أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - قليل من السياسة، كثير من المشاعر














المزيد.....

قليل من السياسة، كثير من المشاعر


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2363 - 2008 / 8 / 4 - 10:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحصل كثيرا في الشهور الأخيرة أن يؤخذ على المعارضة الداخلية في سورية أنها تأخذ موقفا كيديا أو حاقدا من النظام. ويستغني "معارضو المعارضة" هؤلاء بإثارة النفور الطبيعي من هذه الدوافع عن تفسيرها. وفي حدود متابعة كاتب هذه السطور فإن أحدا من نقاد كيدية المعارضين وحقدهم لم ينسب الصفتين هاتين إلى النظام ذاته، رغم أن سلوكه طوال عقود ثلاثة حتى يومنا اتسم بحقد وكيدية لا جدال فيهما حيال معارضيه، ورغم أنه يشغل موقع الدولة، الجهة العامة التي يقتضي تعريفها بالذات استبعاد المشاعر والعواطف من سياستها حيال مواطنيها المفترضين.
حيال هذه الممارسة المنافقة العريقة كان كاتب لامع ومعتقل سابق لأزيد من 15 عاما عنون مقالة له قبل 5 سنوات بعبارة دالة: "نعم، أنا حاقد". والحال، من المتعذر أن يبرأ سلوك معارضين سوريين من عناصر عاطفية بعد كل ما تعرضوا له، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين بخاصة. الحقد هو الثمن المرجح للصمود في السجن والبقاء على قيد السياسة. وقد يكون التثبت على مسألة السلطة الذي وسم سياسة المعارضين السوريين في السنوات الماضية وثيق الصلة بسيكولوجية المعتقل السياسي السابق، الذي لم يعد يستطيع أن يرى غير "النظام" أو "السلطة". يحصل أن يفلت بعضنا من هذا "القانون الحديدي"، إلا أن السبب الأرجح لذلك مؤثرات انفعالية أخرى تتصل ببنى الشعور السياسي، أحقاد ونزعات انتقامية من صنف آخر.
سأقتصر على وقائع بسيطة من سياسة الكيد الرسمية. إن التعذيب اليومي العشوائي استمر في سجن تدمر حتى عام 1998، أي بعد أن كان انقضى على مقام أكثر المعتقلين فيه أزيد بين 15 و18 عاما. وإن معارضين سلميين قضوا أكثر من عشر سنوات دون تهم ودون محاكمة (أحد عشر عاما وأربعة أشهر انقضت قبل أن يوجه لكاتب هذه السطور اتهام ويحال إلى محكمة استثنائية)، ولم يكن ثمة ما يضمن أن من ينال حكما سيفرج عنه عند انقضائه، أو أن يفرج عنه دون "مساومة" مهينة، تجبره على "الانسحاب" من التنظيم الذي ينتمي إليه، و/ أو تلزمه "التعاون" مع أجهزة الأمن. واليوم بالذات يودع السجناء السياسيون في مهاجع مع مجرمين عاديين، ويحصل أن يستخدم بعض هؤلاء شهودا عليهم في تهم جديدة، توجه إليهم وهم في السجن! وقبل أيام فقط أجبر معتقل شاب على "الانسحاب" من "إعلان دمشق"، وجرى تصويره في الأثناء، ثم سرّب الخبر فورا لمواقع إلكترونية مقربة من النظام (فوتت على نفسها شرف تعزيز سبقها الصحفي بالصور!). لا شيء من ذلك دليل على تسام أخلاقي، ولا على التجرد والحياد الوجداني المفترض من "الدولة".
على أن هذا كله لا يسوغ أن يندفع معارضون وراء ما قد تسمى "سياسة المشاعر". فمقابل ضعفها السياسي المحتوم، المعارضة مطالبة بأن تحوز تفوقا أخلاقيا، فلا تجعل من النظام قدوة لها في تفكيرها وعملها. ثم إن انسياقها المحتمل وراء منطق القصاص يحفز نزعات انتقامية مدمرة، ليست واهنة أصلا عند النظام. هذا فوق أنه ينذر بمستقبل يكرر الحاضر يحل فيه حاقدون محل حاقدين. ما يمكن أن يكون حليفا لمستقبل مختلف هو كسر دائرة رد الفعل ومنطق القصاص والانتقام. وهو ما كانت المعارضة ذاتها أدركته وصاغت حوله دعوتها إلى "المصالحة الوطنية" بين عامي 2001 و2005؛ دون جدوى.

ليس من أغراض هذه المقالة استبعاد دوافع كيدية محتملة عن سلوك وتفكير المعارضين، بل بالأحرى وضع النقد المشروع لهذه الدوافع المحتملة في سياق اعتراض على سياسة المشاعر من جهة، والعمل على تطوير سياسات عامة عقلانية، مترفعة عن الأهواء والأحقاد من جهة أخرى. فهذا وحده ما ينزع صفة كيدية محتملة عن نقد كيدية المعارضة، كما عن تبرير كيدية الطرف الأقوى. بلى، الكيدية تلحق بالعمل العام أضرارا فادحة، لكن نقد الكيدية عند طرف والسكوت عنها عند الطرف الذي يجمع بين كونه الأقوى وشاغل الموقع العام أبلغ ضررا.
ولعل مما يسهل الانزلاق نحو سياسة المشاعر تراجع دور الإيديولوجيات التي وجهت تفكير ونشاط المعارضين السوريين، أعني الشيوعية والقومية العربية، فغدا نشاطهم انعكاسا يكاد يكون مباشرا لمشاعرهم وتجاربهم الأليمة أو الأشد إيلاما. يعزز من ذلك أيضا القصور المؤسسي على مستوى السلطة العمومية، وعلى مستوى تنظيمات المعارضة أيضا. وهو ما يقترن كذلك بشخصنة السلطة، وبالحضور المكثف للحيثيات الشخصية (أي أصول الأشخاص وفصولهم، من هم وممن هم) على مستوى النظام وعلى مستوى المعارضة أيضا.
ولما كان القصور المؤسسي والضعف الفكري شاملا نصادف ظواهر سياسة المشاعر حيثما توجهنا، أولا عند النظام حيال أية معارضة له جدية، ثانيا عند المعارضة حيال النظام، ثالثا عند معارضين حيال معارضين آخرين. وعلى هذا المستوى الأخير، ثمة "سير" تكاد تصمد للمقارنة مع حرب داحس والغبراء.
الأسوأ في سياسة المشاعر أنها تشد أنظار الجميع إلى الوراء، إلى ما في أرواحهم من ندوب وما يكنون من ضغائن، وإلى نزعات الثار والانتقام. وهو لا يقوض عقلانية السياسة فقط، بل إنه يصوغ الدولة والمنظمات السياسية حول هذه الدوافع الثأرية، فتمسي أقرب ما تكون إلى روابط عضوية كالعشائر والطوائف وما إليها. الثأر يصنع القبائل الموتورة التي تطلبه والحقد يصنع الطوائف المتناحرة. والمنظمة السياسة الحديثة، والدولة بالذات، تنكص إلى قبيلة أو طائفة بقدر ما يكون الثأر والانتقام مبدأ التئامها أو محركا أساسيا لعملها. وفي مثل هذه الحال يمسي المستقبل والعقلانية في خبر كان.
يبقى أن في سياسة المشاعر كثير من المشاعر وقليل من السياسة. فأول السياسة ضبط النفس والتغلب على الهوى و.. سوس المشاعر.







#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد
- لبنان: السهل والصعب والغريب!
- لبنان، سورية، إسرائيل وفلسطين: -نماذج مثالية- لدول استثنائية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - قليل من السياسة، كثير من المشاعر