أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بهاء بكرية - ابتزاز فكري قراءة معمقة ونقد لخطاب نبيل عودة حول الخدمة المدنية، والديمقراطية، والمساواة والعدالة الاجتماعية















المزيد.....



ابتزاز فكري قراءة معمقة ونقد لخطاب نبيل عودة حول الخدمة المدنية، والديمقراطية، والمساواة والعدالة الاجتماعية


بهاء بكرية

الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 11:03
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليست الديمقراطية دولة ناسها كالغنم، فتحت شعار الديمقراطية
حرية رأي الفرد، وفعله، تكفلهما عين حارسة
المهاتما غاندي
بـهـاء بـكـريـة /حيفا
ملأني الامتعاض والأسف والغضب حين درست مقالات وخطابات الكاتب نبيل عودة، الذي يبدو لي أنه لم يصل بعد إلى مرحلة تؤهله لفهم مطالبنا واحتياجاتنا الوطنية كشعب يقبع تحت الاحتلال ويناضل منذ عقود من الزمن من أجل بقائه على أرض وطنه. ولم ترق خطاباته إلى درجة يمكنها فيها أن تخدم مصالحنا، بل هي خطابات ذات بعد سياسي منفلت علينا أن نتصدى له بحزم وبشدة.
بعد معاينة مقالات السيد عودة ودراستها تكشف لي أنها لم تخل من عبارات التهكم والتهجم ومحاوله إسقاط الحيز العقائدي بمحيط مجتمعنا العربي على هذه الأرض داخل إسرائيل، ومن ثم محاولة شطب وحذف وإسقاط الحيز الفكري الاجتماعي الواسع فينا. أضف الى ذلك التحريض والمفاخرة والاجتهاد في تلقيننا العبر والمواعظ الاجتماعية، وهذا كله نتيجة قناعته التامة بمصوغات إسرائيلية سياسية أيديولوجية عديدة هو فرضها على نفسه ويحاول حقننا بها !! وأراه مغازلا مدافعا بشدة وحماسة عن سياسة إسرائيل وسياسييها ويقوم باستبدال تدريجي بين مواقفنا الشريفة المعلنة بشرعنه التمييز والقهر والاحتلال.
خطابات أثارت عندي كما من التساؤلات وعلامات الاستفهام وأكسبتني دلالات عديدة!
يحدثنا نبيل عودة عنا نحن العرب في إسرائيل، مواطنين شبانا وشابات، طلابا وخريجي جامعات، نحن المثقلين بكثير من الهموم والأزمات والضغوطات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وليس العجز، نحن المتصادمين اجتماعيا وسياسيا وعقائديا، مع مجتمع يهودي ممزوج ومتعدد الثقافات والمعتقدات والأقطاب، مجتمع تربى على الاستعلاء والاستكبار والاستئثار.
ولا يتردد نبيل عودة في طرح أفكاره وأفكارهم الوطنية والقومية كإنجاز قانون أخلاقي اجتماعي للحيلولة دون عودتنا إلى سنوات الأربعينيات أو ما قبل ذالك، إنما التطور والتقدم والانفتاح على طريقتهم، بل هو عاقد العزم على عزلنا وعزل نفسه في بوتقة ضيقة جدا لا تليق بنا، وقْْبل أن يسجن نفسه في قالب من صنعه محاولا سجن منظومتنا الإنسانية القيمة معه.
لم يكن نبيل عودة في معزل عن أصحاب القرار السياسي الإسرائيلي في تقديم العروض والحلول لهمومنا في هذه الدولة من خلال اندثارنا في الخدمة المدنية، خدمة الدولة ومؤسساتها ومكاتبها وكأن الخدمة المدنية هي الحل السحري والعصري لكل مشاكلنا ومعاناتنا اليومية.
هل هي حقا عمليه إصلاح وترميم جرح تاريخي في صدورنا منذ 60 عاماَ، وما زال قائما؟ أم هي عملية احتيال فطرية جديدة من أجل كسب الوقت للإيقاع بنا؟
يتحدثون عن عمليه انخراط شبابنا وشاباتنا في الخدمة المدنية، الخدمة في أجهزة الدولة المتعددة، كي تزيل هذه السلطة قسطا وفيرا من إسقاطات التمييز العنصري ومن الفجوة القائمة بين اليهود والعرب في مرافق الحياة كافة، وإلغاء الاستعلاء والاستكبار السلطوي علينا ووضعنا في خانة المواطنين من الدرجة الثالثة لنرتقي إلى درجة اثنين ونصف! ومن ثم نتقدم خطوة أو اثنتين.
ينبري نبيل عودة فيترجم لنا هذا المشروع نيابة عنا ويلقي بظلال أفكاره ورؤياه وحلوله العامة، حلول جميع الموبقات اليومية المتراكمة وبصورة مدروسة ومنهجية، والتي ترافقنا منذ 60 عاما وسوف تظل ترافقنا لسنين قادمة، لأن سياسة إسرائيل سياسة سقيمة يعتريها ذلك المرض الذي هو العنصرية والتمييز من الصعب اقتلاعه ومحوه، لأن هذا المرض ينخر ويتغلغل في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها وقراراتها وقوانينها
ولدى سياسييها ومعتقداتهم وأيديولوجياتهم واستراتيجيتهم. وليس هذا فحسب، فهذه الاستراتيجية والأيديولوجيا التي طالما تحدثوا عنها وتباهوا بها وبثباتها لم يتوانوا عن تبديلها أو تعديلها مرات، وتغيير مسارها وفق حاجاتهم وطموحاتهم ومواقفهم غير المعلنة والمناقضة لوجودنا وبنائنا وتطورنا واندفاعنا نحو الحياة.
هناك ثمة ماكنة من التحريض داخل المجتمع اليهودي تعمل ليل نهار على زرع الرعب والقلق والخوف والريبة من العرب Phobia)) وخلق مبررات لهذا الخوف وتحذيرهم منا من أجل إيجاد وتثبيت التمايز الايستملوجي الحقيقي العام لتكون صيغة التفرقة والتمييز صيغة قانونية دستورية معلنة وغير قابلة للتبديل.
ومن الطبيعي أن تندرج في أسفل سلم أولويات الدولة لمجرد كونك مواطنا من الدرجة الثالثه. من الطبيعي أن تكون شخصا مرفوضا ومنبوذا ومشكوكا بأمره ومراقبا من الجهات الأربع، ويعرفون عنك أدق التفاصيل الحياتية لدرجة أن أمن المطار يعرف نوعية الملابس الداخلية التي نلبس، ولأسباب غير قابلة للتفسير العقلاني والأخلاقي، تحت ذرائع ومسوغات أمنية! وفي المقابل يتحدثون عن اندماج وإشراك وتعاون وحرية ومن ثم عن تحقيق الذات.
رغم كل هذا السلوك النزق لم يتردد نبيل عودة في أن يعرض علينا وسائله المريحة من أجل الشعور بالطمأنينة والعيش المشترك هنا في إسرائيل ونيل الحقوق بسهولة دون تجشم أعباء المعاناة والنضال، وذلك بإخلاصنا لدولة إسرائيل ودخولنا تيار الخدمة المدنية (الوطنية) وتقديم جيل من الشباب المتطوعين لخدمة بلدهم ومؤسساتهم داخل مدنهم وقراهم، تلك المؤسسات التي ذكرها كثيرا في مقالاته رغم تمنياتنا بوجود مؤسسات حقيقية في مدننا وقرانا تخدمنا وتخدم مصالحنا وتعالج قضايانا! (سنأتي على هذا لاحقا).
الخدمة المدنية لكي يتسنى لنا إحراز تقدم أسرع والانفتاح نحو الحياة والتطور وتحقيق الطموح والأحلام الأوهام. بعدها سنحمل سويا معنى آخر لكينونتنا ووجودنا وانتمائنا، وهو الإسقاط الكلي لنا وإسقاط كفاحنا السلمي الكريم لنيل الحقوق الوطنية كسائر مواطني الدولة.
إنها حلول لا تليق بنا ولا يمكن أن تخدم مصالحنا الوطنية كأي مجتمع مدني يريد الحياة.
تلك الحلول قد تنحصر في ذاته هو فقط ولا تليق بنا نحن المستائين من استفحال العنصرية والتمييز في كافة مرافق الحياة، والمتعبين من الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والفكري والنفسي.
نحن محاصرون من جميع التيارات العنصرية والقمعية، وعرضة لخطر التهجير والتقسيم، وضحايا سياسة التفرقة والقمع الأمني والقمع الإنساني والزحف الاستيطاني حول القرى والمدن العربية، ونزع الأرض والمسكن، والتمييز في مؤسسات الدولة والجامعات والمستشفيات والمعابر الحدودية والطائرات، وحتى الحافلات. وكل ذلك تحت غطاء القانون والتصور الأمني وعقدة فقدان الثقة، ومن ثم التعامل معنا على أساس عرقي ديني طائفي وفئوي.
هنا يتوجب علي أن أناقش السيد نبيل عودة وكل الذين يطرحون هذا الشكل من التوازن الوهمي الساذج بصورة عقلانيه معتدلة وأدعوهم للنظر إلى القضايا والمفاهيم نظرة عميقة وهادئة، بعيدا عن الأحكام القاطعة والرؤى المتشنجة، التي تلغي النقاش المنطقي في هذه القضايا المهمة والخطيرة المطروحة أمامي وأمام كافة الجماهير العربية في إسرائيل وخارجها والتي لنا الحق في رفضها بل والتحريض على رفضها وإزالتها من أي اعتبار.
لم يتردد نبيل عودة ابدأ في الإفصاح عنها في أكثر من صحيفة وعلى أكثر من منبر وأكثر من بلاط..
رغم قوله: "أنا لا أدافع عن المشروع"!! مع العلم أنه يدعمه ويؤيده، بل ويحارب من ينتقده أو يرفضه.
أعتقد أن هذه القضايا ذات الصلة بما هو استعمار سياسي فكري عقائدي لا يمكن أن تتبلور في ذاتنا نحن القابعين على خط الاحتلال والتهويد والتقسيم الطائفي، ولا يمكن أن تكون ذات صلة بنا نحن المثقفين
أصحاب الوعي والإرادة والعزيمة على العيش الكريم.
كما إنه لا يمكننا الوصول إليها بالقفز وتخطى وحرق أدق المراحل في حياتنا- مراحل المعاناة والكفاح والصبر من أجل تحقيق الذات، ولو قليلا، ومن ثم إلغاء التشكيك بضميرية السلطة بهذه السهولة، وبالمقابل التشكيك بقياداتنا السياسية وبجماهيرنا الوطنية وتخوينها وحذفها من اعتباراتنا وتواصلنا السياسي وحرق حركة نضال يومي جماهيري لتحسين أحوالنا، شبابا وشابات، طلابا وجامعيين ومثقفين وكادحين، في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هذه الحركة التي قد تمتد إلى أجيال متعاقبة.
ففي موقع الحوار المتمدن، وفي مواقع أخرى، وبحماسه مفرطة، يعرض نبيل عودة مقالاته وخطاباته المطولة ومنها:
1- هل تشكل الخدمة المدنية خطرا على الهوية القومية؟
2- تأييد المواطنين العرب الجارف للخدمة المدنية يذهل المعارضين
3- الحوار حول الخدمة المدنية مشروع ايجابي ويجب تطويره!!!!
4- مشروع الخدمة المدنية للعرب في إسرائيل بين القبول والرفض
5- الخدمة المدنية بين التشنجات الحزبية والواقع الاجتماعي
6- المغالطة مع سبق الإصرار الخدمة المدنية نموذجا !!!!
7- شبابنا بين الخدمة المدنية والحياة الحزبية في اسرائيل.
وقد كتب نبيل عودة عدة مقالات وأطلق تصريحات كثيرة يروج فيها ويعبئ الجماهير بحرارة وحرقة وبصورة براغماتية للخدمة المدنية (الوطنية)، رغم حؤصه الدائم على القول إنه لا يدافع عن الخدمة المدنية كخدمة مدنية!!
وكأن الخدمة المدنية هي الحل السحري والإلهي لمعضلة المواطنين العرب في إسرائيل.
وعلي أن أناقش التناقض السياسي والخلل الفكري في مساحته الكتابية الهشة هنا، لأنني أعتقد أنه حين يتواجد تناقض صارخ في مفهوم المادة المكتوبة والمعروضة للقراءة وتناقض في فهم مجريات الأمور وأسسها وبنيتها وتراتبها وتحليلها وفق رؤيا متناقضة ومغلقه، ومن ثم عزلها في حيز غير قابل للنقاش والنقد،
لا أستطيع إلا أن أسميها مساحة كتابية هشة لا أكثر ولا أقل، لأن التناقض يخلق الهشاشة، ومن ثم يلغي الميزة ويلغي القيمة إن كانت مادة علمية أو خطابا سياسيا أو قراءة ثقافية، فتصبح غير قابلة للتداول أبدا، وليس لها أي معنى بمفهومها العام فتًعرف على أنها ماده استهلاكية رخيصة غير ممكنه التداول ، وفي مقالي هذا توجب علي أن أبين وأوضح ومن ثم ألغي الفقر المفهومي للنصوص الاستسلامية وإلغاء حركة الطابور الزائف المثابر على عقد توازن رسمي مؤقت غير مشروط مع الاستعداد لتقبل كل الشروط، من ثم تصفيه الإصرار التاريخي بل وضعه على المذبح بدلا من إكمال النضال من أجل نيل مطالبنا الإنسانية وتحقيق التوافق مع الآخر بصورة معتدلة وعصرية.
وليس فرض الأطر والنظم والأفكار هو الذي لا يعبر سطحيا عن مطالبنا العامة بل هو رهان مسبق ومقصود على عدم التحول المجتمعي نحو الأفضل، وجرنا نحو تجاهل القهر القائم والاحتلال وكل الموبقات. السلطة في مأزق دائم بوصفها سلطة استبدادية تقوم على الاحتلال، وهي غير قادرة أو غير مؤهلة لتعريف الديمقراطية والحرية ومن ثم ممارستها بشكل قانوني أخلاقي يتوازن ويتناغم مع متطلبات المجتمع العربي وتطلعاته وطموحه وآماله المرجوة، لأن هذا سيدخلها في ارتباط مضموني مع المجتمع العربي في إسرائيل وهذا ما لا تريده وليس بمقدورها إيجاد أسس وخيارات لحوار حضاري يجمع بين المجتمع المحتل المكافح والمؤسسات الحاكمة ومن ثم تعلم الإصغاء لخطابنا، لأن هذا مضمونا اعتراف بحقوق الأقلية العربية. هو اعتراف لكنه مناقض للأيديولوجيا الحاكمة وهذا ما يبرر إيجاد الوسائل والأطر والمشاريع لترسيخ فكرة الهيمنة وإلغاء خيار التحول نحو المساواة بدلا من فتح أفق شاسع للتعددية والاعتراف بخطاب المجتمع العربي ودعمه بل والمساهمة في بنائه، وإقامة مجتمع مدني حقيقي يمكن تطويره واثراؤه ودعم مقوماته الأساسية من أجل ضمان تقدمه، ومن ثم خلق التوازن والتناغم مع باقي المجتمعات والشرائح في إسرائيل بمعزل عن نطاق الهيمنة والسيطرة والتشكيك والتخوين.
ففي مقاله: هل تشكل الخدمة المدنية خطرا على الهويه القومية؟ كتب نبيل عوده يقول:
يجب وقف سياسة السيطرة والاضطهاد . . والبدء بعملية مصالحة وتعميق مشاركة المواطنين العرب في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة.
يعترف نبيل عودة بسلوك حكومة إسرائيل واضطهادها للمواطنين العرب في إسرائيل وتعاملها البدائي مع هموم وقضايا الجماهير العربية لكنه لم يذكر ولم يشر إلى أن حكومات إسرائيل غير مؤهلة لممارسة الديمقراطية بشكل صحيح، وبشكل جدي، وليس ذلك من مهامها أصلا. رغم أننا نعمل منذ عقد من الزمن على المصالحة وتعميق الحوار وإيجاد الترابط بيننا وبين المجتمع اليهودي، وبناء جسور سلام ثابتة وحوار حضاري، وهذا ما أثبتته قيادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي من خلال طرح مواقفها الوطنية والقومية وما زالت تقدم طرحها على كل الأصعدة ولم تقلل من خطابها السياسي المطروح، إلا أن هذه الحكومة والحكومات السابقة لم تحاول ولم تعمل جادة على تغيير نمط سلوكها وتغيير نهجها وتعاملها مع قضايانا بصورة ثابتة عميقة، وجادة بل إن السيطرة والاضطهاد هما فعل قائم لم يتبدل ولم تطرح مبادرة فعلية وجدية لتغييرها، والمواطنون العرب بعيدون عن أي قرار حكومي، سياسيا كان أم اقتصاديا أو غيره، فهي تعمل على ترسيخ التهميش والرفض ووضع الجماهير العربية بين قوسين مغلقين لتكون فئة على الحياد وفي خانة التشكيك، بل تعمل جاهدة على تكريس الأزمات الاجتماعية والاقتصادية لأن مفهوم السيطرة هو مفهوم ثابت وراسخ ونابع من رغبة سياسية مخطط لها من أجل حشرنا في قوقعة الفشل والإحباط.
واجه مجتمعنا العربي، وخصوصا في حقبته الحديثة والمعاصرة، ولا زال يواجه، إشكالات عديدة عبر محاولة السلطة اختراق بنيته ووظائفه وأدواته النضالية التي امتلكها لعقود من الزمن حتى مرحلتنا الراهنة. أما الاختراق المذكور فقد أفصح عن نفسه عبر توظيف عدة أدوات لمحاربتنا، من أهمها خلق طابور خامس، طابور من الأقلام المأجورة لبث الأفكار المسمومة ومحاصرة الأفكار التقدمية المتنورة، وإيجاد حيز إعلامي رجعي يعمل على تشويه الحقائق بل وتبديلها من أجل خلق حالة من التراجع والتراخي الشعبوي لتولد حالة من الانحلال السياسي الاجتماعي، بل والأخلاقي، وإشاعة الفوضى والإحباط للنيل منا أكثر.
إن عملية التجنيد والانخراط في صفوف الشرطة الجماهرية، ومبادرة الخدمة المدنية وما شابهها من مشاريع ومخططات، والتي يعتبرها نبيل عودة انفراجا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، هي برأيي عبارة عن مخطط كبير يرمي إلى تفكيك مجتمعنا إلى شظايا، وتشتيته بين فكرة النهضة والانفتاح وبين الهوس الأبدي، هوس تحقيق الذات وبالتالي السقوط. إنها إعادة بناء وصياغة الخارطة الاجتماعية والفكرية عندنا، بما في ذلك ترابطنا الأسري، وفق نظام مجرد من أية هوية ومجرد من أي انضباط وخال من أي رمز وظيفي، بل نظام سيحكم القبضة على أي فكرة مثمرة وبناءة تكون في صالح الجماهير العربية، والسعي إلى بل عزلها عن أي اعتبار قانوني دستوري أخلاقي.
هي عمليه اختزال للذاكرة وشطب ما تحمله من مسميات واتهامات ومواقف تجاه هذا النظام، بل ووقف التيار الفكري الجارف وحركة الوعي الوطني، ومن ثم استنساخ حالة جديدة وفئات جديدة ومثقفين سفسطائيين جدد.
إنها حالة إسقاط لكامل الحقوق والكف عن التطلع إلى المصالح الوطنية والحرية الفردية وتحقيق العدالة.
إنها مسألة خارجة عن العقل والفهم أن نغير نمطا سياسيا عقائديا أيديولوجيا مرسوما ومخططا له مسبقا،
أن نغيره بتغيير فكرنا ومنطقنا وتطلعاتنا ومواقفنا الشريفة. وأخطر ما يكون هو أن نتنازل عن حجم إدراكنا ومعرفتنا وقناعاتنا لما يدور حولنا من دلالات شاحبة بعكس وضوحنا، بل ونفصح عن أدوات رثة متآكلة كقراءة نهضوية بالرغم من معرفتنا بخصوصيتها المعطوبة.
علينا أن نعي وندرك ونغير في أدواتنا النضالية السلمية وأن نصمم على هذا التغيير وأن نشحذ همتنا وعقيدتنا من أجل التغيير، لا أن نتملق وننافق للسلطة من أجل إطعامنا الفتات، ثم نقول يكفينا. إن هذا النوع من التغيير هو الاستعداد للسقوط الأبدي، وهو التنكر الذاتي لكامل حقوقنا المشروعة، وهو الإلغاء الذاتي لوجوب وقوفنا ونضالنا الجدي من أجل تقدمنا وانفتاحنا وبناء مجتمعنا بشكل متوازن مع باقي فئات المجتمع الإسرائيلي.
وكتب نبيل عودة يقول: في فترة حكومة رابين الأخيرة ( قبل مصرعه) تمتع الوسط العربي بميزانيات غير مسبوقة، رفعت من مستوى الحياة، وفتحت آفاقا لتطوير البنى التحتية في البلدات العربية، وارتفع مستوى الرفاه بقفزات كبيرة. ومع اختفاء رابين عاد الوضع الى سابق عهده من التمييز وشح الميزانيات.
إننا أمام تناقض فكري ومفهومي للأمور العامة، فنبيل عودة، وبشكل موقظ، يذكرنا ولو قليلا بالعطاءات والامتيازات التي نالها المواطنون العرب، رغم تقديمهم للتنازل ودعمهم لحكومة رابين. تلك امتيازات مؤقتة ومنقوصة لم تكتمل رغم قانونيتها وأحقيتنا بها، حقوق رغما عن أنوفهم هي لنا، لكن سياسة إسرائيل التهميشية هي التي جمدتها. تحققت تلك الحقوق مؤقتا مع قدوم رابين وذهبت مع ذهابه وأصبحت حقوقا منقوصة وتلاشى الكثير منها مع الوقت، وهناك نصوص بقيت كما هي دون أن تمس. إنها مجرد رغبة مؤقتة يطرحونها على الجماهير دون التأسيس لها، نظراً لوجود مواصفات وتصورات واعتبارات وخصوصيات أيديولوجية صهيونيه لا يمكن تجاوزها بجرّة قلم بين ليلة وضحاها لأي سبب كان، والدليل على ذلك هو أن اليمين الإسرائيلي، الذي هو جزء من هذا الكيان وجزء من هذا السيناريو، أوقف عملية اللعب والعبث بهذه الأيدولوجيا وأوقف اندفاعنا نحو الحقيقة التي كان من الممكن أن تسكننا لكنها أسفرت في النهاية عن سراب، وقتل رابين .. تخيل سيدي نبيل عودة.
لقد تبخرت آمال وطموحات وأحلام وحقوق مليون ونصف المليون مواطن عند إقدام قاتل رابين على فعلته. تلك الرصاصة اليتيمة أعادتنا إلى الوراء عشرات السنين وأوقفت تطورنا الاقتصادي والحياتي إلى أجل غير مسمى، إنها رصاصة يا سيدي! فهل ستعيد الخدمة المدنية اندفاعنا نحو التطور من جديد؟ أو تعيد المشهد من البداية إلى ما قبل انطلاق هذه الرصاصة؟! هل سيكون هناك خلاص حقيقي من خلال الخدمة المدنية؟ وهل سنستفيد من هذه الاختيارات ومن هذا النمط الزائف فننال حقوقنا كاملة، وتمارس الديمقراطية بشكل مستقل بعيدا عن التصورات الأيدولوجية الصهيونية، وتصبح الدولة عادلة تساوي بين العربي واليهودي والروسي والأثيوبي والمغربي واليمني وتتغاضى عن مبدأ يهودية الدولة أو دولة اليهود؟ ولست بحاجة للتذكير

أن نبيل عودة في هذه المقالات لم ينس ولم ينكر الحديث عن التمييز المستفحل في دولة إسرائيل بين العرب واليهود ويحدثنا عن تعامل إسرائيل مع الأقلية العربية في هذه البلاد من محاولات تقسيمنا الى فئات أو دون ذلك، واتهامنا بالتطرف أو الفوضوية أو العمالة أو العداء لدولة إسرائيل. ويسرد لنا هذا التاريخ منذ قيام دولة إسرائيل حتى يومنا هذا. ويقر نبيل عودة بهذا النهج السلطوي الذي تفشى وامتد عبر أجيال ومازال قائما.
ولا يكتفي نبيل عودة بالمعاينة بل يعود بالوضع إلى جذوره وأصوله وصياغته لأفكار المعايشة الإنسانية وكذالك تشكل صراعنا من أجل البقاء هنا على هذه الأرض بحرية، لكن نظرتنا تنطوي على الكثير من السخرية والرفض المباشر لأسلوب أصحاب هذا المفهوم الرجعي، والحقيقة أن هذا الرأي، وإن لم نكن ننتمي إليه فكريا، نجادله عقليا ومنطقيا.
جيد أنك تعترف بماهية السلطة ووصفها بصورة دقيقة وحقيقية! لكن أن تكون واقفا متفرجا مستهلكا كل طاقاتك السكونية تجاه هذا الوصف، وتبديد الإسهام الجماهيري في الرفض، بل تجتهد في رفض الرفض والتحريض على قبول المشروع فهو إفصاح عن الفكر المعتم، وهو سلوك متلاطم ومدخل للتصور الانهزامي المشيد بعناصر غافلة أو مقصودة.
كان ينبغي عليك، بدلا من ذلك، التأسيس لأدوات جادة وإنتاج أسس عملية لصيغة وطنية، وفق الحاجة الملحة، أكثر اتزانا، ورغبة حقيقية في حمل عبئنا الوطني، لا أن نندب حظنا بطريقه وقائية متعمدة، وإثارة غرائز إحباطية عامة وتوزيعها وفق قناعات مصطنعة ومضللة تخدم الخطاب الأيديولوجي الصهيوني.
يضع نبيل عودة أمامنا، نيابة عن السلطة وعن حكومة إسرائيل، ونيابة عن عامي أيالون ورؤوبين غال وسامي سموحة، الشرط الذي يطرحه هؤلاء لعيشنا الكريم ولنيل الديمقراطية والمساواة والعدالة، من خلال الخدمة الوطنية، ويحاول إدخالنا إلى نظرية اجتماعية عصرية وإلى مشروع أزموي. نعم إنها أزمة صياغة الديمقراطية والمساواة وفق شروطنا نحن، ووفق حاجاتنا ومقاييسنا، وابتزاز ومقايضة سياسية اخترعها بعض محللي الحكومة الإسرائيلية ومجموعة من المنظرين العرب السفسطائيين المأجورين عديمي القيم والمبادئ الذين يتباهون بانتماءاتهم الحزبية والسياسية الشاذة، وينظرون ويناقشون ويحللون ويتخذون القرارات ويستخلصون النتائج والعبر على حساب الأقلية العربية، بالرغم من التمايز والبعد الحاصل بينهم وبين الجماهير العربية الحقيقية فكريا وعقائديا. كل ذلك من أجل جرنا إلى التفكك الكلي والاندثار تحت وقع المشاريع الصهيونية وإخضاعنا للهوس واحتمالاته.
إذا هي نظرية جد غبية لمحاولة طمس هويتنا الوطنية وانتمائنا الوطني وحقنا الطبيعي بالمساواة والحياة والعيش الكريم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية دفعة واحدة لا على مراحل كما يصرح بأن المساوة هي عملية مبنية على خطوات!!!
ونيل جميع الحقوق التي نص عليها القانون دون شروط مسبقة ودون ابتزاز ومساومة، انه نمط من التجريب الذي لا يصيب أبدا. نحن لا نطمئن لمثل هذا التلاعب التبريري من أجل الحياة والتقدم والانفتاح. إن هذه الظاهرة لم تكن ولن تكون من منتجاتنا الوطنية والاجتماعية والإنسانية بصورة عامة. إنها فكره أمنية سياسية من الدرجة الأولى لكنها بدائية وساذجة لن تستطع أن تنتج سوى التعايش مع حرارة الموقف الحالي المتخلخل وبشكل مؤقت لكن ماذا بعد ذالك؟
الخدمة المدنية هي وسيلة لطمس وإلغاء الحقيقة العامة، التي تملأنا، في الحقيقة أن هناك عنصرية وتمييزا وإرهابا وتخويفا واقتلاعا واحتيالا وحشرا في غرف البطالة، وملاحقات ومضايقات.
وهي محاولة لمحو الذاكرة التي فينا، والتي امتلأت بما طاب من سناريوهات مريرة، كالتهجير وهدم البيوت والمحاصره والقتل، وليس من باب الصدفة أن هذه المشاريع أتت بعد قرار إغلاق ملف أحداث أكتوبر، وتغييب العدالة بل هي مقصودة من أجل جر الذاكرة إلى خارج ذاكرتها بل جرها الى دائرة النسيان العام.
إنها حالة من التنويم المغناطيسي لنا حتى يتسنى للسلطة إعادة صياغة سياستها القمعية بصورة متوازنة وبصورة أكثر قانونية بعدما اصطدمت بجيل جديد من المثقفين والوطنيين والأحرار ورافضي القمع والإذلال السلطوي ورافضي الخضوع والمهانة. لكنها جذابة ومرضية لعدد قليل من الإصلاحيين الخياليين الطفيليين أصحاب النفوس الضعيفة والمنساقين خارج حدود القيم نحو حدود العجز، والغافلين عن حقيقة أنها حالة متشنجة لا مسافة ولا مساحة لها.
(الذين أطلق عليهم ماركس "المستهلكون عديمو النفعة").

ان السيد نبيل عودة يتحدث بأسلوب يستشف منه وكأن على هذه الأرض بضع مئات من المواطنين العرب لكنه لم يذكر أن عدد سكان البلاد العرب قارب المليون ونصف المليون حناجرهم تمتلئ رفضا قاطعا لهذا الابتزاز السياسي. لكنه يوجه خطابه بصورة مغايرة للواقع والمنطق ويشحذ أدواته المعرفية المجهولة دون التأسيس لها لكي تصبح وعيا وأداة مناهجية، وأيا كان مضمونها ومصداقيتها، ويستحضر مرادفات توظيفية مضللة لها دلالات كثيرة حين يقول:
تأييد المواطنين العرب الجارف للخدمة المدنية يذهل المعارضين!!!
بينما يقول عامي أيالون – رئيس الشاباك السابق- في مؤتمر سديروت:
يجب أن نعترف أننا فشلنا في تجنيد أعداد كبيرة من العرب في الخدمة المدنية والأمر ليس سهلا!
إن لغة نبيل عودة لغة اندفاعية مشحونة بحماسة ساكنة لتوظيف وهم التحول إلى واقع ولتأهيل المناخ الساكن إلى فضاء متعدد الصور. إنه وصف متعمد مصطنع لا نقبل أن يكون وصفا لحالة المواطنين العرب.
انه اتهام مباشر لنا نفهمه وندركه ولا نقبله، وهو تشويه لميزتنا وصورتنا. إنها محاولة لإلغاء نضالنا الجارف طوال تلك السنين، والتنصل منه ليكون تأييدا جارفا لمشروعه السلطوي.
حين نقرأ تعبيرا مشحونا بدلالات متصدعة ( التأييد الجارف ) للخدمة المدنية، إنها أقل حالة توصيفيه إثارة للجدل. فهذه الحالة عبارة عن صنيع سلطوي في الدلالة لمحاولة إقناع الناس وإقناع الذات بمصداقية المستطلع. إنه تفكير خارج عن الذهن والواقع وأقاويل غير برهانيه، لأنها تسلك أكثر من مسلك غير واضح وغير منطقي وغير عقلاني، إضافة إلى أنها أقاويل انفعالية خطابية لا ترقى إلى درجة البحث والتمحيص رغم قناعتنا بزيف الاستطلاع وعدم مصداقيته وليس لنا تواصل معه.
استطلاع الرأي الذي نشر، فيه الكثير الكثير من الاحتيال من أجل توظيف أدوات مضادة لأدوات رفضه، وهو خال من أي ميزة علمية بل تمتلكه الصبغة الأمنية السياسية من الدرجة الأولى، لكنها غبية، إضافة إلى أنه لم يخل من أسلوب تشويه الحقائق وتزويرها.
باعتقادي أنه حين قرر سموحة أن يبني استطلاعه بمشروع حساس للغاية مثل مشروع الخدمة المدنية والذي فيه جدل كبير داخل المجتمع العربي خاصة، وفي مرحلة حساسة كالتي نمر بها، كان عليه أن يأخذ بالاعتبار عدد المواطنين العرب في إسرائيل واستطلاع ثلثي المواطنين على الأقل وليس 90 شخصا فهذا العدد برأيي لا يعبر أبدا عن رأي المواطن وليس له أي قيمة ملموسة وأية اعتبار، وعليه أن يأخذ بالاعتبار طوائف المجتمع العربي وشرائحه، فلكل طائفة عقيدة معينة ونظرة معينة وقناعات معينة، وليس استطلاع بعض الفئات من أحزاب محددة ومن منطقة محددة، بهدف مقصود من أجل تشويه صورة حزب معين، مثلما تحدث عن أن 62.9% من مؤيدي الجبهة الديمقراطية، و77.6 % من داعمي التجمع الوطني الديمقراطي، و78 شخصا من القيادات العربية يدعمون يؤيدون الخدمة المدنية!!
علينا الوقوف قليلا عند هذه الفقرة لنقول: تشويه الصورة الوطنية للجبهة الديمقراطية يحاول إكمالها سامي سموحة عبر إدخالها ضمن استطلاعه، بل وهو يقصد ذلك من أجل تبديد القناعة بوطنية الجبهة الديمقراطية وصداها وتأثيرها على الساحة السياسية وصدقها ونقائها، لذلك حاول عمدا توظيف أدوات تحريضية على الجبهة الديمقراطية وقيادتها من أجل جر أصوات مناهضة للجبهة من ناحية، ومن أجل جعل المشروع والاستطلاع مقبولين على بعض الفئات المستضعفة من ناحية أخرى وتوظيف حالة ضعف وإحباط وتقهقر وطني عام، وذلك من خلال زج اسم القيادات العربية في استطلاعه، وعلينا أن نكون مدركين وحذرين من هذا التلاعب السياسي.
نعتقد أن الاستطلاع يجب أن يشمل فئات من 70 % من القرى والمدن العربية على الأقل.
ويجب أن يكون الاستطلاع عبر وسائل الاتصال: الانترنت، والهاتف، والشارع، ومن ثم تحديد أسئلة الاستطلاع بصورة واضحة للمستطلع، بل ووضع صيغة سؤال بديلة في حال لم يكن السؤال الأول واضحا للمستطلع، واتباع المعايير العلمية والأخلاقية عن طريق تقديم الشرح الوافي عن القضية المستطلعة والاستماع إلى وجهة نظر المستطلع، فحين نرى أن 72% من المشاركين في الاستطلاع لا يعرفون شيئا عن الخدمة المدنية فإن ذلك يعني أنه لا حاجة لهذا الاستطلاع أصلا! بل توجب على الدكتور سموحة ورؤوبين غال ونبيل عودة أن يعيدوا حساباتهم من جديد وأن يعملوا على تعريف الخدمة المدنية بصورة واضحة ونشرها وتعميمها على المواطنين العرب عبر الصحف والبريد والتلفزيون وكل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وبصورة نقية غير مزيفة ومنمقة، وإضافة الفقرة من قرار الحكومة 2017 التي تقول:
1. تقوم الحكومة بتوسيع الخدمة للوسط العربي إلى صفوف الجيش والشرطة
2. يقول تقرير لجنة لبيد، حيث أقرت هذا المشروع زمرة من أمثال إيفي إيتام وبيني إيلون من حزب "الاتحاد الوطني"، وتساحي هنغبي وتسيبي ليفني من حزب الليكود، وغدعون عزرا:
"على الشباب العرب أن ينخرطوا ضمن مشروع "الخدمة المدنيّة" على أن يكون مقدّمة
للخدمة العسكرية".
بينما يقول نبيل عودة مدافعا عن الحكومة وغال وسموحة:
أما الادعاء بأنها طريق للخدمة العسكرية، فهذه نكتة غبية لا يقدر عليها انسان عاقل!!
3. يتابع سيْر عمليّة الخدمة المدنية مجلس الأمن القومي وقدّمت توصياتها إلى وزارة الأمن وليس
إلى وزارة أكثر مدنية مثل وزارة العمل.
لأن هذه الفقرات مهمة جدا وتحمل دلالات كثيرة وأنا واثق أن لها تأثيرا على نتائج الاستطلاع. بل وأن نتائج الاستطلاع ستكون مغايرة لما يتمنون.
ومن ثم على المستطلع أن يأخذ بعين الاعتبار الأصوات المعارضة التي يجب إضافتها ضمن الاستطلاع، أي شرح سبب المعارضة، وليس إلغاء هذه الأصوات وتغييبها، لتبدو القضية وكأنها نقية من أي شائبة، والإيهام بأنها مقبولة على الجميع، وبرأيي أن غير ذلك يعتبر احتيالا من الدرجة الأولى.
ويضيف: اليوم كما أرى المشروع ينفذ بشكل لا تشتم منه رائحة استغلال الشباب العرب في تقديم خدمات لا نقرها، ولكني أعترف أني لا أعرف ما إذا كان الأمر سيبقى في هذا الاطار!!!

أما رئوبين غال، المدير العامّ لمديريّة "الخدمة المدنيّة" فيقول في صحيفة هآرتس: "لو طبّقنا "الخدمة المدنيّة" إبّان حرب لبنان الثانية، لكان وضعنا في الحرب أفضل، حيث إنّ المتطوّعين كانوا سيسدّون النقص في الجبهة الداخليّة".
يبدو أن السيد نبيل عودة متحمس لهذا المشروع فهو يراقبه من قريب ومن بعيد ويتحسس عملية التسارع الوهمي في تنفيذه وتقدمه لدرجة أنه يتوهم أن المشروع خال من أي استغلال لشبابنا!
إن هذه المشاريع الاحتيالية يا سيدي من الصعب أن تشتم منها رائحة الاحتيال بسهولة إلا إذ امتلكت حدسا وحاسة قوية عنيفة لا تتبدل ولا تتلون، حاسة وطنية وحاسة اجتماعية وحاسة فكرية تستطيع التفريق والتمييز بين الحقيقة والوهم، وبين الحماسة والخمول وأدوات الرفض والقبول، لا حواس انفعالية، وحواس عاطفية مؤقتة قد يمتلكها أي إنسان. الكل مرهون ببنيته الذاتية والعقائدية والفكرية.
هنالك سؤال مهم: ما معنى أن تقرر حكومة إسرائيل اليوم أن تزيل ذلك الغبن من سياستها وتشاركنا الهم الوطني والنهضة وكسر الجدار الفاصل بيننا وبينهم وتعقد معنا اتفاقية شراكة وتدخلنا ضمن أجندتها وحساباتها الإيجابية وتطرح فكرة المشاركة وحمل العبء القومي في زمن نشكل فيه عبئا عليهم وخطرا على البنية الديموغرافية اليهودية؟
ما معنى هذا في زمن تقوم فيه الحكومة بالتنصل من مسؤوليتها عن أحداث أكتوبر، بل تعمل على إغلاق الملف وتحويله الى أرشيفها كباقي المجازر والمآسي، وتتهرب من فعلتها، ومن حقيقة أن هناك شبابا في عمر الورد اخترقت رصاصات أجسادهم لمجرد أنهم حاولوا التعبير عن حجم العنصرية والمهانة.
وينصحنا نبيل عودة فيقول: الموقف السياسي الصعب جدا، أن نستعمل عقلنا المستقيم، ونتعالى على آلامنا، وأن نرى الآتي!! كيف وبأي حق تطلب منا أن نتعالى على آلامنا؟ كيف تطلب من ذلك الأب الذي رأى الرصاصات تخترق عنق ابنه ويتهاوى أمامه جثة هامدة أن يتعالى على جرحه وحرقته والمه! كيف؟ كيف تطلب من ذلك الذي قتل ابنه بين أحضانه دون مبرر أن يتعالى على آلامه، وكيف تطلب من آلاف الأمهات والثكالى والأرامل أن يتعالوا على آلامهم، وكيف تطلب من الذين هدمت بيوتهم ونهبت أرضهم وشردوا بأن يتعالوا على آلامهم كيف تطلب من آلاف الموزعين على الخرائط والمدن أن يتعالوا على آلامهم بل وتلغي احتمال إحيائهم حين تقول: هناك شعارات غير قابلة للتنفيذ، مثلا عودة اللاجئين !!! إنك تتحدث يا سيدي من نافذة اليائسين المهزومين المتقهقرين ما وراء المشاريع والقراءة الإسرائيلية، قراءة باروخ مارزل وأفيغدور ليبرمان وإيهود براك وشاؤول موفاز وأريئيل شارون! وتؤسس بالمقابل لنقيض ذاتي غير مسبوق حين أقرأ امتداحك لمحمود درويش ووطنيته وفلسطينيته، وحيفاه، وبروته، وأرضه لكن الواقع يختلف، فأنت تقول له بهدوء وبالخفاء: أنت زائر لا أكثر ولا أقل! ألق بأشعارك واذهب من حيث أتيت! إلى غزة أو رام الله. وأنت تلغي فكرة عودته ووجوده هنا! أليس من حقه أن يكون في البروة أو في حيفا او في عكا او في الناصرة، كما هو حق ساشا وميشا وسفيتلانا بالعودة إلى أرض الميعاد؟ ألا يمتلك محمود درويش ألم كل النازحين والمهجرين والمبعدين؟ أليس له الحق في أن يكون هنا؟
كيف تطلب منا أن نتعالى على آلامنا وشعبُنا يحشر وراء الجدار العازل وفي غيتوهات ويقتطع حقه بالحياة ويلغى احتمال بقائه على أرضه؟
كيف سنرى الآتي ونحن نهان ونقتل على الطرقات لأتفه الأسباب؟ لكن يا سيدي ما زالت في حناجرنا أصوات لها صدى سيقض مضاجعهم يوما ما، وسيؤرقهم يوما ما.
تلك الصور والسيناريوهات والمشاهد هي عار على الديموقراطية والحرية والمساواة التي تتغنى بها يا سيدي، تلك الأحداث التي أدخلت الحرقة إلى نفوسنا والتي لم أقرأ لك سطرا واحدا بصددها، بل وصفا إنشائيا لا أكثر، وفي المقابل أراك تكتب غزلا ومدحا لمنفذيها (الجنرال براك اليساري)!!!
ما معنى خدمة مدنية في الوقت الذي تختلق الحكومة فيه القوانين والذرائع لتهميشنا وما معنى هذا في وقت نرى فيه الحكومة تعمل جاهدة على تحطيم وتدمير البنية البشرية والإنسانية لشعبنا في الضفة والقطاع وتقتل النساء والأطفال وتنبش القبور وتتنصل من أي قانون إنساني وأخلاقي؟ أليست هناك سخرية يجب الوقوف عندها ولو قليلا؟ هل يمكنك سيدي ان تترجم لي هذا التناقض في هذه السياسة؟ هل يمكنك أن تبين لي العدالة وحجمها وموقعها هنا؟ وهل يمكنك أن تؤشر لي إلى قانون واحد لا يقصد عزلنا وتهميشنا؟ وفي المقابل أراك تقول، وبقناعة تامة:
المساواة هي عملية مبنية على خطوات!! لماذا على خطوات؟ ولماذا ليس دفعة واحدة؟ وبأي حق تحدد حريتنا بالحياة وتحدد تقدمنا؟
انتظرنا 60 عاما، أجيال توالت يا سيدي ولم تتحقق المساواة فهل ستتحقق في خدمة سنتين؟ هل سننعم بالمساواة بعد سنتين من الخدمة المدنية؟ وهل سأصبح مواطنا من الدرجة الأولى؟ وهل سأعمل في أي مكتب حكومي مثل أي قادم جديد؟ وهل سيدرس ابني الطب في أي جامعه يختارها؟ وهل سأسافر عبر مطار بن غوريون بحرية؟ وهل سأبني لي بيتا في "كفار فرديم" أو في "لوطم" أو في "مسغاف"؟وهل سننعم بميزانيات كباقي المدن والقرى اليهودية؟ وهل سنمارس حياتنا السياسية والحزبية بحرية؟ هل وهل وهل... هل سينال مرتكبو أحداث أكتوبر قصاصهم؟
المساواة والعدالة يا سيدي هما فعل ليس بحاجة إلى مبادرات وتوصيات، أو إلى إجماع حكومي وليس بحاجة إلى تفكير وانتظار. هما فعل وليد أي نظام ديموقراطي يحترم الإنسان وكرامته، وما هو غير ذالك يسمى "ديكتاتورية مرنة".
إننا أمام رهان على قدسية السلطة ومصداقيتها كما تعودنا على هذا الرهان لعقد من الزمن لأننا أيضا أمام فعل مشكوك بأمره، وحتى نبيل عودة غير متأكد منه، وقد حذر منه لأن إسرائيل لم تتوان على مدار الزمن عن الاحتيال على مواطنيها وخلق حيز دستوري وقانوني من أجل التنصل من مسؤولياتها وتبرير الاحتيال، فهم يضعون خريطة اجتماعية تسير أمور الأقلية العربية وفقها لأنه لا يمكن للسلطة التنازل أكثر، فهي تعمل على ترتيب توازن مجتمعي لكن بصورة مخالفة جدا وغير مرهونة باستمرارية وانفتاح وتطور دولة إسرائيل، وإيجاد ثوابت مفتتة للمجتمع العربي وحد أدنى من الاعتبارات التي تليق بمجموعة قليلة من المنتفعين من المواطنين العرب.

بهذه المقالات والخطابات الحماسية الجارفة التي يقدمها لنا نبيل عودة يذكر لنا أمورا ذات صلة بالقيادات العربية في إسرائيل ورفضها لفكرة مشروع الخدمة المدنية فيقول: السياسة العربية التي تتصرف بارتجال ومنافسة شعارا تية غوغائية، تفتقر لأي منطق سياسي، ولأي برنامج سياسي واضح ومحدد الأهداف والتفاصيل. ثم يضيف قائلا:
إن موضوع الخدمة المدنية هو نموذج يكشف ضعف تفكيرنا السياسي، ضعف إدارة أحزابنا للهموم الوطنية لشعبنا.
ما لاحظته في مقالات نبيل عودة وخطاباته هو أنها تحمل طابع الحماسة، الحماسة المفرطة والجهد في شرح الأمور وتحليلها وتقديمها، لأنه هو يعلم في سريرته أنه يقدم لنا خطابات انفعاليه أحادية الرؤيا لا يمكن أن نصفها بالعقلانية. إنها استثناء لمنطق التعايش والتواصل الاجتماعي والفكري، وعلينا أن نقر بأنها حالة من التراجع والاستسلام والانهزامية، ومن ثم الدوس على التاريخ المنصرم والبصق عليه أيضا!
وهنا تقع لغة الهجوم على سياسيينا الذين أعتقد أنهم لم يتراجعوا يوما، ولم يتهادنوا في نضالهم من أجل تحقيق العدالة والمساواة ونيل الحقوق المشروعة، فهم شوكة في الأفواه العنصرية البذيئة وأمام مخططي السياسة الاستيطانية، وهم الصوت الصارخ، نعم الصارخ، في وجه صناع القرار الذين يتآمرون علينا سرا وجهارا،
فوجودهم رافضين قطعا للخدمة المدنية ولهذا الشكل من الاحتيال هو التعبير الأبسط عن وجود سياسة إسرائيلية غير عادلة وغير منصفة، ولا أحد يستطيع نكران هذا الوضع، وكونهم رافضين لفكرة الخدمة المدنية فهذا يدل على امتلاكهم للحس الوطني المسئول. ولو قبلوا بهذا المشروع سيكونون في نظرك، دون شك، وطنيين!!
يا سيدي! إن الحكومة الاسرائيلية تحاول جاهدة، بسياستها القمعية، شطبنا من أجندتها وإلغاءنا من سياستها وكم أفواهنا، وإلغاء كل الاحتمالات لإعادة بنائنا، ولكي تحقق ذلك لا تكف السلطة عن خلق المناخات والأجواء والسيناريوهات المشحونة بالتوتر والفوضى الخلاقة وإثارة الأحقاد والفتن الطائفية من أجل جرنا إلى معركة حقيقية والمجابهة والتحدي ، ومن ثم منعنا من ممارسة حقنا الشرعي والمنطقي في نيل الحقوق المشروعة.
فهي عمليه إبطاء ديناميكية النضال السياسي ومن ثم قضم كل الأطر المشروعة ومن المؤكد أنهم سيعطون أنفسهم، بعد ذلك،الحق القانوني في التعامل معنا كمنحرفين أو كقتلة أو كقطاع طرق أو كخارجين عن القانون.
لقد جاءت تجربة أحداث أكتوبر الدامي لتعطي صبغة للتعامل معنا بهذا النمط التجريبي المقصود، وأماطت اللثام عن النوايا المخبأة من خلال إيجاد وخلق معركة حقيقية تعطي للسلطة الحق بالقفز بعيدا عن القيم وتخلق لدينا حالة من العزلة والضعف والسكينة، لكنها في النهاية أسفرت عما هو عكسي لم يحسبوا له حسابا.
استطاعت قياداتنا العربية ومؤسساتنا الحقوقية والاجتماعية ومنظماتنا وأحزابنا، وعلى رأسها الحزب الشيوعي، وعلى مدار 60 عاما من النضال والتحدي، خلق مناخنا العام ونيل الكثير من الحقوق المسلوبة والمغيبة وسن الكثير من القوانين لصالح الجماهير العربية، وتعطيل الكثير من القوانين المجحفة بحقنا كمواطني دولة ديمقراطية. أما القول إن الجماهير العربية وقياداتها غير قادرة وغير فاعلة فهذا كلام لا نقبله جملة وتفصيلا.
نحن موجودون دائما أمام مهمة تغيير، تغيير للأفضل بما يعادل متطلباتنا، تغيير ضمن النظام والقانون بعيدا عن هوس فقدان الثقة بالنفس.
لنفرض جدلا أن القيادة العربية ضعيفة وهزيلة ومنساقة ومتآمرة، هذا لا يعطيني ولا يعطيك الحق في القبول بهذا المشروع ولا يشكل مبررا لأن نكون دعاة لهذه المغامرة، بل نرفضه ونعمل على تبديد الوهم وتبديل الواقع. نحن يا سيدي نصنع النموذج وفق رؤيتنا ونقدمه وفق الحاجة الملحة لأننا أصحاب هذه الأرض وأصحاب حق وأصحاب كرامة، وكرامتنا هي في العيش بحرية وفي رسم خطواتنا ومصيرنا وفق قراءتنا ووعينا ونموذجنا إلغاء محاولة عزلنا وتمزيقنا ومحاولة جرنا إلى تقاتل طائفي ومحاصرتنا، ومن ثم إقرار حقنا الشرعي بالحياة لننعم بها وفق رؤيتنا لا وفق توصياتهم وترجمتك.
ويقول نبيل عودة:
إن سياسة الرفض التي تمارسها الأجسام السياسية في الوسط العربي، تلحق الضرر بنضالنا العادل للمساواة الحقيقية.
إنك يا سيدي بهذا الدولة متهم وأنا متهم وأحزابنا متهمة وكلنا متهمون ومعرضون للمساءلة، ألا تقر بذلك؟ في أبسط الأمور نحن متهمون ومسئولون عن أمور حدثت وسوف تحدث وأمور لم تحدث أبدا!
إذا أصيب سموحة أو ليبرمان بالجرب فنحن المتهمون بنقل العدوى. إنها سلطة غير مستعدة لمعالجه أسباب غضبنا وأسباب رفضنا لسياستها وليس في حساباتها أن تدخل في فحوى الأسباب لتعالج النتيجة بل تبقي على النتيجة لتبلور سياستها بموجبها، لذلك نحن معرضون للاضطهاد والتمييز دون مبرر.
فليس من المعقول يا سيدي أن تتهم القيادات السياسة العربية بالغوغائية والمنافسة الشعاراتية! فما معنى أن أقبل بهذا المشروع في الوقت الذي قضى بإسقاط كل التهم الموجهة لمرتكبي مجزرة أحداث أكتوبر، ومقتل 13 شابا فلسطينيا برصاص حي، بل تقوم الحكومة بترقية مرتكبي هذه المجزرة واتهامنا نحن الضحايا بالمسؤولية عما حدث. ما الذي يرضيك ويرضي السلطة؟ الصمت؟ السكوت؟ الاختباء وراء سراب؟ الخنوع وإقناع المواطنين العرب بتقبل فكرة الخدمة المدنية؟ وأن نكون خادمين؟ وتدع غيرنا يقررون عنا ويتكلمون باسمنا، وأن نكون حذرين من أنفسنا طوال حياتنا.
هل هذا هو النهوض السياسي والانفتاح على المجتمع اليهودي؟ هل هذه هي المصلحة الوطنية؟
إنني أعتقد أنكم تبنون أموركم على حسابات خاطئة وأسهمكم تتهاوى، لذا عليكم أولا رؤية الحقيقة العامة،حقيقة أن هناك استهتارا بمكانة المواطن العربي واستهتارا بكيانه وبرؤيته، وهذا سبب عدم قناعة أحزابنا وقياداتنا ومؤسساتنا بهذا الطرح الأمني لأنه معطل لمشروعنا الوطني.
ويحدثنا نبيل عودة عن الخدمة المدنية وبحماسة فيقول: وكله مشروع ومضمون في النظام الديمقراطي الذي يضمن ويحمي حرية الرأي والاختلاف والنقد والهجوم الحاد والدعاية والنشاط السياسي والإعلامي والقانوني إذا لزم الأمر، الذي يوفره القانون الإسرائيلي للمواطنين العرب أيضا.. وهذه حقيقة وليس ادعاء!!
لا توجد حقيقة. أنت تتحدث هنا عن قدسية النظام والقانون الإسرائيلي وأخلاقيته وتحاول أن تدخلنا إلى نصوص قانونية أخلاقية (نظام ديمقراطي، حرية، نشاط سياسي) كلها نصوص موجودة، نعم موجودة لكن هل نمارسها نحن المواطنين العرب بحرية؟ وهل تنطبق عليك وعلينا تلك الديمقراطية والمساواة التي تتحدث عنها؟ نعم إنه مشروع مضمون حين لا تجد الحكومة الوسائل والفرص لنسفنا وإزالتنا عن خريطتها السياسية وحين ترعى المواطنين بصورة جدية وحقيقية وحين تلغي الجدار القانوني الصلب الذي فرضته علينا، وحين تبادر إلى إزالة كل المعوقات التي تحول دون تقدمنا وانفتاحنا وتقدم شبابنا، أهذه هي الديمقراطية حين تجد هذه الحكومة نفسها عاجزة عن وقف تطورنا فتعمل جاهدة على خلق القوانين وتاتوصيات التي تعيقنا، بهدف عدم اندماجنا في المجتمع بصورة متساوية، وبهدف إعاقتنا وتجهيلنا، هل تريد أن أعدد لك القوانين التي سُنت من أجل إحكام القبضة علينا؟
هناك قانون جديد أثبت مدى عنصريته، بل أثبت عدم إدراككم للأمور بصورة علمية دقيقة، وهو قانون مور أو "امتحان مور" الأخير الذي أثبت عنصريته، وهو قانون الانتساب للجامعات الإسرائيلية. فهو موجه ضد الطلاب العرب لإعاقة تطورهم الأكاديمي من خلال تحديد جيل الانتساب لكليات الطب ورهن قبولهم باجتياز امتحان مور، وهذا يمنع الطلاب العرب من التسجل لكلية الطب فور تخرجهم من المدارس الثانوية، حتى لو توفرت لديهم جميع المعايير المطلوبة للقبول لدراسة الطب، والهدف من ذلك هو إعطاء الحق للمسرحين من الجيش (اليهود) أو الذين أنهوا الخدمة المدنية، وهو لا يسري على الطلاب اليهود الذين يريدون دراسة الطب قبل الخدمة في الجيش، بمعنى آخر أغلب الطلاب العرب لا يخدمون في الجيش ولذلك فإن أغلب الطلاب العرب لن يقبلوا لدراسة الطب فور تخرجهم من المدارس الثانوية، بل قد يكونون على قارعة الطريق او يضطرون إلى السفر إلى الخارج، أو دخول الخدمة المدنية لسنة أو سنتين، ثم يكون لكل حادث حديث.
لقد انخفض عدد الطلاب العرب المقبولين لكلية الطب في الجامعة العبرية من 33 طالبا في السنة السابقة إلى 8 طلاب (المصدر، مؤسسة عدالة).
لا توجد دولة في العالم تحترم نفسها تعمل جاهدة على إعاقة تطور شعبها وتخلق كافة الذرائع من أجل صد اندفاعه الجارف نحو الحياة، فتسن القوانين والتوصيات للحيلولة دون انفتاحه، بل وتقف له بالمرصاد، وتقف عند كل محاولة تقدم وبخاصة في وجه شبابه.
إن أي دولة ديمقراطية تحترم نفسها وديموقراطيتها، تبادر إلى خلق الذرائع والقوانين والتوصيات من أجل التطور والتعلم بل والتحفيز على التطور الأكاديمي والبحث العلمي وإنتاج ورعاية وحماية هذا الجيل وتقديم المحفزات لأجل انفتاحه. ولا أعتقد أن الخدمة المدنية، بل والعسكرية، ستبدل هذا النهج العنصري الشاذ.
إسرائيل هي الدولة السباقة في خلق هذه القوانين والذرائع والتأسيس لها وتنميتها من أجل عدم التوازن أو التكامل الأكاديمي، بل من أجل الفشل والاحباط الفئوي، بمعنى خلق تفاضل بين العرب واليهود، وهذا ما نصفه بالغباء والجهل السياسي، وهذا ما أثبتته سياسة إسرائيل على مدار 60 عاما من التعامل الفظ معنا. إنها تعمل جاهدة على عدم اندماجنا في المجتمع الإسرائيلي ومنع انخراطنا في الشركات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات الاكاديمية والاقتصادية بشكل يوازي متطلباتنا وتطلعاتنا وطموحنا ، وهي تضع كافة المعوقات لمنع هذا الاندماج. بل وتعمل جاهدة على افراغ قرانا ومدننا من تلك المؤسسات والشركات لعلك توافقني الرأي بأننا نفتقد لمؤسسات ذات قيمة داخل قرانا ومدننا ، فانت لم تتردد بتكرير هذا الشيء ( مؤسساتنا ) اين هي في الناصرة نعلم ان كل المؤسسات الحيوية والهامه نقلت الى ( نتسيرت عيليت ) اما في عرابة وسخنين ؟ اخر مؤسسة كانت هي مصلحة التشغيل او ( مكتب العمل ) حيث نقل الى المنطقة الصناعية في ترديون ! نقلت الى مكان ليس فيه سكان ! ولا يوجد له مواصلات ويصعب الوصول اليه وكذالك مكاتب التأمين الوطني وهذا فعل مقصود .
لنفرض بعرابة لوحدها يوجد 200 شاب متطوع اين سيخدمون ؟ اية مؤسسات ستستوعبهم ؟ واين سيحشرون فماذا عن سخنين ودير حنا وعيلبون ! هل الحكومة اسست مسبقا لاطار لهؤلاء ؟ طبعا لا والا لما وجد في قرانا ومدننا نسبة بطالة مرتفعة لن تجدها في المدن اليهودية .
اكيد بعدها سيفرض عليهم ان يخدمو بالمدن اليهودية،
والسؤال هنا هل كل المكاتب والشركات الاسرائيلية ستقبل العربي ؟ هل يستطيع العربي الخدمة في مكاتب التأمين الوطني ووزارة الداخلية او الخارجية ؟ او دائرة اراض اسرائيل او ضريبة الدخل ؟
او سلطة الجمارك ؟ او شركة الكهرباء او سلطة المياه ؟ او حتى في مدرسة يهودية .... طبعا لا .
المسألة الاكثر خطورة انك تربط المساواة والحقوق بالخدمة المدنية على اساس انهم جزء لا يتجزأ ، هل هذا النهج يقنع الاب او الام العاطله عن العمل والطفل الذي قضمت مخصصاته والمواطن الذي نهبت ارضه او اقتطعت ؟ والسلطة المحلية التي لم تحصل على ميزانيات والقرى الغير معترف بها التي تفتقر لابسط مقومات الحياة ؟ والاكاديمي العاطل عن العمل ؟ هل الحكومة مستعدة لتبديل هذا الوضع بحالة وافقنا على الخدمة المدنية ؟ وتكون مساواة عامة ؟ .
سيدي يمكنني القول انكم واهمون بفهمكم للامور لان السلطة نجحت بخداعكم بل بأختراق وعيكم وتحريكه نحو السقوط
الحكومة تريدكم خدم وتحرككم وفق اهوائها ووفق حاجتها وليس بأمكانها التأسيس لفكرة اجتماعية جدية يستفيد منها الكل .

واخيرا السيد عودة يعرفنا عن نفسه وعن بعض المجندين الشباب الشجعان والوطنين فيقول :-
بعض الفتيات والشبان ، جاؤا من بيوت شيوعية أو وطنية ، وأعرف على الأقل مجندين ينطبق عليهم هذا التعريف ، شاب من بيت شيوعي من الرملة ، وفتاة من بيت وطني من الرينة .. يخدمان في الناصرة، في مدرسة ومستشفى: وبالنهاية يعرفنا نبيل عودة عن نفسه فيقول :-
تثقفت في أهم مدرسة سياسية للجماهير العربية في اسرائيل ، مدرسة الحزب الشيوعي النضالية والفكرية التاريخية .. التي مع الأسف والألم تضمحل اليوم وتذوى.
اود القول انني لم اكن في يوم من الايام شيوعيا لكني انظر الى الحزب الشيوعي والشيوعيين الحقيقيين نظرة احترام وتقدير كبيرين ، ولا امتلك شك بوطنيتهم وانتمائهم وشجاعتهم بتحقيق الهدف الوطني الذي نرجوه كلنا هنا على هذه الارض فهم الذين امتلكوا القدرة والإرادة على النضال المستمر دون كلل او خوف وعملوا على فضح المخططات الصهيونية بعزلنا وازالتنا من الخارطة الإنسانية .
الشيوعي الحقيقي والوطني هو الذي لا يقذف بفكره وأدوات نضاله وكرامة وطنه ورفاقه واستبدال كل هذا بأدوات وأفكار انهزامية رجعية لا تخدم حتى مصلحته الشخصية بل اراه يشكك بمنطقنا وتطلعاتنا الوطنية .
ان هؤلاء الذين تذكرهم يا سيدي ليسوا بوطنيين ابدا وليسوا شيوعيين ابدا فالحزب الشيوعي وجماهيرنا وقياداتنا بريئون منهم ومن خطواتهم المشكوك بها .( المدفوعة الاجر ) اننا لا نعترف بوطنيتهم ولا نقبل بأن يكونوا بين صفوفنا .
إنكم يا سيدي بحاجه لامتلاك أدوات ثقافية وفكرية جديدة تعيد بناء مواقفكم المهزومة وترمم أفكاركم من جديد لكن بشكل يليق بنضالنا ووقوفنا بحزم أمام الهجمات الصهيونية الهدامة لأننا أمام صراع من اجل البقاء والاستمرارية والتطور والانفتاح . إنكم بحاجه لأدوات فكرية جديدة قد ترمم ما فيكم من انهيار فكري ثقافي وعقائدي .
ويكفيكم التطاول على الحزب الشيوعي الذي كان له الفضل بأنتاج امم راقية حرة لا تهان وعقول لا يستهان بها .
ان أفكاركم التي طالما تطرحونها وتتفاخرون بها هي الخطر بحد ذاته ، هي الخطر على شبابنا وطلابنا ، بل هي أداة مقصودة من اجل إسقاطنا وإضعافنا وثنينا عن الثبات أمام ما يدور في فلكنا من مخططات تجهيل وتحييد وعزل واحتلال وابتزاز .
ان ادب وثقافة وفكر ووطنية جماهيرنا وقياداتنا العربية ، اكبر وارقي وأفضل وأنقى واشد وأوسع من ما تحملونه انتم من مسميات فكرية مزيفة
انتم اليوم وبشدة مطالبون بالاعتذار علنا من جماهيرنا العربية وقيادتها ومن شبابنا وطلابنا ،ومثقفينا وعمالنا وفلاحينا .مطالبون بالاعتذار من شهدائنا وجرحانا مطالبون بالاعتذار من اصغر حبة حصى على هذه الأرض ... نعم عليكم الاعتذار منا لكي نؤمن إن هذا الوطن يحمل معنى آخر للحياة .
-------------------------------------





#بهاء_بكرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على نبيل عودة حول الخدمة المدنية


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بهاء بكرية - ابتزاز فكري قراءة معمقة ونقد لخطاب نبيل عودة حول الخدمة المدنية، والديمقراطية، والمساواة والعدالة الاجتماعية