أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - العادات الشعبية بين السحر والخرافة















المزيد.....

العادات الشعبية بين السحر والخرافة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2360 - 2008 / 8 / 1 - 11:25
المحور: المجتمع المدني
    


فارس خضر شاعرٌ مصريّ شاب، يترأس حاليا تحرير مجلة "الشِّعر" المصرية العريقة، التي تصدر عن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون المصرية. وكان استهلَّ رئاسةَ تحريرها، في ستينيات القرن الماضي، الناقدُ الكبير الدكتور عبدالقادر القط، ثم تلته مجموعةٌ من أدباءِ مصرَ هم بالترتيب: الشاعران عبده بدوي، فتحي سعيد، الروائي خيري شلبي، ثم أخيرا المترجم أحمد هريدي. عدا عدد واحد يتيم صدر عام 1972، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ورأس تحريره وقتئذ الشاعر صلاح عبدالصبور. وعلّها إحدى البارقات النادرة التي توْكِلُ فيها المؤسسةُ الثقافية الرسمية المصرية إحدى المهام الكبرى لأحد الشباب، بدلا من التكلّس الوظيفيّ السلفيّ الذي أودى بالثقافة إلى الحال المتردية التي تشهدها مصر الآن. هو شاعر موهوب وجاد يعمل على مشروعه الخاص في هدوء بعيدا عن الصغارات والنزاعات الخاوية التي يلجُها، من أسف، الكثيرُ من شعراء مصر الشباب فتفرّغُ طاقاتهم الإبداعية وتئد مشروعاتهم، ويعلو، من ثم، شعارٌ يقول: مصرُ لم يعد بها شعراء!
أصدر الشاعر حتى الآن منذ عام 1998 ديوانين، هما "كوميديا، الذي مرَّ من هنا". كما أصدر عام 2004 كتابا بحثيا عنوانه "ميراث الأسى" ويدور حول الصور المتخيلة عن الموت لدى الوعي الشعبي، كان هو موضوع رسالة الماجستير التي نالها قبل أعوام. ومؤخرا أصدر كتابا مهمًّا، وممتعًا، عن منشورات مجلة الإذاعة والتلفزيون عنوانه "العادات الشعبية بين السِّحر والجنّ والخرافة"، علّه كان ثمرة رسالة الدكتوراه التي أنجزها مؤخرا.
يطرح الكتابُ إشكاليةً تسهم بشكل أساسيّ في تأخر المجتمعات العربية الراهنة بشكل عام، والمصري على وجه خاص. ظاهرة الارتكان نحو الغيبيّ الميتافيزيقيّ فرارا من قسوة الواقع وقمع النظاميْن الاجتماعي والسياسي اللذيْن يقعون تحت وطأتهما. يقول الباحث فارس خضر في مقدمة الكتاب: "إن الذين يُغلّبون الجانبَ الميتافيزيقيّ على الجانب الماديّ، يقومون بتعجيز الحاضر لصالح الماضي، وتركيع اللحظة الراهنة، بثقلها، أمام لحظاتٍ منتهية؛ لحظاتٍ مشحونة بقوة وجدانية، لأن لها خفّةَ الغائب ليس إلا. هكذا يلعبُ الحنينُ دورَه، فسهّل على بعض الاتجاهات دفعَ العقليةِ الشعبية نحو ما تظنه "الخلاص"، وهو ليس أكثرَ من نوبةِ رجوعٍ وانكسارٍ وهزيمة. فما كان من هذا الدفع إلا أن أحدث خللا لآليةٍ من أهم آلياتِ العقل الجمعيّ، وهي المواءمة. المواءمة بين ما ترثُه - بحلوه ومرّه- وبين ما يُستحدث من منجزاتٍ تُضاف إلى رصيد خبراته الإنسانية بصرف النظر عمن أبدعها. هذه المواءمةُ هي التي تجعلُ العقليةَ الشعبية توازنُ، طوال الوقت، بين الجانبيْن "الميتافيزيقيّ والماديّ"، دون أن يطغى أحدهما على الآخر. فلا عجبَ إذن أن نلمح "الدِّش" على سقف أحد بيوت الريف المصري، وفي إحدى حجراته جهاز كمبيوتر، بينما تُعدُّ الأمُّ في الداخل "طاسة الخَضَّة" لابنها المريض!!."
ويرى الباحثُ أن هذا الموروثَ الميتافيزيقيّ يلبي احتياجاتٍ نفسيةً أساسيةً لمطبقيه بدليل استمراره طيلةَ هذا الزمن، وهو ما دفعه إلى تأمله ودراسته انتصارا منه لشريحة من البشر البسطاء تخلّوا عن الزيف والتأنق. شريحة من المصريين اِستُلبَتْ حقوقُهم وانكسرت ظهورهُم تحت وطأة الجهل والفقر والمرض فغدا ملاذهم ورهانهم الأخير هو الحكايا والغناء واليقين الذي ينسجونه من أحلامهم وتصوراتهم بصرف النظر عن مدى توافقه مع العلم والواقع. هذا اليقين يساعدهم، ليس وحسب على تفسير ظواهر اجتماعية ظالمة تكرّس التفاوت الطبقيّ السافر، بل تساعدهم كذلك على حل مشكلاتهم المرضية والنفسية عن طريق اللجوء إلى قوى علوية غيبية وممارسة طقوس وإن اقتربت من الخرافة إلا أن الدرجات القصوى من الإيحائية التي ينالونها جراءها تؤتي بالفعل بثمارها. وهو ما يسميه علم النفس "استحثاث القوى والطاقات الكامنة". وعلّ ذلك يقترب من عوالم مذهب "الزِّن" البوذي الذي يفعّل هذه الطاقات البشرية الكامنة اللامحدودة عن طريق الإيمان بشيء ما وتصديقه.
يتقصى الكتاب بعض التفاصيل الدقيقة لأهم العادات الشعبية الذائعة الصيت في الريف المصري. تلك التي تتعلّق باسترضاء كائنات فوق طبيعية غير منظورة من جنٍّ وعفاريت وقرائن وملائكة حارسين. ويلجأ القرويون لمثل هذه الاسترضاءات لدفع ألوان من الشر، سواء على نحو وقائيّ استباقي لدفع ضرر محتمل، أو على نحو شفائي لرفع ضرر قائم بالفعل جسدي أو نفسي.
يتناول الكتابُ في الفصل الثاني ظاهرة "المشاهرة" التي تصيب المرأةَ أو وليدها إن هي لم تلتزم بتجنب مجموعة المحظورات التي حددها السلفُ الجمعيّ. وهو ما يسبب إعاقة للمرأة ما لم تقم بممارسة طقوس "فكّ" المشاهرة. من تجليات هذه المشاهرة جفافُ اللبن لدى المرضع، أو إصابة وليدها بعطب ما. ومن الطقوس الشافية لها تخطية المرأة فوق الدم أو الذهب أو فوق أثر فرعونيّ قديم. ومنها وقوف المرأة المشهورة تحت السماء ليلا وغناؤها: يا قمر يا جديد/ خُدْ مشوهرتك من بين إيدي/ واديني مشوهرتي". أو غناء الرفيقات: "اطلعي يا عين يا معيونة/ اطلعي يا كلبة يا زربونة/ اطلعي تُقرشي على أسنانكي/ وشعركي في دوانكي/ رميتكي في البحر الغطّاس وضربت عليكي بالرصاص..."
وخصَّ الفصلُ الثالث ظاهرة الرجل "الملموس" وعلاجه بطاسة الخضة وسراج الضريح واستحضار الأرواح. فيما الفصل الرابع تناول الطفل "المبدول" وطرق رقيه من العين المعيونة بالاستحمام بدم الطيور أو إلباسه عقودا مصنوعة من حبّات البقول أو النقود.
أما الفصل الخامس والأخير فجاء مثل بانوراما حكائية يطرح فيها الباحث أهم الحكايات الشعبية المتداولة في الريف المصري، أصلها ومراسمها وظرفها وطرائق التعاطي معها. مثل الملائكة التي تأكل الأرز، والعفريتة المحروقة، والعروسة وابن ملك الجان، وشنطة الفلوس، والجمل والجمّال، والعمل البطّال، وصرخة الفراش، وحكايات الملائكة الدوارة، وغيرها.
لم ينس الباحث تزويد القارئ بأسماء مراجع وأدلة حال احتياجه الاستزادة من المادة، كذلك وضع باب البحث في معجم لسان العرب للوصول إلى جذور الكلمات والمصطلحات الشعبية التي ترد في الكتاب.
هذا كتابٌ ثريٌّ وممتع يُعدُّ إضافةً تحتاجُ إليها المكتبةُ المصرية والعربيةُ، سيما في هذا الزمن الآفل الآخذ في الجنوح نحو الغيب تزامنا مع الابتعاد بخطى حثيثة عن العلم والمنطق، وإن أخد من التحضّر والحداثة قشورا فارغة. الوطن-السعودية 29 يوليو 2008م






#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأنيث العالم في رواية ميس إيجب. من الذي قتل مصر الجميلة؟
- على باب فيروز
- شجرةُ البون بون
- قارئة الفنجان
- هنا فنزويلا
- اِستمرْ في العزف يا حبيبي!
- لسه الأغاني ممكنة؟
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، أُعْطِكَ فرجينيا وولف
- سؤالُ البعوضةِ والقطار
- ترويضُ الشَّرِسة
- مَن يخافُ -حين ميسرة-؟
- ولم يكنِ الفستانُ أزرق!
- أعوامٌ من النضال والاعتقال-مشوار فخري لبيب
- إلى أين تذهبُ الشمسُ... يا جوجان؟
- انظرْ حولك في غضب
- ثقافةُ الوقوف في البلكونة !
- بالطباشير: فقدانُ الهالة
- داخل رحم
- الأحدب والجميلة
- ناعوت: «الهدم والبناء» في الوعي أصعب من «المعمار!-


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - العادات الشعبية بين السحر والخرافة