أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان كوتاري - قدر إمرأة














المزيد.....

قدر إمرأة


حنان كوتاري

الحوار المتمدن-العدد: 2363 - 2008 / 8 / 4 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


كانت يدها ترسم بخفتها المعهودة فوق قطع جلدية خطوطا متباينة المقاييس ... و كان فكرها شاردا في اللاشيء ... و لم تكن زميلاتها المجاورات لها في المقعد في أماكنهن ... فقد تحلقن غير بعيد عنها حول "حياة" ... يواسينها و يكفكفن دموعها ...
إنها حكاية نهاية كل شهر ، ما إن تحصل "حياة" على أجرتها الشهرية حتى تجد والدها في انتظارها أمام باب المعمل ... يستحوذ الأب على الأجرة و لا يذر لصاحبتها سوى دراهم معدودة تدفعها بضعة أيام ثمنا لتذاكر الحافلة ثم تقضي باقي أيام الشهر مشيا على الأقدام ... وليت والدها ينفق المال على الأسرة الصغيرة ... لهان المصاب ... إن عرق جبينها عصير يعتصره الأب ليملأ به كؤوسا حمراء تروي ظمأه إلى الفرار ......
و لعلك تتساءل عنها ؟ لماذا ظلت مكانها و لم تلتحق بزميلاتها ...
إنها هكذا دائما ... منعزلة عمن حولها ... منطوية على نفسها ... لا تهتم لشأن من شؤون غيرها، تعد أحاديث زميلاتها ثرثرة تافهة و أحلاما حمقاء حتى رمينها بالقسوة و الأنانية ...
***
عادت الفتيات إلى مقاعدهن .... استرقت النظر إليهن واحدة تلو الأخرى ثم همست إلى نفسها في استهانة: إنك أولى بكلمات المواساة من غيرك... لكل واحدة منهن أسرة تخفف عنها قسوة الحياة أما أنت ....
و ندت عنها ضحكة حزينة حاولت كتمها ... لكن صوت "حياة" خرق شرودها حينما صرخت من خلال دموعها قائلة: متى أتزوج لأرتاح مما أنا فيه ؟ ......
فأطلقت العنان لضحكتها... التفتت الفتيات إليها و حدجنها بنظرات تطفح بالغيظ و الاستغراب
همهمت : الحل رجل ... مسكينة حياة إنها حقا تستحق الرثاء... مادمت تظن أن الحل رجل...
و هاجمتها الذكريات تفوح بالمرارة و الأسى ... لكنها دفعتها عنها بقوة حتى لا تنهار بين يديها فتجر عليها شفقة الأخريات أو سخريتهن ... و شغلت نفسها بما ينتظرها بعد الانصراف من العمل.... لقد ضاعت الأجرة بين البقال و الصيدلية و ديون أخرى صغيرة و مازال صاحب الغرفة ينتظر... فكيف تفر من يده الممدودة لقبض الكراء؟ ... عشية البارحة ظلت تجوب الشوارع إلى أن جن الليل فاستترت بظلامه و تسللت خفية إلى غرفتها ثم تظاهرت بغيابها عنها فلم تشعل ضوء و لم تحدث صوتا و لم تجب طرقاته التي أرعدت بابها ... حتى صوت سعالها كتمته بوسادتها... فهل يدوم فلاحها في خداعه ؟ .... و شعرت بالحنق على مرضها الذي أنهك ميزانيتها و امتص صحتها و أعيا طبيبها حتى سألها ذات مرة مازحا : أكنت تتغذين سما؟
و لم يكن يدري أنه أصاب في وصفه، فمريضته الشابة لم تترك وصفة من تلك الوصفات السحرية التي أهدتها النساء إليها نصائح غالية إلا و جربتها .... حتى درن أذن الحمار توبلت به طعامها ... عل الحياة تدب في أحشائها ... فتحفظ مكوثها في كنف زوج يقيها ذل السؤال... لكن الوصفات خذلتها ... و الأرض البوار لم تنبث زرعا .... حال جفاء القلوب من حولها دون خصبها ... فزفت إلى الدار زوج حسناء ولود ... و أخرجت الزوج العقيم ...
***
توقفت يدها عن الرسم و خنقتها العبرات فأجهشت بالبكاء ... ثم سرعان ما انتابتها نوبة سعال حاد ....
اجتمعت حولها زميلاتها ... أخذت إحداهن تربت على كتفها ... و قدمت لها أخرى منديلا لتمسح دموعها ... ونادت "حياة" : كوب ماء ... أحضرن كوب ماء ...
فجأة خيم الصمت و تركزت الأنظار على المنديل ... ثم شرعت الفتيات في الابتعاد...
و الأصوات تختلط ببعضها البعض : دم ... بصقت دما ... نعم دم لقد رأيته ....
تنهدت في حسرة و هي تقول : افتضح أمري و انتهى كل شيء ، لن يقبلني رب العمل بعد اليوم ....
و غابت عن المعمل ... و لم يعلم أحد عنها شيئا ... سمعن أنها رحلت عن المدينة ...
و سمعن أنها امتهنت الدعارة ... و سمعن أنها نزيلة إحدى المستشفيات الحكومية ....
و سمعن أنها .....
و استأنفت الحياة سيرها ... أفواج من الفتيات تلج المعمل في الصباح الباكر ثم تغادره عند المساء ... باب يفتح ثم يغلق ... و بين البداية و النهاية ... أمنيات و آهات ... و حكايات لا تنتهي عن النقود و الحب و الزواج ... و أيدي ترسم فوق قطع جلدية خطوطا متباينة المقاييس .



#حنان_كوتاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يحبها ... لكن
- المعاقون نفسيا
- إنها المرأة
- قصائدي
- يونس بين القرآن و سفر يونان قراءة في تجربة يونس الإنسانية
- ألم يقل الله عيسى ابن مريم؟
- زهور الأقحوان
- دموع حائرة
- إمرأة ... أنا
- القرآن و الإنسان
- وهم


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان كوتاري - قدر إمرأة