أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية والعقل الأحادي















المزيد.....



الماركسية والعقل الأحادي


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 730 - 2004 / 1 / 31 - 20:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مثّلت الماركسية إنتقالة في آليات (طرائق) التفكير، قبل أن تمثّل تصوراً أيديولوجياً، وطموحاً بديلاً لعالم مختلف.
ولقد إستند ماركس في تحقيق هذه الإنتقالة على هيغل، الذي «أعاد بناء» الفلسفة القديمة، حقق عبرها، «إعادة بناء» المنطق، مما جعله يتجاوز منطق أرسطو دون أن ينفيه، بل ضمنه منطقه الجديد: الجدل. حيث أصبح منطق أرسطو مستوى أوّل في منطق أشمل. وبالتالي فقد ضمّن منطقه الجديد كل المفاهيم والمقولات الفلسفية، كما ضمنه «ثلاثية» أرسطو (التي هي: الهوية، التعادي، الثالث المرفوع)، لكن كبداية تهدف إلى التحديد، وهنا التحديد الساكن. فقد أقام منطقه على أساس الانتقال من السكون إلى الحركة. منطق أرسطو إنبنى على السكون وعلى التحديد الذاتي، وعلى التمايز الواصل إلى التعادي المطلق، كما على الثبات المطلق للهوية.
هذه أوليات ضرورية لتحديد أشياء الواقع، لكنها عاجزة عن تحديد الواقع، لأنه متحوّل ومترابط وفي صيرورة.
ماركس «هضم» منطق هيغل، وجعله أساس بناء كل التصورات والأفكار، وهو يقرّ ذلك في مقدمة كتابه «رأس المال». ولقد حقق إنسجام بنائه النظري وتوصل إلى قوانين بالاستناد إلى هذا المنطق، الذي ـ بالاستناد إلى مادية فيورباخ ـ أعاد «تركيبه»ـ أو ربما يكون الأدق القول أنه أعاد «توجيهه». فبدل أن يكون زاوية النظر للبحث في الفكر الخالص (لأن الفكر هو الذي يخلق الوجود حسب هيغل)، أصبح زاوية النظر للبحث في الواقع (و بضمنه الفكر الذي هو إنعكاس الواقع).
هذه الانتقالة في طرائق التفكير هي التي سمحت بـ: وعي الواقع، ووعي آليات تغييره، وبالتالي في تحديد دور البشر في عملية التغيير هذه. وأصبحت الأساس في إعادة «بناء الوعي» إنطلاقاً من أن الواقع في صيرورة، لا يمكن اكتشافها مسبقاً، يمكن التوقع، ويمكن التأشير، لكن ليس من الممكن التحديد. حيث أن البشرية لا تطرح على نفسها سوى أسئلة تستطيع الإجابة عليها، وفق ما أشار ماركس نفسه. الأمر الذي يجعل هذه الطرائق الأساس في رؤية مستمرة لصيرورة واقعية لا تني تتحوّل.
وهذه الانتقالة، إنتكست في الماركسية الرائجة، التي هي «الماركسية اللينينية»، الماركسية التي تبلورت في الاتحاد السوفيتي، وأصبحت أساس «الوعي العام» بالماركسية، وأساس دراستها وتدريسها، وبالأخص أساس تحديدها. فقد جرى التخلي عن (أو تشويه، أو العجز عن استيعاب) الطابع الجدلي للماركسية، حيث جرى الارتداد من مستوى العقل حيث المنطق هو أساس الرؤية( وهنا الجدل المادي). إلى مستوى الفهم حيث منطق أرسطو يكفي لذلك، لأنه يكفي لمعرفة «السطح» (المسمى في الفلسفة، الشكل)، لأن تحويل النص (الذي يشمل مواقف من مختلف قضايا المجتمع) إلى نص مطلق يفرض هذا «الانحطاط»، ولأن تحوّل النص إلى قوانين تحكم العالم يحتاج إلى منطق أرسطو.
لهذا تحكّم بـ «ماركسيتنا»، منطق أحادي يقوم على «الدوران بين حدّين»، حيث أن العالم يتضمّن ثنائيات متعادية (وليس متناقضة أو متضادة) أي لا ارتباط بينها، وهي متعاكسة بشكل مطلق، كما أنها ثابتة لا تتغير. هنا سنلمس مفاعيل منطق أرسطو (إذا أشرنا إلى شكل «فلسفي») والمنطق النصي اللاهوتي (إذا أشرنا إلى شكل «عامي»). ولما كان «النص المقدس» هو الذي حكم الماركسية الرائجة، فقد كان المنطق اللاهوتي (بعامّيته) هو الرائج لديها وهو في كل الأحوال متوارث لدينا، كما كان متوارث في روسيا الستالينية، حيث عبّر عن استمرار المنطق التقليدي (السلفي، الأصولي...)، مما كان يؤشر إلى مسألتين حاسمتين:
الأولى: أن لحظات كل من ديكارت و كانط ومن ثم هيغل لم تستحضر لدينا، وبالتالي فإن فكر عصر النهضة لم يتضمن «اللحظة الفلسفية». مما جعل «الوعي العام» تقليدياً.
الثانية: إن إعتناق الماركسية لم ينبنِ على «العقل»، (سوى لدى البعض)، بل كان نتيجة إنحياز طبقي/ قومي في الصراع ضد الرأسمالية والاستعمار والاستغلال. لهذا «هضم» الماركسية السوفياتية كنص مطلق، كشعارات وأهداف، وليس كوعي وتكوين فكري.
لقد تأسست الماركسية كشعارات وأحلام، ولم تتأسس كوعي، وكتكوين «عقلي». لهذا استعارت الأهداف والشعارات، وقرأت المبسطات المكمّلة، ولم تجهد في وعي ما كتبه ماركس/ إنجلز ولينين ، وكل الماركسيين الآخرين (بليخانوف، كاوتسكي، هلفردينع، ماو، لوكاش، غرامشي...) لقد قرأت (حينما قرأت) الكتب التي تغذي الشعارات والأهداف، وهربت من الكتب التي تكوّن الوعي، وخصوصاً المنطق، الذي كان يعتبر «زائدة» لا فعل له، مادام الماركسيين يمتلكون منطقهم (البسيط، الساذج). مما يسمح لنا القول أن الماركسية التي راجت كانت «ماركسية نضالية» تقدم «التبريرات» للأهداف العملية، ولم تكن ماركسية عالِمة، «ماركسية العقل»، والتكوين النظري.
وإذا كانت إشكالاتها خلال السنوات الطويلة تمظهرت في أنها رسمت سياسات خاطئة، واتبعت تكتيكات ساذجة، مما جعل دورها الواقعي هامشياً (رغم كل النضالات الهامة التي قدِّمت)، ومن ثمّ قادتها إلى التفكك والتحللّ، وربما التلاشي. حيث إنبنت استراتيجيتها على «النفي» دون «التركيب»، وعلى الدعم دون القيادة، والإصلاح دون التغيير، ولعب دور كبير في ظل قيادة هزلية.
إذا كانت إشكالاتها تلك نبعت من «غياب الوعي»، وبالأساس غياب الانتقالة التي حققها ماركس (بعد هيغل) فإن إنهيار المنظومة الاشتراكية أعاد «ترتيب» الإشكالات، دون أن يلغيها، أو حتى يؤشر إليها، حيث ظل «الدوران بين حدّين» هو المنطق الذي يتحكمّ بالرؤية. ظل «العقل الأحادي» هو الذي يتحكم بالتصورات، وخصوصاً بالاستنتاجات الجديدة، ليبدو وكأن الاستنتاج الوحيد من ذاك الانهيار تمثل في ضرورة  الانقلاب لموقف معاكس لما كان يطرح في السابق (نظرياً فقط، لأن الموقف العملي بقي كما كان لدى البعض).
ويمكن أن نلحظ ذلك في المسألة الأساسية التي تتعلق بالخيار المبدأي (الاستراتيجي). إن إلتزام الماركسية كان يجعل الاشتراكية هي الخير المطلق وبالتالي كان يجعل الرأسمالية هي الشر المطلق. وهنا لكلمة «مطلق» معنى عميق، وذو نكهة دينية، حيث ليس من الممكن أن يتضمن الخير المطلق نسبه (حتى هامشية) لما هو ليس خيراً (وإن لم يكن شراً)، فهو مطلق (كما الله)، ولا يمكن أن يكون غير ذلك على الإطلاق. وكذلك فإن الشر المطلق لا يتضمّن أي إحتمال لخير، فهو مطلق، إننا إزاء لفظٍ لمفهوم النسبية، حيث لا موقع للنسبي، لأن المطلق يجبُّ ما عداه (بينما في الجدل المطلق يتضمّن حكماً النسبي، ولا مطلق دون النسبي).
الاشتراكية إذن هي «الخير العميم»، و«الصلاح التام»، ولا يمكن أن تحوي مشكلات أو خلل، أو إنحرافات، أو ميول خاطئة. بينما الرأسمالية تحوي كل ذلك وأكثر، كما أنها أصبحت «عالة» على التاريخ، متعفنة وتعيش أزماتها التي ستطيح بها، ويكفي أن يوصم «شيء ما» بأنه رأسمالي لكي يلفظ، وكان ذلك أساس لفظ كل منجزات الرأسمالية السياسية (الديمقراطية) والعلمية، والتقنية..الخ.
طبعاً يتوضّح الآن أن هذه النظرة لا واقعية على الإطلاق، خصوصاً بعد إنهيار الاشتراكية، وبالتالي يؤشر إلى أن البحث في الواقع كان غائباً، كما أن الآليات الذهنية التي تسمح ببحث علمي في الواقع كانت غائبة كذلك. وسوف أضيف إنها لازالت غائبة، لأن طريقة التعاطي مع الانهيار توضّح ذلك، حيث أن الذي تحقق هو «تحويل الرؤية» وليس تغيير آليات «العقل»، بمعنى أن تحديد الخير والشر هو الذي إختلف، فأصبحت الاشتراكية هي الشر المطلق (ولاشك في أن الأحكام المقذعة، والمطلقة التي توصم بها الاشتراكية توضّح ذلك)، كما أصبحت الرأسمالية هي الخير المطلق (لهذا يجري الهرب من الإشارة إلى شرورها، وإلى تلطيف شكلها، ورسمها في شكل مجمّل).
ويمكن تلمس الآليات المنطقية التي حكمت ذلك على الشكل التالي: لقد كانت الاشتراكية هي الخير المطلق، وحالما تبيّن (عبر الانهيار المدوّي، ونشير هنا إلى أن الصحوة في إطار هذا المنطق لا تتحقق إلا نتيجة فعل مدوّي) أنها ليست مطلق (وهنا ألمس أن المسألة تتعلق بالطابع المطلق للخير، ولا تتعلّق بالخير ذاته) إنقلبت إلى شر مطلق. هذه العملية، وهي الخطوة الأولى في الصيرورة المنطقية تلك، دقيقة وتحتاج إلى فهم عميق لأنها تتعلق بآليات مسيطرة في الوعي العام، حيث هنا( أ ) أو لا( أ )حسب مفهوم الهوية لدى أرسطو، وبالتالي فإما إشتراكية مطلقة الصحة و المثالية و الكمال أو لا إشتراكية، إذن فهي ب (حسب منطق أرسطو كذلك، حيث (أ) هو على تعادي مع (ب)) أي شر، شر مطلق الجريمة والاستبداد و الإبادة والتخريب.
النسبي هنا لا مكان له، حيث لا نسبي في هذا المنطق، وبالتالي فمجرّد اكتشاف نسبية الأشياء يحوّلها إلى نقائض، يقلبها إلى عكسها. وهنا نلمس مدى الهروب من البحث في الواقع، وتلمّس مشكلاته الحقيقية، من أجل تحديد طبيعة تكوينه، وبالتالي إصدار الحكم حوله. لأن المطلق لا يقود إلى البحث، ولا يسمح بوعي الواقع، لأنه محدّد ذهنياً، وآلياته لا تستوجب الواقع على الإطلاق، على العكس فإن إستحضار الواقع (كلية الواقع) يدمره، وسيكون «الواقع» لاحقاً لإصدار الحكم، حيث يستحضر الجزء الذي يفيد الحكم ويشطب (يُعمَّى على) كلّية الواقع.
لهذا، إذا كانت الاشتراكية تعني إنهاء الاستغلال و الاضطهاد، و تعني التعليم المجاني والطبابة المجانية وحق العمل والسكن والأجور المناسبة، ورياض الأطفال.. الخ،وفق ما كانت تُلقى بشكل تبجيلي، فقد أصبحت هي الاستبداد و إضطهاد القوميات، والتعذيب وسلطة المخابرات.. الخ وفق ما بات يشار بعد انهيارها. رغم أنها كانت تحوي كليهما. ولقد تأسست التجربة الاشتراكية على تضمّن كل ذلك، وما إكتشفه النقّاد بعد إنهيارها كان موجوداً فيها منذ زمن بعيد، وكانت «الدعاية الرأسمالية» تركز عليه، كما أن العديد من الماركسيين كان يشير إليه (التروتسكية مثلاً). والمسألة الأساسية هنا تتمثل في وعي هذا الوضع بكليته. لكن «العقل الأحادي» يرفض ذلك رفضاً مطلقاً، لأن الشيء إذا ما كان صحيحاً، فهو صحيح بالمطلق، وإذا كان خاطئاً فهو خاطىء بالمطلق أيضاً. وبالتالي إذا كانت الاشتراكية تتضمن كل هذه «الحقوق» وهذا النمط من «الرفاه»، فهي صحيحة مطلقاً، ولا يمكن أن تحوي كل تلك الفواجع والفظاظة. ولما خدشت هذه الصورة، إنقلبت إلى العكس فأصبحت هي السجون و القمع والاضطهاد والاستبداد وغيرها من الشرور، لأن «الشيء» لا يمكنه أن يتضمن الصورتين، وإن «تجاورهما» هو هتك للمنطق، لذا يسود منطق «إما، أو».
ولكن هذا الانقلاب يستدعي إنقلاباً آخر مكملاً. وهذه هي الخطوة التالية الضرورية ضرورة الخطوة الأولى ذاتها، وليس من الممكن تحقق الانفصال بينهما. حيث حينما يكون هناك شر مطلق، هناك خير مطلق، فالعالم هو «الدوران بين حدّين»، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، و إلا إنتفى، إنتهى، أصبح عدماً. ولما كانت الرأسمالية هي الطرف الآخر في هذه الثنائية (إشتراكية/ رأسمالية)، ستصبح حكماً إذن، هي الخير المطلق، وهنا يجري التشكيك بكل التحليلات السابقة، والاستهزاء بالفكرة حول أزماتها الدورية، وبشرورها واضطهادها ونهبها...الخ. والتأكيد على «قيمها» (الديمقراطية والحرية والليبرالية)، ومقدرتها على التطور، ومنجزاتها..الخ. الأمر الذي يفرض «شطب" كل شرورها، وتبرير كل سياساتها، والدفاع عن حقها وأحقيتها (وصولاً أحياناً إلى تبرير أن نلعب دور الخدم لديها)، في سياق عملية تجميل شاملة، تهدف إلى إظهار الرأسمالية وكأنها الخير المطلق (رغم بعض المشكلات التي تنتج عرضياً والتي يجب أن تقبل في سياق العملية التاريخية الضخمة التي تقوم بها. وكان شيء من ذلك يقال عن الاشتراكية كذلك).
وإذا كانت النظرة السابقة للرأسمالية ليست دقيقة أو خاطئة، وبالتالي كانت بحاجة إلى نقد، ووضع أسس جديدة لفهم طبيعة الرأسمالية وتكوينها، فإن «العقل الأحادي» يلغي ذلك، لأنه لا يحتاج إلى بحث في الرأسمالية لتغيير الموقف منها، حيث يكفي القول بأن الاشتراكية شر مطلق، لكي يتحوّل الموقف نحوها في عملية ذهنية خالصة، ولتكون «المهمة التالية» هي تبرير الموقف الجديد، ليجري إجتزاء الواقع والوقائع، فكما أشرت، إن «العقل الأحادي» لا يبحث في الواقع من أجل وعيه، بل يبحث فيه عن مبررات لفكرة محددّة مسبقاً، وهنا هو يستعيد المنطق النصيّ الستاليني (والمنطق النصي عموماً واللاهوتي خصوصاً) حيث يبقى الواقع هو مجال إثبات الفكرة، ويبقى الذهن هو منتج الفكرة متعالياً على الواقع.
إذن في الواقع ثنائيات، والذهن يدور بينها، أي بين الحدّين، ولا مجال لأن يتجاوزها و إلا أصيب بالهلع، تاه بين وقائع متشابكة متداخلة ومتناقضة، فتلاشى أو أحس بدنو الأجل، حيث ليس من الممكن وعي الأشياء إلا حينما تدور بين حدّين، وإذا كان الواقع ليس كذلك فإن العقل الأحادي يجبره على أن يكون كذلك، و إلا تحطّم هو.
هذه الثنائية (الاشتراكية الرأسمالية) يمكن تلمّسها في سياق الحركة الماركسية العربية، حيث سيبدو أنها «العنصر المهيمن» في الوعي الماركسي وأساس كل استراتيجية الحركة.
ولاشك في أنني كنت أشير الى ماركسيتنا الرائجة حين تحدثت سابقاً عن ثنائية الاشتراكية/ الرأسمالية، حيث أشرت إلى أن «البناء النظري العام» تأسس على تمجيد الاشتراكية ورفض الرأسمالية. لكن هذه كانت «الفكرة العامة»، أو القناعة الأيديولوجية»، بينما لم يكن ضرورياً أن تتوافق مع «الفكرة الواقعية»، الفكرة التي حكمت نشاط الحركة الشيوعية. وهنا سنلمس تناقضاً عميقاً، حيث سيكون التطور الرأسمالي هو هدف الحركة الشيوعية، وهي هنا تهمّش دورها إنطلاقاً من أن وقته لم يحن بعد، مما جعلها «تدعم تطور الرأسمالية»، وتدافع عن حقوق الطبقة العاملة المطلبية طبعاً، وتدعو إلى «الديمقراطية» في إطار سيادة الملكية الخاصة الرأسمالية.
هذه الفكرة تبلورت نهاية ثلاثينات القرن العشرين، وأصبحت جوهر سياسة الحركة الشيوعية العربية. ورغم أنها اختلفت عن تصور لينين، وكانت تتقاطع مع تصور بليخانوف و المناشفة، فقد انبنت على أساس المفاهيم التي عممتها «الماركسية اللينينية». وهنا تأكيدها على خطية تطور المجتمعات البشرية، و جبريته حيث يجري الانتقال من المشاع إلى الرق، إلى الإقطاع، وحتماً إلى الرأسمالية قبل إتباع سياسة تهدف إلى تحقيق الإشتراكية. والجبرية هنا جزء مكوّن لمنطق العقل الأحادي، فالمسألة (إما، أو)، إما الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، أو استحالة الانتقال إلى الاشتراكية، حيث أن الحتمية تفرض الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية ولا ثالث لهذا التطوّر الخطي.
هذا التصور هو الذي حكم سياسة الحركة الشيوعية العربية، وحدّد تكتيكاتها (لهذا كانت مهادنة، ومكتفية بالحدود التي تقرّها الرأسمالية التي كانت مهادنة ومساومة، وقابلة بالأمر الواقع). وكان هذا التصوّر هو أساس فشلها لأن هذا الخيار كان محتجزاً، وبالتالي مستحيلاً، مما وضعها في مأزق أنقذتها الحركة القومية العربية منه، التي حاولت تحقيق «خيار آخر»، فالتحقت بها لكن على أرضية الحركة القومية التي كانت تدّعي أنها تحقق الاشتراكية، مما قادها إلى مأزق عميق آخر.
إذن كانت الرأسمالية هي خيار ماركسيتنا. وحينما نشأ «الضد» في سبعينات القرن «العشرين» رفضت هذا التصوّر، وأكدت على الطابع الاشتراكي للثورة (وستصبح المهمات الديمقراطية ملحقاً فيها)، وعلى تأسيس سلطة إشتراكية. هذا التصور كان ينسجم مع «العقيدة»، كان يتماهى معها. وهنا لم يكن تحليل الواقع هو المؤسس لهذا التصور، وسيبدو ذلك واضحاً حين رؤية المآلات.
فحالما انهارت الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي إنقلب الموقف، فقد أصبحت الاشتراكية مجال رفض، وعادت الرأسمالية هي خيار ماركسيتنا، ويمكن هنا أن نكرر ما كان يقوله خالد بكداش في أربعينات القرن العشرين ليكون مطابقاً للأقوال التي باتت تتكرّر، إلا في مسألة واحدة، هي مسألة معاداة الإمبريالية والاستعمار حيث كان بكداش متسقاً في معاداته.
الأمر الذي يدعونا إلى القول بأن المسألة تتكرر، لكن بشكل هزلي، لكن السؤال هو لماذا العودة إلى «الأصول»؟ إذا كانت فكرة بكداش هي الفريضة فإن الفكرة المضادة هي النفي، لكننا نعود من جديد إلى الفريضة (مهزلة)، وهو ما يعيد صياغة سياسة فشلت. وليس تحليل الواقع هو الذي يفضي إلى هذه النتائج، بل أن «المحاكمة الذهنية» هي التي تؤسس لهذا الدوران بين حدّين.
لكن هل من خيار غير هذين الخيارين؟ نعم، هناك خيار مركب، لكن وحده المنطق الجدلي يستطيع تحقيقه. فكيف يمكن، مثلاً أن نفصل بين المهمات الديمقراطية التي حققتها الرأسمالية الأوروبية، وبالتالي غدت ملاصقة لها، وبين الرأسمالية ذاتها؟ هل يستطيع العقل الأحادي أن يميّز بين هذا وذاك؟ ويرى أن عالمية النمط الرأسمالي جعلت الرأسمالية ليست «طبقة تقدمية»، وبالتالي غير معنية بتحقيق «مهماتها»؟ كذلك هل يستطيع العقل الأحادي أن يميّز بين الاشتراكية والطبقة العاملة، ويرى أن الطبقة العاملة قادرة على تحقيق المهمات الديمقراطية كنقطة إنطلاق لتحقيق الاشتراكية ومن ثم هل يستطيع مسك هذا التركيب.
الجواب لا، لهذا فهو يدور بين حدّين، ويصاب بالرعب حالماً يلمس بأن حداً ثالثاً يمكن أن يوجد واقعياً.
هذه المشكلة لتطال كل السياسة، أي كل المسائل التي تتعلق بالواقع، والتي تُرى غالباً مفككة، وساكنة. فإذا لمسنا مسألة الأمة والأممية سنلمس الدوران بين حدّين، وإذا تناولنا التكتيك سنلمس العقل ذاته.
لهذا استخلص بأنه ليس من الممكن للماركسية أن تلعب دوراً حقيقياً، سواء في وعي الواقع، أو في تغييره، إلا بالمسك بالانتقالة التي حققها ماركس، ليصبح الجدل المادي هو «طريقة التفكير»، و«آليات الذهن" و "زاوية النظر".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

القومية والأممية
في ثياب العقل الأحادي
التضاد بين القومية والأممية هو الذي أسس لأن تتشكل منهما ثنائية، هي من أخصّ خصائص العقل الأحادي، وبالتالي يمكن القول بأن وضعهما في تقابل ومن ثَمّ في تضاد هو من نتاج العقل الأحادي. لهذا ستبدو الأممية في كل إهاب الوقار والزهو والإيجابية، بينما ستكون القومية رجعية وتحوي كل السوء، أو العكس، حيث ستبدو القومية هي «القدر» وهي «النهاية» (نهاية المطاف، وستكون الأممية هي التدمير لكل «الخصوصيات» و«الطابع» و«الأصالة».
لكن الأممية هي التوحيد المركّب للأمم، وبالتالي فهي صيرورة إنتقال إلى تشكيل جديد يتضمّن الأمم حكماً. هنا سنلحظ بأن ماركس صاغ مفهوم الأممية على الضد من «الكوزموبوليتية» (التي هي نزعة الانخلاق «التحليل من» القومي)، النزعة التي كانت تعبّر عن ميل البرجوازية لاستغلال العالم، لهذا أكد على الأمة في جوف الأممية. وإذا كانت القومية هي الفريضة، فإن الكوزموبوليتية هي السلب (النفي، الإلغاء)، لتكون الأممية هي التركيب، حيث تحافظ على الأمة وتدمجها في شكل عالمي جديد في الآن نفسه، لتكون منطلقاً لشكل أرقى، يفضي إلى تشكل «العالم الأمة»، هذه صيرورة، وهي صيرورة مستقبلية.
لكن العالم الآن هو عالم أمم، وليس من الممكن إلغاء هذه الأمم، سوى عبر الطريق الكوزموبوليتي، المفضي إلى العدمية، لأنه «يتعالى» على الواقع، من هنا يأتي توصيفه بأنه «سلب» (نفي)، حيث أنه يدّمر العلاقات، الاقتصادية إولاً ليلحقها بـ«مركز»، ولقد كان هدف الميل الكوزموبوليتي لدى الرأسمالية هو هذا بالتحديد، والعلاقات «التكوينية» (أي التي تخص التكوين التاريخي للبشر) لمصلحة علاقات مبهمة لا أساس إقتصادياً لها، ولا طابعاً «عالمياً» جديداً كذلك، بينما ستتضمن الأممية مجمل اللغات والثقافات وتتداخل العلاقات الاقتصادية بشكل متكافىء، يفضي إلى تطور مجمل العالم، وليس مركزه فقط.
لهذا حينما صاغ ماركس مفهوم الأممية في إطار النضال ضد الرأسمالية، أكّد على أنه إتحاد أحزاب تمثّل الطبقات العاملة في أممها، ترسم سياساتها على الصعيد العالمي، لكنها تناضل أولاً ضد رأسماليتها، وهي حالئذ تكون قومية، ولكن ليس بالمعنى البرجوازي (لا الانغلاقي ولا العدمي)، حيث لا تعني «قوميتها» أية ذرة من التعصب، بل هي «نقطة إنطلاق» لما هو عالمي أممي. وإذا كان التعبير العربي (الأممية) مستمّد من الأمة تحديداً، وبالتالي فهو يعني تمازج وتداخل وتواصل أمم، فإن التعبير الإنجليزي يشير كذلك إلى الأمة (بل القومية)، حيث أن تعبير (International) يعني تحديداً (عبر القومية). أي أنه يشير كذلك إلى التمازج والتداخل والتواصل بين الأمم، لكن ـ كما العربية ـ في تشكيل جديد.
لكن، رغم تضمن تعبير الأممية للأمة شكلاً (على صعيد اللغة) ومضموناً، فإن العقل الأحادي ينزع إلى تحويل الـ«ضمن» (أي الأمة هنا) إلى «خصم» (أي ضد) ليؤلف منهما ثنائية. فهذه هي الخطوة الأولى الضرورية من أجل أن «يشتغل» هذا العقل، وإلا إنتفى، فهو مؤسس على «الثنائيات»، ومقولب وفقها، وحالما تتشكّل الثنائية تخضع لمنطق التضاد (أو التعادي)، لأن كل زوجتي هما متضادين، ومن غير الممكن أن يكونا غير ذلك. ولهذا تكون الأممية الأممية»، ولا يمكن لها أن تكون غير ذلك، وتكون الأمة قومية ولا يمكن لها أن تكون غير ذلك أيضاً، إنهما متنافرتان متعاديتان، كما لا يمكن «الجمع» بينهما، وكذلك لا يمكن أن يتحدا لأنهما ضدان، والضد لا يتحد مع ضده، لأنه يبقى هو ذاته (الذات المطلقة).
لهذا يكون التحديد على الشكل التالي: إما أممية أو قومية، ولا ثالث ممكن. لتتحول القومية وفق هذا المنظور إلى إنغلاق وتعصب ورغم أم ميولاً واقعية تنشىء في هذا السياق لدى بعض الفئات المأزومة. فإن منطق العقل الأحادي يدفع كل ميل قومي إلى هذا الحدّ، ويدفع «التكوين التركيبي» الذي للأممية (والذي أشرت إليه)، حيث تتضمن الأمة، إما باتجاه «القومية»، عبر نفي صفة الأممية عنه (ويكون هذا لدى «الأمميين» الماركسيين)، أو باتجاه «الأممية» بنزع صفة القومية عنه (لدى «القوميين»).
حيث لا إتحاد ولا تضمّن يمكن أن ينشأ بين هذا وذاك. بينما المسألة تفرض ثلاثة خيارات: الأول القومي المنعزل، والثاني «الأممي» المجرّد، والثالث هو الأممي الذي يتضمّن القومي. هذه الصيغة الأخيرة هي صيغة الجدل المادي، ولا يمكن أن تلمس إلا عبره، بينما الصيغتان الأوليان هما من تشكيل العقل الأحادي (المستند إلى منطق أرسطو، أي المنطق الصوري، أو إلى العقل اللاهوتي المستمد جذوره من منطق أرسطو، وكليهما من العصر الزراعي، حيث الشكل هو المسيطر و«المرئي» والسكون هو البادي). وبالتالي ليسا الواقع، أو أنهما ليسا من صلب الواقع، ولا يكونا سوى في ذهن «العقل الأحادي»، ومما يجعلهما يشكلان ميولاً متطرفة في الواقع. يتمثلهما بعض أفراد (أو بعض مجموعات).
أما الواقع، فهو يتضمّن المتناقضات، يوحّد بينها، مما يؤسس لصيرورته، لحركته (المنافية للسكون).
كيف يممكن أن يوضع الجزء في مواجهة الكل وهو «جزء» منه؟ وكيف يمكن أن يوضع النسبي في مواجهة المطلق وهو «جزء» منه كذلك؟
العقل الأحادي يضعها، لهذا يكون النسبي حدّ المطلق رغم أن وضع الحدّ يحول المطلق إلى نسبي. وكذلك يكون الجزء هو حدّ الكل رغم أن وضع الحدّ يحول الكل إلى جزء، فالحد هو بين النسبي والنسبي وبين الجزء والجزء. بمعنى أن النسبي والمطلق. الجزء الكل، تصبح من الصنف ذاته، من النوع ذاته رغم أنهما من نوعين مختلفين، حيث المطلق، والكل هما حالة التحول النوعي في النسبي والكم، لهذا فهما يتضمنّان النسبي والجزء، حيث أن تراكم النسبي، وتراكم الجزئي، هما اللذين يشكلان المطلق والكل في عملية تحوّل نوعية.
إذن ستكون عملية الترابط بين القومي والأممي محققة ما دام الأممي يتضمن القومي، وسيكون القومي معبراً نحو الأممي، لا معبر غيره، مادام البديل هو «الانخلاع القومي» (الكوزموبوليتية)، لقد تأسست الإمبراطوريات القديمة متضمنة «الغاء» القوميات، لهذا كان ما هو «عالمي» هو المسيطر أيديولوجياً، وكان الدين هو الأوضح في هذا المجال، حيث كانت عالمية الدين تؤكد على طمس القوميات، وتؤكد على تشكيل «أمة» جديدة، ومن ثم مع نشوء الرأسمالية، كانت الدولة/ الأمة هي الصيغة «الضرورية»، حيث ردت القوميات على الميل لنفيها، لهذا كانت المسألة القومية نتاج رأسمالي بأمتيار (وإن كان ذلك لا يخصّ تشكل الأمم الذي كان أقدم من الرأسمالية، ولكنه يخص تشكل الدولة/ الأمة)، التي لعبت دوراً حاسماً في تحقيق التوحّد القومي، عبر نشوء الحركة القومية، والرأسمالية الأوروبية هنا كانت تطمح لتشكيل سوقها القومي، ولكنها كانت تسعى أيضاً ـ وفي الوقت ذاته ـ لإلغاء الطابع القومي للأمم الأخرى، عبر إستعمارها.
الآن لسنا معنيين بـ«إكتمال الدائرة» عبر العودة إلى النظام الإمبراطوري القديم، لكننا معنيون بتحقيق التركيب (نفي النفي)، حيث تتشكل «عالمية» جديدة تتضمن القومي، وعبر هذا التشكيل سوف يؤسس التراكم الميل لنشوء «ثقافة عالمية واحدة» و«لغة عالمية واحدة»، وبالتالي تكويناً عالمياً واحداً، لكننا الآن معنيون كذلك بأن تتشكّل الدولة/ الأمة، فهذه خطوة هامة إلى الأمام، وأساس الانطلاق لـ«عالمية جديدة»، بمعنى أن المهام الممكنة الآن تتمثّل في تحقيق التحوّل الداخلي (القومي) الذي يجعل العالمي ممكناً، وهذا هو تأكيد ماركس حينما أشار إلى أن الطبقة العاملة تناضل ضد برجوازيتها أولاً. وهو يعني أيضاً تحقيق المهمام القومية بأفق أممي، وفي علاقة وثيقة مع كل الحركات العالمية الرافضة للرأسمالية، والتي تعمل على تأسيس عالم بديل يتجاوز الرأسمالية بما يخدم مصالح الطبقات الفقيرة، ويحقق إنسانية الإنسان، ويلغي الاستغلال والاضطهاد بمختلف أشكالهما، ويحقق التكافؤ والمساواة والتضامن.
إننا في مرحلة التحوّل الكمي، أي تحوّل كل أمة بتأسيس نمط إقتصادي إجتماعي بديل للرأسمالية ومتجاوز لها، وبتأسيس علاقات إنسانية وترابط عالمي. ولهذا يجب أن ينبذ التعصب والانغلاق القوميين (أو اللذين يتخذا شكلاً دينياً) لمصلحة تطور قومي ديمقراطي وإنساني. وهنا تكون «القومية» ليست نفياً للأممية، بل هي «أواليتها». لبنتها الأولى، وأساس تشكلها.
العقل الأحادي سوف يركّز على التضاد، ويؤكّد على الأممية، التي ستبدو هنا كتعبير مجرّد، لأن المهمات التي توضع إما أن تكون خاصة بمجتمع معيّن، وهنا يجب أن يكون المجتمع مؤسساً على أساس قومي، أو طامحاً إلى ذلك. أو أن تكون المهمات عامةَّ مجردة و«أممية»، وبالتالي تفقد أساسها الاقتصادي الاجتماعي (الواقعي) المحدَّد) في إطار قومي ضرورة، والبديل العربي هو البديل القطري الذي بالتالي يؤسس لـ «قومية» جديدة. ولاشك في أن هذه المشكلة هي مشكلة عربية بامتياز، لأن العرب لم يحققوا وحدتهم القومية بعد، ولازالت أجزاء من وطنهم محتلة كذلك، مما يجعل الانطلاق من «الواقع» يقود إلى الانطلاق من «الواقع الراهن» الذي هو الواقع القطري. ولما كان الواقع أوسع من هذا فإن مسار التطور سيبدو معاقاً، ومشّوهاً، حيث أن «الوعي القومي»، أي الوعي بالارتباط بأمة وبالتالي بسعيها إلى تحقيق التطور، أن هذا الوعي هو جزء من الواقع، لأنه «يتلبّس» قطاع واسع من الشعب، الذي هو الواقع ذاته. وسيبدو تحقيق التطور انطلاقاً من تجاهل هذه المسألة مستحيلاً إلا في إطارات ضيقة، وربما هامشية، لهذا كانت «أزمة التنمية العربية» قطريتها، وكانت «أزمة المواجهة» قطريتها.
إذن ما دام الانطلاق من الواقع هو الأساس في تحديد صيرورة التطور، وصولاً إلى أمميتها، فإن الواقع هو الواقع الذي يتضمّن القومي، حيث أن تعريف «الهوية» لا يستند إلى الدولة القطرية المتشكلة بفعل تخلّف تاريخي وصياغة استعمارية، بل يستند إلى «الطابع القومي»، الذي إستناداً إليه يجري البحث في مختلف مكوّنات الواقع الأخرى. والذي على ضوئه يجري تحديد طبيعة الترابطات على الصعيد العالمي، وانطلاقاً منه يجري تحديد طبيعة العلاقات الأممية.
هذه «التشابكات» يفشل العقل الأحادي في التقاطها لهذا يشطبها ويلجأ إلى تبسيط المسألة، حيث هناك القومية، وهناك الأممية، وبالتالي فأي خيار نختار في هذا التحديد الجبري؟ القومية؟ حيث سوف تكون منغلقة ومتعصبة حكماً. أو الأممية؟ حيث سوف تكون مجرّدة، وفي الواقع متخلّفة عن القومية لأنها تنطلق من التجزئي الذي تعاني منه الأمة، وتؤكد على تكريس هذا التجزئي، باعتباره هو الواقع، وهي هنا سوف تكون ما دون قومية، لأنها تنطلق من التفتيت القومي لتكريس الأممية (كما تفعل العولمة راهناً، حيث تكرّس التفتيت في إطار فرض سوق اقتصادية واحدة).
وحين أشير إلى «الطابع السكوني» الذي يحكم المنطق الأحادي أشير إلى أنه لا يرى مفاعيل «الشعور القومي» والمحددّات الواقعية التي ينتجها، وبالتالي الدور العملي الذي يتشكل انطلاقا منه، مما يفرض السعي إلى الانتقال من التعنت والتفكك إلى الوحدة وليتكون تحقيق الوحدة القومية في جذر الصيرورة الواقعية في الوطن العربي. وليكون بالتالي أساس تشكل الحركة السياسية التي تحمل في أحشائها تحقيق التطور الاقتصادي الاجتماعي/ السياسي والمجتمعي الشامل.
هذا الأمر يفرض على الحركة الماركسية أن تكون حركة عربية، تعبّر عن النزوع القومي العربي، وتصيغه في إطار ديمقراطي يحقق «التكوين» العربي ولكنه يحقق للأقليات القومية حقوقها، كما تعمل على تأسيس أوثق ارتباط مع كل الحركات الماركسية في العالم من أجل هزيمة الرأسمالية، وإعادة صياغة العالم على أساس إنساني وديمقراطي ومتكافىء، وبما يحقق مصالح الطبقات الفقيرة.
العقل الأحادي يشوّه القومية، كما يشوّه الأممية، وحده الجدل المادي هو الذي يؤسس رؤية واضحة للواقع، ويؤسس حركة قادرة على الفِعل الحقيقي. الأمر الذي يفرض أن نتجاوز العقل الأحادي القائم على اختراع الثنائيات، والتأكيد على التركيب، على التضمّن، أي على نفي النفي الذي هو أسّ الجدل المادي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

العقل الأحادي ومسألة الممارسة
«العقل الأحادي» هو العقل المستند إلى منطق أرسطو والذي يسمى أيضاً ـ وبالأساس ـ المنطق الصوري، لأنه ينطلق من الشكل (الصورة) ولا يولي اهتماماً بالجوهر (المضمون).
وعدم إيلائه الاهتمام للجوهر نابع من «طفولية الفكر» حيث لم تكن البشرية قد تجاوزت سعيها تلمّس ما «تراه»، و«اكتشافه». وبالتالي فإن أساس منطق أرسطو يتمثّل في «معرفة الأشكال»، تحديديها وتبيان تمايزها عبر لحظة ساكنة. ولقد أسميته «العقل الأحادي»، لأن جوهر منطق أرسطو يتمثل في ما يمكن أن يسمّى «الثنائيات»، حيث أن المسائل تقوم على (أ) و(ب)، والعلاقة الوحيدة بينهما هي التقابل، لكنهما متعاديين، وكلّ منهما لا يمكن أن يكون سوى هو ذاته، مما ينتج محاكمات نظرية تفرض أن يكون لاشيء (في الواقع، أو في الفكر) هو ذاته ومتعادٍ مع معاكسة. حيث ستبدو المسألة في إطار «إما، أو» ولا خيار ثالث. لهذا تفرض المحاكمات النظرية أن يحدّد الرأي الآخر في خانة معدّة سلفاً هي معكوس الخانة التي تبنى عليها المحاكمات النظرية هذه. وبالتالي فإذا لم تكن هنا لأنت حكماً هناك، وإذا لم تكن مع هذه الفكرة فأنت حكماً مع الفكرة المعاكسة. بمعنى أن ليس من مسافة بين الفكرتين، بل أن حدّاً فاصلاً سميكاً يفصل بينهما، من غير الممكن أن يزول.
هذه الطريقة كانت أساس محاكمات الفلاسفة طيلة قرون عديدة، لكنها كانت في أساس «المحاكمات» الدينية كذلك، في أساس الطريقة التي قام عليها اللاهوت كله (مبدأ خير/ شر، نور/ظلمة). وإذا كانت فلسفة أرسطو غير معروفة عندنا، وبالتالي كان منطقة مجهول تماماً، فقد عرفنا «العقل الأحادي» عن طريق الدين، وبالتالي «الوعي الشعبي». لقد ورثناه تقليدياً، عن طريق المحاكمات البسيطة الساذجة، فأصبح يتلبّس وعينا، ويهيمن على «منطقنا» الأمر الذي يجعل محاكماتنا تنحصر في الأشكال، أي دون مقدرة على تلمس «العمق»، الأساس، الجوهر.
سنلحظ بأن هذا المنطق يلمس السياسة ولا يلمس الاقتصاد، رغم أن السياسة هي الشكل «السطح» لما هو اقتصادي. لهذا تؤيّد سياسة أو ترفض أخرى، فقط انطلاقا من أنها صدرت من طرف محدّد (صديق أو خصم)، دون أن يدرس أساسها الاقتصادي، وتحدّد أبعادها انطلاقا من ذلك. وسوف يدُان أو يؤيدّ «تصريح صحفي» انطلاقا من منطوقة اللفظي، دون تحليل أساسه، وتحديد أبعاده، وتلمس الغرض منه، الأمر الذي يقود إلى تحديد دقته، أو الوصول إلى «كشف» أنه غطاء لسياسة أخرى، مما يجعل السياسة هي ردود أفعال مستمرة، هدفها رفض أو تأكيد حدث أو تصريح أو سياسة ما، حيث ستبدو أنها مراوحة بين الرفض والقبول، مما يفرض تغييب السياسة بما هي رؤية ومطامح وكذلك مصالح.
هنا ستبدو السياسة كتكتيك متواصل، يبتدىء من تحديد «موقف» من حدث ما، يصاغ على أساسه «التصور النظري» الذي يبرره، ويمده يكل سبل «القوة النظرية»، كما تحدَّد القوى المعنية به. هنا يكون «الموقف السياسي» و«الحدث السياسي» هما نتيجة لمجمل تفاعلات. هما شكل (سطح) لوقائع أعمق. وهما بالأساس نتاج تفاعلات في مستويات أخرى. وكذلك لكي يتحدّد الموقف ويصاغ التكتيك، يجب دراسة مجمل التكوين الاقتصادي الاجتماعي ووضع الطبقات الاجتماعية وميولها، وطبيعة التناقضات فيما بينها، وبالتالي الموقع الذي يتحدّد ـ على ضوء كل ذلك ـ لنا. بمعنى أن الرؤية، رؤية الواقع بكل مستوياته الاقتصادية الاجتماعية والفكرية والسياسية، وكذلك رؤية الواقع بمعناه العالمي، هي أساس تحديد الموقف وتحديد التكتيك.
الموقف إذن لا يستدعي موقفاً مقابلاً، بل يستدعي «الحفر» في أساساته، ووعي كل مكوّناته قبل تحديد الموقف المقابل، انطلاقا من رؤية شاملة.
القول بالتالي يستدعي تحليلاً اقتصادياً اجتماعياً فكرياً من أجل تحديد ماهيته. وهنا يكون «العقل الأحادي» عاجزاً تماماً لأنه يلمس «السطح»، أي الشكل، أي الكلمات دون أن يلمس أبعادها، ويؤسس موقفه على موقعها من منظومته، فإذا كانت متوافقة تحوّلت إلى مطلق، وأصبحت مجال «مدح»، أما إذا وقعت خارج هذه المنظومة (وليس بالضرورة أن تكون بعيدة عنها) تصبح نقيضاً يجب «القدح» فيه.
هنا نغرق في «صيرورة» شكلية تماماً، تنحكم لتعاديات ثنائية تراوح في إطار دائري، أو تدور بين حدّين. الأمر الذي يجعلنا نعرّف السياسة بأنها الدوران بين حدّين يقومان على الأشكال. مما يحوّل السياسة إلى ممارسة مبتذلة، يسكنها الشخصي، وتدور في إطار التعادي وتغرق في التكتيك، الذي يبتلع السياسة ذاتها.
إذن، إذا كان الواقع حسب الماركسية هو مجمل المستويات الاقتصادية الاجتماعية والفكرية السياسية، فإن «العقل الأحادي» يتلمّس المستوى السياسي بمعزل عن كل المستويات الأخرى، وفي السياسي يتلمس الظرفي/ الآني/ الحظي منعزلاً عن مجمل المسار. فتجري محاكمة المواقف و الأحداث عبر القانون الآخر في منطق أرسطو، وأقصد الثنائيات. هذا المنطق ذاته يطال «الاقتصادي» حينما يجري البحث فيه، ليتحوّل إلى «مسألة تقنية» منعزلة. وكذلك يطال الاجتماعي، والفكري، كلٌّ بمعزل عن الآخر، وكلٌّ في إطار شكلٍّ تماماً، ومنعزل في ذاته. الأمر الذي يقود إلى أن يبدو الواقع مفككاً ومنعزلاً وساكناً معاً، وتبدو «التصورات» ساكنة ومتنافرة ومنثورة.
وحين تحديد أهداف للنشاط ستبدو مشوشة ومفككة كذلك، ومنظور إليها شكلياً، ومن ثمَّ موضوعة خارج الصيرورة، لأنها مبنية على ما هو شكلن ولم تكن نتاج تحليل معمّق للواقع ولآليات تحويله.
السياسة هنا إذن تكتيك، وردود أفعال على أحداث، لهذا لن تكون حاجة للفكر (النظرية) حيث سوف يثقل على «السياسة» ذاتها، لأنه يقدّم لها الرؤية الإطار العام الضروري لكي تكون سياسة بالمعنى الحقيقي لكلمة سياسة. وسوف يكون هو المجرّد، الذي يعني وفق «العقل الأحادي» اللغو، والذي يمكن التقاطه من أي كتاب «جاد» بهدف التبرير أو الزينة. وإذا تكلمنا بلغة الحرب نقول أن المسألة تتحدّد في التكتيك فقط، أم الاستراتيجية فيمكن التقاطها من أي كتاب مدرسي، كي تكون المدخل غير الضروري للتكتيك. وهنا تكون الاستراتيجية منفصلة عن التكتيك. وليست ذي معنى، مادام التكتيك هو الأساس. وفي السياسة تكون «السياسة» (التي تساوي التكتيك) هي كل المسألة أم الرؤية (التصور/ النظرية) فهي تستحضر للتبرير، وسوف تكون كذلك منفصلة عن التكتيك، وبالتالي ليست ذي معنى كذلك.
لكن، في الواقع، التكتيك هو منتوج رؤية ولن يكون صحيحاً دون هذه الرؤية، كما لن يصبح جزءاً من عملية تراكم تحققها الرؤية. ولهذا لن يقود إلى نتيجة حقيقية. نتيجة تفيد الفاعل حيث عادة ما يخدم التكتيك المؤسس على ذلك آخرين، ويلحق الذات بهم. مما يجعل فاعليتها الذاتية عشوائية وتفيد الآخرين. وهي عشوائية لأن التكتيك الذي يحرّكها هو ردود أفعال على نشاط الآخر (الخصم) لكن ـ كما أشرت سابقاً ـ انطلاقا من الشكل الساكن، ولأنها عشوائية فهي لن تحقق التراكم المطلوب لتحقيق التغيير أو الأهداف عموماً، أو حتى المطالب الجزئية، حيث سيبدو التكتيك كضياع في تفاصيل متناثرة، ومسار دون هدى، وبالتالي دون تراكم. ولتتحوّل «الأهداف» إلى شعارات معلّقة، وأحلام خلّبية. فكل حدث يفرض تكتيكه و«تحالفاته» ونغمته التعبوية، ومبرَّره النظري، وليس من الضروري أن يسكن الاتساق مجمل الأحداث، حيث ليس من علاقة عميقة (طبقاً هناك علاقة سطحية) بين التكتيلات «الحديثة» والأهداف، لأن الأهداف لا تستند إلى رؤية، أي إلى تحليل معّمق للواقع، وبالتالي فإن التكتيك الذي لا ينحكم إلى رؤية، لن يخدم رية، وسيكون له «رؤيته» الخاصة، المنعزلة (أو التي ربما تنعزل) عن الأهداف.
هذه العشوائية تلغي التراكم، وبالتالي، تلغي التحوَّل النوعي، لهذا فهي ستكون «خارج» الصيرورة، أو تصبّ في صيرورة أخرى، لأن الفعل الذي لا يؤسس على رؤية، سوف يخدم رؤى الآخرين، وبدل أن يبلور الذات، يُلحق في ذات أخرى؟ لتلغى الذات كذات وتظل موضوع.
 

عن ثورة أكتوبر
محاولة في التفكير
منذ سنوات وذكرى ثورة أكتوبر تتخذ طابعاً مختلفاً، أقصد أنها تاهت بين التجاهل، ومحاولة تأكيد قيم ما، كانت تعد إلى وقت قريب حلم البشرية.
لقد شطب الانهيار ذاكرة، وأسقط مطامح وأحلاماً، وهزهز قناعات، لهذا لم يعد لثورة أكتوبر معنى، أو أصبح لها معنى آخر، معنى يصمها بالاغتصاب، لأنها بدت وكأنها تلغي صيرورة، بات يقال إنها طبيعية، لتؤسس صيرورة أخرى، باتت توصم بأنها قسرية، مخالفة لطبيعة الأشياء، وكأن هناك من يستطيع تحقيق هذا الفعل الجهنمي، إبدال صيرورة بأخرى، كسر صيرورة وبدء أخرى. ها الفعل الجهنمي ألقي على كاهل لينين، الإرادوي، والحالم/ الواهم، الذي قرّر اختطاف القطار وضعه على سكة أخرى.
ثورة أكتوبر إذن باتت مجال إدانة، وأصبح كل ما نتج عنها ـ وأقصد الاشتراكية ـ مجال هجاء. أتفهّم النقد وأؤكد ضرورته، لكن النقد تعبير مبهم لأنه مجهول. فلقد انقلب المدح والتقريظ والتفخيم والتضخيم، إلى ذم وتحقير وشتم أو مديح لما كان يذم ويشتم. انقلبت الضرورة إلى خطيئة والخطيئة إلى ضرورة، دون توّسط النقد والتحليل، أي العقل، وهذا يلقي ضوءاً على وعي، فقد غاب العقل النقدي، العقل الشكاك، فتحول الوعي إلى قشرة يسندها اليقين، اليقين المطلق. ومن السهل أن ينقلب اليقين المطلق إلى شك مطلق، أي إلى عدم. أقصد هنا أن الغائب الأهم كان الماركسية، لهذا كان الانقلاب عليها سهلاً، ليبدو وكأنه (إزالة قشرة)، أو تغيير إعلان، أو نفي صفة.
سنلاحظ إذن أن كل الأحكام التي تناولت ثورة أكتوبر تأسست على هذه المسألة بالذات، لهذا انحكمت لمنطق، ربما لا أستطيع أن أَسِمُهُ بالمثالية، لأنه ما دون المنطق بالأساس، بمعنى أنها انحكمت للامنطق، وبدت كموجة ردح. رغم ذلك، أو نتيجة ذلك ـ يجب مسك ما يمكن مسكه من كل هذا الفيض، من أجل رصفه في سياق منطقي، لكي يكون ممكناً فكفكة اللامنطق فيه. فكيف يمكن أن نعد حدثاً بحجم ثورة أكتوبر، حَرْفاً واغتصاباً للتاريخ والواقع؟ هل هما مفرطاً السذاجة إلى هذا الحدّ؟ أليس ما يتحقق هو ممكن؟ الواقع حمّال احتمالات، يصاغ في واحد منها، وهو الاحتمال الذي يؤسس الواقع له، الذي يمتلك كل الأسس الواقعية التي تفرض انتصاره، هو الواقعي إذن، وبالتالي بدل اتهام فرد بالإرادوية، وتحميله نتاج فعل خارج، إسباغ قدرة خارقة عليه، كان يجب ردّ دور الفرد هذا إلى ممكنات الواقع، ليتحدد تميّزه في أنه وعي الواقع، وفهم ممكناته. هنا يسكن منطق يرى أن الإرادة هي الفاعل الأول، وهو منطق مقلوب ماركسي، سوف يظهر واضحاً في كل ما قيل عن ثورة أكتوبر، وعن التجربة الاشتراكية، لهذا سنلاحظ أن الاتهام بالإرادوية يقود إلى إلغاء الإرادة، لكن لتتأسس إرادوية معاكسة، فإذا كان تحقيق الاشتراكية يعبِّر عن إرادوية، في مقابل التطور الطبيعي) الذي هو الرأسمالية، فإن تحقيق الرأسمالية سيبدو أنه المعبّر عن إرادوية فظة، لأن التطور الطبيعي هو ما حصل، إذا كانت هذه الصيغة من التطور (التي هي الاشتراكية) نتاجاً موضوعياً للظروف الروسية، وللظروف العالمية آنئذ، كانت الضرورة التي أنتجها الواقع، لهذا تبدو الإرادة ويبدو الوعي هنا كجزء من الصيرورة الواقعية، بينما تتحوّل إرادة تحقيق الرأسمالية إلى حلم/ وهم.
ثورة أكتوبر كانت الحلم الممكن، لكن من خارج النص، بمعنى أن من ينظر إليها من زاوية ما كتب عن الاشتراكية فسوف يصاب بالخيبة، وهذا ما حدث بعد الانهيار، لأن ما تحقق انطلاقاً منها (وهو  المسكوت عنه عادة)، هو غير ما يحظر للذهن، غير ما تقاس التجربة به، إن قيمتها ليست في تحقيق اشتراكية المثال، بل تكمن قيمتها الأساسية في تحقيق التصنيع والتحديث في إطار عدالة ما ربما ليست هي ما نسعى إليه ولا هي جوهر الاشتراكية، هذا هو المسكوت عنه، وهو أهم ما في التجربة، القادم من خارج النص ربما. الاشتراكية إذن كانت تحقق مقدماتها، وبهذا نجحت نجاحاً باهراً، ولقد تحقق التطور بهذه الصيغة، لأنها الصيغة الممكنة، مجرّدة من الأحلام والأوهام. هذه المسألة هامة للأمم المخلّفة، وبالتالي فإن لثورة أكتوبر قيمة خاصة فيها، لهذا فإن التخلي عن خيار ثورة أكتوبر ضار ومدّمر معاً، لأنه لا يبقي لها سوى البربرية، الفقر والجوع، والتفكك والتفتت، وهنا يقبع خطر الردح الذي تعالى بعد الانهيار، والقائم أساساً على شطب خيار أكتوبر، لأنه يؤسس لـ(خيار) بديل، طالما تكرّر في الماضي دون أن تثبت إمكاناته، على العكس من ذلك تثبت استحالته. وأقصد الخيار الرأسمالي، لتبدو الدعوة للرأسمالية وكأنها المدخل للبربرية، فهذه سمة رأسماليتنا، في إطار عالمية النمط الرأسمالين وهذا ما يفرزه النمط الرأسمالي في الأطراف. إننا معنيون بالإفادة من التجربة الطويلة التي أسست لها ثورة أكتوبر، ففيها من الخبرات من يسهم ربما بأن نتجاوز النهاية التي وصلت إليها، إنها خبرات غنية وهامةن وأساسية في صياغة تصور ممكن لتحقق الاشتراكية، حلم ثورة أكتوبر وحلمنا نحن.
بعد سنوات من الانهيار، بعد سنوات من الضياع في متاهات مواقف انفعالية أو يائسة، أو منقلبة/ن الضروري مناقشة التجربة، تحليلها بعمق، لكي يكون ممكناً استخلاص نتائج تفيد، عبر وعي التجربة، ووعي مشكلاتها، هنا بالضبط نعيد لحلم البشرية ألقه.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات على ورقة المهام السياسية المقدمة إلى الإجتماع الثالث ...
- نقد التجربة التنظيمية الراهنة
- ملاحظات عن ماركس والعولمة
- عسكرة العالم: الرؤية الأمريكية لصياغة العالم
- بعد العراق نهاية عصر و بدء آخر
- صدام مصالح و ليس صدام حضارات - وضع الثقافة في الحرب الإمبريا ...
- جريدة الكترونية هائلة يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذا الوضع ا ...
- الانتفاضة والسياسة
- الماركسية في الصراع الراهن
- تساؤلات حول الراهن السوري
- ســؤال الازمة فـي سوريــا تـجـاوز الـبـنـيـة الـشـمـولـيـة
- اليسار ومشروع النهضة في الوطن العربي
- عن الرأي الآخر الذي في السجن
- في كشف دكتاتوريتنا / في كشف ديمقراطيتنا
- المسألة اليهودية، الصهيونية والعرب
- تأملات في الدين والدولة
- ما الماركسية؟
- الماركسية، التقدم والصراع الطبقي
- الليبرالية والليبرالية الجديدة
- عولمة -الشرق الأوسط


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الماركسية والعقل الأحادي