أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - رسالة إلى منذر مصري : هل بوسعك أن تعود معنا إلى العراق ؟!















المزيد.....

رسالة إلى منذر مصري : هل بوسعك أن تعود معنا إلى العراق ؟!


كريم عبد

الحوار المتمدن-العدد: 730 - 2004 / 1 / 31 - 16:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أولاً : وبدايةً أود أن أحيي روحك النبيلة وموقفك الرائع الرافض للجرائم المشينة التي يرتكبها جلاوزة ( المقاومة ) المشبوهة بحق الشعب العراقي وحقه المشروع في إعادة بناء وطنه الذي أحاله صدام حسين إلى أنقاض من خلال حروبه المعروفة التي دفّعت العراق ودول المنطقة من الطاقات البشرية والاقتصادية أثماناً باهظة، بطريقة لا يمكن تصورها حتى لو حكم العراق عميل أو خائن لا سامح الله، حيث جاء الاحتلال الأمريكي بمثابة الحرب الرابعة لصدام حسين على العراق، وإلا لماذا لم تحدث مثل هذه الحرب على تونس أو مصر مثلاً ؟!
أما لماذا يؤيد عدد ملحوظ من السوريين حرب هذه ( المقاومة ) أو بالأحرى المقامرة بـمصير الشعب العراقي، وقبل ذلك كانوا يؤيدون أرخص الأنذال في التاريخ صدام حسين ؟! فالجواب، هو أن هذا التأييد لا يقتصر على سوريين فقط بل يشمل أغلب الشعوب العربية. وخلفية ذلك تكمن في حالة الخذلان الروحية والمادية التي تعانيها هذه الشعوب جراء تسلط أنظمة شبيهة، بدرجات متفاوتة، لنظام صدام، أذاقتها الأمرين وجعلتها في حالة شعورية مزرية لدرجة صارت معها تصدق ما لا يمكن تصديقه، وهو أن يكون الحاكم مجرماً وبطلاً في نفس الوقت !! أنهم ينتظرون الخلاص على يد ديكتاتور !! كيف يمكن أن يكون الديكتاتور منقذاً ؟! هل هناك حالة أكثر بؤساً وتدهوراً من هذه الحالة ؟! نعم. وهي أن هذه الجماهير لم تعد تشعر بحالة التشوه الشعوري التي تسيطر عليها.
مع قناعتي بهذه الحقيقة، أقول من حق أي سوري أن يحزن عندما يحدث احتلال لأي بلد عربي. ولكن عندما يختار الشعب المعرض للاحتلال الطريق السلمي لإنهاء الاحتلال، فلماذا يكونون ملكيون أكثر من الملك ؟! ثم إذا كانوا يريدون تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي هل حرروا هم أنفسهم من الاحتلال البعثي الذي يحكم سوريا بالحديد والنار؟!
إذا كانت عيونهم مفتوحة على خيرات العراق لماذا لا يفتحون عيونهم على خيرات سورية بلدهم، وهي خيرات كبيرة ولكن منهوبة من قبل الطغمة الحاكمة ؟! أين هي عائدات النفط السوري ؟! لماذا تعيشون في شظف من العيش وفي أوضاع تدهور اجتماعي أنتم تعرفونها أكثر من سواكم ولا تعملون على إنقاذ أنفسكم من هذا الظلم والطغيان البعثي المنحط ؟! أنتم تعيشون تحت وطأة حالة من الخذلان والازدواجية لا تليق بشعب كريم وعريق كالشعب السوري، فانتبهوا لأنفسكم وانشغلوا بتحرير بلدكم، ودعوا العراقيين في محنتهم رجاءً. وإذا تماديتم في هذا النضال المجاني والثرثرة القومية البائسة، فإن موقفكم سيتحول إلى نوع من الدباقة القومية التي لا نرتضيها لكم لأن أملنا بكم أكبر من هذا بكثير.
ثانياً : أخي منذر سأقول لك بوضوح بأن هذه الدعوة، أي دعوتك للأدباء العراقيين أن يعودوا إلى العراق، المنشورة في ( الحوار المتمدن ) قبل يومين حيث وضعت أسمي في أول القائمة. أحسب أنها ليست دعوتك بل جاءت بإلحاح من آخرين. شعوري هذا يستند إلى ما أبديته أنت من تردد وتساؤل ما إذا كانت دعوتك مبررة أو غير مبررة. أنها في الحقيقة غير مبررة وغير متوقعة لأنها تنطوي على قدر كبير من الابتزاز والاستفزاز دون أي مبرر!! لأننا لم نشكل ثقلاً على أحد ولم ننافس أحداً على عمل أو مجد. لقد عشتُ في دمشق أكثر 12 سنة دون أن أعمل في أي مؤسسة سورية أو أطبع كتاباً على حساب اتحاد أو وزارة وهذا شأن غالبية الأدباء العراقيين الذين أعرفهم وكنا نعيش من عملنا في صحف عربية تصدر خارج سوريا وإذا ألمت بنا فاقة نستعين بأقرباء لنا يعيشون في أوربا، وقد اضطررت شخصياً لبيع مكتبتي عدة مرات لأتدبر أموري وكانت تلك من الأحداث الشاقة عليَّ. رغم كل هذا كنت أعرف بأن البعض في الوسط الثقافي السوري ينظر لنا بعيون محملقة اعتقاداً منه بأننا نعيش في سوريا الصامدة كلاجئين سياسيين أي نقبض مرتبات من الدولة، وهذا لم يحصل لأحد منا على حد علمي. فما عدا الجواهري رحمه الله وكذلك الصحفي البعثي حسن العلوي المتعود أساساً الانتقال من حضن نظام إلى حضن نظام آخر ، فلا أعرف سوى ( شاعر كبير ) حداثوي أنت ذكرته في مقالتك كان يحمل جواز سفر سورياً، أي أنه هارب من نظام ديكتاتوري ويحمل جواز سفر من نظام ديكتاتوري آخر، وهذه واحدة من مواهب ( الشعراء الكبار ) !! وهو الآن يدافع عن (المقاومة ) و (الجهاد ) دون أن ينبهه ضميره لباعة السجائر والعمال والأطفال وعابري السبيل التي تسيل دماؤهم على أرصفة بغداد جراء جرائم هذا ( المقاومة ) المشينة !! وما يزال يدعي الوطنية ويتهم الآخرين بالعمالة !! ولكن غالبية الأدباء والفنانين العراقيين في سوريا عاشوا ظروفاً صعبة ومات بعضهم من الغم والجوع مثل الشاعر آدم حاتم دون أن يسأل عنهم أحد، رغم هذا سمعت مرة زميلك الشاعر محمد فؤاد يقول وبجرأة سخيفة جداً : ( أنا مستغرب لماذا يشكو الأدباء العراقيون من العيش في سوريا وهم يعيشون في بحبوحة غير متوفرة للسورين أنفسهم ؟! ) ولا أعرف من أين جاء بهذه المعلومات المذهلة وأنا أعرف أن جميع الأدباء الذين غادروا سوريا إلى أوربا فعلوا ذلك أما باستلاف ثمن تذاكر السفر أو بمساعدة الأمم المتحدة. أما العدد القليل جداً ممن يعملون لحد الآن في بعض المؤسسات السورية فهم أصحاب مواهب كبيرة أي أنهم مفيدون لأي بلد يعملون به وليسوا ضيوفاً ثقالاً.
من ناحية أخرى، فأن بعض الأدباء العراقيين المقيمين في أوربا أسسوا مجلات ودور نشر ومنتديات استفاد منها الأدباء العرب أكثر من الأدباء العراقيين، واستناداً إلى بعض الأسماء التي ذكرتها، أود أن أسألك : أليست مجلة ( بانيبال ) التي يديرها صموئيل شمعون قد قدمت خدمة للثقافة العربية أكبر بما لا يقاس مما فعله ( اتحاد الكتاب العرب ) لصاحبه علي عقلة عرسان ؟! ألا تعتقد معي بأن مطبوعات ( دار الجمل ) التي يشرف عليها خالد المعالي أفضل من مطبوعات هذا الاتحاد ؟! أليس المنفي والمهاجر أفضل من المقيم ؟! وبالمناسبة هل تعرف أديباً عربياً في أوربا أو أمريكا، وهم كثر ونافذون في المؤسسات الثقافية الغربية أكثر بما لا يقاس من المثقفين العراقيين، قد بادرة لتقديم أية خدمة للثقافة العربية عدا مصالحه الأنانية ؟! هل قام أحد من هؤلاء بترجمة أي نص لأديب عراقي في أي وقت من الأوقات ؟!
كل هذا يدل يا عزيزي منذر مصري بأن وجود الأدباء العراقيين في مغترباتهم أمر نافع لكم فلماذا نتلقى منكم الأذية والتدخل غير المبرر حتى في شؤون حياتنا الخاصة ؟! ناهيك عن الاتهامات الرخيصة التي بدأ يكيلها لنا صحفيون مرتزقة وأنذال أو مثقفو سلطة تنتظرهم محاكمة التاريخ لأنهم خانوا ضميرهم الثقافي مع شعوبهم، وأعتقد بأنك سمعت بموقف ( السيد الرئيس ) الذي منع وفد الأدباء العراقيين من المشاركة في مؤتمر الأدباء العرب في الجزائر !!
عندما كنا في سوريا الصامدة لم يستقبلنا رئيس أو نائب رئيس على العكس تماماً مما يحدث لوفود ( المثقفين ) الصداميين الذين يترددون على دمشق هذه الأيام.
كان يفترض قبل أن تعلن عن دعوتك أن تجد لها مبرراً . هل لديك مبررات لابتزاز الأدباء العراقيين بهذه الطريقة ؟! وإذا كنت تتحدث عن الوطنية بطريقة رومانسية فنحن نعيش الوطنية بواقعية فادحة دفعنا ثمنها غالياً، وما زلنا ندفع من أجل وطننا. فالوطن ليس مكاناً فقط بل هو ضمير قبل كل شيء. وقبل أن أوضح لك ذلك من خلال مقالك نفسه، أذكر لك بأننا خسرنا العديد من الكتاب والصحفيين والأكاديميين وكتاب المسرح والشعراء أما اغتيالاً على أيدي المخابرات الصدامية في بيروت وعدن، أو اختطافاً وغدراً على أيدي ( الكتائب ) أو ( القوات اللبنانية ) خلال الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 وقد اختطفت أنا شخصياً من قبل تلك العصابات على ( حاجز صوفر ) ونجوت من الموت بأعجوبة، حيث اختطفوا قبلي شاعر الأغاني ذياب كزار والمسرحي كاظم الخالدي ولم نعرف مصيرهما لحد الآن. فهل تستطيع أن تساعدنا في البحث عنهما كي يعودوا معنا إذا شئت ؟! ثم هل تستطيع، أنت ومن حرضك على هذه الدعوة أو أولئك الذين يرددونها في مجالسهم الخاصة، أن تفتشوا معنا عن مئات العراقيين الذين غرقوا في عرض البحار وهم يحاولون الفرار من جحيم ( البطل القومي ) ؟! هل تستطيعون انتشال جثثهم لكي نعيدهم معنا ؟!
مثل آخر، عندي صديق عزيز اسمه أكرم عبد الصاحب كان معنا في دمشق في الثمانينات وكان أخوه قد استشهد خلال حرب لبنان 1982 حيث كان أحد مقاتلي المقاومة الفلسطينية. وبعد ذلك جاءه خبر إعدام أخيه الآخر في بغداد فأدى ذلك به إلى حالة من الانهيار النفسي، قرر أثرها العودة إلى العراق لكن المخابرات السورية اعتقلته على حدود الأردن لاعتقادها بأنه واحد ممن هربوا النفايات النووية المستوردة من إيطاليا والتي دفنت في سوريا آنذاك وأنت تعرف أبطال الفضيحة الحقيقيين. وبعد سنوات من تتبعنا لأخباره عرفنا أنهم نقلوه إلى مستشفى الأمراض العقلية، ولاحقاً سحبوه وأعادوه إلى أقبيتهم وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين. هل تستطيع يا عزيزي منذر المصري أن تساعدنا في البحث عن أكرم عبد الصاحب لكي نأخذه معنا حين نعود ؟! علماً بأن أحد أخوان أكرم كان عسكرياً ضمن القوات العراقية التي أتت إلى دمشق وساهمت في حمايتها من العدوان الإسرائيلي في حرب 1973 .
ليس المثقفون فقط من لم يستطيعوا العودة إلى العراق لحد الآن، بل هناك أكثر من ثلاثة ملايين عراقي شاخصة أبصارهم إلى عراقهم، لكن لكل منهم مأساته وظروفه والصعوبات التي تحول دون عودته. ثم لماذا وبأي مبدأ تسمح لنفسك مصادرة حق الآخرين بالاختيار أن يبقوا في الخارج إذا كان ذلك أفضل لهم ؟! إلا تعتقد أنك تجاوزت على واحد من حقوق الإنسان، أي حقه بالسفر والعيش حيث يرغب ويريد، أم أن هناك من يدفع ضريبة عن كل عراقي يعيش في الخارج ؟!
لقد وضعت اسمي في أول قائمة المدعوين وأنا أشكرك على ذلك، ولكن أود أن أوضح لك أنني كلما فكرت بالعودة إلى العراق أتذكر وجوه أصدقائي الذي أعدمهم صدام العرب، وأولئك الذي قُتلوا في الحروب وأولئك المعوقين جراء الحروب أيضاً، هل تستطيع أن تتصور الوحشة القاتلة التي سأشعر بها وأنا أدخل إلى مدينتي الحزينة مدينة الديوانية وهي مدينة الشاعر الصوفي المعروف النفري ؟! علماً بأنني قد فقدت أمي وأخي الأكبر قبل سنوات دون أن أراهما منذ ربع قرن، هل تستطيع أن تأتي معي لتسندني وأنا أواجه تلك الوحشة القاتلة حين أدخل بيتنا دون أن أجد أمي وأخي ؟! أخي الذي كتبت له ذات مرة ( أشتاق إليك فقط، إلى ظلالك العميقة فأنت وحدك تشبه العراق الذي أحبه وأريده ). وأمي التي أنا واثق بأن نعالها فيه من العزة والكرامة أكثر من جميع رؤوس المثقفين العرب الذين كتبوا مقالات وألفوا كتباً وصنعوا أفلاماً كي يحولوا مجرماً رخيصاً إلى ( بطل قومي ) وفي مقدمتهم مواطنك السوري المثقف جداً مطاع صفدي، هل تستطيع أن تكتب له دعوة كي يعود إلى وطنه، ولماذا يعيش في الخارج ؟! ألا ترى معي يا عزيزي منذر بأنه كان عليك أن تتوجه إلى ذلك النوع من المثقفين الدجالين والرخيصين كي تحرجهم بتوجيه دعوتك هذه ؟! أو في أقل تقدير إلا تشعر الآن بأن مأساتنا نحن العراقيين في وادٍ وجملك الرومانسية عن الوطن في وادٍ آخر ؟! 
تتحدث في مقالك عن ظاهر مواقع الانترنيت العراقية وتقول بأنها ظاهرة فريدة، وهي فريدة فعلاً. لكنك لم تفكر وتتأمل قليلاً لتعرف مغزى وسبب هذه الظاهرة !! ولو تأملت وفكرت قليلاً لوجدت بأن أغلبية تلك المواقع تدل قطعاً على وطنية الكتّاب والصحفيين العراقيين التي يقل نظيرها بين المثقفين العرب الذين يعتبر أكثريتهم الثقافة والإعلام تجارة مربحة حتى ولو كانت لتمجيد الطغاة والقتلة. أما المثقفون العراقيون ومثلما فعلوا أيام حكم ( البطل القومي ) فهم يواجهون الآن عبر مواقع الانترنيت وغيرها، طغيان وانحطاط الإعلام العربي، وأيضاً وهذه معلومة لا تعرفها، فهناك مجموعة من جلاوزة المخابرات الصدامية في الخارج لا تزال تعمل مع مراكزها المالية وحضانة عربية بضمنها نظام المخابرات الحاكم في سوريا. وما يفعله المثقفون العراقيون في الخارج هو مقاومة ثقافية وإعلامية لكل هذا الانحطاط والابتذال الذي يدافع عن ( المقاومة ) و ( الجهاد ) أي عن القتلة المستمرين لحد الآن في قتل الشعب العراقي. والمأثرة التي يثبتها المثقفون العراقيون الآن، هي أنهم يقدمون كل هذا الجهود الكبيرة والمؤثرة دون مقابل، وهم يشكلون ظاهرة هي أكبر من أية وزارة إعلام في الوطن العربي، دون حتى دعم معنوي من قبل ( مجلس الحكم ) الذي سنبقى ندافع عنه رغم أية سلبيات أو أخطاء بدرت منه أو ستبدر لاحقاً، فهذا المجلس يمثل أحزاب الحركة الوطنية العراقية بكل اتجاهاتها وتلاوينها وبكل ما هي عليه من سلبيات وإيجابيات، وهو المكلف والمسؤول عن إعادة تأسيس الدولة العراقية من جديدة، لأنه بدون الدولة سيكون مصير العراق مجهولاً، وهذا هو سبب صراعنا مع جلاوزة  الإعلام العربي وضمنها بعض العراقيين الرخيصين، و ( المقاومة ) المشينة هذه وإعلامها المأجور ومن يساندها تعمل على عرقلة إعادة بناء الدولة كي يتسنى لهم الانقضاض على العراق ثانية كما يتوهمون. أليس وجودنا في الخارج ومواجهتنا لأعداء العراق هو عمل وطني ؟!
وهكذا ترى فإننا لسنا في خارج العراق بل في داخله تماماً. ولن أبالغ إذا قلت لك أن المثقفين العراقيين في الخارج وأقصد الحاضرين في المواجهة، يشكلون أنبل ظاهرة في الثقافة العربية المعاصرة، خاصة إذا قارنتهم بالآخرين سواء كانوا صامتين أو أولئك الذين يواصلون نضالهم القومي من خلال دفاتر الشيكات، وإذا استثنينا القليلين فسأضرب لك مثلاً واحداً وقس عليه : زميلك الشاعر السوري نوري الجراح ترك بلاده إلى لبنان في نفس الفترة التي غادرنا فيها نحن، أي في 1979 لكنه ومقابل كل معاناة الشعب السوري تحت الحكم الديكتاتوري لم يكتب سطراً واحداً، بل هو لا يذكر مبرراً واحداً عن سبب مغادرته بلاده وقراره بعدم العودة. وعندما أتيت إلى لندن في 1995 وجدته مشغولاً بنشر مقالات في ( القدس العربي ) يشتم فيها المثقفين العراقيين والمعارضة العراقية من أجل الدراهم وليس مجاناً طبعاً، مقالات أقل ما يُقال عنها أنها سخيفة ومبتذلة، وعندما سألته ذات مرة : الذين ينحون باللوم على المعارضة العراقية بالحق والباطل، لماذا لا يكتبون شيئاً عما يدور في بلدانهم من مآسٍ وويلات ؟! جوابه كان الصمت فقط.
ألا تجد يا عزيزي منذر أن من باب أولى أن تدعو نوري الجراح وأيضاً هيثم المناع المصاب كذلك بداء المزايدة على العراقيين، كي يعودا إلى بلدهم ويعيشوا فرحة الانتصار بعودة الجولان والتحولات الديمقراطية الجديدة !! إلا تسألهم في الأقل لماذا هم في الخارج ؟! أليسوا هم أولى بدعوتك منا ؟! وخاصة هيثم المناع بعد أن عاد في زيارة إلى دمشق دون أن يلحق به أذى ؟! إلا تسأله ماذا يفعل في باريس ، هل هو خائف من فقدان الدعم المالي من مؤسسات ( المجتمع المدني ) الأوربية ؟! لا أجد لخوفه من هذه الناحية مبرراً لأن التحديث المصرفي في سوريا أصبحت يسمح بالحركة المالية، والحركة بركة كما يُقال عادة. ثم أليس هناك مئات المثقفين والإعلاميين العرب يعملون ويعيشون في الغرب، وقد حدثت أيضاً تغيرات ( إيجابية ) في بلدانهم، أي صار بوسعهم أن يعودوا ولم يعودوا. هل سيق وأن سألهم أحد لماذا لا تعودوا ؟! لماذا إذن يتم التركيز على العراقيين في كل صغيرة وكبيرة دون مبرر أو مسوغ ؟! ألا يكفي كل هذا الإعلام العربي الرخيص والساقط الذي يشن حرباً دون هوادة على الشعب العراقي منذ سقوط النذل صدام !! إلا يكفي كل هذا الاستفزاز والابتزاز يا عزيزي منذر ؟!
وأخيراً، إذا أعطيت نفسك الحق باسم الوطنية، للحديث عمن هم في الداخل والخارج، فلو تأملت قليلاً لوجدت بأن هناك من يعيش داخل جغرافيا الوطن ولكنه خارج أي قضية أو مسؤولية وطنية حقيقية، وهناك من هو خارج الجغرافيا ولكن يعيش في قلب الوطن روحاً وضميراً. والمفارقات كثيرة كما تعرف، ولكن أسوأها أن ينجر إنسان نبيل ومؤدب مثلك ليوجه لنا هذا الابتزاز والاستفزاز بالنيابة عن آخرين تملأ قلوبهم الضغينة ويأكل في عقولهم الجرب الفكري والأخلاقي.
أنا حقاً أسف من أجلك يا عزيزي منذر مصري، لأنك استعجلت في قضية كانت تحتاج منك لبعض التروي. لكن مضمون جوابي هذا يخص آخرين أكثر مما يخصك كما ترى. وغداً سأنشر بعض قصائدي عن العراق كي تطمئن بأن العراق ما يزال في قلوبنا ونحن ما نزال داخل العراق لأن عراقنا واسع سعة العالم لذلك نحبه وندافع عنه إلى الأبد.  



#كريم_عبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل أن لا يتحول رفض القرار 137 إلى هجوم على مجلس الحكم !!
- جمال عبد الناصر بصفته ظاهرة ثقافية مصدَّرة من الماضي !!
- الديمقراطية بصفتها مقولة مـملّة
- أزمة الثقافة السياسية ومشروع تكوين الأمة العراقية
- تـحتَ مطرٍ خفيف
- المرأة في أروقة الدولة العربية !!
- المضطرب يُنتج أفكاراً مضطربة عن نفسه وعن الآخرين
- طبيعة السلطة وتأثيرات النسق الثقافي – الاجتماعي
- في تحولات الثقافة الإنسانية : العودة إلى الغابة !
- العالم موضوع فرجة والإنسان كائن متفرج !!
- الضحية تشتاق إلى جلادها، حمزة الحسن نموذجاً
- ثلاثُ مراثٍ لرياض إبراهيم
- قصيدة حب
- القناع المقدس والعنف الرسمي !!
- إلى موفق محايدين : شيوعيو ( مجلس الحكم ) أنبل بالتأكيد من قو ...
- الموتُ رمحُُ طويلُُ ُ تكسَّـر في قلوبنا !! - من أجل شريف الر ...
- الدولة والثقافة ومصير الإنسان !!
- نداء إلى جميع الكتاب العراقيين الشرفاء
- أزمة الثقافة العراقية في سياقها العربي ( 1 & 2 ) :ثقافة سعدي ...
- كتاب لا يتحدث عن العراق لكنه ضروري جداً للعراقيين !!


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم عبد - رسالة إلى منذر مصري : هل بوسعك أن تعود معنا إلى العراق ؟!