أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر طلبه - الفار الذى اكل القط















المزيد.....

الفار الذى اكل القط


ماهر طلبه
(Maher Tolba)


الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 07:26
المحور: الادب والفن
    



يوم ذهبت الى السلة ولم اجد ما اعتدت ان اجده من بقايا الخبز بها لم انشغل كثيرا .. جلت فى البيوت المجاورة ، ولم يطل تجوالى ففى احدى السلال وجدت بغيتى واخذت ما اردت ومضيت الى حال سبيلى .. حتى فى اليوم التالى عندما لم اجد فى السلة بقايا الخبز واتجهت الى البيوت المجاورة ولم اجد بها الا اقل القليل لم افكر كثيرا .. قلت لنفسى ...
"ربما يوجد سبب ما يمنعهم الخبيز ، لكن لا داعى للقلق فغدا سوف يخبزون .."
لكنى فى اليوم الثالث حين ذهبت ولم اجد ما اقتات عليه لم يبقى فى نفسى ذرة شك فى ان القحط قد ضرب بجذوره هذا البيت والبيوت المجاورة وانه لم يبقى امامى سوى الهجرة ... وهجرتى ليست بالامر الجديد .. فانا دائم التنقل من بيت الى بيت ، لم يلفظنى يوما بيت ، لم يبخل على ، دائما ما يبوح لى باسراره ويكشف عن كنوزه المخبأة حتى اننى احس دائما بألفة بينى وبين هذه البيوت .. اختار دائما اكثرها راحة ، فالاكثر هو الاغنى والاغنى دائما ما يتوافر لديه الطعام ويزداد فتات الخبز وبقايا الجبن المولع بهما ...
فلتكن الهجرة .. متسلقا الحوائط امضيت يومى متنقلا بحثا عن الافضل ، لكن ما اقلقنى حقيقة انه فى جميع السلال التى قابلتنى لم اجد اى فتات خبز ... ماذا حدث لهؤلاء الناس ؟! ... تشابهت البيوت .. جميعها فارغة .. عدت من جديد الى مكمنى .." على ان اقبع وانتظر ..."
* * *
الشمس تشرق وتغرب ، والليل يسبق النهار ، والجوع يحاصرنى ، كل بيوت القرية معدمه .. دخلت بيوتا لم اكن قد دخلتها من قبل حتى وصلت الى سور .. اين بدايته ؟!... اين نهايته ؟!... فلاتسلق وانظر ... انه يختلف عن كل بيوت القريه ...
* * *
حين دخلت البيت كان القط ينام على سريره .. جفلت .. لم يتحرك له جفن .. نظرت اليه مليا .. استعدت هدوئى لسكونه المبالغ فيه كل ما حولى يمكن ان يؤكل .. حتى جدران هذا البيت لكن اثمن ما فى هذا البيت هو هذا .. فليكن هو بدء الطعام ... التهمته ....
" التهمه الفار"
* * *
حين هاجمنى الفأر رعبت ، لم اكن اتخيل ان يهاجمنى يوما ما فأر ، كثيرا ما اكلت من هو مثله بل ان احجاما اكبر منه كانت تفقد قدرتها على الحركة بنظرة منى ..
منذ وصلت الى هذا البيت ووضعت على هذا السرير ..وصار يشرف على طعامى وخدمتى الكثيرون ، لم اعد بحاجة الى الفئران ، نسيت ان هذه المخلوقات التعسة تحيا فى هذه الدنيا ، نسيت كيف تصاد ... اى حظ عاثر القى اليوم بهذا المخلوق التعس امامى .. شهيتى للدم خفتت ..مر من امامى مرات عدة .. كان يبحث وينقب كمن يرى العالم لاول مرة .. صدمه ما يراه ، مثلى حين دخلت البيت لاول مرة ... " ربما تتبناه هو الاخر امى الرؤوم " ... كنت ارمى عليه نظراتى النارية ، لم تصعقه ، لم تسعفنى السمنه .. حين استدار وامسك ذيلى .. لم اهتم قلت .. "ربما امسكه على سبيل الخطأ "... حين وضع ذيله امام عينى ، حين داعب شواربى ، شد احداها مسببا لى الما حادا ... قلت لنفسى .."دعه يلهو لا تجعل فأرا يقلق نومتك المريحه .."..... –لولا التخمة لالتهمته - ... منذ سنين عدة لا افعل شئ سوى الاكل والنوم ... اه يؤلمنى بتصرفه .. هنا من الطعام ما يكفيه .. لماذا يوجه لى تلك النظرات النارية ؟!.. لماذا انا دون باقى الموجودات ؟!!!!
* * *
ما حدث فى اليوم الذى اكل فيه الفأر القط
طال الليل قليلا .. ضرب الجوع القرية وتساقط الفلاحون فى الطرقات والحقول والبيوت مرضى وجثث ... حاصرت الشرطه القريه وعزلتها ، تحدثت الحكومة عن مشروع جديد لاستصلاح الاراضى ووعدت بتوزيعها على الفلاحين والخريجين .... ضربت سيارة مسرعة عابر طريق .. لم تتوقف .
دق المنبه فى حجرة نوم السيدة ، هبت من نومها ، ذهبت الى المطبخ ، فى طريقها ايقظت عددا غير قليل من الخدم ، فهذا موعد تناول القط لغذائه وهو السبب الوحيد الذى من اجله تدخل الى المطبخ ، فهى لا تثق فى اولئك الخدم .. تخشى ان يتسرب التلوث الى اكل ابنها ، فلذة كبدها ، ولهذا فهى تعد له وجباته الغذائية بنفسها ، اخرجت الفرخة من الثلاجة ووضعتها فى الماء بعد ان اخلتها من العظم ، اشعلت النار وجلست تنتظر ....
كان الليل يطارد النهار يقتله فى الطرقات .. والقمر ينظر ولا يرى فى الظلام .. والنهر يجرى ويجرى حتى يغشى عليه من التعب دون الوصول الى هدف .. والقط ينتظر الغذاء بلا رغبة حقيقية والفأر والجوع شريكان متلازمان.....
* * *
لما هو دون باقى الموجودات ؟!!..
كل شئ امامى يثير الشهية ... الاثاث .. الستائر.. السجاد ... اصناف الفاكهة الموضوعة فوق منضدة تتوسط الغرفة... عشرة ايام لم اذق خلالها الا اقل القليل .. هزل الجسم .. هزل حتى الموت .. لماذا اخترته .. لا ادرى .. حين دخلت لم يكن يجول بخاطرى ما حدث .. انا اهاجم قط !!!.....
قصتى وقصته معروفة .. كنت وهو اصدقاء .. يوما ما اراد فأر ان يعبر نهر الحياة لينال الخلود .. قال له قط .. هيا اعبر فى قاربى ، حمله حتى المنتصف عندها امتلكه الطمع فافترسه ... من يومها لم يجرؤ فأر على معاشرة قط فكيف بمهاجمته ؟...
حين رايته بحجمه الهائل رعبت .. لولا حاجتى الملحه الى الطعام ماجازفت قط ... تسللت .. لمحنى .. لم يتحرك .. القى ناحيتى بنظرات خمله .. ثم عاد من جديد الى النعاس .. اقتربت .. تحسسته .. انه محض دمية ... دمية شحم ولحم على شكل قط ... آ كل هذا له هو ؟!!... من يكون ؟!... لم يفضل هذا المخلوق على وعلى الفلاحين ؟!... اكرهه .. اكرهه كما لم اكره قطا من قبل رغم افتراس القطط الدائم للفئران ... اشاكسه .. يسترخى مستطيب النعاس .. نعم انت اثمن ما فى هذه الحجرة واحقها بالاكل ... سأبدأ بك .....
* * *
لماذا انا دون باقى الموجودات ؟!....
يلتهم الذيل ... آه ... الم شديد .. من سنين عدة ، لم اعد قادرا على الحركة .. ادمنت الكسل .. فى البدء كنت مثل اى قط ... حتى اشترتنى امى الرؤوم .. يومها .. احتضنتنى .. قبلتنى .. قالت وكلماتها تنز الم...
- من اليوم انت ابنى الذى لم انجبه ، لن اجعلك تحتاج الى شئ فى هذه الدنيا سأدخلك جنتى
لم افهم ... ماذا تستطيع ان تقدم لى .. مطالبى تنحصر فى قليل من الطعام والشراب ...ما يسد الرمق ويحفظ الحياة ... لكن حين اتى موعد الغذاء امنت انى لم اكن احيا وان الدنيا قد ابتسمت لى ، يومها اكلت حتى كدت ان اموت من كثرة الاكل ... فى المساء امنت ان الجنة سهلة المنال وانه فقط الحظ ... ونمت .... سنين عدة ياتى لى الطعام وانا راقد ها هنا .... ااكل حتى اموت شبعا ثم انام .. طبقات الشحم المتراكم تحدث بما انا فيه من نعيم ...سبحانك ربى تعطى من تشاء ... فلماذا انا دون باقى الموجودات؟!!
* * *
ما حدث فى اليوم الذى اكل فيه الفار القط
داس الناس فى الطرقات جثة النهار بحثا عن قاتله والطعام ، اخرج الليل لسانه الى ناس الطرقات العابرين والمتسوليين ، كانت القرية على حالها وقوات الامن فى ازدياد والام الرؤوم تغالب النعاس والطعام على النار والقط فى انتظار معجزة والفأر يلتهمه ...
* * *
لما هو دون كل الموجودات ؟!!.... لماذا اخترته ...لا اعرف .. لكنه وبالتأكيد أهم مافى هذه الحجرة ما دامت مسخرة له ..عشرة ايام لم تدخل جوفى لقمة ... يموتون خارج هذا القصر جوعا وهذا لا يشعر مجرد شعور بما يحدث فى الخارج ولهذا ينام ويأكل ...يتضخم .. ينفجر الحقد داخلى ... "ماذا لو آكلك يا هذا؟" ... هل ستحزن عليك سيدتك ؟... هل ستمتنع عن الطعام فتموت ؟... أعرف أنها متخمة بالطعام مثلك واننى ان هاجمتها لن تستطيع الدفاع عن نفسها ستنتظر منك ان تدافع عنها ... ليكن سأهاجم سيدتك ومادمت ستدافع عنها ساهاجمك ايضا .. ها أناذا اقرض ذيلك .. اذنك ... انفك .. الدم يندفع .. يثير غرائزى .. يزداد نهمى للافتراس .. ما أحلى الاكل بعد طول جوع .. توقفت فيك الحركة .. الان اقرض جثة ميت .. اه ... شبعت .. امتلأت حتى اخرى ... لو اعلم لاتيت بعشرات الفئران الى الوليمه .. اه لو اعلم ....
* * *
لماذا انا دون باقى الموجودات ؟!.....
لو ان سيدة الدار .. امى الرؤوم تدخل الان لانقذتنى .. رعبى أكبر من أن يحتمله قلبى الرقيق ... فرائى الثمين يعبث به هذا الحيوان القذر .... مئات الايام يأتى الطعام فى الميعاد ، لو تأخر بضع ساعات لاكلته .... اه ... ماله يلقى لى بنظراته الناريه .. اعرف ان هيئتى لم تعد تخيف ، لكنى قط وهو فأر ويجب على الفأر ان يخاف القط ...
يقرض ذيلى ... لماذا ؟؟ ... من سنوات لم اقتل فأر ، هل بينك وبينى ثأر قديم ... يقرض الاذن ..أه... لو يقترب من اسنانى لو يضع راسه بينها ويدعنى حتى اضغط .. يؤلمنى .. لو تدخل الان سيدة الدار .. الغرفة مغلقة ... لو ملات الكون ضجيجا لن تسمعنى .. يا سيدة الدار انجدى ابنك ... يا هذا اذهب وكلها هى اسمن منى ، اضخم منى ، ستجد ما يكفى عشيرتك وقريتك أذهب ... اذهب .. مالى ارتعش .. قواى الخائرة تخور .. اسقط على جانبى ، يعتلى جسدى ، لم يعد يقرض ، ولم يعد يؤلمنى ، لكنى اموت ... اه لو سيدتى تعلم
* * *
ما حدث فى اليوم الذى اكل الفار فيه القط
انطفأت اسطوانة الغاز ... اسرعت الام الرؤوم الى التليفون .. ترك عامل الاسطوانات طوابير الواقفين واسرع بواحدة .. فى الطريق ازاح المتجمعين طلبا لها .. ركب الاسطوانه .. مهرته السيدة الاجرة مضاعفة .. شكرها وانصرف .. اضرب عمال طلبا لزيادة الاجر بعد ان صار الاجر لا يكفى العيش الحاف ... تدخل البوليس وفض الاضراب بالقوة ... ضربت سيارة مسرعة عابر طريق ... لم تتوقف ... رفعت الحكومة اثمان الزيت والسكر والشاى والبنزين ووعدت بزيادة المرتبات .. انهت السيدة الطعام وذهبت تتقدم ثلاثة من الخدم الى الحجرة
* * *
فى الحجرة
كان الاثاث على حاله .. السجاد على حاله .... الستائر .... المأكولات .... لكن القط .... " دم " .... " دم" .... على حافة السرير وجدته جثة ... اسرع الخدم لطلب البوليس والدكتور ... جلست الام الرؤوم تبكى فقيدها .... كان الفأر فى الركن المقابل ينظر مندهشا ... علام تبكى .. آعلى هذا الابله ؟!!.... تطلع اليها انها تكفى مئات الفئران وعشرات القرى ... لمحته ... كان يصوب اليها نظراته النارية .. ارتكزت على حافة السرير ... تقدم نحوها .. صرخت بأعلى صوتها ....
- سياكلنى....... سياكلنى ......
( ستأكلها ... امشى يا فار يا ابن الكلب ... هتاكل ستك ... لا دا انت زودتها قوى )
توقف الفأر .. نظر لى مستغربا .. ( مش انت اللى قايل لى كلها ) .... غمزت له ... فهم الفأر وانصرف ، لكنى كنت ابيت النية كى يأكلها الفأرٍ



#ماهر_طلبه (هاشتاغ)       Maher_Tolba#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر طلبه - الفار الذى اكل القط