أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جاسم المطير - كامل الجادرجي برؤية فاضل الجلبي















المزيد.....


كامل الجادرجي برؤية فاضل الجلبي


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2360 - 2008 / 8 / 1 - 11:24
المحور: سيرة ذاتية
    


في الأدبيات العراقية الحالية ينصب الاهتمام على موضوعة الديمقراطية ، تاريخها وتطوراتها ، وآلياتها ، التي تدفقت بعد الخلاص من نظام صدام حسين ودكتاتوريته . من ضمن هذا الاهتمام موجهات الإشارة إلى بعض جوانب الديمقراطية العراقية ومحاولة البحث عن العلاقة بين الديمقراطية العراقية وبعض الديمقراطيين العراقيين .
لقد تميزت العديد من سنوات القرن العشرين وخاصة منذ الثلاثينات بأنها سنوات صراع فكري وسياسي . ورغم تشعب مصادر وقوى هذا الصراع إلا انه تركز بين مجموعتين أو قطبين رئيسيين كانا يعملان من اجل إجراء تحول تاريخي في المجتمع العراقي :
المجموعة الأولى هي مجموعة الأهالي التي تأسست في الثلاثينات من القرن الماضي وهي تتبنى الفكر الديمقراطي الليبرالي ومحاولة تحديثه على الواقع العراقي . تشعب الكثير من الأفكار والتجمعات عن هذه المجموعة طيلة سنوات القرن التالية للثلاثينات .
المجموعة الثانية وهي مجموعة الشيوعيين العراقيين التي تأسست في ذات الفترة معتمدة على الفكر الراديكالي الماركسي مستهدفة على المدى البعيد بناء الاشتراكية في الواقع العراقي .
كان من ابرز قادة المجموعة الأولى كامل الجاد رجي .
ومن ابرز قادة المجموعة الثانية يوسف سلمان يوسف.
وقد عمل هذان القطبان الوطنيان بكل الجهود المتاحة ، سرا وعلنا ، للدعاية لأهدافهما المختلفة والترويج المشترك لمبادئ الديمقراطية . كانت المجموعتان تتقاطعان أحيانا وتتحالفان في أحيان أخرى ، لكنهما تسعيان ، كل وفق طريقته الخاصة ، لكسب النخب الديمقراطية أو كسب القوى الشعبية وتحريكها ، ديمقراطيا ، في الساحة السياسية المليئة بالعقد الكثيرة وبغياب الحرية التي احتكرتها السلطات الحاكمة لنفسها متجاهلة تماما وجود " الآخر " المتمثل بالمجموعتين وبعدد من قوى وطنية أخرى اقل انتشارا من المجموعتين الرئيستين .
لقد أسهم نشاط هاتين المجموعتين في التأثير ، بهذا القدر أو ذاك ، على تطور المجتمع وبالأساس على وضع مبادئ الديمقراطية في واجهة الصحافة اليومية والفكرية وفي مضامين العديد من البرامج السياسية لتوليد قطاعات متنوعة من " النخب " تدعو وتنادي بالديمقراطية وتناضل من اجلها لتوليد قوى جماهيرية فاعلة داخل المجتمع .
لا أريد في هذه المقالة مناقشة القضايا التي كانت موضع الإطار العام في نشاط تلك المجموعتين أو العلاقات المشتركة أو غير المشتركة في نضالهما من اجل الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني حيث كانا يواجهان مسرحا واحدا في السياسة العامة وميدانا واحدا في مواجهة سلطة حاكمة ذات رؤية مضادة للمجموعتين مما اضطرهما إلى محاولة الاعتماد على منظومات فكرية وأساليب عمل تتفق وأزمات الواقع العراقي حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 التي كانت نتيجة من نتائج عمل " جبهة الاتحاد الوطني " التي أعلنت عام 1957 بفعل الجهد الأساسي المشترك للحزب الشيوعي العراقي الذي أسسه يوسف سلمان يوسف والحزب الوطني الديمقراطي الذي أسسه كامل الجاد رجي ، وبتعاون ايجابي مع أحزاب وطنية أخرى ومع شبكة تنظيمات عسكرية داخل الجيش العراقي . كانت هذه الجبهة وسيلة لتغيير نظام الحكم وهو هدف رئيسي من أهدافها لكنها لم تستطع أن تصيغ نموذجا متميزا لحكم ديمقراطي في العراق بعد سقوط النظام الملكي عام 1958 .
القضية التي أريد مناقشتها ، هنا ، تتعلق ببعض الجوانب التي أثارها الدكتور فاضل الجلبي عن بعض مواقف كامل الجاد رجي من ثورة 14 تموز في ضوء تكوينات معينة تصورها في شخصية كامل الجادرجي الواردة في مقالته المعنونة ( دور خلافي للجادرجي في ثورة تموز العراقية ) المنشورة في جريدة الزمان اللندنية بتاريخ 8 – 6 – 2008 إذ ناقش فيها جوانب من معاني سلوك وأفكار وأفعال ومواقف وتجارب كامل الجادرجي في الحياة السياسية العراقية .
من هنا فأن ما كتبه عن زعيم وطني من أهم وابرز دعاة الديمقراطية في العراق ( كامل الجادرجي ) بنظر تلك النخب لا بد أن يكون شهادة مهمة على ثقافة العصر السابق أمام عقول مثقفي العصر الحالي ، إذ من خلال الجدل والسجال الموضوعيين يمكننا قراءة بعض صفحات تاريخ العراق مهما كان التباعد والاختلاف بين الآراء المطروحة التي غايتها بناء أسس منظور المسئولية التاريخية في العراق .
وجدتُ في مقالة الدكتور فاضل الجلبي نوعا من الدراما ، في الموقف والمراجعة والمشاركة ، لبعض جوانب حياة كامل الجادرجي . لم تخلو هذه الدراما من نوع من أنواع آلية " مثيرة " عند عرض بعض الصور والمشاهد المتعلقة بحياة كامل الجادرجي ومراجعة رصيده في النضال الديمقراطي . أقول هذا القول رغم أنني لست منحازا لكل أفكار كامل الجادرجي وسياسته أو سياسة حزبه . لا بد أن أقول ، في البداية ، أن كامل الجادرجي ليس رجلا أو زعيما معصوما من الأخطاء الكبيرة أو الهفوات الصغيرة وهو بكل الأحوال مثل سائر الناس العاملين في الحقل السياسي منذ شبابه الأول ، فلا يمكن أن تمضي حياته من دون الوقوع في مواجهة حادة أو غير حادة مع واقع سياسي – سلطوي صعب بلا احتمالات الوقوع في أخطاء أو تناقضات .
إن جرأة المراجعة والنقد التي حاول فيها الدكتور الجلبي " قراءة الذات " في أفكار وأفعال ومواقف كامل الجادرجي كانت من دون دخول موسع في أعماق كامل الجادرجي ومقالاته وأعماله ونشاطاته كي تكون المراجعة النقدية قادرة على استكشاف حقيقة الأسباب في هذا الموقف وذاك من مواقف الجادرجي لتصبح منارة النقد ذاتها نيـّرة فعلا تجعل القراء قادرين على التقدم معه لمعرفة الحقائق التي أشار إليها في مقالته ، التي سأوجز بعض الإشارات لها لاحقا . أنا اعني هنا أن كل منظور سياسي ينبغي أن يكون موضوعيا ومتوازنا كي يضمن سهولة المنال من قبل القراء والباحثين والمتابعين . فهل كانت مقالة الدكتور الجلبي فيها من الجدية والابتكار والتعمق للتعرف على جذور موقف الجادرجي من ثورة 14 تموز وقائدها ..؟ هل ركز الدكتور الجلبي في مقالته على جميع الجوانب المتعلقة بالفترة التموزية واستكشاف جميع خواصها وحواجزها التي أعاقت تقدمها ..؟
أجهد الدكتور الجلبي نفسه بتصميم مقالته على اتجاه اقل صعوبة في تحديد وكشف بعض الجوانب في موقف الجادرجي ذي المظهر " الباطني " أي دون الاعتماد على القيمة الوثائقية في فن المقالة الافتتاحية وغيرها من فنون الكتابة التي اعتمدها الجادرجي كالمذكرات وسأقدم جهود الدكتور الجلبي القابلة للنقاش كما يلي :
(1) حاول الدكتور فاضل الجلبي أن يصل ، فورا ، إلى ذروة أفكاره عن طريق إضاءة مباشرة على مشهد فيه نوع من " تناقض " مواقف كامل الجادرجي المتجلي في تأييده لانقلاب بكر صدقي عام 1936 حيث وصفها فاضل الجلبي ¨ (. غير انه عند النظر في التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أعقبت ذلك الحدث تشير إلى أبعاد أعمق في مجرد انقلاب عسكري الذي هو في جوهره يعني إبدال رأس السلطة مع الإبقاء علي الكيان الاجتماعي القائم. هكذا كان انقلاب بكر صدقي عام 1936 الذي لعب الجادرجي دوراً محورياً فيه، فقد كانت نتيجة الانقلاب تنحية ياسين الهاشمي عن رئاسة الوزارة وفرض حكمت سليمان من دون المساس بالنظام القائم ). بينما يرى الجلبي ضمنا إحجام الجادرجي عن التأييد " المحو ري " لثورة عبد الكريم قاسم التي وصفها الجلبي : ( ثورة تموز تلك قضت علي الإقطاع وهمشت نفوذ تلك العوائل في الحياة السياسية يوم كان الحكم بيدها وتأليف الوزارات يتم فيما بينها. لذا نرى أعضاء الوزارة التي تشكلت اثر الثورة من الطبقة المتوسطة ذات النفوذ الفكري والمعروف عن وطنيتهم من أمثال محمد حديد وعبد الجبار الجومرد وهاشم جواد وإبراهيم كبه وطلعت الشيباني وغيرهم من الذين كانوا يمثلون التيار الفكري المعارض للحكم الملكي ) . في هذه المقارنة بين " انقلاب " بكر صدقي و " ثورة " تموز وموقف كامل الجادرجي من الحدثين نجد نوعا من مقارنة ناقصة دراميا إذ تتلاشى فيها الاختلافات الكبرى في المناخ السياسي العراقي والعالمي خلال الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي . ومن الصعب جدا استنتاج حجة منطقية في تحليل موقف كامل الجادرجي من الحدثين في 1936 و1958 من دون التحليل العميق لمجمل آفاق أوضاع الزمنين ومن دون تحقيق قيمي للحلقات الفكرية في رؤى كامل الجاد رجي عن وقائع الزمنين .
(2) ثم تعقدت الدراما عندما قال الجلبي ( لقد أتت الثورة بوضع جديد كان مفاجئاً للجادرجي فهو الذي كان زعيماً للمعارضة ويتمتع ببريق التأييد الشعبي بسبب مجهوده المستمر ضد الحكم الملكي مما يؤهله بزعامة العهد الجمهوري الجديد، وجد نفسه ضائعاً إزاء التأييد الشعبي العارم لعبد الكريم قاسم الأمر الذي أغاضه، يروي لنا محمد حديد في مذكراته انه عندما كان جالساً هو والجادرجي في مقصورة في قاعة الشعب دخل عبد الكريم قاسم فأهتزت القاعة بالتصفيق والهتافات له مما أغاض الجادرجي حيث بدأت تعابير الاستياء والأفعال علي وجهه ). لا ادري هنا لماذا يعتقد الجلبي أو غيره ان الوضع الجديد الناشئ عن الثورة كان مفاجئا للجادرجي فإذا قلبنا صفحات مقالات الجادرجي في افتتاحيات جريدته قبل الثورة وبعدها نجد أن اسم الثورة واحتمالات تفاعلاتها وتعقيداتها موجودة صراحة في ثقافة الجادرجي الذي لا يمكن أن تغيب عن ذهنه انفعالات وتفاعلات الثورة الفرنسية وثورة أكتوبر والثورة الصينية وأقربها ثورة يوليو المصرية . المفارقة التي وقع فيها الدكتور الجلبي انه وقع باستنتاج مظهر سياسي عام للجادرجي من خلال مخاطرة الاعتماد على موقف لحظة معينة ارتسمت فيها علامة معينة على وجه الجادرجي ربما يكون تقدير محمد حديد صائبا وربما لا يكون لكن الجلبي اعتبره صائبا .ربما يكون هناك تقدير آخر اذ من المحتمل أن التأييد الشعبي العارم لعبد الكريم قاسم في قاعة الشعب جاءت نتيجة صورة ذهنية برقت عند الجادرجي عن احتمال تحول هذا التأييد إلى دافع يتجه مباشرة نحو شعور عبد الكريم قاسم بوسواس العظمة التي تحوّل حكمه وقيادته نحو الفردية خاصة وان الواقع العربي كله كان في تلك الفترة قابع وسط فردية جمال عبد الناصر .
(3) يستطرد الدكتور فاضل الجلبي في اتفاق ظاهر مع التجرد من العام والتوجه نحو الخاص في سياق محاولته لتحويل الجزئيات إلى عموميات حين قال في مقالته ( كان الجادرجي يعتقد بأنه صانع الثورة وهو الذي يستحق قطع ثمارها وهذا ما كانت تعتقد عائلته فقد ورد في كتاب جدار بين ظلمتين لرفعت الجادرجي وزوجته بلقيس شرارة بأنه عندما أخذت قوات الأمن رفعت صاحت والدته عليهم بقولها: بصاية أبوه أتيتم للحكم مما جعل بلقيس تضيف إشارة بان الوالدة تقصد ثورة 1958.. وتعبير الصاية هي لباس للوجهاء بمعني انه بفضله قامت الثورة أي أن الجادرجي كان يعتقد انه هو الصانع الحقيقي للثورة وبالتالي فهو الذي يتمتع ببريقها دون أن يرد بخلده أن الثورة لم تقم بفضل ما كانت جريدة الأهالي تكتب من مقالات انتقاديه للحكم والمذكرات التي كان الجادرجي يرفعها إلى الملك وغير ذلك وانه بدون تدخل الجيش لما حدث شيء للنظام الملكي). هنا أيضا نجد صورة درامية لا تماسك في بنائها حيث ثمة استخدام لموقف عاطفي امومي في محاجة سياسية – فكرية أراد منها الدكتور الجلبي الوصول إلى قيمة تصويرية لغرائبية سياسية أو ذاتية معينة يتصورها لدى كامل الجادرجي . واضح أيضا هنا أن الجلبي معجب بالقدرة الاستنتاجية في لغته حين قال ( أن الجادرجي كان يعتقد انه صانع الثورة وهو الذي يستحق قطع ثمارها ) وهذه محاولة لاستحضار وصف من الجلبي مقترن بقدر من البساطة المطلقة لاكتشاف " باطنية " كامل الجادرجي وهي محاولة لا تخلو من ضعف أدواتها . فالسنوات الأربع من عمر الثورة لم يقطف " ثمارها " احد . لم تثمر شيئا حقيقيا لا لرفع مستوى حياة الشعب العراقي ولا لبقاء قائدها على رأس السلطة حيث اعدم في 8 شباط وقبلها جرت محاولة اغتياله عام 1959 وهو ظلم ليس أفدح منه . وأنا لا أظن ولا اعتقد أن أحدا يظن أن كامل الجادرجي كان يحلم أو يطمح بمجد يكون فيه وزيرا أو عضوا في مجلس السيادة طالما كان قائد الثورة قد نذر نفسه من أول يوم الثورة أن يكون رئيسا للوزراء وأن يظل " محتكرا " لهذا المنصب . ولا اشك أن طموح كامل الجادرجي كان أساسا في مسعاه الطويل لتأسيس نظام حكم ديمقراطي ووضع دستور دائم يجسد ويحمي المبادئ الديمقراطية ويضمن تغيير هياكل الدولة وتجديدها ويبني سياسة خارجية وطنية تضمن استقلال العراق . كل هذه " الأحلام " يمكن رؤية موجاتها في نماذج الكتابات التي تركها الجادرجي .
(4) نقطة أخرى يحررها الدكتور فاضل الجلبي(هنا يمكن تفسير موقف الجادرجي المعادي للوضع الجديد بحجة مكافحة الدكتاتورية المتمثلة برأيه بعبد الكريم قاسم. ولقد سبق لكاتب هذه السطور ان نشر في جريدة (الزمان) عدد 8 ديسمبر 2007 سلوك قاسم اللادكتاتوري يوم كانت هناك انتخابات حرة للنقابات واجازة الأحزاب وما ذكره عبد اللطيف الشواف في كتابه عبدا لكريم قاسم وعراقيون آخرون مما ينفي عن قاسم أي سلوك دكتاتوري أو تسلطي. وهكذا باسم مكافحة الدكتاتورية كان الجادرجي يقف موقفاً شخصياً ضد الحكم لشعوره بأنه قد أصبح مهمشاً يهاجم كل من تعاون مع قاسم وينعتهم بنعوت شتي كالانتهازية أو تنظير الدكتاتورية وكان قاسم من جانبه يحاول التقرب من الجادرجي دون جدوى) .


بهذه العبارات يحاول الدكتور الجلبي تفسير وتقييم بعض مواقف كامل الجادرجي أي بصياغة عبارات وجمل لا تكشف حقيقة الواقع السياسي والاجتماعي بعد الثورة . ربما يكون رأيه صائبا عن بعض ثمرات أنتجتها الثورة لمدة قصيرة ثم أصبح بعدها الواقع السياسي في العراق محكوما بانفراد عبد الكريم قاسم بالسلطة وكل المؤشرات اللاحقة لربيع عام 1959 تعبر بوضوح عن تحول" سلطة الثورة " إلى "سلطة قمعية " حتى ضد حلفائها الرئيسيين كالحزب الشيوعي العراقي حين أقدم على إعدام الكثير منهم وزج المئات من الشيوعيين في السجون بما فيها سجن نقرة السلمان . وهناك الكثير من الشواهد في سياسة عبد الكريم قاسم تعبر عن إجراءات قمعية كبيرة ( ضد الاتحاد العام للطلبة وضد نقابات العمال والتضييق على جريدة اتحاد الشعب وإنذارها تارة وغلقها تارة أخرى ومنع تداولها في المحافظات ) هي من حصاد السياسة الفردية للسلطة ولا يمكن نسيان كلمة عبد الكريم قاسم في كنيسة مار يوسف عام 1959 التي قال فيها " إن الأحزاب رجس من عمل الشيطان " كما أود تذكير الدكتور الجلبي بحقيقة مساعي عبد الكريم لإحداث انشقاقات في داخل اكبر الأحزاب الديمقراطية العراقية ( الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الوطني الديمقراطي ) لأنه لم يكن يحب أو يرغب ببقاء قادته مثل سلام عادل وكامل الجادرجي ومصطفى البارزاني على رأس أحزابهم . لا ادري لماذا تجمعت هكذا رؤية في عقل عبد الكريم قاسم .. فهل كان يشعر أن هؤلاء الثلاثة منافسين له أو أنهم من ذوي القدرة والمهارة للضغط عليه لتغيير بعض منظوراته السياسية وقد أتيحت له فرصة حسبها قاسم ذات قيمة خلال الفترة اللاحقة بإيجاد حزب داود الصائغ بديلا للحزب الشيوعي وكذلك ساهم بدفع محمد حديد للانشقاق عن كامل الجادرجي .
(5) لقد ساوى الدكتور الجلبي بين العمل الثقافي – السياسي لكامل الجادرجي خلال ثلاثة عقود وبين موقفه من ثورة 14 تموز فاوجد فرصة إلحاق هذا الموقف بالمقطع الطبقي- الاقطاعي من حياة كامل الجادرجي وإيجاد نوع من التطابق غير الفالح بين نفس الموقف وبين " السردية الانكشارية " في سياق أصولية عائلة كامل الجادرجي فقد قال ( بجانب الناحية الشخصية التي دفعت بالجادرجي لمعاداة الوضع الجديد الناشئ عن الثورة هناك مسألة مهمة تتعلق بالوضع الطبقي الذي يعود اليه الجادرجي. يقول أحمد مختار بابان في مذكراته ان الجادرجي منصب إنكشاري (صفحة 151) أي أن الجادرجي يعود الي طبقة الانكشارية نتاج العهد العثماني. .) .
أنا اعرف أن الدكتور فاضل الجلبي رجل علم تجمعت بين يديه مقاييس وطنية كثيرة في معالجة القضية النفطية على سبيل المثال لكنني لاحظت في مقالته أنها تخلو من التحليل العلمي لمواقف كامل الجادرجي . نعم لاحظت فيها طريقة غريبة بعض الشيء في الكتابة عن كامل الجادرجي فهو لم يتناول موقف الجادرجي من ثورة 14 تموز ومن عبد الكريم قاسم بسرد تاريخي مستقيم يعين القارئ على رؤية المجموعة الحقيقية من الأسباب التي تقف وراء ذلك . هل هي أسباب شخصية ام هي أسباب طبقية أم هي جزء من تعدد المنظور السياسي أم هي نتيجة تجاوز الحدود الوطنية ..؟ ليس في ممرات مقالته غير محاولة تكييف "رؤية مسبقة " عن كامل الجادرجي حاول إثباتها بقراءة بعض "التوترات العاطفية " الناتجة عن بعض الأمور التي تتنافر مع رؤية الجادرجي مثل تهديده لولده رفعت إن وافق على تعيينه بمنصب أمين العاصمة بأمر من عبد الكريم أو في أحاديث هامشية جرت بين كامل الجادرجي وذو النون أيوب وهي من نوع أحاديث تجري كثيرا بين كل اثنين يلتقيان ويتجادلان .
ان القيم الفردية وحساسيات الاختلاف الفردي أو حتى الانفتاح والانغلاق في المناقشات بين الجادرجي وبعض أفراد عائلته أو أصدقائه ليست من الأمور غير المألوفة في الشخصية العراقية ومنها شخصية كامل الجادرجي نفسه التي تتنافس فيها إشعاعات ثقافية تحمل السلبية تارة والايجابية تارة أخرى أو أنها تحمل القوة مرة والضعف مرة أخرى ، أو أنها تكون في حالة حب في مشهد ما وتكون في حالة اختفاء الحب في مشهد آخر . لذلك فالقلق لا يمكن أن يزول عند الباحث العلمي إلا عندما يتوجه اهتمامه بعمق نحو البحث المحوري في قضية من القضايا المتعلقة بالتاريخ العراقي أو بمواقف بعض شخصياته . قضية الموقف السياسي لكامل الجادرجي من العهد الملكي ومن ثورة 14 تموز التي أطاحت به تحتاج في الحقيقة إلى بحث محوري عميق وليس إلى اعتبارات فردية ثانوية كانت أو رئيسية قابلة لمختلف التفسيرات وليس لتفسير واحد كما اندفعت مقالة الدكتور فاضل الجلبي لتقديم الابتكار البحثي ذي الوجه الواحد .
أتذكر ، في هذه اللحظة ، فكرة احتفظت بها منذ نصف قرن وهي متصلة بي كلما جرى حديث عن ثورة 14 تموز . الفكرة هي التي قالها لي الرئيس الركن المتقاعد عدنان البعاج مساء يوم 14 تموز حين هنأته بانتصار الثورة فقال لي : ( الثورة خوش ثورة لكنها ستضيع سريعا لأنها بقيادة مجنونين ) كان الرجل عسكريا وصديقا حميما لكل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف . وكان قد فقد ساقه اليمنى في حرب فلسطين 1948 فصار قعيد بيته .
قال رأيه لي بقائديْ الثورة وهو لم يكن من الطبقة الإقطاعية ولم تكن أصوله عثمانية أو انكشارية ..! بل هو من عائلة كادحة في البصرة .
مثلما تنبأ صديقي عدنان البعاج فان ثورة تموز توترت وانحرفت ثم ضاعت ثم تشوه الفضاء السياسي في العراق كله بعد إعدام الثورة في 8 شباط 1963 . ومع الأسف الشديد لم تتوفر لنا نحن جيل الثورة ولا الأجيال التي بعدها ما يكفي من الأسباب المقنعة لاختفاء بريقها الأول .
ختاما أقول أن أفكار الدكتور فاضل الجلبي عن كامل الجادرجي ربما جاءت نتيجة الصدمات الكثيرة التي واجهتها الديمقراطية والديمقراطيون في العراق وهي التي " ألهمت " فاضل الجلبي فكرة إظهار السلبيات المتعلقة بموقف الجادرجي من ثورة تموز وإلقائها اعتباطيا على كامل الجادرجي من دون تقديم قسط من تحليل المجتمع العراقي سياسيا خلال القرن العشرين وإحداثه البغيضة المتنوعة ، بما فيها أحداث ثورة تموز ، التي أدت إلى تلك الصدمات التدميرية للشخصية الفردية العراقية وللمجتمع ككل .

******************
بصرة لاهاي في 23 – 7 - 2008






#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه .. 5
- تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه 4
- تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه 3
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ( الحلقة الأخيرة 2 ...
- تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه (1)
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 23
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 21
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ... الحلقة العشرون
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 20
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 19
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 18
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 17
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 15
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14
- يا نوري المالكي .. خذ الحكمة من باريس ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقضية الهروب من سجن الحلة .. 13
- يا نوري المالكي سيلاحقك العار إلى الأبد إن لم تفصل وزير التر ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12
- معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جاسم المطير - كامل الجادرجي برؤية فاضل الجلبي