أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد هجرس - الجريمة... والعقاب














المزيد.....

الجريمة... والعقاب


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2364 - 2008 / 8 / 5 - 10:41
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


حكم محكمة واقعة على شمال السماء جعل المصريين يرتدون ملابس الحداد، وحول مصر إلى سرادق عزاء كبير بطول البلاد وعرضها.
هذا هو ما حدث يوم الأحد الماضى بعد أن تناقل المصريون تفاصيل حكم محكمة جنح سفاجة فى قضية غرق " العبارة السلام".
وكما هو معلوم فان جميع المتهمين فى هذه القضية خرجوا مثل الشعرة من العجين بموجب حكم البراءة الذي أصدرته المحكمة ، باستثناء معاقبة ربان بالحبس ستة اشهر وعشرة آلاف جنيه غرامة لوقف التنفيذ.
هذا "الحزن القومى" الذى نجم عن الحكم المشار إليه ليس بدون مبرر، وإنما له مسوغات كثيرة، أولها أن ضحايا الحادث يزيد عددهم عن ألف شخص غرقوا فى قاع البحر الأحمر.
وهو عدد ضخم يقارب عدد ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية.
وحكم المحكمة يعنى ببساطة أن دماء هذا العدد الغفير من المصريين الغلابة قد ذهبت هدرا، وان مسئولية إزهاق هذه الأرواح البريئة تم تعليقها فى رقبة "قاتل مجهول"!
ثم أن هذه النتيجة الرهيبة تم التوصل إليها بعد محاكمة طويلة استغرقت إجراءاتها ما يقرب من عامين ونصف. فالحادث المشئوم وقع فى 3 فبراير 2006 والحكم صدر فى 27 يولية 2008. وبعد هذا الوقت الطويل جاء الحكم الهزيل شأنه شأن الجبل الذى يتمخض ليلد فأراً!
وهذه التفاصيل المملة يمكن وضعها تحت عنوان "العدالة البطيئة" وكما يقال فان العدل البطيء هو الظلم بعينه، فما بالك إذا كانت رؤية غالبية الناس لهذه "العدالة البطيئة" ضبابية وتفتقر إلى اليقين الذى تجسده مقولة أن " الحكم عنوان الحقيقة".
والدليل على ذلك أن النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، انتفض – فى واقعة غير مسبوقة- وهرع إلى الطعن بالاستئناف على هذا الحكم فى نفس يوم صدوره، وبعد أقل من أربع ساعات على النطق به، وذلك لمخالفته الثابت بالأوراق والفساد الاستدلال والقصور فى التسبيب والتعسف فى الاستنتاج. وتضمن بيان النائب العام تفاصيل عديدة تدمغ حكم البراءة بـ "العوار" مما يستوجب الطعن عليه بالاستئناف.
وبطبيعة الحال فان الفصل فى حيثيات هذا الطعن الذى تقدم به النائب العام هو من اختصاص قضائنا الشامخ ، وليس من اختصاص الإعلام والصحافة .
بيد انه يجدر بهذا الصدد التنويه لأنه لا يضر الصحافة أو الصحفيين تبرئة فلان أو علان، والقاعدة التى لا ينبغى نسيانها فى اى لحظة هى أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته .
ومن هذه الزاوية فان الغضب العارم الذى اجتاح مصر من الإسكندرية إلى أسوان بعد صدور الحكم ليس راجعاً إلى الإصرار على إدانة أحد بعينه، بقدر ما هو راجع إلى رغبة الرأى العام فى أن يكون هناك حساب على كل خطأ ، وان يكون هذا الحساب متسما بالشفافية والعدالة، وألا يكون مجرد "تستيف أوراق" أو البحث عن "كبش فداء".
ومن هنا فانه لا بأس من تبرئة زيد أو عبيد من مسئولية حادث ما، لكن لابد من تحديد الجناة وضبطهم وإحضارهم وتقديمهم إلى العدالة وتوقيع العقاب الواجب عليهم، خاصة إذا كان هذا الحادث قد تسبب فى وفاة أكثر من ألف إنسان – أما تبرئة المتهمين وعدم توجيه الاتهام إلى اى شخص فان هذا يعنى أن دماء المصريين أصحبت رخيصة ومستباحة- وهذا أمر غير مقبول.
ومما يغذى هذا الشعور أن الأمر ليس مقصوراً على حادث العبارة المشئومة ، وإنما هو أمر شائع فى معظم الحوادث ، وآخرها حوادث المزلقانات فى مرسى مطروح وغيرها حيث تزهق أرواح عشرات المصريين وتراق دماءهم ومع ذلك يتسابق المسئولون فى التبرير والتنظير والادعاء بان كل هذه الكوارث " قدرية"، فى حين أن هناك قاتلا حقيقياً ومتوحشاً اسمه "الإهمال" موجود فى كل مكان، يجب ضبطه وإحضاره وتقديمه إلى العدالة .
لكن الإحساس العام بالمسئولية المباشرة ، وغير المباشرة ، أصبح ضعيفاً للغاية . ومن ثم تراجعت المساءلة الجنائية، والسياسية، إلى الوراء بصورة مذهلة.
ويزيد الطين بله ذلك التضارب الرهيب فى المصالح، الذى أصبح داء عضالاً فى كافة المجالات، وأصبح مسئولاً عن ضبابية- أو حتى ضياع – المسئوليات فى الكثير من الحالات، كما أصبح مسئولاً عن تفشى حالة من الارتياب العام فى كل كبيرة وصغيرة من جانب الرأى العام الذى أصبح أكثر تقبلا لـ "شخصنة" القضايا العامة من جراء استفحال هذا التضارب فى المصالح .
وهذا التضارب فى المصالح عززه هو الآخر نوعان من الزواج، زواج المال والسياسة الذي ينجب الفساد، وزواج الدين والسياسة الذى ينجب التطرف والتعصب.
وفى حالة العبّارة المشئومة نجد أنفسنا أيضا وجهاً لوجه مع صورة أو أخرى من تعارض المصالح .. ولعل هذا هو أحد أهم أسباب " الغضب القومى" الذى فجره حكم البراءة .
وربما شعرت روح الفنان يوسف شاهين فى صباح يوم صدور هذا الحكم بكل تلك الأجواء السلبية فقرر الرحيل غاضباً وحزيناً ومغمغماً .."هى فوضى"!!



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنويعات علي لحن المشروع الليبرالي (1)
- دبرنا يا وزير!
- وقفة احتجاجية.. من أجل البحث العلمي!
- دماء على رمال مرسى مطروح !
- هل استعار -الأخوان- شعار -الإسلام هو الحل- من أمريكا؟!
- .. و على المتضرر اللجوء الى .. الجماهير
- السفيرة وفاء: رغم كل شئ .. مصر تتغير
- -الشخص-.. الذى نحب أن نكرهه!
- شعاع أمل: رئيسة جمعية أهلية ترفض «التمويل الأجنبي»
- تصوروا: كيسنجر يرفض دبلوماسية العضلات الأمريكية!
- تأملات عبر المحيط الأطلنطى (2)
- تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى
- فتنة ملوي.. واستراتيجية المصاطب!
- عشاء ساخن جداً مع سفير كندا
- أجريوم .. شكرا
- سر أجنحة كلمات الأبنودى
- قنبلة طلخا... الموقوتة
- عش الدبابير !
- عصر الاضطراب (1)
- -طوارئ- .. فى الزمان والمكان فقط


المزيد.....




- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد هجرس - الجريمة... والعقاب