيقية علي مستوي أشكال التنظيم النقابي.أما علي مستوي قضية المطالب فتطورت الحركة من مجرد مطالبة بتعديلات في الأجر إلي شئ ارقي وهو رفع مطلب زيادة الحد الأدنى للأجور إلي 1,200 جنيه و هو القيمة التي اتفقت معظم الأطر العمالية في الفترة الأخيرة علي أن يكون مطلبها الموحد.

لكن هناك عدة حقائق يجب ألا تغيب عنا وهي :
1 ـ إن جميع الأحزاب بعد الإضراب الأول بدأت تهتم بما يحدث في المحلة.
2 ـ إن وجود واختلاف الأحزاب أدي لتمزيق الوحدة العمالية في المحلة وحدوث خلافات حادة بين قيادات غزل المحلة.
3 ـ إن الضغوط الحكومية والزيارات المتكررة لرئيس اتحاد العمال ووزيرة القوي العاملة أدت لتعميق الخلافات.
4 ـ لقد لعبت السلطات الأمنية دور هام في الضغط علي عمال المحلة لمنع الإضراب ونجحت ضغوطهم في حصار العمال ومنع الإضراب.
5 ـ تكثيف التواجد الأمني في المحلة بما يحول دون أي تحرك حقيقي.
6 ـ زيارات كبار المسئولين للمحلة بدء من وزيرة القوي العاملة ووزير الاستثمار وانتهاء بزيارة الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء.
7 ـ إن رابطة عمال الغزل والنسيج لم تلقي الاهتمام الواجب من اليسار للتعرف علي مدي كونها شكل معاون أم نقابة بديلة وما هو حجم نفوذها في مختلف مصانع المحلة؟
8 ـ لم يستطيع العمال في ظل الخلافات إجراء الحشد اللازم لمطلب رفع الحد الأدنى للأجور إلي 1200 جنيه ليكون مطلب إضراب عام لكل عمال المحلة وظل الأمر مقصور علي شركة مصر فقط.
9 ـ رغم إخفاق الإضراب وتأجيله نتيجة الضغوط والحصار الأمني حقق عمال المحلة مكاسب هامة لا يستهان بها منها:
• زيادة بدل الوجبة الغذائية من 43 جنيه إلي 90 جنيه شهرياً.
• الوعد بتحسين وتوفير المواصلات المجانية للعمال.
• مكافأة شهر لعمال الشركة.
• دعم الجمعية التعاونية للعاملين بالشركة لتوفير الأرز والزيت والسكر والدقيق المدعم.
• دعم المخابز لتقديم خبز مدعم للعمال.
• دعم المستشفي العام بالمحلة وتطويره.

لقد شددت أجهزة الأمن قبضتها علي المصنع والمدينة لإجهاض الإضراب ، وشعر العمال بحسهم الطبقي بخطورة الموقف فلم يحدث الإضراب المقرر له يوم 6 إبريل لكنهم نجحوا في تحقيق بعض المطالب الجزئية ولكن يظل المطلب الخاص برفع الحد الأدنى يحتاج لتضافر الجهود من العمال والقوي السياسية لدعم حركات احتجاجية علي مستوي المدن أو الصناعات للدفاع عن حد ادني للأجور لا يقل عن 1200 جنيه.

هنا أجد لدي بعض الأسئلة التي اطرحها للمناقشة العامة بين اليسار وهي :
ـ هل وجود الأحزاب التقليدية في المحلة أجهض الإضراب باعتبار إنهم" إذا دخلوا قرية أفسدوها"؟!
ـ لماذا فشل عمل غزل المحلة في حشد باقي عمال المدينة للإضراب من أجل رفع الحد الأدنى للأجور؟!وأين دور رابطة عمال النسيج في المواجهة؟!
ـ ما هي انعكاسات اتفاقية الكوير علي الوضع في مصانع المحلة؟!
ـ هل توجد قوي سياسية لديها رؤية لأزمة قطاع الغزل والنسيج الكثيف العمالة وكيف يستمر في ظل رفع أسعار القطن والغزول وفي ظل رياح العولمة والمنتجات الرخيصة القادمة من جنوب شرق آسيا؟!
ـ لماذا لا تضع المنظمات اليسارية ميثاق شرف ينظم علاقاتها في المواقع الجماهيرية بحيث يكون كل منها إضافة للآخر ؟!
ـ لماذا لا تنسق قوي اليسار بينها قبل البحث عن التنسيق مع أحزاب غير يسارية؟!
ـ لماذا يتم تشويه قيادات عمالية في ظل صراع شخصاني أناني دون اهتمام بانعكاس ذلك علي جموع العمال؟ّ

يدعونا ما يحدث للبحث والتفكير أولا في مستقبل صناعة الغزل والنسيج فلقد أعد الأستاذ الدكتور جودة عبد الخالق دراسة قطاعية هامة عن القطاع ضمن كتابه عن " الصناعة والتصنيع في مصر " ضمن مشروع مصر عام 2020 . ولكن كالعادة لم يلقي هذا الجهد الهام الحفاوة المناسبة.ولكن الدراسة اعتمدت علي بيانات حتى عام 1998 وبالتالي لم تأخذ المتغيرات الجديدة مثل الكوير في الاعتبار. وفي تقرير الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية الذي يشرف عليه الأستاذ أحمد النجار تم اهتمام آخر. ولكن لم يقم اليسار بدور في استكمال هذه الدراسات الأكاديمية الهامة، كما لا توجد دراسات عن علاقات العمل والأجور في قطاع الغزل والنسيج والاختلافات بين الإسكندرية والمحلة والعاشر من رمضان. ولقد أعقبت أحداث 6 ابريل إضرابات في وبريات سمنود وسجاد دمنهور والمنصورة اسبانيا كلها تطالب بالمساواة مع مكاسب عمال المحلة وبما يعكس حدة الأزمة علي عمال النسيج.

لقد كان قطاع الغزل والنسيج من أكثر القطاعات الصناعية احتجاجاً خلال السنوات الأخيرة . لكن اليسار لم يهتم ولم يبذل الجهد اللازم واكتفي بالتحليلات والشعارات العامة فوصلنا لما نحن فيه الآن.يرتبط ذلك بغياب الحزب العمالي القادر علي دراسة هذه الظواهر واستخلاص الدروس المستفادة منها.

كما نفتقد لوجود تنسيق حقيقي بين اليسار في المعارك المختلفة ولا توجد قواعد أخلاقية في العمل بل تنافس صبياني أحيانا وكوارث أمنية في أحيان أخري ، وانطباع سلبي وسئ عن اليسار من ناحية ثالثة.

لذلك يمكن أن نقول أن إضراب غزل المحلة الذي كان مقرراً له يوم 6 إبريل لم يحدث وسارعت الحكومة لتستجيب لبعض المطالب لمنع الإضراب كما لعب اختلاف القيادات دور آخر في منع الإضراب مما دفع حسين مجاور ليقول "العمال الشرفاء رفضوا المشاركة في الإضراب"( المصري اليوم 8/4/2008 )، لذلك علينا دراسة وتقييم إضراب عمال غزل المحلة يوم 6 إبريل؟!



مظاهرات مكافحة الغلاء
شهدت السنوات الماضية موجة شديدة من التضخم الذي شعر بوطأته معظم المصريين علي اختلاف دخولهم ورغم ذلك لم توجد أطر تنظيمية تقود حركة ضد الغلاء. واكتفت جماعة مصريون ضد الغلاء بإصدار البيانات وعمل محاكمات شعبية وإقامة دعاوي قضائية لم تخرج عن إطار النخبة الثقافية لتتحول إلي أطر جماهيرية .

لم نهتم بدراسة تجربة تنسيقيات مكافحة الغلاء في المغرب ، ولم نطرح أشكال شعبية لمواجهة الظاهرة التي تتفاقم يوم بعد الآخر.باستثناء وحيد هو الرؤية التي طرحها الرفيق سامح سعيد عبود حول التعاونيات ودورها في الحد من الغلاء.

كما تفجرت في السنوات الأخيرة أيضاً ظاهرة طوابير الخبز والتي تحولت إلي صدامات بين الفقراء سقط خلالها عشرات الشهداء،ولم تطرح أي قوي حل لمواجهة المشكلة سوي إدانة الحكومة أو النظام، بينما كلف الرئيس الجيش والشرطة بمواجهة المشكلة ليؤكد أنه لا يزال صاحب الحل والعقد في كل مشاكل مصر.

لقد شهدت عدة مدن وقري مصرية مظاهرات احتجاج العمالة المؤقتة وثورة العطش ووقفات سكان قلعة الكبش ودار السلام وعشش الحرية في بورسعيد وبخلاف الاحتجاجات العمالية بأشكالها المختلفة وعلي رأسها إضراب موظفي الضرائب العقارية الذي استمر لأكثر من 11 يوم علي مستوي الجمهورية وحقق نتائج هامة وهي مساواة موظفي الضرائب العقارية بموظفي وزارة المالية في المميزات وتشكيل أول نقابة مستقلة لموظفي الضرائب العقارية ليولد من رحم إضراب موظفي الضرائب العقارية أول نقابة مستقلة في مصر.

ولكننا نركز علي بعض نماذج لمظاهرات الغلاء والمظاهرات من اجل الخبز خاصة خلال العامين الأخيرين ومنها علي سبيل المثال :
ـ أضرب سائقو الميكروباص والأجرة في مرسي مطروح عن العمل لمدة ساعة احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود. طالب السائقون بزيادة سارية في تعريفة الركوب لتعويضهم عن ارتفاع سعر الوقود. قامت إدارة مرور مطروح بإنهاء الإضراب ووعدت السائقين بدراسة الأزمة وحلها مع المسئولين بالحكومة. ( جريدة الوفد 22/7/2006).
ـ مظاهرة أهالي الحوامدية ضد اختفاء أنابيب الغاز وارتفاع أسعارها ( الوفد 20/2/2007 ).
ـ تظاهر العشرات أمام وزارة التضامن الاجتماعي بشارع قصر العيني بسبب قيام حملة تموينية بإغلاق مخبز في كفر برك الخيم مركز الجيزة. ( الوفد8/2/2007).
ـ تظاهر أكثر من ١٠٠٠ مواطن أمام مجلس مدينة ملوي بمحافظة المنيا للمطالبة بتوفير مستودع بوتاجاز في قرية «هور» يكون بديلاً للمستودع الوحيد بالقرية الذي تم غلقه. ( المصري اليوم 27/1/2007 )
ـ عادت الاحتجاجات الشعبية علي أزمة العطش ، طالب أهالي ٦ قري تابعة لمركز بلقاس هي: «السعادة وجمعية ١٥ مايو وأبو زيادة وعزبة مبارك والفوايد وديل البحر» بإقالة اللواء أحمد سعيد صوان محافظ الدقهلية، واعتبروه مسؤولا عن تفاقم الأزمة منذ ٣ سنوات دون وضع حلول جذرية لها. وانتقدو إصرار شركة مياه الشرب علي تحصيل الفواتير الشهرية منهم، وتحرير محاضر لهم في حالة الامتناع عن السداد، بغرامة مالية قدرها ١٠٠٠ جنيه، رغم عدم وجود مياه شرب منذ سنوات.( المصري اليوم 4/9/2007).
ـ بعد نحو شهرين من انفجار احتجاجات «العطشانين» في عدد من محافظات مصر، انطلقت في بني سويف احتجاجات مماثلة بسبب نقص الخبز، إذ تظاهر نحو ١٠٠ من مواطني قرية جبل النور التابعة لمركز ببا في بني سويف، علي الطريق الصحراوي مصر - أسيوط، أمس الأول، احتجاجاً علي عدم توفر رغيف الخبز( المصري اليوم 1/8/2007 ).
ـ تظاهر مئات المواطنين أمام مجلس مدينة كفر الدوار احتجاجا علي عدم حصولهم علي مخصصاتهم من رغيف العيش رغم اشتراكهم في توزيعه بنظام الكارت. فشل رئيس المدينة في تهدئة المتظاهرين. قام اللواء محمد شعراوي محافظ البحيرة بجولة ليلية علي المخابز في المدينة وأمر بمراجعة كشوف توزيع الخبز علي المواطنين، كما أمر بالتحقيق فورا في شكاوي المتظاهرين. كما أمر المحافظ بنقل مدير التموين التابع له مخبز الغزل والنسيج، وأحال المحافظ ثلاثة مفتشي تموين للتحقيق.( جريدة الوفد 1/4/2008).
ـ تظاهر نحو ١٠ آلاف عامل في شركة غزل المحلة، وأعضاء عدد من أحزاب المعارضة، والحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية» أمس، احتجاجًا علي رفع الأسعار وتدني الأجور وعدم تدخل الحكومة لمعالجة الأمور، بعد أن ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة لم يسبق لها مثيل. وطالب العمال، الذين رفعوا أرغفة الخبز أثناء المظاهرة، بتوفير الخبز والسلع الأساسية والضرورية. ( المصري اليوم 18/2/2008).

إذا مظاهرات الجوع في المحلة يوم 6 إبريل لم تكن الأولي ، فقد سبقتها تحركات في مختلف محافظات مصر ومنها مدينة المحلة نفسها في فبراير الماضي وتحرك العمال إلي ( ميدان الشون ) اكبر ميادين المحلة وبأعداد قدرتها جريدة " المصري اليوم" بعشرة ألاف وقالت جريدة " البديل" أنها 12 ألف ولم يحدث أي تخريب رغم أن عمال غزل المحلة كانوا عصب هذه المظاهرة.ولكن تميزت مظاهرة فبراير بوجود اتفاق وائتلاف بين قوي المعارضة كان وراء نجاحها بينما كانت الخلافات وغياب القيادة الموحدة والحصار والاستنفار الأمني في مظاهرة 6 إبريل هي المدخل لأعمال التخريب.

ما هي القوي التي كانت وراء أعمال التخريب؟
يمكن تفسير ما حدث علي أكثر من مستوي :
1 ـ لقد رأينا ما حدث يوم الاستفتاء من بلطجية الشرطة الذين أحضرتهم لضرب المتظاهرين أمام نقابة الصحفيين ونادي القضاة ، ثم تكرر المشهد علي نطاق واسع في انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشوري وهو أسلوب قديم ومتعارف عليه واستخدم في المحلة يومي 6 ، 7 إبريل.والأنباء التي نقلت عن ضباط الشرطة الذين أوقفوا القطار لتهاجمه الجموع الغاضبة.
2 ـ سياسة القمع العنيف من قبل قوات الشرطة وسياسة الضرب في المليان التي يدافع عنها لواءات أمن الدولة في مجلس الشعب وما تسببه من رد فعل عنيف علي هذه الهجمة التي حشدت لها الداخلية قوات ضخمة وأصدرت بيان تحذر فيه من التحرك.
3 ـ ذكرت التقارير أن عدد العشوائيات علي مستوي الجمهورية وصل إلي 1105 مناطق، يسكنها 16 مليون نسمة .. منها علي سبيل المثال 68 منطقة في القاهرة مساحتها 1.33 كيلو متر مربع و54 منطقة في الجيزة مساحتها 1.44 كيلو متر مربع و48 في القليوبية 20 كيلو مترا و54 منطقة في الإسكندرية مساحتها 34 كيلو مترا و28 منطقة في الفيوم مساحتها 5.4 كيلو متر و52 منطقة في بني سويف بمساحة 3.9 كيلو و29 في المنيا علي مساحة 4.7 كيلو متر و84 منطقة في أسيوط علي مساحة 6 كيلو مترات و57 في قنا علي مساحة 7،5 كيلو متر.. هذه العشوائيات التي عرض خالد يوسف في فيلمه الأخير " حين ميسرة " بعض مظاهر الفقر والعنف بها هي مصدر هام للفوضى المتوقعة عند حدوث تحركات كبيرة وأعمال السلب والنهب والحرق التي تعبر عن طاقات الغضب المكبوته لدي سكان هذه المناطق وغياب الوعي السياسية والثقافي في ظل تفشي الجهل والفقر .
4 ـ لقد تصاعدت حدة العنف في المجتمع المصري نتيجة الفقر والجهل والبطالة وعادت ظاهرة البلطجة للظهور من جديد ومنذ عدة أسابيع نشرت جريدة البديل صورة لبلطجي يقطع شارع رئيسي في قلب القاهرة ويفرض إتاوة علي سيارات الميكروباص التي تمر في الشارع ، ومنذ سنوات عرفت مصر حادثة الأوركيد ذلك المركز التجاري الواقع علي كورنيش القاهرة والذي شهد مشاجرة عنيفة بين شابين من أبناء رجال الأعمال وانتهي بجريمة قتل بشعة وتمثيل بالجثة.وكذلك اعتداء أنصار عماد الجلدة علي شرطة المحكمة خلال نظر القضية وكذلك اقتحام البلطجية لقرية الأطفال التابعة لجمعية الوفاء والأمل لبث الرعب لدي الشباب وإجبارهم علي ترك الدار التي يوجد مشروع لاستثمار الأرض الخاصة بها.

لقد كتب الدكتور حسن أبو طالب في جريدة الأهرام " إن سيادة العنف وسلوكيات الإيذاء هي النتيجة المنطقية لتحول الأدوار، أو بالاحري لتشوه الأدوار الطبيعية لكل مؤسسة‏.‏ وفي حين ينشأ الفرد والمجتمع في ظل بيئة مؤسسية فاقدة لقيمة العدل وعاجزة عن القيام برسالتها القانونية والدستورية‏، يصبح الخروج عليها أمرا عاديا بل أمرا يدعو‏،‏ وللأسف الشديد إلي الفخر المرضي‏.‏( جريدة الأهرام 16/9/2002 ). ويمكننا لمتابعة الظاهرة أن نرصد بعض حوادث العنف التي تعطي دلالات للتغيرات الاجتماعية التي تحدث مثل :
ـ مدرس يطعن زميله بمطواة داخل الفصل في أسيوط حيث شهدت مدرسة الزهراء الإعدادية بنات بمركز أبنوب بأسيوط، أحداثا مؤسفة. تشاجر مدرسان بالأسلحة البيضاء أمام التلميذات بسبب الخلاف علي توزيع ملصقات الدعاية للكتب الخارجية. ( جريدة الوفد 20/10/2002).
ـ معارك بالسنج والسيوف ببني سويف ، البلطجية حطموا عدة مقاه ومطاعم و8 سيارات ، تواصل أجهزة الأمن ببني سويف جهودها لضبط عدد كبير من الأشقياء والخارجين علي القانون أثاروا الذعر في حي المرماح أكبر الأحياء الشعبية بالمدينة. كان أهالي الحي قد استيقظوا فجر أمس الأول علي أصوات استغاثات وفوجئوا بنحو 50 شخصا من البلطجية يتبادلون الضرب والمشاجرات بالسيوف والسنج والعصي وألحقوا يبعضهم إصابات وحطموا 8 سيارات ملاكي وسيارة سرفيس بشارعي صلاح سالم وبدرخان و4 مقاه و3 مطاعم. ( جريدة الوفد 14/3/2004).
ـ دخلت حرب تكسير العظام بين أركان النظام السياسي المصري منعطفاً جديداً حيث انتقلت هذه الحرب من واقعة البرلمان والحزب إلي الشارع السياسي وقد شهدت دائرة السيدة زينب التي يمثلها الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أول الفصول العمليه لهذه المعركة بالتحديد في شياخة قلعة الكبش عندما أعلن أهالي الدائرة رفضهم لترشيح سمير الدمرداش الموالي للدكتور سرور عن مقعد العمال في الانتخابات القادمة مؤيدين استمرار الحزب في ترشيح النائب الحالي مجدي محمد علي الذي يسانده الوزير كمال الشاذلي وقد بدأت الأحداث عندما رفضت ميليشيات الحزب الوطني المؤيدة لسرور رفض الأهالي لترشيح الدمرداش وقام200 من عناصرها المدججة بالسلاح الأبيض باقتحام المنطقة التي يحظي فيها نائب العمال الحالي بشعبية كبيرة ودمروا المحلات التجارية وسرقوا الأموال الموجودة إضافة إلى تحطيم السيارات وتكسير المنازل وإلقاء كرات النار المشتعلة داخلها فما كان من أنصار نائب العمال إلا أن ردوا علي الاعتداءات بمثلها وحدثت مواجهات دامية لم تستطع الشرطة التدخل لفضها نظراً لشراستها .( جريدة المصريون 25/6/2005 ).
ـ فوجئ العاملون بالشركة الاقتصادية للتنمية الصناعية بأكثر من مائة بلطجي استأجرهم رئيس مجلس الإدارة يهاجمون مقر الشركة،أطلق البلطجية النار علي الموظفين وأفراد الأمن أنفسهم.. كل ذلك لأن العاملين قدموا ملفا يحوي مستندات تثبت تعنت «عادل أغا» رئيس مجلس الإدارة وإصراره علي تشريدهم، الأمر الذي أغضب الرجل. جاءت الشرطة متأخرة واضطر العمال للدفاع عن أنفسهم، باستخدام «طفايات الحريق» و«خراطيم المطافي» وبإغلاق البوابات وقامت الشركات المجاورة بمساعدتهم في الدفاع عن حياتهم وعن شركتهم، وعندما أتت الشرطة أمكن القبض علي 17 من البلطجية وفر الباقون بمن فيهم رئيس مجلس الإدارة .
ـ قام مجموعة من الأشقياء الخطرين بتحطيم زجاج محكمة قصر النيل وأثاروا الفزع بين جميع المترددين علي المحكمة بسبب صدور حكم قضائي يدين أحد أقاربهم.
ـ نشرت جريدة البديل صورة لجسد ممزق وغارق في الدماء من ساحة محكمة عابدين، المشهد لمتهم هجم عليه أقارب متهم آخر مسجل خطر محبوس معه احتياطيا، ومزقوا جسده بالسنج والمطاوي قبل عرضه علي النيابة رغم جنود الحراسة! والخبر وصل لأقارب الضحية في الطابق الأول فانطلقوا للطابق الثالث وكادت المحكمة تتحول إلي مجزرة بشرية لولا هروب المتهم الثاني مع قوة الحراسة وكذلك أقاربه. ( جريدة البديل 5/10/2007 ).
ـ مصرع مزارع وإصابة ٢٠ في معركة بالأسلحة البيضاء بين أهالي قريتين بالدقهلية ، وقعت معركة بالأسلحة البيضاء بين أبناء قريتي «طنبارة» و«الزهايرة» في الدقهلية، بسبب مشاجرة حدثت بين طفل وشاب في القريتين، انتهت المعركة بمصرع مزارع «٦٥ سنة» وإصابة ٢٠ آخرين من الطرفين، وألقت أجهزة الأمن القبض علي ٤٠ متهماً، وقررت النيابة حبسهم علي ذمة التحقيقات.( المصري اليوم 15/4/2008 ).
ـ أوقف خمسة مسلحين بأسلحة بيضاء حركة المرور بالحي الثامن بمدينة نصر لمدة ساعتين كاملتين،ومنعوا الميكروباصات من نقل أي مواطن من منطقة ميدان "التبة" إلي الخارج، وبلغ عدد المتجمهرين غير القادرين علي فك الحصار حوالي 300 مواطن، بينما لجأ آخرون لاستقلال التاكسي أو السي تي أيه الذي غير مساره لإنقاذ المواطنين شبه المحتجزين.وقام المسلحون بأعمال عنف ـ وفقا لرواية الأهالي ـ ضد سائقي الميكروباصات انتقاما لإصابة زميل لهم بطلق ناري علي يد أحد السائقين بعد خلاف بين الطرفين يعتقد الأهالي أنه بسبب متاجرة المصاب في المخدرات.
ـ نظم 300 محام في الدقهلية اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بمحاسبة من وصفوهم بالبلطجية الذين اعتدوا علي زميل لهم أمام مبني محكمة شربين.وأضرب المحامون عن حضور جلسات أمس بمحكمة شربين احتجاجاً علي - ما وصفوه- بـ«سلبية مدير النيابة في التعامل مع البلطجية المعتدين علي زميلهم».وهدد المحامون بالدخول في إضراب مفتوح عن الجلسات في كل محاكم الدقهلية ما لم يحاسب المحامي العام لنيابات شمال الدقهلية مدير نيابة شربين الذي استضاف البلطجية الذين اعتدوا علي زميلهم في مكتبه وقدم لهم الشاي وطرد وفداً من المحامين من مكتبه.
ـ قام عدد من سكان شارع الزهراء بعين شمس في الأسابيع القليلة الماضية بتحرير محاضر بقسم شرطة عين شمس، يطلبون فيها اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع أعداد من البلطجية من ممارسة العنف ضد أصحاب المحال والعاملين بها وسائقي الميكروباص وفرض الإتاوات عليهم.
وأكد أحد العاملين بالمنطقة أن المسئولين بقسم الشرطة لا يستجيبون لنداءات واستغاثات الأهالي، وأنهم أصبحوا يرفضون حتى قيام الأهالي بتحرير المحاضر ضد البلطجية الذين يقودهم بلطجي شهير يدعي «كريم»، حيث يحمل العصا ويقف وسط الشارع مهددا كل من يرفض سداد الإتاوة التي يفرضها علي من يشاء.

الغريب أن عزت حنفي أو ما عرف بخط الصعيد والذي احتل قرية وكان يتعاون مع الأمن ثم اختلفوا معه وقرروا تصفيته وظلوا أيام محاصرين القرية وغير قادرين علي اقتحامها وحكم عليه بالإعدام مجدته السينما المصرية في فيلم " الجزيرة " ليصبح مثل اعلي في العنف الذي يجتاح مصر.

لذلك علينا أن نفرق بين مظاهرات الجوع والتي عرضنا لأمثلة لها لم تحدث بها أي أعمال عنف وظاهرة العنف التي تجتاح السلوك المصري في ظل تفشي الفقر والأمية والبطالة وسيطرة الفكر الغيبي.وما حدث كان تداخل لعدة عناصر في لحظة التظاهر الواسع.وهذا العنف لم يتكرر في مدن أخري ولا حتى في القاهرة والجيزة معاقل حركات الاحتجاج ربما لأن الأمن حشد قواته وبلطجيته في المحلة واستخدم العنف بشكل أعلي وأكثر قسوة؟!

لكنني أميل وليسامحني بعض الأصدقاء لأنني شيوعي قديم أري ولازلت أن غياب القوي السياسية المنظمة كان وراء الفوضى التي شهدتها المحلة ، ولو كان لدينا حزب سياسي يعبر عن العمال وفقراء مصر لتغير الحال. إننا جميعاً مسئولين عما حدث في المحلة. إننا لم نقضي السنوات نعمل لمواجهة نظام فاسد لنستبدله بفوضي وعشوائية ، ولا يجب أن نجلس نتفرج حتى تتحول القاهرة إلي بغداد ونستبدل مبارك وحزبه بمليشيات جيش الشيخ مخلوف وقوات جيش تحرير قلعة الكبش ومجاهدي أبو قتاته والدويقة وجيش تحرير عرب الحصن والرشاح.

يجب أن يكون لدي الناس بديل واضح أما منطق المهم التغيير و " يسقط يسقط حسني مبارك " فهو أم الكوارث الكبرى لأن استبدال حسني مبارك بمهدي عاكف مصيبة واستبداله بأيمن الظواهري كارثة أما استبداله بعزت حنفي فهو النهاية حين يسيطر الحرافيش علي مصر .
بدون حزب ثوري وبدون رؤية ثورية ننتقل من مصيبة إلي كارثة وهو عمل مرفوض وأشبه بالانتحار . وهو تعبير عن نفاذ صبر" لا مؤاخذة " برجوازي صغير . إننا لا نفرض رأي علي الناس ولا ندعي إننا الطليعة ولكننا نطالب ببديل واضح المعالم. إن منطق " بركة يا جامع " كارثة ودمار حتى لو كنت الوحيد الذي يرفضه فإن ذلك لن يغير من موقفي باعتباري " دقة قديمة".
إن الكارثة الحقيقية التي تهدد بالخطر هي الفوضى المتوقعة في حالة غياب البديل المعبر عن الناس لذلك علينا انجاز واجباتنا التي تأخرنا في انجازها . لنطرح رؤية مدروسة للتغيير وهناك مساحات لإبداع الناس ولكن الحركة بلا رؤية كارثة.فلا حركة ثورية بدون " لامؤاخذة " نظرية ثورية وحزب ثوري.

الإضراب العام
طرح حزب الكرامة منذ فترة قضية الإضراب العام ، كما توجد منذ سنوات مجموعة بريدية علي الياهو اسمها ( العصيان المدني لإسقاط حكم مبارك) ولم تحظي كل الدعوات السابقة بالنجاح . ولكن علينا أن نتأمل تطور الدعوة. المرتبط بتصاعد الغليان الشعبي العام وامتداد الدعوة لتصل إلي كل المصريين .

لقد التقط بعض نشطاء الانترنت دعوة عمال المحلة للإضراب يوم 6 إبريل ونظموا دعوة للإضراب العام في هذا اليوم. ولكنها دعوة يغلب عليها الشبابية وقلة الوعي السياسي وقلة الخبرة.

5 أحزاب هي التي تبنت الدعوة للإضراب العام هي حزب الكرامة والذي كانت له دعوة سابقة ، وحزب الوسط ، وحزب الغد ، وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب العمل بالإضافة إلي الحركة المصرية من اجل التغيير كفاية . وتوجد أهمية لنفرق في الدعوة بين توجهين الأول حزب " الفيس بوك " كما تسميه وسائل الإعلام وكان جوهر دعوتهم الإضراب السلبي وشعارهم ( خليك بالبيت ) ، بينما كانت مجموعة كفاية تدعوا للنزول للشارع والتظاهر ومن ثم كانت الدعوة ومنذ اللحظة الأولي منقسمة نتيجة عدم وجود قطب رئيسي ، بل أن الدكتور المسيري أرجع الفشل إلي عدم مشاركة الأخوان ودعاهم للمشاركة في المرات القادمة!!!!!! هنا يكمن جوهر الأزمة التي كشفها لنا بوضوح السادس من إبريل.

أما المقاطعين فهم حركة الأخوان المسلمين وأحزاب الوفد والناصري والتجمع. وسنعود لتقييم مواقف الأحزاب في موقع آخر بتفاصيل أكثر. لكن لنتأمل دعوة الإضراب العام التي أنشئت لها مجموعة علي موقع الفيس بوك ونحاول تحليل مضمون الرسائل التي تم نشرها.

ما هي مطالب الإضراب العام؟
طرحت الدعوة 10 مطالب عامة للإضراب هي : عايزين مواصلات أدميه عايزين مستشفيات تعالجنا ، عايزين تعليم لأولادنا، عايزين دواء لأطفالنا ، عايزين قضاء منصف ، عايزين أمن وأمان عايزين حرية وكرامه ، عايزين شقق للعرسان ، مش عايزين رفع أسعار ، مش عايزين محسوبية مش عايزين ظباط بلطجية ، مش عايزين تعذيب في الأقسام، مش عايزين إتاوات ،مش عايزين فساد مش عايزين رشاوى ، مش عايزين اعتقالات مش عايزين تلفيق قضايا.

تداخلت المطالب الاقتصادية مع المطالب الديمقراطية وحاول أصحاب الدعوة صياغتها بطريقة أقرب للغة الناس وهي احد أهم ايجابيات الدعوة ولم تغرق في صياغات معقدة .

لم تتضمن مطالب الإضراب العشرة أي كلمات تتعلق بتحسين هيكل الأجور أو رفع الأجور كما لم تتضمن أي مطالب تتعلق بالبطالة أو الخصخصة ولا نعرف أن كان ذلك عن قصد من أصحاب الدعوة أم قلة وعي.كما لم تتضمن المطالب العامة أي مطالب وطنية واقتصرت علي الجوانب الاقتصادية والديمقراطية.كما أنها لم تطرح شكل الحكم البديل وتركت كل هذه الأشياء مفتوحة.لم يزيد عدد الكلمات في كل مطلب عن 10 كلمات مما يجعل هناك إمكانية لتحويلها لرسائل موبايل .

لكن هل عمومية الصياغة وبساطتها كانت وراء الانتشار الواسع لها ووصولها لقطاعات لا علاقة لها بالانترنت ولا تملك هواتف محمولة وهو أحد مظاهر نجاح الدعوة.علينا أن نعيد تأمل مطالب الإضراب ونفكر فيها بعمق ربما نجد بعض مظاهر فجوة الخطاب اليساري الجماهيري ؟!!

ثانياً كانت هناك دعوة أخري منتشرة علي الانترنت تحتوي المضمون الرئيسي للدعوة الأولي ولكن مع بعض التطوير السياسي وبما يعكس وجود قوي سياسية خلفها وقد وجدتها منشورة علي موقع عمرو خالد:
http://forum.amrkhaled.net/showthread.php?p=3311712

تم إضافة بعض الفئات للمشاركة في الإضراب منها:
ماتفتحشي المحل
ماتفتحشي الصيدليه
ماتروحشي القسم
ماتروحشي المعسكر
عايزين مرتبات تعيشنا
عايزين نشتغل

وبالتالي تمت إضافة فئات جديدة هي جنود الشرطة والجيش ، إضافة إلي مطالب رفع الأجور بصيغة " عايزين مرتبات تعيشنا " ورفض البطالة من خلال شعار " عايزين نشتغل " . كما تمت إضافة بعض المطالب العامة والتي تعكس دخول رؤية اقتصادية لأصحاب الدعوة مثل:
- فك ربط الجنيه بالدولار حيث أثر انخفاض سعر الدولار سلبيا على الجنيه فارتفعت الأسعار شكليا بسبب انخفاض القيمة الشرائية للجنيه.
- منع تصدير المنتجات الزراعية الغذائية إلا ما يفيض عن الاستهلاك المحلي.
- فك احتكار التجارة الداخلية و الخارجية للمنتجات الزراعية الغذائية.
- تأسيس شركات عامة للتسويق المباشر من الفلاحين للمستهلكين
- تنظيم الزراعة لتوفير الاحتياجات المحلية
وكتبوا أن هذه هي مطالب إضراب عمال المحلة.رغم أن هذا غير صحيح.

موعد الإضراب
كانت الدعوة الأساسية هي البقاء في المنازل وتطورت بفعل ممثلي كفاية إلي التظاهر السلمي حيث حددت الدعوة الموعد في الساعة 11 يوم 6 إبريل وحددت أماكن للتجمع في محافظتي الإسكندرية أولاً ثم القاهرة بما يوحي ربما بأن أصحاب الدعوة سكندريين ؟!! لم تتضمن الدعوة تحديد لأي مواقع تجمعات عمالية أو فلاحية أو محافظات أخري غير القاهرة والإسكندرية بما يعكس الانتماء الطبقي لأصحاب الدعوة من البرجوازية الصغيرة المدينية. وتنهي دعوة الموعد بعبارة " اعمل حاجه ايجابيه أبعت رسايل أو ايميلات لأصحابك بميعاد الإضراب والمظاهرة أو صور الورقة 5 صور ووزعهم" وهي دعوة أشبه بالرسائل الاليكترونية التي اعتاد الإسلاميين إرسالها وطلب إرسالها لعشرة آخرين من أجل الثواب.

المهام المطلوبة من الجمهور العريض
" ما تروحشى المدرسة ما تروحشى الجامعة ما تروحشى الشغل ، ما تفتحشي المحل ما تفتحشي القهوة ما تشتريش اى سلعه" هذا في الدعوة الرئيسية ولكن كانت هناك دعوات أخري تتضمن دعوة الجنود بعدم الذهاب لمعسكراتهم!!

تدين الدعوة التحركات المحدودة وتقول " لو مكناش 70 مليون ضد حكومة فاسدة وظالمة ومرتشية مفيش اى حاجة هتتغير وساعتها إياك تقول إن الحكومة بس هي السبب في انك مش لاقى تأكل لازم تعترف انك ساعدت الحكومة بأنك واقف تتفرج عليها وهى بتتدبح فيك وفى اهلك وفينا كلنا" وبالتالي فهذا جانب ايجابي آخر بعدم الاستسلام للقدر والدعاء علي الحكومة إلي الفعل.

كما تدعوا الجماهير إلي عدم الشراء لأي سلع ، وتعليق علم مصر في البلكونات ، ارتداء ملابس سوداء و يفضل مطبوع عليها اى شعار للإضراب أو اى إعلان عن "إني مضرب احتجاجا على الأسعار ".

ثم نجد خلط واضح في الدعوة بين نوعين من الفعل هم الإضراب السلبي و الغياب عن العمل ( خليك بالبيت ) وهو جوهر دعوة الفيس بوك .ودعوة النزول للشارع للتظاهر ضد الغلاء والتي تناقض الدعوة الأولي وهي دعوة حركة كفاية .
توجد إشكالية عملية في قياس حجم المشاركين في الإضراب ففي عدة مواقع أغلقت المحلات أبوابها ولكن قد لا يكون بسبب المشاركة في الإضراب بقدر ما يكون بسبب الخوف من العنف المتوقع ، وربما بسبب العاصفة الترابية التي داهمت مصر واستمرت معظم اليوم لتجبر الكثيرين علي البقاء في منازلهم.

يمكن علي ضوء كل ما نشرته الصحف ونقلته وكالات الأنباء والمحطات الفضائية ومواقع الانترنت والمدونات أن نقول أن موظفي الحكومة وعمال القطاعين العام والخاص لم يشاركوا في الإضراب بأي درجة وربما لعبت التهديدات الحكومية والرقابة الأمنية دور في حرمان بعض الفئات من المشاركة، وان القطاع التجاري عاني نتيجة انخفاض حركة البيع والشراء ، كما أن حركة النقل لم تشهد أي مشاركة سواء السكك الحديدية أو المترو أو أتوبيسات النقل العام وحتى سيارات الميكروباص والتوك توك .

كانت هناك انسيابية في المرور نتيجة خوف الكثير من المواطنين من النزول بسياراتهم الخاصة وتعرضهم لأعمال عنف ، وقلة سيارات الأجرة لنفس السبب ، كما أن القطاع الاقتصادي سواء البنوك وسوق المال لم تتأثر بما حدث يوم 6 إبريل وكان لديها يوم عمل عادي.

ربما يمثل قطاع التعليم استثناء في هذا اليوم حيث كان عدد من المعلمين وأساتذة الجامعات يدعمون الإضراب لارتباط ذلك بحركتهم المطلبية من أجل الكادر الخاص.كما أن خشية أولياء الأمور من حدوث مواجهات مع الشرطة دفعهم لعدم ترك أبنائهم يذهبون للمدارس والجامعات بينما كان هناك حماس من بعض الطلاب للمشاركة كما اتضح من خلال مواقع المنتديات علي شبكة الانترنت بالإضافة لرسائل التليفون المحمول . بينما لم يشارك القطاع الصحي سواء كأطباء أو التمريض بشكل رصدته أي وسيلة الإعلامية.

تعليمات تنفيذ الإضراب
وضع أصحاب الدعوة بعض التعليمات لتنفيذ الإضراب منها التحرك عندما يصل عدد الناس المجمعة أكثر من 50 فرد، عدم التحرك في أعداد صغيرة . كما توجد تعليمات خاصة بالتنقل مثل عدم استخدام وسائل النقل العامة و مترو الأنفاق وإيقاف السيارات الخاصة بعيدا عن أماكن التجمع لأن العديد من المشاركين من أصحاب السيارات الخاصة.

كما توجد بعض التعليمات اللطيفة التي تشبه إعلانات الجوالة والرحلات في الكليات مثل : إحضار زجاجة مياه لتفادى الحر و بعض الطعام أو الحلوى لطول فترة الإضراب ، لبس كاب أو طاقية للحماية من الشمس، بالنسبة للنساء لبس ملابس تساعدهم على التحرك ومحتشمة .

" الدعوة لإحضار ورود قدر المستطاع وتقديمها لضباط الأمن ومن ثم العساكر رغم غرابة الفكرة على مجتمعنا إلا أنها ستؤكد تأكيداً حتمياً على سلمية الإضراب وتحضر المتظاهرين" . هذه العبارة جاءت في الدعوة التي نشرت في عديد من المواقع . كماء جاء ضمن الدعوة :
" مساعدة قوى الأمن في إحباط الشغب والإحتكاكات المتوقعة وتقليص محاولات الإندساس ضمن الصفوف وذلك بأن يمسك كل المشاركين بأي من المندسين الذين يحاولون إثارة الشغب وتقديمهم للعناصر الأمنية وذلك لضمان إستمرار الاعتصام بنجاح، وسيتم إبلاغ كل ضباط الأمن المتواجدين بالمواقع بذلك في بداية اليوم شخصياً أو بواسطة مكبرات الصوت" .
هذه بعض جوانب من أفكار حزب الفيس بوك.

يوجد أحد المواقع الحوارية علي شبكة الانترنت اسمه " أبناء مصر " والرابط له :
http://www.egyptsons.com/misr/showthread.php?t=30240

نشر الموقع خبر عن مشاركة الفنان محمد منير في الإضراب حيث أعلن في حفل بنادي وادي دجلة في التجمع الخامس عن انضمامه للشعب المصري في إضرابه ضد كل ما هو فاسد وظلم وذلك وقوفا بجانب الشعب المصري البسيط و قال بالنص عندما وجد فتاة تبكي و هي ترتدي ألوان علم مصر تضامنا مع الإضراب أن بلدنا جميلة و أن شبابها بيحبها و قال أنا سمعت إن فيه إضراب يوم الأحد اللي جاي و أنا مضرب يا جماعة مضرب ضد الجشع... مضرب عشان محدش يضحك عليا ولا يأكل حقي... مضرب عشان نقدر على الأقل كل أسبوع نجيب كيلو لحمة و نأكله... و غنى بعدها هيلا هيلا لزيادة حماس الجمهور و الذي أعلن أيضا عن إضرابه بالهتافات و برفع البوسترز المناهضة للغلاء و التي تحث على الإضراب .

حفلة في نادي وادي دجلة ومجموعات من الشباب المتحمس ، بل أن بعض التعليقات تضمنت عبارات هامة وذات دلالة في تقييم ماحدث مثل :
• منير طول عمره بيعبر عن الناس في كل كلمه بيغنيها يارب اليوم ده ينجح وياثر عشان بجد كده كتيررررررر حسبي الله ونعم الوكيل.
• راجل يا منير، يالا يا شباب نخلي اليوم ده عيد.
• يا جماعه لازم نعذر الحكومة و نقف جنبها هي اللي معيشانا في خيرها ربنا يخللنا الرئيس حسني مبارك 100 سنه كمان.
• الإضراب من اجل حياة أفضل لاولدنا.
• أتجمعنا و قفلنا الشوارع علشان الكورة منتظرين من الحكومة تعمل أيه لشعب هايف ثلاث أرباعه عيال جاهلة الله يكون في عون الريس انه بيحكم ناس زى دى تحرق الدم.
• لابد من الإضراب لصالح أبناء الشعب والله الموفق.
• كلنا مع الإضراب غدا علي فكره إحنا كده بنساعد نفسنا.

هذه نماذج لبعض العبارات التي تبادلها الشباب علي مواقع الانترنت وعبر رسائل المحمول تؤكد علي أهمية المشاركة .

كذلك فإن الدعوة علي سلمية التحرك والإضراب كانت واضحة في عبارة " عدم استخدام العنف ضد اى فرد" رغم أنهم لم يوضحوا كيف يتم ذلك لو ازدادت الأعداد من 50 شخص إلي 500 أو 5000 حتى خبرات مثل فرق النظام والكردون حول المظاهرات وغيرها ليست متوفرة لديهم. والتعليمات تشعر المتلقي بأنه ذاهب في رحلة أو عيد ولا تشعره بأنه خارج لمقاومة سلطة مدججة بأجهزة قمع عتيقة تباهي بها الأمم !!!

أصحاب الدعوة
لم يوقع الدعوة أي حزب أو قوي سياسية مشاركة وتركت مُجَهَلة بما جعل الدكتور رفعت السعيد في أكثر من مداخلة يركز علي أن الدعوة مجهولة المصدر وهو معه كل الحق.كما أن ذلك يؤكد ما سبق أن ذكرته من أن غياب الحزب الداعي أو الائتلاف الحزبي يجعل الدعوة مفتوحة بشكل مقلق خاصة لأن البديل غير واضح ولا يوجد شعار رئيسي للإضراب ولكن عدة مطالب.

يوجد 433 ألف مشترك علي موقع الفيس بوك تم تكوين موقع علي الفيس بوك باسم الدعوة لإضراب 6 إبريل ويقدر عدد المشتركين في الموقع بأكثر من 70 ألف مشترك غالبيتهم من الشباب خاصة الفئات العمرية من 15 إلي 35 سنة وهو انجاز يستحق التأمل ( جريدة المصري اليوم 17/4/2008 ). وصل عدد مستخدمي الانترنت في مصر مطلع 2008 إلي حوالي 7 مليون مشترك وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومركز معلومات مجلس الوزراء ) أي أن المشتركين يمثلون حوالي 1% من مستخدمي الانترنت في مصر ، 16% من المشتركين علي موقع الفيس بوك ، ذلك بخلاف رسائل المحمول والذي بلغ عدد المشتركين فيه 23.7 مليون مشترك يمثلون 33% من الشعب المصري.

كانت مجموعات الفيس بوك قبل هذه الدعوة في مصر تتراوح بين دعوات " لأكل الشوارع " وتبادل الصور والأغاني والحوارات ثم ظهرت مجموعات تدعوا لفرق فنية طليعية وإعلان عن مواعيد حفلات وأمسيات ثقافية وفنية.

لقد نجح شباب الفيس بوك في خلق توليفة من خلال دعوتهم ستظل تحتاج لمزيد من التحليل والتأمل فغالبيتهم من خارج صفوف اليسار التقليدي وكلهم شباب من أبناء الطبقة الوسطي حديثي عهد بالسياسية وربما لم يقرأو أي كتب سياسية ( وإن كان ذلك يحتاج لدراسات أكثر عمقاً علي عينة من هؤلاء الشباب للتعرف علي مشاكلهم وأحلامهم وطموحاتهم وخلفياتهم بدلاً من التعميمات المتسرعة ) .

إن أصحاب الدعوة لم يهتموا بكتابات ماركس ولينين ولم يعرفوا خالد محي الدين ورفعت السعيد وضياء داود ولم يهتموا بخناقات نعمان جمعة ومحمود أباظة ولكنهم يرون جيل جديد من الزعماء يعرفون منهم الدكتور أيمن نور والأستاذة جميلة إسماعيل والأستاذ حمدين صباحي والمهندس أبو العلا ماضي والدكتور أسامة الغزالي كلهم أبطال حقيقيين لدي هذا الجيل من الشباب . لديهم كاريزما ومفكرين ومتميزين أكثر من عواجيز الفرح وأكثر منا بحكم إننا أصبحنا من عواجيز الفرح. لذلك علينا الا نعبر هذه الظاهرة دون تأمل لنتعرف علي نمط الزعماء الجدد لجيل الشباب من أمثال إسراء عبد الفتاح ومالك مصطفي وأكرم الإيراني ومحمد الشرقاوي وكريم البحيري وبلال وغيرهم من جيل المدونين الشبان.

لقد ظللت في المنزل طوال يوم 6 ابريل نظراً لحالتي الصحية ومنذ ساعات الصباح الأولي شهدت ميلاد محطة بي بي سي التليفزيونية العربية وانتهاء أسطورة الجزيرة نظرا لانحيازها الواضح منذ الساعات الأولي والذي يفسره البعض بما تتعرض له القناة من ضغوط أمنية من ناحية ، ومن استجابتهم وانحيازهم لمقاطعة الأخوان كما يقول البعض من ناحية أخري.

لقد فتحت مدونة " وائل عباس " الوعي المصري طوال اليوم فالجهد الذي قام به وائل كفرد في نقل وقائع اليوم لحظة بلحظة ومن خلال رسائل الموبايل يجعله بحق احد أبرز رموز الإعلام الجديد بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي معه في بعض المواقف السياسية. لذلك يمكننا أن نقول أن 6 ابريل دشن مرحلة جديدة من تطور الإعلام الحر في مصر. سواء من خلال استخدام إمكانيات موقع الفيس بوك أو المدونين.

حجم المشاركة في الإضراب العام بالمحافظات
بدأت الدعوة للتظاهر في ميدان المطرية والتحرير والعباسية لذلك كانت الدعوة قاهرية ولكن في مرحلة تالية تم توسيع دائرة الدعوة خارج القاهرة حيث جاء ضمن الدعوة:
على من يستطيع النزول للتظاهرات التي ستكون في الميادين الرئيسية بالمحافظات يمكنه ذلك و لكن بعد الاتفاق مع القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني على ميعاد و مكان التظاهرات .. و حتى الآن تم الاتفاق على (ميدان التحرير في القاهرة .. و ميدان الحقانية بالا سكندريه ... و ميدان الساعة بدمنهور.... و ميدان المحطة بالشرقية ... و أمام مبنى المحافظة بالمنصورة ). هل تم ذلك؟!

حاولت جريدة اليوم السابع من خلال موقعها الاليكتروني رصد ما حدث في عدة محافظات مصرية وجاء في التقرير:
الإسكندرية
شهدت منطقة المنشية تواجداً أمنياً مكثفاً لفض أي تجمعات، وتمركزت 14 سيارة أمن مركزي محملة بالجنود ، كما شهدت منطقة محرم بك انخفاضاً ملحوظاً في كثافة طلاب المدارس، حيث لم تتعد أربعة تلاميذ قي الفصل الواحد، وتلقى المدرسون بمدارس الإسكندرية تحذيراً مسبقاً بعدم الغياب يوم الإضراب. ( وكان هذا هو حال معظم المدارس والجامعات المصرية والتي يصعب قياس كونه مشاركة في الإضراب أو خوف من التعرض للضرر!!)

كان هناك انسياب في الحركة المرورية وركود في وكالة الخضار والفاكهة بالحضرة نتج عن ذلك انخفاض أسعار الخضروات بنسبة 30%، واختفت طوابير الخبز تماماً بسبب توقف توافد فلاحى القرى المحيطة بالمدينة إليها، وأحبطت قوات الأمن مظاهرة لعمال الترسانة البحرية من 300 عامل تجمعوا أمام الشركة القابضة للنقل البحري للمطالبة بمستحقاتهم المالية.
مرسى مطروح
قام أفراد من مباحث أمن الدولة بالمرور على المديريات والمصالح الحكومية لمتابعة دفاتر الحضور والانصراف لرصد المتغيبين عن العمل، بينما سادت المحافظة حالة الهدوء وانتفت أي مظاهر للإضراب.
البحيرة
توقف العمل بسوق الأسماك بإدكو بناء على طلب أصحاب المحال والمطاعم بالإسكندرية، والذين اعتبروا أن هذا اليوم خسارة كبيرة لهم لأنهم مطالبون بسداد أجور العمال بصرف النظر عن حركة البيع. وفى كفر الدوار تم صرف الوردية الصباحية بشركة غزل كفر الدوار بناء على طلب الأمن خشية حدوث تجمعات عمالية نتيجة التقاء ورديتي المساء والصباح، وتم القبض على عدد من قيادات العمال الذين شاركوا في إضراب العام الماضي، وامتنع عمال الوردية الثالثة بقسم الملابس الجاهزة عن العمل لمدة ساعة ونصف الساعة حتى تم إقناعهم بالعودة للعمل، بينما بلغت نسبة حضور العاملين 70% في الوردية المسائية و60% في الوردية الصباحية. وانخفضت نسبة الحضور في مدارس ادكو وكفر الدوار و دمنهور إلى 50%. وألقت قوات الأمن القبض على 15 من تحالف القوى الوطنية من البحيرة قبل قيامهم بوقفة احتجاجية في ميدان الساعة.
كفر الشيخ
شهدت محافظة كفر الشيخ حالة من الهدوء الشديد والاستقرار، ولم تحدث أي محاولات للالتحام مع فكرة الإضراب.
المنوفية
استجاب بعض تلاميذ مدارس المنوفية وطلبة الجامعة وبعض الأساتذة والعمال والموظفين لدعوة الإضراب، رغم قيام اللواء حسن حميدة محافظ المنوفية بجولة تفقدية للمدارس والمصالح الحكومية، وانتشرت قوات الأمن في الشوارع بصورة غير اعتيادية، تحسباً لأي مظاهرات أو احتجاجات.
الدقهلية
لم يعط التواجد الأمني الكثيف الفرصة للمتظاهرين لتنظيم مظاهراتهم، وألقت قوات الأمن القبض على ما يقرب من 60 من أعضاء حركة كفاية والكرامة تحت التأسيس وحزب الغد والتجمع. وقررت شركة الوبريات بسمنود، المتاخمة لحدود الدقهلية، لإلغاء الأجازة الإجبارية التي كانت منحتها للعمال لمدة أسبوع بسبب إضرابهم وإعادتهم للعمل مرة أخرى مع الوردية الثانية، وكان عمال الوبريات أضربوا مطالبين بمساواتهم بعمال غزل المحلة في المكافآت والبدلات مما اضطر الشركة إلى منحهم إجازة إجبارية لمدة أسبوع قطعتها بسبب الإضراب.
الفيوم
سارت الحياة في المحافظة بشكل طبيعي، وتفقد المحافظ ورؤساء القطاعات ووكلاء الوزراء مجموعة من المخابز والمدارس والجامعة للاطمئنان على سير العمل، وتجاهلاً من المجلس القومي للمرأة للإضراب، قرر عقد ندوة الأحد بالفيوم بعنوان "المرأة والدستور".
المنيا
شهد المواطنون في محافظة المنيا تحذيرات غير مباشرة من المشاركة في الإضراب بدأت منذ السبت وتجلت في لقاءات متتالية لرؤساء المصالح الحكومية والمديريات مع الموظفين وتحذيرهم من أي مشاركة، ووصل الأمر إلى التحذيرات بإحالة من يثبت مشاركته في الإضراب إلى التحقيق.
أسيوط
شهدت أسيوط كثافة أمنية عالية في مقابل عزوف جماهيري واضح عن المشاركة في الإضراب، وقام محافظ أسيوط اللواء نبيل العزبى بجولة منذ الصباح الباكر تفقد فيها سير العمل في المصالح الحكومية، أظهرت أن الأمور عادية للغاية.
سوهاج
شهدت شوارع سوهاج توزيع المنشورات بشكل مكثف وغزير تحث على الإضراب بسبب ارتفاع الأسعار ومطالبة المواطنين بعدم الذهاب للعمل والى مؤسسات التعليم المختلفة، ومن أصحاب المحال التجارية عدم فتح محالهم التجارية، من أجل الضغط لـ"إطلاق الحريات وبقضاء منصف ومواصلات آدمية".
وفى نفس الوقت شهدت المحافظة تكثيفاً أمنياً مصحوباً بتحذيرات مشددة من المحافظ للمواطنين بعدم المشاركة في الإضراب، وإحالة أي موظف يثبت مشاركته أو الدعوة للمشاركة إلى الشئون القانونية للتحقيق.
قنا
شدد الأمن تواجده في مراكز إسنا ونجع حمادى وقوص بسبب التواجد النشط للإخوان المسلمين في تلك المراكز، بينما شهدت المحافظة بصفة عامة حالة من الهدوء والاستقرار، والذي أرجعته بعض القيادات السياسية بالمحافظة إلى أن القطاع الأكبر من سكان المحافظة من العاملين بالزراعة ولم يعلموا- أصلا- بموعد الإضراب.
بورسعيد
أكد الدكتور أكرم الشاعر نائب الإخوان في بورسعيد أن الإخوان لن يشاركوا في معركة لم يخطط لها معتبراً أن الإضراب دون مشاركة أي من القوى السياسية نوعاً من الفوضى والهمجية.
وفى دائرة الاستثمار توقفت بعض المصانع عن العمل منذ الثامنة صباحاً وحتى الواحدة بعد الظهر، معبرة عن سخطها من ارتفاع الأسعار، وتمكنت مباحث أمن الدولة من إحباط محاولة عمال المصانع الخروج في مظاهرات احتجاجية.
وفى شركة بورسعيد لتداول الحاويات وهيئة الميناء ومصلحة الجمارك قامت الإدارة بإطلاق تحذير من المشاركة في الإضراب وتوعدوا المشاركين بالحرمان من الحوافز والمكافآت التي تصل إلى 75% من الراتب، بالإضافة إلى المساءلة القانونية. استدعت مباحث أمن الدولة قيادات العمال بكافة شركات القناة وحذرتهم من حدوث أنى أعمال شغب أو تظاهر أو مجرد التضامن مع الإضراب.
السويس
قام محافظ السويس بجولات في المدارس وفرع جامعة القناة وأدار حواراً عن ارتفاع الأسعار وأزمة الخبز في محاولة لامتصاص الغضب في هذه الأماكن، فيما شهدت المحافظة هدوءا شديداً وتواجد أمنيا مكثفا.
شمال سيناء والإسماعيلية
انشغلت الأحزاب في شمال سيناء بالانتخابات المحلية أكثر من انشغالها بالمشاركة في الإضراب، بينما شهدت الشوارع تواجدا أمنيا شديدا وعزوفا من المواطنين عن التواجد في الشوارع.
أما في الإسماعيلية فقامت أجهزة الأمن برصد أسماء الموظفين المتغيبين عن العمل وبدأت التحريات حولهم بينما قامت الشرطة منذ مساء السبت بالقبض على 15 نشطاً من حركة كفاية والإخوان المسلمين.
جنوب سيناء
انتشر أفراد الأمن داخل المديريات والمصالح الحكومية بالمحافظة، حيث تابعوا بأنفسهم وبشكل مباشر سير العمل، ونفى عدد كبير من الموظفين معرفتهم أصلاً بوجود إضراب في مصر.

نخلص مما سبق إلي فشل الإضراب العام في تعبئة الجماهير خارج القاهرة حيث كان التشديد الأمني والتواجد المكثف حائلاً دون تغيب الكثير من الموظفين والعمال بشكل أساسي أما الفلاحين وقري الريف المصري فهم خارج الدعوة بالكامل .باستثناء بعض محاولات التجمع الصغيرة التي تم إجهاضها في الإسكندرية والمنصورة ودمنهور.

مناهضي فكرة الإضراب العام
أعلنت الأحزاب الرسمية الثلاث الوفد والتجمع والناصري رفضها المشاركة في الإضراب ، كما أصدر المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين بياناً جاء فيه :
فيما يخص الإضراب الذي سمعنا عنه من مصادر مختلفة نحب أن نؤكِّد على الحقائق التالية:
أولاً: نحن الإخوان المسلمين مع ضرورة أن يكون الشعب بكل فئاته وشرائحه إيجابيًّا تجاه هموم وشئون بلده، وأن يترك سلبيته ولا مبالاته، وأن يتحرَّك للمطالبة بحقوقه العامة والخاصة، وأن يسلك في ذلك كل الطرق الشرعية والسلمية لنيل حقوقه، مع الحفاظ الكامل على مؤسسات الدولة.
ثانيًا: إن الإضراب حق دستوري تكفله أحكام محكمة النقض وتؤكِّده الاتفاقيات الدولية التي وقَّعت عليها مصر، ولا يمكن مصادرة هذا الحق تحت أي زعم أو تبرير.
ثالثًا: نحن مع الإضراب كوسيلة تعبير واحتجاج سلمي في مواجهة ممارسات السلطة التنفيذية الاستبدادية والقمعية، والتي أفسدت الحياة السياسية المصرية وفشلت في التعاطي مع كافة المشكلات الحياتية التي يعاني منها المواطن المصري.
رابعًا: إن مسئولية الإصلاح والتغيير ومواجهة الفساد والاستبداد تقع على كاهل الشعب كله وكافة قواه الحية؛ الأمر الذي يتطلَّب تكاتف كل القوى وتضافر كل الجهود وفق خطة عمل يتفق عليها الجميع.
ولا شكَّ أن إطلاق الحريات العامة وإيجاد ديمقراطية سليمة وانتخابات حرة نزيهة واستقلال حقيقي للسلطة القضائية يمثِّل على وجه الإجمال قاسمًا مشتركًا بين كافة القوى السياسية والوطنية.
خامسًا: لا زالت الإضرابات والاعتصامات- كحركة احتجاج اجتماعي- مرتبطةً بمطالب فئوية تتمحور في الأساس حول الارتفاع الجنوني في الأسعار وتدني الأجور وعدم توفُّر الحد الأدنى من المقومات الأساسية للمعيشة.. هذه الحركة قوية وناهضة ومتنامية، ويمكن أن يكون لها أبلغ الأثر في الضغط على السلطة التنفيذية لتغيير سياستها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بشكلٍ عام.. نحن نريد لها أن تمضيَ في هذا الاتجاه إلى نهايته بما يحقِّق آمال وطموحات الشعب المصري.
سادسًا: من الأمور المتَّفق عليها بين كافة القوى السياسية والوطنية أن الإصلاح السياسي هو المدخل الحقيقي والطبيعي لكافة أنواع الإصلاح الأخرى، وأن الحركة في هذا الاتجاه لن تؤتيَ ثمارها إلا من خلال حِراكٍ سياسي ومجتمعي عام، وهو ما يحتاج إلى بذل كثير من الجهد على مستوى الشعب ومؤسسات المجتمع المدني؛ بما يؤدي إلى تعظيم القيم الإيجابية والارتقاء بمنظومة القيم الأخلاقية والإيمانية اللازمة لإحداث النهضة المطلوبة.
سابعًا: نحن واثقون في أن الشعب المصري لديه طاقات كامنة وإمكانات هائلة، فقط تحتاج إلى مَن يكتشفها ويوظِّفها ويستثمرها ويوجِّهها الوجهة الصحيحة بحيث تكون قادرةً على إحداث الضغط المناسب في الوقت الملائم وبالطريقة الأكثر فاعليةً وتأثيرًا.. مطلوب منا أن نشحذ همم الشعب حتى يستعيد ثقته بنفسه، ويمتلك قدرته على التغيير، وأن يعلم أن ذلك يتطلَّب تضحيةً من وقته وجهده وراحته. ولله الأمر من قبل ومن بعد.محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين . والبيان منشور علي موقع الجماعة علي الانترنت.

كما نشر موقع :
http://aggregator.foolab.org/node/33039 مقال بعنوان " لماذا .. سيفشل إضراب 6 أبريل" وجاء المقال بدون توقيع بينما هو في الغالب لأحد قادة الأحزاب التي رفضت المشاركة وإن لم يعلن أسمه وقد نقلت عدة مواقع علي شبكة الإنترنت نفس المقال .لمزيد من الاستفادة سأعرض للنص المنشور وهو :
" المظاهرات .. الإعتصامات .. التجمهر .. الإضرابات .. كل ما سبق تعتبر أمور احتجاجية الغرض الأساسي منها هو الاعتراض والرفض لقضية معينة يصعب تغييرها بالطرق المباشرة وهي أفعال تعمل على لفت النظر لتلك القضية وأحيانا نوع من أنواع الضغط بإبراز ما يمكن أن ينتج عن عدم قبول مايطرحه المحتجين وهذا الاعتراض أي كان شكل التعبير عنه يجب أن تكون الرؤية واضحة في الآتي .. الأهداف .. طريقة التعبير .. وسائل التعبير .. الإعداد .. المشاركون .. ردود الأفعال .. فرص النجاح.كانت هذه مقدمة بخصوص هذا السيل من التدوينات التي تدعو لإضراب عام يوم 6 أبريل .
أولاً : الأهداف :
بالرغم من أن هذا الإضراب هو أكثر الإضرابات غموضاً من ناحية الأهداف ، فلا أستطيع أن أضع يدي على طلبات محددة إذا تم الاستجابة لها يتم إنهاء الإضراب أو عدم تكراره ، إلا أنني أكاد استشعر أن الهدف ممكن أن يكون نوع من أنواع لفت النظر لأمور حياتية وسياسية حالية لم يعد يرضي عنها الكثير ، وبهذا لا توجد أهداف واضحة الرؤية للإضراب يمكن قياسها وتحقيقها.
ثانياً : طريقة التعبير :
يجب أن تكون طريقة التعبير واضحة ، ويبدأ ذلك بتحديد هل هو مظاهرة أم اعتصام أم إضراب ثم تحديد مدة زمنية لها بداية ولها نهاية ومكان محدد أو أماكن محددة ، الشكل العام لاحتجاج يوم 6 أبريل على مايبدو هو إضراب يشمل جميع مرافق الدولة ، وهذا يعتبر من أصعب أنواع الإضرابات إذا علمنا مدى صعوبة القيام بإضراب في إحدى المؤسسات أو الشركات تحتوي على المئات من العاملين لأهداف محددة ، فما بالك بإضراب يشمل جميع قطاعات الدولة .. لذلك فطريقة التعبير بهذا الشكل تعتبر طريقة مستحيلة. ( هذا طبعاً من وجهة نظره)

ثالثاً : وسائل التعبير :
لا توجد لافتات .. لا توجد شعارات .. لا توجد تغطية إعلامية ولا استخدام وسائل إعلام بشكل مكثف تخدم فكرة وهدف الاعتراض .. فقط مجموعة من البانرات والتدوينات التي تدعو للإضراب في المدونات على الإنترنت وهي وسيلة حتى الآن تعتبر غير مؤثرة في عدد كبير من المدعويين للمشاركة في الإضراب ، لذلك فوسائل التعبير على الاحتجاج غير كافية لأن تصل للجميع محتجين ومحتج عليهم. ( هذه النتيجة مخالفة للواقع لأن التغطية الإعلامية التي اهتمت بالدعوة منذ ميلادها كانت عنصر هام في توسيع ونشر الدعوة ثم أن السبعين ألف مشترك في الموقع هم أيضاً قوة إعلامية لا يستهان بها ، كما أن وسائل الدعاية والإعلام تتغير بين مرحلة وأخري والحياة متجددة دائماً )
رابعاً : الإعداد :
الاحتجاجات بشكل عام تحتاج إلى قيادة تستطيع تسيير شكل الاعتراض وقيادته وإبداء الرأي الحازم في أي تطورات تخص الاعتراض حتى لا تتناثر الآراء وتتوه القضية بين الخلافات في الرأي ، وقيادات هذا الاعتراض أشخاص تخيليين أو سيبريين ، ولم نسمع مسبقا عن إضراب بهذا الشكل ينبع من الفيس بوك . ( بالعكس كان الكثيرين مشتركين بأسمائهم بدليل معرفة أسماء عدد من المدونين الذين كانوا من الداعين للإضراب وبدليل أن الإعلام تحدث عن إسراء كزعيمة للفيس بوك رغم أنها فور خروجها من المعتقل قالت لمراسل القاهرة اليوم رداً علي سؤال حول توقع نتائج ما فعلته أجابت ( لأ مكنتش متخيلة،لأ كان سوء تقدير مني، وسوء فهم مني، الموضوع كان مجرد مشاعر باخرجها علي النت. لو أتخيل إن كل ده هيحصل مكنتش عملت كدة) . ويمكن مشاهدة الموقف كامل علي الرابط التالي :
http://www.youtube.com/watch?v=1bpOQSN4YrA )
خامساً : المشاركون :
عادة يشارك في الاعتراض كل من له صلة مباشرة بالقضية المعترض عليها وهذا الاعتراض يخص كل من يعمل في البلد ، وبما أن الفكرة نابعة من بعض الشباب لايضرهم كثيرا أن يتغيبوا عن محل دراستهم يوما واحداً أو مجال عملهم الحالي ، فهؤلاء ليست لديهم التزامات ومسئوليات كبرى كالمتزوجين تمنعهم من مجارة هذا الاعتراض بالطريقة المطلوبة ، فبعيدا عن متصفحي النت من هذه الفئة فالوعي لدى الآخرين يصعب عليهم المشاركة ، لذلك ستصبح المشاركة ضعيفة بل تكاد تكون معدومة.
سادساً : ردود الأفعال :
من أخطر ما في مظاهر الاعتراض بأنواعها المختلفة رد الفعل ، ففشل الاحتجاج يؤدي إلى نتائج سلبية مؤثرة مثل هبوط الروح المعنوية بشكل كبير ، العزوف عن المشاركة في احتجاجات أخرى ، الكفر بالمشاركات الجماعية ، استئثار بعض الأشخاص بعقوبات جماعية تساعد المعترض عليهم في تفادي مثل تلك الاحتجاجات مستقبلا ، لذلك رد الفعل تجاه هذا الاعتراض سوف تكون سلبية جدا عقب انتهائه.
سابعاً : فرص النجاح .. صفر
أخيراً ... يجب الأخذ في الاعتبار أن ما ذكرته سابقا عن الاعتراضات لا ينطبق أبداً عن ما يسمى بالثورة .. الثورة شيء آخر مخالف تماماً .هذه تدوينة ليس هدفها أبداً أن تسبح عكس إتجاه التيار ، أو أن تأخذ تياراً مناهضاًً للإضراب ، ولكنها وجهة نظر تحليلية أعتقد فيها .
ونشر في نهاية المقال عبارة" هذه تدوينة قد تغضب البعض ولكني وجدت أن الأمانة من جانبي أن أعرضها" .

أما حزب التجمع باعتباره ممثل اليسار الشرعي فقد اتخذ موقف بالمقاطعة ولكنه لم ينشره وجاء العدد 1371 من الأهالي الصادر في 2 إبريل خالي من موقف التجمع ولكن العدد 1372 جاء بعنوان رئيسي " إضراب محدود .. وحكومة مذعورة" بينما هللت جريدة روزا ليوسف بموقف التجمع وأبرزته بعنوان " موقف حازم للتجمع : " عبيط " من يدعوا للعصيان المدني .. والناس أكثر ذكاء من التجاوب مع دعوات الفئران" هذه الألفاظ القاسية هي صادرة من حزب يدعي انه معارض ، ويدعي تمثيل اليسار وأصدرت الأمانة العامة للحزب بياناً أعلنت فيه تضامنها مع المطالب المشروعة لعمل المحلة ويؤيد الإضراب والاعتصام السلمي ، وفي أستاذية لم يتحدث بها مرشد الأخوان الذي يملك شعبية حقيقية ينتهي البيان بعبارة تقول " إن العصيان المدني سلاح لا ينبغي الاستهانة بالدعوة لاستخدامه وأن المجتمع المصري بكل منظماته وأحزابه ليس مهيئاً للإقدام علي خطوة كهذه".

ربما تكون الدعوة العقلانية للتجمع جاءت علي لسان الأستاذ حسين عبد الرازق بقوله " لابد من وجود تنظيم يستطيع أن ينظم ويحرك الناس ووجود قيادة لهذا الإضراب تجمع حولها كافة شرائح المجتمع " . كما صرح الأستاذ عبد الغفار شكر بأن " الحزب مع إضراب عمال المحلة لتحقيق مطالبهم ولكنه ليس مع الإضراب العام، فالحزب مع مظاهرات المحلة ومع التظاهر كوسيلة ديمقراطية لتحقيق مطالب العمال ، والأصل كانت دعوة لإضراب عمال المحلة ودخل عليه مجموعة أل fecebook في الدعوة للإضراب العام".لذلك علينا عدم التعامل مع حزب التجمع ككتلة واحدة بل مجموعة من الاجتهادات المتداخلة والمواقف المتباينة .

هكذا اتفق التجمع والأخوان المسلمين علي تأييد الحق في الإضراب والتظاهر وتأييد عمال المحلة ورفضهم للإضراب العام لأسباب مختلفة لكل منهم.

موقف رجال الدين
لم أتمكن من العثور علي موقف معلن لممثلي الكنائس المصرية من أحداث 6 ابريل بينما وجد أكثر من موقف معلن لرجال الدين وممثلي المؤسسة الرسمية . فقد صرح الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر لصحيفة "المصري اليوم": إن الإضراب لا يجوز من الناحية الشرعية، لأنه يعمل علي تعطيل المصالح العامة للمسلمين، وهو ما ترفضه الشريعة الإسلامية والأديان السماوية".وأضاف "أنا شخصياً ذهبت إلى عملي وذهب كل العاملين في مشيخة الأزهر إلى العمل وأنني أدعو الناس إلى الذهاب إلى عملهم وعدم الاستجابة لمثل هذه الأشياء التي تضر أكثر مما تنفع".
وأوضح طنطاوي "أن الإضراب يجب أن يكون بإذن من السلطات المختصة، لأنها الأحرص على المصالح العامة حتى لا يقع الضرر على المؤسسات والهيئات التي تعمل على تسيير مصالح الناس".
ورداً على سؤال عما إذا كان هناك فرق إذا كان الإضراب احتجاجاً على الغلاء؟ قال شيخ الأزهر "الدولة مسؤولة عن مكافحة الغلاء وهي لا تألو جهداً في ذلك، فهي تعلن جهاراً نهاراً أنها ضد الغلاء وتعمل على مكافحته، وعليه فلماذا الإضراب؟".

واتفق معه الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري الذي أكد "عدم وجود شيء اسمه إضراب عن العمل أو مظاهرات في الإسلام لأن كل هذه الأعمال ليس لها سند في الأثر، وعلى الناس أن تذهب إلى العمل ولا تتوقف عن تسيير مصالحها".وأضاف "لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي أن حدثت إضرابات أو مظاهرات لا في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الصحابة، ولم نسمع عن أناس أضربوا عن العمل بسبب ارتفاع الأسعار، وإنما كانوا يصلون لله ويرفعون أيديهم بالدعاء إلى الله لرفع البلاء بدلاً من تعطيل العمل".
وأشار البدري إلى أن ظاهرة الإضرابات مستحدثة ومستوردة من الخارج، ولا يجب أن نأخذ المساوئ المناوئة للشريعة ونترك المزايا.

من جانبه اختلف عميد كلية أصول الدين السابق الدكتور منيع عبد الحليم محمود مع الآراء السابقة، وقال "إن الإضراب جائز شرعاً، لأنه يعني حالة احتجاج على وضع يجد فيه الإنسان نفسه مظلوماً، فمن حقه التعبير في هذه الحالة عن هذا الرأي بكل وسيلة ممكنة، ومنها الإضراب".
لذلك نجد أنه حتى داخل المؤسسة الدينية اختلفت المواقف ما بين مؤيد ومعارض . ومن المهم أن تركز قوي التنوير المصرية علي موقف شيخ الأزهر ويوسف البدري أحد أكثر دعاة التعصب والحسبة في مصر . وفضح هؤلاء المشايخ ومواقفهم كجزء هام من معركة التنوير والتحديث في مصر.

نتائج ما بعد 6 إبريل
إن النتائج التي تحققت بعد 6 إبريل تحتاج منا جميعاًً للتفكير والتأمل لكي لا نهدر الخبرات التي تحققت.وهي اجتهاد يحتاج لمناقشات مطولة واستدلالات كثيرة .
أولاً ـ بالنسبة للأحزاب القديمة
لقد فقدت الأحزاب القديمة حضورها الجماهيري وأصبحت مثل عواجيز الفرح وكان لحرصها علي التنسيق مع الحكومة أثاره المدمرة عليها ، كما أنه لا يجب أن نحيل وضع هذه الأحزاب للتطورات الداخلية فقط . فمن المؤكد أن التعددية السياسية المقيدة وحصار الأحزاب داخل المقرات والصحف الحزبية واستسلامها لذلك فاقم من تآكلها ومحدودية انتشارها.

لقد قام بعض الخبراء بتقييم موقف الأحزاب حيث وصف الدكتور يحيي الجمل الفقيه الدستوري والرئيس السابق لحزب الجبهة الديمقراطية، الأحزاب السياسية بأطفال الأنابيب، وأنها «هجين»، وقال: أعضاء الأحزاب مشغولون بأجنداتهم الخاصة، ويأتي الصالح العام في نهاية اهتماماتهم، وهذا نتيجة للمناخ السياسي العام، لأن نشأتهم لم تكن طبيعية والفراغ الموجود طبيعي، أن تملأه قوي أخري.

وأكد الدكتور وحيد عبدالمجيد، رئيس معهد الوفد للدراسات الإستراتيجية والسياسية، أن سبب ظهور هذه القوي السياسية الجديدة من جيل شباب الإنترنت، غياب أحزاب المعارضة في مصر، مؤكداً أن أحزاب المعارضة لم تكن موجودة من قبل، بسبب التضييق عليها لفترات طويلة أنهكتها، ولكن مع استمرار الفراغ السياسي لفترات طويلة، بدا فيها أن الوضع طبيعي بعدم وجود حياة سياسية وبدأت تظهر قوي جديدة منذ عام ٢٠٠٤، أمثال حركة كفاية، ولكنها فشلت بسرعة لأنها لم تملئ هذا الفراغ، ولم تنجح لأنها لم تكن تملك رؤية محددة لمشكلات محددة، لأن المشكلات كانت أكبر من حجمها ففشلت وانحصرت وإن حركت الوضع قليلاً.

وأشار إلي أن ظهور قوي جديدة اتخذ عناصرها الإنترنت وسيلة للتعبير، لن تكون قادرة علي سد الفراغ السياسي الموجود لغياب الرؤية السياسية لديها، وعدم وجود أجندة محددة أو برنامج للتغيير، مؤكداً أنها قوي تعبر عن غضبها بأسلوبها، وأضاف عبدالمجيد أن الاحتجاج وحده علي وضع قائم لا يكفي، موضحاً أن الوضع البديل، لا يزال مجهولاً، مؤكداً أن هذه الحركات من الممكن أن تستغلها بعض القوي للتخريب، ولكن لا يمكن أن تستغل للتغيير، فليس لديها أفق وقدرة علي التغيير، ويجب أن يكون لديهم أهداف محددة «ماذا يريدون من التغيير وكيف يتم التغيير ولمن يتم التغيير؟».

وقال الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بـ«الأهرام»: هناك حالة انفصام بين الشارع والقوي السياسية، وأن الأخيرة فقدت مصداقيتها وعجزت عن التواصل مع الناس. وأضاف أن قادة الاحتجاجات الجديدة كلها مرتبطون بالموقع الإلكتروني، وليست لهم علاقة بالأحزاب، وهذا يعكس أزمة في القوي الشرعية نفسها.

وقال: إن الاحتجاجات السياسية تأتي من خلال قوي منظمة تسيطر علي الانفلات والعنف، ولابد من وجود وسيط سياسي، وأكد أن عدم وجوده أدي إلي التحرك الفطري. وأضاف أن الاحتجاجات الاجتماعية ستغير من الخريطة السياسية، فمن الممكن أن نسمع قريباً عن قيادات سياسية خارجة من الشارع، بدلاً من الحديث عن قيادات حزبية غير موجودة، وعن حزب وطني يحتكر كل شيء.

وقال الدكتور عمرو هاشم ربيع، الباحث بمركز الدراسات السياسية بـ«الأهرام»: إن الأحزاب في مصر «مكتبية» ومعروفة للمواطن، عن طريق الصحف الحزبية، أو وقت الانتخابات عندما كانت تتم بنظام القائمة، وحركات الاحتجاج الشعبي تتميز بأنها غير مكتبية وتنزل للشارع، والاختلاف في الدعوة علي الإنترنت أن «الجماعة النتوية» لم تنزل للشارع، لكنها لمست قضايا اجتماعية واقتصادية تهم الناس.( جريدة المصري اليوم 17/4/2008 )

كما كتب نبيل رشوان في جريدة ( نهضة مصر ) عموداً بعنوان ( انتهاء الأحزاب ) جاء فيه: ما حدث يوم 6 إبريل كشف ضمن ما كشف عن ضعف الأحزاب السياسية وهشاشة تواجدها في الشارع السياسي وفقدانها لفاعليتها ولدورها في الساحة السياسية.

لقد انتهي البعض إلي أن من نتائج 6 ابريل انتهاء الأحزاب السياسية .لذلك لو تأملنا في عجالة مواقف أهم الأحزاب نجد الآتي:
1 ـ حزب الوفد
انشغل الحزب منذ فترة بالصراع بين الدكتور نعمان جمعة والأستاذ محمود أباظة الأمر الذي انعكس بشكل مباشر علي فاعلية الحزب وأدائه السياسي ، واعتمد علي لجنة الأحزاب التي يقودها السيد صفوت الشريف في حسم الصراع لصالح مجموعة محمود أباظة مما جعل الحزب يستمر معتمداً علي الحزب الوطني ، كما أن دخوله في صفقة المحليات وحصوله علي حصة من الكعكة جعله يرفض الإضراب العام.

كما أن تغير رئاسة تحرير جريدة الوفد إنعكس بشكل مباشر علي أحد الوسائل الهامة لتواصل الحزب ، فقد استطاع الأستاذ أنور الهواري خلال رئاسته لتحرير الجريدة تحويل الوفد لجريدة جماهيرية ونذكر له اهتمامه بالاحتجاجات العمالية وعلي رأسها إضراب عمال كفر الدوار . لكن تغير الموقف خلال الفترة الأخيرة. كما أن أداء نواب الوفد داخل البرلمان متفاوت حيث نجد نائب مثل محمد عبد العليم داود مشارك في غالبية الفعاليات الشعبية والاستجوابات الخاصة بالقضايا الجماهيرية بينما باقي نواب الوفد حضورهم غير ملموس .

يصعب التنبوء بمستقبل الوفد قبل أن تتوحد حركة عناصره علي وجهة محددة أيا كانت وبحيث تكون له رؤية محددة وواضحة ومعلنة من مختلف قضايا الوطن.إضافة لمواجهة خصوم أقوياء تحمل نفس الخطاب الليبرالي للوفد هي حزبي الغد والجبهة وما تمثله من خطر علي قواعد الوفد.

2 ـ حزب التجمع
لا يزال التجمع يمثل حزب اليسار لدي الكثير من المواطنين غير اليساريين. كما لا يزال هناك العديد من الشرفاء يناضلون في مختلف المستويات بدء من الأمانة العامة مثل المناضل النقابي عطية الصيرفي والأستاذ عبد الغفار شكر والدكتور إبراهيم العيسوي والدكتور جودة عبد الخالق ومروراً بمختلف مستويات الحزب داخل وخارج القاهرة.كما يضم بعض القيادات العمالية المخلصة مثل الزملاء عبد الرشيد هلال وطلال شكر ونبيل عبد الغني.

لذلك يصعب اخذ موقف موحد من التجمع ككل لأنه حتى داخل أحداث المحلة شارك جزء من قيادات التجمع في كل أحداث المحلة . ولكن التجمع محكوم بقواعد اللعبة السياسية والحدود التي يفرضها النظام .

كما أن سياسية الصفقات الحكومية قد أراها أنا وآخرين نوع من الانتهازية ، بينما يبررها صانعوها بأنها وصلت بأثنين أو ثلاثة من التجمع لعضوية مجلس الشورى ونجاح بضع عشرات في انتخابات المحليات الأخيرة وبما يبرر لدي قيادة التجمع الصفقات ويعتبر انه الرابح بخدمة الجماهير من خلال عضوية محدودة في المجالس النيابية . كما انه لم يدين إضراب المحلة بل أدان ورفض الإضراب العام.

كذلك ظل حزب التجمع رغم كل الخلافات الحادة التي نعايشها محافظاً علي وحدته رغم خروج المئات من كوادر اليسار من بين صفوفه وربما تكون هذه أحد السمات التي تحتاج للدراسة والتأمل.

لذلك اعتقد أنه من الخطأ المبادرة لمهاجمة التجمع ككتلة واحدة ولكن علينا أن نهاجم السياسات والتوجهات الانتهازية فقط عندها سنجد مؤيدين لأفكارنا من داخل التجمع نفسه. كما أن حدة الهجوم علي التجمع يراها البعض هجوم علي اليسار . وأخيرا لدي قناعة راسخة بان إصلاح أوضاع التجمع لن يحدث إلا بوجود يسار حقيقي خارج التجمع ، إلا بوجود حزب عمال قادر علي أن ينتزع القيادة بشكل حقيقي بواسطة العمال والفلاحين وليس بواسطة المناظرات الكلامية وصراعات المقاهي.

3 ـ الحزب الناصري
يعاني الحزب الناصري مثل باقي الأحزاب الشرعية من العزلة والانحسار إضافة إلي الخلاف الذي حدث خلال المؤتمر العام الأخير وحدوث شرخ بالحزب يمتد في جميع محافظات مصر.كما يعاني الحزب من كونه ليس الحزب الوحيد الذي يرفع لواء الناصرية فبجانبه تقف أحزاب الوفاق القومي والكرامة لتطرح رؤية ناصرية أكثر راديكالية بما يسحب البساط من تحت الحزب.لقد نجح الحزب الناصري ضمن الصفقة الأخيرة في تسريب بعض الأعضاء للمحليات ومقاطعته الإضراب العام .

لكن يبقي مستقبل الحزب معلق بمدي قدرته علي توحيد صفوفه من ناحية وطرح خطاب مستقل يحافظ علي ثوابت الحركة الناصرية. كما تتوقف استمراريته علي مدي قدرته علي الائتلاف والتوافق مع الأحزاب الناصرية الأخرى في التحركات العامة.

4 ـ حزب العمل
يعد حزب العمل الوحيد من بين الأحزاب القديمة الذي شارك في إضراب 6 إبريل رغم أنه يعاني منذ سنوات من التمزق الذي نجحت الحكومة في فرضه علي الحزب لتخرجه من المعادلة السياسية وتوجه له ضربات موجعة، إضافة لمصادرة "جريدة الشعب "لسان حال الحزب وحرمانه من التواصل مع جمهوره.وربما تكون معركة الحزب التي قادها للهجوم علي رواية وليمة لأعشاب البحر هي أحد أسباب توقف معظم القوي السياسية عن مساندة الحزب الذي تحول لحزب ديني .

لقد انكشف خلال الفترة الأخيرة فساد وتواطئ القضاء في الحكم الذي صدر بحق الأستاذ مجدي أحمد حسين رئيس الحزب في قضية سب يوسف والي ومع ذلك لم يرد لمجدي اعتباره ويظل والي نائب للرئيس مبارك في مفارقة من المضحكات المبكيات في مصر .

لقد نجح مجدي أحمد حسين وفائق أبوالمعالي وإبراهيم حسن ورفاقهم في الحفاظ علي بقايا حزب العمل وشاركوا في اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ، كما كانت مظاهراتهم الأسبوعية في الجامع الأزهر للتضامن مع فلسطين والعراق هي احد أسباب إصدار قانون منع التظاهر في دور العبادة. كما نجح الحزب في تطويع آليات الاتصال الحديث عبر الانترنت في إنشاء مجموعات بريدية وموقع اليكتروني كبديل مؤقت عن الجريدة الورقية.

إن واجب اليسار هو الدفاع عن حق الحزب في العودة لممارسة نشاطه داخل مقراته وعودة جريدته للصدور ولكن مع توضيح التوجهات القادمة للحزب لأن الموقف الأخير قبل المصادرة انهي تعاطف معظم القوي مع الحزب والذي أصبح وكر لأفكار التطرف . كما يتوقف مستقبل الحزب علي مدي نجاحه في طرح خطاب إسلامي مختلف قادر علي جذب قطاعات من الجمهور إليه في ظل منافسة قوية مع حركة الأخوان المسلمين ذات الخبرة والتاريخ العميق من ناحية وحزب الوسط صاحب الرؤية العصرية للإسلام والذي لم يتورط في معارك مثل وليمة لأعشاب البحر وظل يمثل محاولة واجتهاد سياسي جديد من منظور إسلامي.

ثانياً ـ بالنسبة للأحزاب الجديدة
شارك في الإضراب العام يوم 6 إبريل أربعة أحزاب جديدة منها حزبين لهما ترخيص والآخرين في نزاعات قضائية من أجل الشرعية ، وقد سبق أن عرضت في موضع سابق لمدي جاذبية زعماء هذه الأحزاب وما يتمتعون به من شباب وكاريزما مقارنة بزعماء الأحزاب القديمة الذين تجاوز بعضهم سن السبعين باستثناء مجدي حسين.

ولو تأملنا موقف هذه الأحزاب الجديدة من الإضراب نجد الآتي:
1 ـ حزب الغد
رغم حداثة عهد الحزب إلا أنه استطاع بزعامة الدكتور أيمن نور جذب قطاعات عريضة من الشباب وهو حزب ليبرالي ينافس الوفد علي جزء رئيسي من الأفكار ولكن خوض الدكتور أيمن لمعركة رئاسة الجمهورية وحصوله علي ما يقرب من نصف مليون صوت بالإضافة لكونه نائب بالبرلمان أزعج الحكومة التي لفقت له قضية لتبعده عن الحزب.ثم بدأت لعبتها التقليدية لتمزيق الحزب لولا صمود الأستاذة جميلة إسماعيل التي حاولت الحفاظ علي بقايا الحزب بأفكار أيمن نور ومواجهة مجموعة مصطفي موسي التي دعمتها الحكومة.

لقد شعرت الحكومة بالخطر من حجم التأييد الكبير الذي حققه حزب الغد منذ ولادته ، وشعرت بأن طموحات الدكتور أيمن تمثل تهديد حقيقي خاصة وانه يحمل خطاب ليبرالي منافس حقيقي لخطاب الحزب الوطني من هنا جاء قرار تمزيق الحزب .

أن إسراء عبد الفتاح أحدي الداعيات لإضراب 6 إبريل هي عضو بحزب الغد ، كما أن أعضاء الحزب من أبناء الطبقة الوسطي لعبوا دور هام في دعم الإضراب ونجاحهم في الوصول إلي قطاعات عريضة من الشباب ووصول أنباء الإضراب لملايين المصريين.

لذلك فإن تجربة المشاركة في الإضراب قد أفادت مجموعة الدكتور أيمن نور في زيادة تماسكها واختبار فاعليتها ، لكن تعجلهم بإعلان إضراب عام جديد في 4 مايو أي قبل مرور شهر علي الإضراب الأول ، وقبل تقييم ما حدث ومعرفة نقاط الضعف والقوة في حركتهم يجعلهم معرضين لاختبار صعب يمكن أن يعصف ببقايا الحزب من الشباب المتحمس.

كما أن نجاح حزب الغد في جذب ألاف الشباب لعضويته يعد تجربة ادعوا كل اليساريين المصريين لتأملها وقراءتها لنعرف لماذا فشل اليسار علي اختلاف تلاوينه السري منها والعلني في جذب هذه القطاعات الشبابية لصفوفه ، وما هو مضمون الخطاب الذي جذب الشباب لحزب الغد كي نستفيد منه في تطوير الخطاب اليساري وأدوات التواصل الجماهيري.

2 ـ حزب الجبهة الديمقراطية
رغم أن الدكتور أسامة الغزالي حرب كان عضوا في لجنة السياسات بالحزب الوطني إلي وقت قريب ، إلا أن خطابه الليبرالي نجح في جذب عناصر كثيرة للمشاركة في بناء الحزب الذي نجح في الحصول علي الشرعية بأسرع من تنبؤات الجميع. ورغم انسحاب عدد من القيادات الهامة والمؤثرة من صفوف للحزب مثل الدكتور يحي الجمل والدكتور علي السلمي إلا أن الحزب نجح في تنظيم انتخابات مستوياته المختلفة من القاعدة إلي القمة وتجاوز الكثير من العقبات.

ومنذ اللحظة الأولي قرر الحزب المشاركة في الإضراب لكي يختبر قوة تشكيلاته المنتخبة حديثة وحجم نفوذه وتأثيره السياسي . ولقد نجح بالفعل في تعبئة قطاعات شبابية للمشاركة في الإضراب العام . وقد لوحظ خلال الفترة الأخيرة وجود عناصر من حزب الجبهة شاركت في العديد من الفعاليات الجماهيرية في الكثير من محافظات مصر بما يعكس طموح الحزب ليحتل مساحة حقيقية من الحياة السياسية في مصر وليكون رقم فاعل في المعادلة السياسية وليس مجرد إطار شكلي.

كسب الحزب بمشاركته في الإضراب العام ولكنه يواجه نفس المخاطر التي تواجه حزب الغد وهي وجود أكثر من حزب يرفع راية الليبرالية ، إضافة إلي التسرع في المشاركة في إضراب جديد في مايو ، ولكن هل يستطيع الدكتور أسامة الغزالي أستاذ العلوم السياسية الحفاظ علي تماسك الحزب وتميز خطابه وتوسيع نفوذه ؟! ذلك ما ستوضحه لنا التطورات القادمة.

3 ـ حزب الكرامة
هو أقوي الأحزاب الناصرية حيث يضم نخبة من قيادات جيل السبعينات بزعامة النائب حمدين صباحي ، ورغم انه مازال في نزاعات قضائية للحصول علي الشرعية إلا أن له نائبان في مجلس الشعب لهم أداء متميز يدعم من شعبية الحزب ونفوذه. كما أن مشاركتهم النشطة في إضراب موظفي الضرائب العقارية بزعامة الزميل كمال أبوعيطة دعم وجودهم العمالي .

ومنذ سنة تقريباً رفعوا شعار العصيان المدني من خلال دعوة ( خليك بالبيت ) ولكن الدعوة لم تلقي الرواج الكافي ، لكن مع تزايد موجات السخط الجماهيري وانتشار الاحتجاجات العمالية واستخدام وسائل الاتصال الحديثة نجح حزب الكرامة في المشاركة الفعالة في دعوة الإضراب العام مستفيدأ من كونه صاحب الراية الناصرية التي تهفو لها قلوب الملايين إضافة لطرحه رؤية عصرية لمواجهة المشاكل المعاصرة.

بادر حزب الكرامة لإعلان مشاركته في إضراب مايو قبل تقييم تجربة ابريل وهو ما يعرض الحركة للإنهاك خاصة وان المشاركين في إضراب ابريل مازال بعضهم قيد الاعتقال ، والنظام لازال قوي ويملك العديد من نقاط القوة. لكن توجد مشكلة منهجية لدي حزب الكرامة وتمتد لحركة كفاية بدرجات وهي التوهم في ضعف النظام لدرجة أن بضع مظاهرات يمكن أن تؤدي لانهياره ، وان بعض الوقفات الاحتجاجية هنا وهناك تزلزل أركان النظام ، وكلها أوهام غير حقيقية ومبالغة في نقاط قوة الحركة وإنهاك لها يؤدي لأن تصبح مجرد تحركات نخبوية يشاهدها الجمهور وربما يشجعها من بعيد دون أن يشارك فيها.

4 ـ حزب الوسط
يمثل الحزب انشقاق عن جماعة الأخوان المسلمين وهو في نزاعات قضائية منذ سنوات لانتزاع الشرعية ، وقد كان الحزب من المشاركين النشطاء في لجنة مناصرة الانتفاضة الفلسطينية وحركة كفاية. واستطاع المهندس أبوالعلا ماضي والأستاذ جمال سلطان طرح رؤية إسلامية مخالفة لخطاب الأخوان المسلمين .

كما نجح الحزب في تنظيم إفطار رمضاني سنوي يكون مناسبة لاجتماع قادة مختلف القوي السياسية لتبادل الرأي حول مستقبل مصر ، ولذلك كان قرار المشاركة في الإضراب العام من اجل اختبار قوة الحزب ومدي نفوذه ، إضافة لكونه احد المشاركين النشطاء في حركة كفاية.

ربما يتأثر الحزب لو أعلن عن تحول الأخوان المسلمين إلي حزب سياسي ولكن رغم طرح برنامج حزب الأخوان للمناقشة العامة فإنه حتى الآن لم تتخذ أي خطوات عملية لإعلان الحزب. ويظل حزب الوسط هو الحزب الأكثر تعبيراً عن الانفتاح الإسلامي ربما بشكل أكثر وضوحاً من حزب العمل.

ثالثاً ـ حركة الأخوان المسلمين
تتمتع الحركة بشعبية كبيرة ربما تجعلها أكبر قوي سياسية في مصر بعد الحزب الحكومي ، وهو ما جعلها تنجح رغم الشطب والعنف والبلطجة في نجاح أكثر من 80 عضو بالبرلمان المصري . كم أن نواب الأخوان في البرلمان لم يكتفوا بالخطاب القديم الذي يتحدث عن وقف فوازير رمضان أو مصادرة فيلم سينمائي أو رواية ولكنهم غاصوا في قلب قضايا ومشاكل الجماهير . والمتابع لمضابط مجلس الشعب سيجد عشرات الاستجوابات وطلبات الإحاطة حول مختلف القضايا الجماهيرية من الغلاء إلي بيع الغاز لإسرائيل ومن مصادرة أموال المعاشات إلي مشاكل الزراعة والصناعة المصرية . وبذلك استفاد الأخوان من كثافة وجودهم البرلماني لدعم نفوذهم الجماهيري.

ولقد تلقت الجماعة عشرات الضربات الأمنية علي مدي السنوات الأخيرة حتى أن غالبية أعضاء مكتب الارشاد مروا بمختلف معتقلات مصر وأخيرا كانت المحاكمات العسكرية لقادة الجماعة والأحكام المشددة التي صدرت بحق قادة الجماعة كعلامة هامة علي طريق الصدام بينهم وبين النظام.

المهم في تقييم موقف الأخوان هو معرفة أنهم القوي السياسية الوحيدة المهيأة للوصول للسلطة ولذلك يستشعر النظام بالخطر الداهم لها ويوجه لها الضربات المتتالية . والعلاقة بينهم وبين السلطة بها الكثير من الندية وهم يلعبون مبارة علي السلطة يستخدمون فيها الجماهير.ولكن من المهم التأكيد علي أنها نفس سلطة رأس المال والتبعية الأمريكية ، وإنهم معادين للديمقراطية بمعناها الواسع ومؤكد ببعدها الاجتماعي ، كما أنهم ثقافياً داعمين لقوي التخلف والظلام في المجتمع.

توجد انتهازية شديدة في حركة الأخوان وتنسيق مع الحكومة في بعض المواقف كما حدث في مظاهرات الاستادات الرياضية عند غزو العراق وفي العديد من المواقف يكون الأخوان الوجه الآخر لحزب الرأسمالية الحاكم. ولكن للإخوان دائماً حساباتهم الخاصة التي لا تهتم سوي بمصالحهم المباشرة.

وهناك عشرات الأمثلة لما فعلوه في النقابات المهنية ، ورفضهم المشاركة في التحركات الجبهوية وسعيهم للتميز باعتبارهم الأقوى من ناحية ولمداعبة الحكومة والضغط عليها من ناحية أخري ، لذلك كان موقفهم الأخير والذي عرضنا له في بيان المرشد العام وهو تأييد حق الإضراب والتظاهر وتأييد التحركات العمالية ورفض المشاركة في الإضراب العام .

علينا أن نعرف أن للإخوان حسابات مختلفة تضع في اعتبارها انتخابات المحليات وتعويلها علي انتزاع عدد من المقاعد يؤهلها للمنافسة في انتخابات الرئاسة القادمة والضغوط التي تعرضت لها حتى انسحبت. وكذلك انتظار أحكام المحكمة العسكرية وعدم الرغبة في الصدام في هذا الوقت المحتقن.

علينا أن نري أن الأخوان ليسوا كتلة واحدة صماء عصام العريان مختلف عن عبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد حبيب مختلف عن خيرت الشاطر وعبد الستار المليجي، والقواعد ليست كل متجانس. وواجب قوي اليسار هو أن تدين حملات الاعتقال المتوالية للإخوان ، وتدين وبوضوح المحاكمات العسكرية لقادة الأخوان ، وفي نفس الوقت تفضح وتدين بشدة كل المواقف الانتهازية والرهانات علي الحكومة من قبل الأخوان .علينا أن نطرح عليهم مواقف واضحة قبل أي حوارات للتنسيق .ومن المؤكد أن الأخوان لن يهتموا بالتعامل الجاد مع اليسار طالما استمرت حالت الضعف والعزلة التي نعيشها منذ سنوات ، وطالما ظل اليسار يعمل بلا حزب قائد.

بل من الممكن أن يكون وجود حزب يساري حقيقي له نفوذ جماهيري ولديه رؤية متبلورة للتغير وسيلة للتأثير في جماهير الأخوان. ربما عندها يمكن لليسار أن يصبح عنصر فاعل في المعادلة السياسية في مصر.

رابعاً ـ الحركة المصرية من اجل التغيير " كفاية"
يظل لحركة كفاية سبق النزول الواسع للتظاهر في الشارع منذ تأسيسها رغم أنه قد سبقتها اللجنة الشعبية لمناصرة الانتفاضة ولكن بهدف محدد ، بينما جاء ميلاد كفاية في لحظة فارقة حيث كان النظام مقبل علي فترة رئاسية جديدة وتعديلات دستورية.

ونجحت الحركة بالفعل في كسر رهبة النزول للشارع وهي بحكم تكوينها تمثل ائتلاف من قوي سياسية وأفراد ولكن حصر الحركة في شعار ( لا للتجديد .. لا للتوريث ) قد حصرها في إطار ضيق ، وبدأت الحركة تعاني الأزمة بعد انتهاء معركة الرئاسة وتعديل الدستور من ناحية وزيادة التشدد الحكومي لمنع المظاهرات من ناحية أخري.

كما اعتمدت الحركة بشكل رئيسي علي الوقفات الاحتجاجية وكانت سلالم نقابة الصحفيين ميدان رئيسي لهذه الوقفات التي تراوحت بين عدة مئات في بداية الحركة ووصلت لعدة أفراد في تحركات أخري . وأصبحت الحركة تعاني من أزمة لأكثر من سبب :
• انتهاء زفة انتخابات الرئاسة والتعديلات الدستورية.
• عدم وجود بناء تنظيمي واضح المعالم لأن الحركة ائتلاف عريض كان يلائم مرحلة معينة انتهت دون أن تغير الحركة رؤيتها وتوجهاتها.
• تفتقد الحركة لوجود برنامج واضح ولو من بضع نقاط يمكن التحرك علي أساسه.
• استنفاذ أسلوب الوقفات الاحتجاجية بحيث أصبحت تضم العشرات فقط بعد أن كانت تضم المئات إضافة لكون نفس الوجوه التي تراها علي سلم نقابة الصحفيين هي التي تراها في وقفة احتجاجية لكفاية في الإسكندرية أو المحلة أو المنصورة واستنزف التراكم الذي حققته في بداية نشاطها.

لذلك وجدت كفاية في موعد إضراب عمال المحلة ودعوة شباب الفيس بوك ( خليك بالبيت ) فرصة لإعادة بنائها بشكل جديد من خلال الدعوة لإضراب عام في نفس التاريخ وهو 6 إبريل وباعتبار ذلك مدخل لاستعادة شعبيتها وحيويتها التي افتقدتها خلال الشهور الماضية. فتبنت الدعوة وإعادة إنتاجها ومطالبة الجماهير بالنزول للشارع للاحتجاج علي موجة الغلاء.

المشكلة الرئيسية أن كفاية ليست حزب يمكن أن يشكل بديل للسلطة الحالية ولا تطرح نفسها كبديل ، كما إنها لاتملك رؤية أو برنامج للتغيير ومن ثم هي تدعوا للاحتجاج دون هدف معلن .

أما الكارثة الكبري في موقف كفاية هو رؤية بعض قادتها أن النظام ضعيف بحيث يمكن من خلال دعم الاحتجاجات والمظاهرات اسقاطه ، لذلك لم تنتظر الحركة لتقييم نتائج إضراب 6 ابريل ودعت لإضراب جديد في 4 مايو لتؤكد تمسكها بنفس الرؤية التي تعتبر أن النظام انتهي ولا يتبقي له سوي ساعات قليلة وهو تقدير خاطئ لأنه لا توجد رؤية سياسية لدي ملايين المصريين ولا يوجد حزب أو أحزاب مؤهلة للحكم باستثناء الأخوان المسلمين . كما أن النظام رغم أزمته ورغم مايعانيه ورغم تصاعد السخط ضده لم يصل لمرحلة السقوط ولا زال قوي وممسك بزمام المبادرة ، ولا تزال قطاعات عريضة تراه قادر علي الخروج من الأزمة.

لذلك لم نفاجئ بتصريحات الدكتور عبدالوهاب المسيري المنسق العام للحركة من إن عدم مشاركة الأخوان هو سبب فشل الإضراب ودعوتهم للمشاركة في الإضراب القادم.

إن استنزاف طاقات الجماهير في الوقفات الاحتجاجية المتكررة ثم في الدعوات المتلاحقة للإضراب العام دون تبلور أي بديل سياسي هو دفع البلاد إلي الفوضى المدمرة وهو ما يجب أن يناقش مع الزملاء في حركة كفاية بهدؤ رغم كل ما سيقال عن الاستسلام والتغيير والعبارات الضخمة . لكن مستقبل الوطن يستحق من اليسار أن يتحمل أعباء المناقشة .

خامساً ـ حزب الفيس بوك
حركة الشباب كانت دائماً ملهمة ومقدمة لتغيرات كبري ، وقد سيق أن عرضنا لطبيعة الدعوة والداعين لها ومضمون الرسالة التي توجهوا بها في الدعوة للإضراب العام وكذلك موقف بعض رموز الحركة مما حدث .لقد لعبت التقنيات الحديثة دور فاعل في نشر الدعوة للإضراب وحققت نجاح مبهر في :
• استخدام متطور لشبكة الانترنت في الدعاية والاتصال السياسي .
• امتداد الدعوة لتشمل كل محافظات مصر بل وكل دول العالم من خلال الشبكة الدولية.
• ابتداع أشكال جديدة في التواصل .
• صياغة خطاب بلغة بسيطة يسهل علي رجل الشارع العادي فهمها والتعاطف معها.
• جذب قطاعات من الشباب لتأييد الدعوة وتكوين شبكات متنوعة لدعم الإضراب العام .

لكن يفتقد حزب الفيس بوك للرؤية السياسية والتي أراها مشكلة كبري بينما يراها البعض ميزة الحركة الأساسية . فقد نشرت الأستاذة فيروز كراوية مقال في جريدة البديل يوم 25/4/2008 بعنوان (هل جاءت حركة 6 أبريل من خارج السياسة فعلا ؟ ) حيث تري " أن هذه الحركة نجحت في التخلص من سمتين رئيسيتين للحالة السياسية في مصر، وهما: ابتعاد هذه الحركة عن الأطر التقليدية التي تحكم عمل الأحزاب فاقد التأثير، فضلا عن عدم ابتذالها للشعار السياسي والهم الوطني و المتاجرة بالوطنية والنضال الذي تحاول قطاعات بعينها من السياسيين احتكاره."

" الجديد هذه المرة هو أن المنضمين لمجموعات الفيس بوك الداعية للإضراب يصعب للغاية وضعهم في أحد هذه الخانات. يصعب تصنيفهم وتحديد انتمائهم داخل المسارات السياسية المغلقة التي تمترس داخلها النشطاء السياسيون واعتدنا أن نستقبل دعواهم من أعلي منابرها. يصعب أن نعرف الناصريين من اليساريين من الليبراليين من الإسلاميين. نعم للأسف هم فقط أربع خانات. من يجانب الخط المستقيم ينتقل فورا إلي خانة أخري ويقام عليه حد الردة. لاحركة خارج الخانة. واستكان الجميع داخل خاناتهم.
ويبدو أن هذا كان الداعي لأن يصف معظم من كتب أو علق علي أصحاب الدعوة لإضراب 6 أبريل بأنهم شباب غير مسيسين (ويكون هذا مصدر سعادة للبعض!) وأنهم أتوا من حيث لا ندري ليحركوا الواقع السياسي الراكد."

هكذا نجد أنفسنا أمام تباينات في قراءة ما حدث الأول يبالغ في قوة حزب الفيس بوك بل ويعتبرونه أقوي الأحزاب المصرية ، والثاني يدافع عن الحركة غير السياسية ويرفض وصاية السياسيين عليها ويرفض الخضوع للخانات السياسية باعتبار أنهم حركة فوق كل الخانات !!!!

من حق البعض أن يطرح هذه الرؤية ولكن من حقي وحق آخرين أن نرفض هذه الرؤية الفوضوية التي تقود للخراب الكبير ، ومن واجبي وواجب الجميع أن نقدر ايجابيات ما حدث في 6 ابريل ومن واجبنا أيضا كيسار أن نعرف ما الذي بحث عنه هؤلاء الشباب ولم يجدوه في خطابنا السياسي؟!

لقد تهكم البعض علي حزب الفيس بوك باعتباره الحزب الافتراضي الغير موجود ولكن يبدوا أن لحزب الفيس بوك أنصار ومنظرين يسعون للتخلص من وصاية السياسية والسياسيين ولا نعرف إلي أين يذهبون بنا لنتبعهم !!!! هل يمكن أن نمشي وراء المجهول لنسلم مصر للإخوان أو البلطجية ، هل هذا هو الحل وهذه هي النهاية ؟!هل نستبدل الرأسمالية بالمجهول الذي لا يعرف أصحابه ما هو ؟!!! ألا يشكل ذلك التوجه أوضح تعبير عن تجليات أزمة اليسار وغياب الحزب العمالي الحقيقي ؟!!



سادساً ـ جبهة الدفاع عن متظاهري مصر
كان البعض يتعامل مع منظمات المجتمع المدني والبعض يرفض المدعم منها رغم الأدوار المتفاوته بينها . ولكن مع بدء العد العكسي للإضراب ولدت " جبهة الدفاع عن متظاهري مصر " وقد كانت موجودة بشكل جنيني خلال حركة القضاة والانتخابات الأخيرة .

تتكون الجبهة من كل من مركز هشام مبارك للقانون - مركز النديم- رابطة الهلالي للحريات بنقابة المحامين- جماعة المحامين الديمقراطيين- مؤسسة الهلالي للحريات- مؤسسة حرية الفكر والتعبير- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية- دار الخدمات النقابية والعمالية- جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء- مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان- المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة- مؤسسة أولاد الأرض-اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية-جمعية أنصار العدالة- لجنة الحريات بحزب التجمع- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي- المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان- لجنة محامين المحلة – مؤسسة مركز قضايا المرأة المصرية – المركز المصري لقضايا المرأة – المنظمة المصرية لحقوق الإنسان – مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف .

ولقد لعبت اللجنة دور هام في الدفاع القانوني عن المعتقلين ونشر أخبار الاعتقالات والتحقيقات وتنظيم الإعاشة والزيارات للمعتقلين والمحبوسين وحضور التحقيقات معهم . لقد كنا نخشي مواجهة هذا الموقف بعد أن غيب الموت الأساتذة عصمت سيف الدولة واحمد نبيل الهلالي وأحمد شرف الدين وأصبحت الجبهة تعبير أرقي من تآلف منظمات المجتمع المدني مع حركات الاحتجاج وهو تغير ايجابي لابد من الإشادة به.

سابعاً ـ ما العمل ؟!
لقد وضع إضراب 6 إبريل الشيوعيين المصريين في اختبار حقيقي ، فالأوضاع الطبقية وصلت لحالة من الاحتقان لم نشهدها من قبل ، والاحتجاجات العمالية والفلاحية والجماهيرية تتوالي كل يوم ، بينما يغيب الحزب العمالي القادر علي طرح رؤية لمصر الاشتراكية.لقد تمت كل مقدمات التغيير وبقي من يقود التغيير.

لقد انتهت تجربة اتحاد اليسار بفشل مدوي وبقيت الحالة بين حلقات صغيرة العدد تحاول التواجد ومراكز تسعي لطرح رؤية مختلفة ، ومجموعات من الأفراد المنفرطين الباحثين عن كيان جامع.وخمد حماس التحالف الاشتراكي ، وبقي البعض يعاني مشاكل أكل العيش وقلة الوقت!!!!

لقد ضبطنا 6 إبريل ونحن عرايا من ورقة توت تستر عورتنا أمام الطبقة العاملة والفقراء في مصر.الوضع المتهرئ الذي تعيشه الحركة منذ سنوات وصل لذروته وأصبح لازاماً علينا أن نحدد هل سيكون لنا مكان في مصر الجديدة أم سننزوي إلي مزبلة التاريخ ؟!!! هل نحن علي مستوي اللحظة ومستوي طموحات الطبقة العاملة أم إننا أصبحنا خارج الزمن؟!

يا سيدنا القادم من بعدي
الصبر تبدد
واليأس تمدد
إما أن تدركنا الآن
أو لن تدركنا بعد



#إلهامى_الميرغنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارتفاع الأسعار إلي أين؟!
- ياحلاوة ياحلاوة ضحكوا علينا بالعلاوة
- عمال مصر لن ينتظروا اليسار
- العشوائية والفوضى وإعادة تقسيم المحليات
- الجهاز المركزي للمحاسبات بين الاستقلالية والتبعية
- انتخابات المحليات بين المشاركة والمقاطعة
- خصخصة الرياضة وهروب عصام الحضري
- رفع الحد الأدنى للأجور فقط .. لن يصلح الأمور
- الانحياز الفني في فيلم حين ميسرة
- التأمينات الاجتماعية بين الحل الحكومي واجتهادات اليسار
- الملكية المشتركة هل هي طريق لتجاوز الرأسمالية ؟!
- قصة موت معلن
- الفساد الحكومي .. بين الواقع والتقارير المضروبة
- المقاومة الاجتماعية والعبور للمستقبل
- التغيرات في السياسة الخارجية المصرية
- عشوائية الحكومة
- إسرائيل تفوز بالمبارة بين فتح وحماس
- تأملات فى الاحتجاجات العمالية الأخيرة في مصر
- حصار حرية التنظيم النقابي
- استمرار عدوان الليبرالية المتوحشة علي الحقوق الاقتصادية والا ...


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إلهامى الميرغنى - رؤية لما حدث في 6 أبريل