أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أحمد جميل حمودي - التربية المقارنة: الابعاد المتعددة في طور الالفية الجديدة (2)















المزيد.....


التربية المقارنة: الابعاد المتعددة في طور الالفية الجديدة (2)


أحمد جميل حمودي

الحوار المتمدن-العدد: 2358 - 2008 / 7 / 30 - 03:35
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تجاوزا للجدل حول ما اذا كانت التربية المقارنة علمآ – حيث يرى البعض انها مجالا يقتات على العلوم الاجتماعية والتربوية الاخرى- فان اي علم يرمي الى تحقيق ثلاثة اهداف:
1- فهم الظواهر:
وتعني الكشف عن العلاقات القائمة بين الظاهرة موضوع الدراسة والظواهر الاخرى المحيطة والمتصلة بها. فاذا سعت التربية المقارنة مثلا الى اكتشاف او وصف العلاقة بين نمط الإدارة التعليمية السائد وإصلاح بنية التعليم قبل الجامعي في ضوء بعض الخبرات العالمية, فان معنى ذلك هو السعي الى
فهم ظاهرة انماط الادارة التعليمية.
2- التنبؤ:
وهي معرفة مدى امكانية حدوث ظواهر جديدة مستقبلية نتيجة لما توصل اليه من علاقات هامة في دراسة لظاهرة معينة. فاذا وجدت علاقة مرتفعة وطردية دالة بين التشريعات التعليمية والسياسة التربوية في ضوء تجارب بعض الدول, فان هذا يؤدي الى اتخاذ اجراءات لازمة لتعديل التشريعات التربوية وجعلها اكثر مرونة وفاعلية.
3- الضبط:
ويعني التحكم في العوامل المسؤولة عن حدوث ظاهرة ما بما يحقق الاهداف المرجوة من البحث. فيمكن التحكم في ظاهرة تدني مستوى أداء مدراء المدارس الثانوية العامة في ضوء الفكر الإداري التربوي المعاصر ومدى امكانية الاستفادة منها. وان كانت العلوم التربوية تعاني من عدّة صعوبات لتحقيق هذه الاهداف والوظائف هذه نظرا لنسبية هذه العلوم. والتي من اهمها استحالة التعميم, فما توصلت اليه دراسة لوحدة مفردة لا يمكن ان تعمّم لبقية المادة جميعا كما في العلوم الطبيعية, فالحديد يتمدد بالحرارة ولكنك في مجالنا لا تستطيع قطعية القول بأن التلميذ كلما زاد جهده كلما زاد تحصيله... وايضا احد الصعوبات التي تعانيها العلوم التربوية هي التغيّر فالسلوك يمتاز بانه يتخذ مسارات متشعبة فسلوك الانسان الراشد يختلف عن الطفل بل ان سلوك الفرد الواحد واستجابته لمؤثر محدد يتغير لحظة الى اخرى.
ولا اعني بهذه التوطئة دمج التربية المقارنة بغيره من العلوم التربوية فهي علم من علوم التربية ولكن لها خصائصها وسماتها ومناهجها وطابعها المميز وآلياتها كما سأبين في اجزاء اخرى, وان كانت تتفق مع العلوم الاخرى في عمليات الوصف والتحليل والتفسير والتنبؤ بما سيكون.
اهمية التربية المقارنة:
مع الانفجار العلمي والمعرفي باعتباره احد ثلاثيات الانفجار( الانفجار العلمي والسكاني والآمال والطموحات) خلال العقد الاخير من القرن العشرين ارتفع دور التربية المقارنة, معززا ذلك زيادة سطوة وسائل الاتصال وكثافة المعرفة وتمدّدها. كل هذه التغّيرات او التحدّيات فرضت على المجتمعات ضرورة فهم الآخر والتعايش معه... اضافة لذلك فان التربية المقارنة تحقق الربط بين التربية كنظام وبين الواقع القومي المحيط بها, يضمن لها الارتباط بهذا الواقع الذي لا يتغير بنفس السرعة التي تتغير بها الافكار والنظريات المتصلة به. اذن استطيع القول ان اهمية التربية المقارنة في الالفية الثالثة تعود الى ما تحققه من اهداف. ولعلي استطيع التعرض الى بعض هذه الاهداف:
1-الهدف الحضاري:
تتيح التربية المقارنة فرصة التعرف على ثقافات الشعوب وحضارتها في ابعادها المختلفة. فعن طريق التربية المقارنة يمكننا ان نتعرف على الكثير من عادات الشعوب وطبائعها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن ثم تساعد التربية المقارنة على التقارب بين الشعوب وتفاهمها بما تتيحه من التعرف على ثقافاتها المختلفة وانظمتها التعليمية. هذا بالاضافة الى ما تحققه التربية المقارنة عن طريق ذلك من المساعدة على خلق لغة مشتركة وارضية موحدة تجمع بين هذه الشعوب مما يؤدي الى مزيد من التفاهم والتقارب بينها. ومن ناحية أخرى نجد أن كثيرا من المربّين نتيجة لعزلتهم الفكرية وتقوقعهم في داخل مجتمعاتهم، قد يدفعهم الغرور الى تعظيم نظمهم التعليمية بدون مبرر او وجه حق ، او يسيطر عليهم شعور الارتياح والرضا بالامر الواقع على اساس انه ليس في الامكان ابدع مما كان.
ان احد العوائد المفيدة للتربية المقارنة على المستوى الحضاري انها تقوم بازالة بعض التوترات القائمة واحلال مفاهيم بديلة اخرى مكانها والتي من اهمها:
- ان التربية المقارنة تساهم في ازالة التوتر بين العالمي والمحلي: ان يصبح المرء شيئا فشيئا مواطنا من مواطني العالم دون ان ينفصل عن جذوره مع استمرار المشاركة بنشاط في حياة امته وحياة مجتمعه المحلي.
- ان التربية المقارنة تساهم في ازالة التوتر بين التقاليد والحداثة: وهي اشكالية كيف يمكن التجاوب مع التغيير دون التنكر للهوية وبناء الاستقلال الذاتي في تكامل مع حرية الغير وتطوره وكيف يمكن الامساك بعنان التقدم العلمي؟ ومن الواضح ان التربية المقارنة تتجاوز هذه الاشكالية من خلال الايمان بالذات نقدا لا تضخيما وفي نفس الوقت التفاعل مع ثقافات الآخرين وتجاربهم دون عقد.
- ان التربية المقارنة تحل (بضم التاء) مكان التوترين السابقين مبدأ " فهم العالم يؤدي الى فهم الذات ". ان المساعدة على تحويل ظاهرة الاعتماد المتبادل بحكم الواقع الى تضامن مقصود تمثّل احدى المهام الاساسية للتربية المقارنة. وبالنسبة لهذه الغاية عليها ان تمكّن كل فرد من ان يفهم ذاته وان يفهم الاخر من خلال معرفة العالم على نحو افضل. لكن المطالبة بقيام تضامن على الصعيد العالمي يفترض تجاوز النزعة الى الانطواء على الذات لصالح تفهم للاخرين يرتكز على احترام الاختلاف. فمعرفة الثقافات الاخرى يؤدي اذن يؤدي الى ادراك مزدوج: ادراك المرء خصوصية ثقافته الذاتية , وادراك وجود تراث مشترك للبشرية جمعاء.
- انها تحل (بضم التاء) مكان التوترين السابقين مبدأ " لنتعلم كيف نعيش معا وكيف نعيش مع الاخرين" وهذا المبدأ يختلف عن سابقه في ان الاول يمهد له. فمعنى تعلّم التعايش مع الاخرين هو تنمية المعرفة بالاخرين ومعرفة تاريخهم وتقاليدهم وقيمهم, ثم انطلاقا من ذلك بناء روح جديدة تدفع المرء بفضل هذا الادراك لضرورة التكافل, وبفضل تحليل مشترك لمخاطر المستقبل وتحدياته يؤدي الى تحقيق مشروعات او الى تسوية حصيفة للنزاعات التي لا مفر منها في هذا العالم. قد يقول المرء ان ذلك يوتوبيا ولكنها يوتوبيا ضرورية على حد تعبير جاك ديلور. ولكن الحق يقال ان هذا التعايش معا ومع الآخر مهدّد بالانفصام الحاصل والمتزايد بين اقلّية قادرة على شق طريقها بنجاح في هذا العالم الجديد وبين اغلبية مسحوقة تشعر بترنّحها في مهبّ الاحداث وبعجزها عن التأثير في المصير المشترك للمجتمع في المستقبل, مع ما يقترن بذلك من مخاطر تراجع الديموقراطية وحدوث ثورات متعددة. وهنا قد تساهم التربية من خلال تيسير المعرفة ورفع الوعي مساعدة الفرد على فهم العالم وفهم الآخرين.
ولكننا اذا حاولنا الانتقال الى سياق آخر وفي نفس المستوى الحضاري فانه يمكننا القول بأن مفهوم التربية المقارنة في اطار تجارب الدول المتقدمة يعد ّ مقارنة بالمعنى العلمي حيث تتناول الظاهرة بالتحليل والوصف والتفسير والنقد .... ولا يقف المجتمع المتقدم حيال كل من التقدم العلمي والتقني موقف المستقبل فقط. ولكنه يمدّ كلا منها بالامكانات التي توفر له فرص البحث والدراسة والاستقصاء والتجريب فيوفر للعلم مراكز البحث التي تزخر بالعلماء المتفرغين للكشف عن المستورواستقصاء الظواهر, ويوفر للتقنية امكانات تطوير الادوات الى جانب دراسة نتائج تلاقح الافكار، والتجريب لتكامل الخطوات ودقة النتائج ، واختصار الزمن الى غير ذلك من العوامل التي تولّد علوما جديدة وتقنية حديثة فتضيف ملامح جديدة للمجتمع.وما يحدث في تطويرالمناهج الدراسية مثلا يحدث في مجالات التربية الاخرى في هذه المجتمعات، الامر الذي يقود الى صياغة تربية رائدة فيها. فنجد التجديدات التربوية في المناهج الدراسية والادارة التربوية والاشراف التربوي والتوجيه والارشاد التعليمي وعلم النفس بمختلف فروعه وتطبيقاته وفي غير هذه من المجالات التربوية في هذه المجتمعات.
والمجتمعات المتقدمة – حرصا منها على ان تظلّ في موقع الريادة ورغبة في ان تحتل موقعا اكثر تقدما في حلبة السباق بين المتقدّمين- فانها تتابع ما يحدث في المجتمعات الاخرى من تطوير تربوي بعامة وفي المناهج الدراسية بخاصة. وتتخذ لهذا سبيل الدراسات المقارنة وتحليل المحتوى ومتابعة اثار مخرجات المناهج على تفكير المتعلمين وقدرتهم على حل المشكلات والابداع وتصور الحلول. ونعطي مثالا للتطوير الذي كانت دواعيه رصد الظواهر في المجتمعات المتقدمة الاخرى وكانت الدراسات المقارنة للمناهج الدراسية من اساليبه, في الولايات المتحدة الامريكية وفي اواخر الخمسينيات الميلادية اطلق الاتحاد السوفيتي آنذاك اول مركبة فضاء تحمل كائنا حيا. ولم تكن امريكا قد فعلت هذا بعد فقامت الدنيا هناك ولم تقعد حتى وصلوا الى حلّ مشكلة تفوق الروس عليهم. ولم يركز الامريكان آنذاك في حلولهم على المصانع التي لم تصنع المركبة ،ولا على التقنية التي لم تصل الى فعاليات المهمة فقط , ولكن كان همهم الاول التعليم الذي لم يكوّن الشخص الذي يسيّر المصنع ويسخّر التقنية. فكانت هذه الحادثة الفريدة سببا في ان تقوم قيامة المناهج الدراسية المطبقة في المدارس وغيرها من جوانب العملية التعليمية. وانشئت مراكز للبحوث في طول البلاد وعرضها، وفتحت ابواب التجريب التربوي لكل فرد او مجموعة من الافراد تستطيع تقديم جديد في مجال التعليم بكل ابعاده. واتيحت فرص لا حصر لها لتدريب المعلمين, واجريت الدراسات المقارنة لمختلف النشاطات. وكان اول ما حدث من دراسات نحو الانطلاق بالعملية التعليمية بعامة والمناهج الدراسية بخاصة هي مقارنة المناهج الدراسية في امريكا بمثيلاتها في الاتحاد السوفيتي انذاك. ومثال آخر لاتخاذ الدراسة المقارنة سبيلا لتطوير التربية نسوقه من اليابان. فقد قامت نهضة اليابان الحديثة على جهد جهيد في الدراسات المقارنة لمناهج الدراسة فيها بمناهج الدول الاخرى, وكانت هذه الدراسات لا تعني فقط بمحتوى المناهج في كل مجال من مجالات الدراسة في مختلف المستويات ولكن كانت تعني ايضا بمخرجات هذه المناهج ونوع الفرد الذي تكوّنه من حيث طريقة تفكيره ونظرته للحياة وقدرته على الابداع والمبادأة الى غير ذلك من مقومات المنتجة. وحتى بعد ان استحدثت اليابان اساليب تطوير اخرى لمناهجها فلا تزال عيناها متفتحتين على مناهج الامم المتقدمة الاخرى بالدراسات المقارنة المستمرة لهذه المناهج لتستفيد بالافضل بالنسبة لما عندها. لكن الدول المتقدمة حين تقارن بين مناهجها الدراسية وهذه المناهج في دولة اخرى فانها تقارن اهدافا متطورة باهداف اخرى كذلك ومحتوى حديث بمحتوى حديث وتقنية تعليميمة متطورة بتقنية تعليمية متقدمة, وهكذا الامر بالنسبة لبقية عناصر العملية التربوية. فالدراسة المقارنة اذن تبحث عن مواطن التميّز. ثم بعد ذلك يجري الاختيار منها واخضاعها للتجريب قبل الاستفادة منها او الاعراض عنها. لذلك نجد مناهج الرياضيات الحديثة في امريكا تختلف عنها في المانيا او اليابان... فلكل وجهة هو مولّيها.
لكن الموقف في الدول العربية مع الاسف الشديد يختلف تماما فما يحدث غالبا لا يكون دراسة مقارنة بالمعني العلمي. ولهذه اسباب كثيرة :
الاول: ان الدول المتخلفة تتطلع للتقدم وكثيرا منها يتخذ من دولة او اكثر من الدول المتقدمة له مثلا وقدوة. وبهذا فان الفكر السائد لدى اصحاب القرار في هذه الدول ان نموذج المناهج في الدول المتقدمة هو عماد تقدمها ومن ثم يمكن ان يفعل الاثر نفسه في دولهم.
الثاني: ان معظم اصحاب القرار هؤلاء قد حصّل مؤهلاته- العليا على الاقل- من دول متقدمة وحدث له انبهار حضاري يدفعه بضرورة الاخذ بالمناهج الدراسية التي تطبّقها هذه الدولة وصولا الى التقدم المنشود.
الثالث: وهو الاهم ان الشعور بالاحباط الحضاري الذي تعاني منه الدول النامية قد هزّ الذاتية الثقافية للمجتمع مما فتح الباب امام الاخذ من الغير تخلصا من هذا الاحباط.
الر ابع: ان الدراسة المقارنة على اسس علمية تحتاج الى امكانيات مادية يمكن توجيهها الى امور حيوية اكثر اهمية في المجتمع مثل التنمية الاقتصادية وتحسين البنية التحتية.... .
هذه الاسباب وغيرها كثير تجعل ما يحدث في معظم الدول المتخلّفة في تطوير المناهج عن طريق الدراسة المقارنة ليس كذلك بالمفهوم العلمي الصحيح
لهذه الدراسة. فالمقارنة هنا ليست للاختيار من عدمه على اسس موضوعية ولكنها لتحديد الاختيار فالاختيار امر مسلّم به. فهناك تسليم في كثير من الدول المتخلّفة ان مناهج الدول المتقدمة خاصة في العلوم الطبيعية والبحتة صالحة بالضرورة لتربية ابنائها ومن ثم يأخذون منها بالقدر المستطاع من الناحية العملية, اي انه لا يمنعهم من الاخذ منها الا القصور في الامكانات, مثل عدم القدرة على توفير الكتب الدراسية باللغة الام... وغني عن الذكر ان هذه المناهج المنقولة عن قناعة ناقليها بصلاحها لا تخضع للتجريب وفي احسن الاحوال تتابع بعد تطبيقها ليس بهدف تكييفها للموقف التعليمي ولكن بمفهوم سيادتها على العوامل الاخرى التي ينبغي ان تتكيف لها. اذن ما يحدث عندنا ينتمي الى مرحلة النقل والاستعارة التي مرّت بها التربية المقارنة اي خلال القرن التاسع عشر! ولهذا عواقب وخيمة فالمناهج جزء من النسيج التربوي للمجتمع وينبغي ان تستجيب لحاجاته وحاجات ابنائه, وقد لا تصلح مرحلة التطور في المجتمع لتطبيق المناهج المطورة مثل دراسة طاقة الشمسية في مجتمع لا يحوزها في الحال ولا يحتمل ان يحوزها في الوقت القريب. وفي هذا الحال تسهم المناهج في مشكلة البطالة في المجتمع وقس على ذلك من الامثلة التي تنطوي على ان امكانيات كل بلد تختلف عن الاخرى وفي هذا الحال تصبح التربية نتوءا حضاريا في المجتمع تسبب من المشكلات اكثر مما تقدّم من حلول.
ولا ينبغي ان يفهم هنا اننا ندعو الدول العربية الى العزوف عن استثمار التقدم العلمي والتقني والتربوي الحادث في المجتمعات المتقدمة بل نشجع هذا ونؤيده, ولكننا ندعو الى ان تشمل الدراسات المقارنة بدرجة اولى مناهج الدول التي تتشابه في مرحلة التنمية والخصائص الحضارية وفي الظروف المحيطة بها والمشكلات التي تواجهها , فقد يكون من المفيد اجراء مقارنة بين دولة عربية وبين تركيا او ماليزيا, لا سيما ان هذه الاخيرة تمر بتجربة تنموية مميزة في اطار الاسلام الحداثي وتتجاوز كل المقولات الطوباوية التي تحاول ان تضع العصي في عجلة التنمية معلّقين اوهامهم على مشاريع فكرية متصارعة...

2- الهدف العلمي الاكاديمي:
التربية المقارنة كأي ميدان من الدراسات العلمية الاكاديمية له اهمية في ذاته بصرف النظر عن اهميته العملية اوالتطبيقية شأنها في ذلك شان كثير من العلوم الاخرى. فالمقارنة طريقة من طرق المعرفة يستعين بها الانسان العادي كما يستعين بها الباحث عندما يريد ان يتعمق في فهم امر من الامور او الحكم عليه كما اشرت في الجزء الاول... ثم ان التربية المقارنة من خلال ذلك الربط المنهجي بين نظم التعليم ومشكلاته في البلاد المختلفة من جانب وبين القوى الثقافية التي اثّرت فيها وادت اليها من جانب آخر انما تنمي في الباحث الاتجاه الموضوعي وتقيم فهمه للمشكلات على اسس علمية معمقة مما ينعكس عليه في دراسته للمشكلات واقتراحه للحلول المناسبة لتلك المشكلات. بالاضافة الى ذلك فان غاية الدراسات المقارنة هي استخراج "القوانين". ويبدو ان العرب كانوا من المتميزين في محاولتهم لاستخراج "القانون" من وراء كل ظاهرة من الظواهر التي يدرسونها, ولعل هذا يعود الى طبيعة المصدر الديني الذين ينتمون اليه, والذي يقرر ان وراء كل حادثة- طبيعية كانت او علمية- قانونا وان هذا القانون ثابت لا يتغير بتغير الزمكان " هل ينظرون الا سنة الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلا".

3-المتعة العقلية:
احدهم الف كتابا " متعة التعلم" نظرا لما يحققه التعلم من استكشاف للمجهول وسعة الافق من خلال البحث عن اللامرئي وعن كل جديد.... فمعايشة
التأمل والتفكير والبحث والاطلاع يمر به كل عالم, وفي لحظة هذه المتعة العقلية تشعّ ذاته باكتشاف جديد او مولّد فكري مبدع عندها يصيح العالم "وجدتها وجدتها".
وتعدّ التربية المقارنة احد المجالات الرائدة التي تحقق هذه المتعة وما لا يحققه مجال آخر كما هو معروف عند روّاد هذا العلم. وذلك من خلال ما يقرؤه
الدارس- او القاريء فيها- عن نظم التعليم في بلاد أخرى تعبّر عن ثقافات مختلفة عن ثقافته. ثم ان الوقوف على "السرّ" او "الجوهر" بسبب الربط بين ما يراه الدارس من مشكلات او نظم تعليمية وبين القوى والعوامل الثقافية المختلفة التي ادت اليها يعتبر في حدّ ذاته متعة عقلية جاذبة.

4-الهدف السياسي:
يتمثل في الكشف عن علاقة الفرد بالدولة وتركيبها السياسي, وما يرتبط بذلك من النظريات والاهداف السياسية للدولة ونواياها تجاه الدول الاخرى سواء كانت هذه الاهداف مستترة او معبرا عنها بصراحة . واوضح مثال لذلك ما حدث في المانيا على يد هتلر عندما ادخل نظام التدريب الاجباري في المدارس الذي كشف عن نوايا هتلر العدوانية نحو الدول الاوربية . ومثالها ايضا ما حدث في امريكا بعد اطلاق اول سفينة فضاء سوفيتية وما ترتب على ذلك من رد فعل عنيف على نظام التعليم الامريكي واتهامه بالقصور، وبروز الاهتمام بدراسة نظام التعليم السوفيتي واللغة الروسية والعلوم الرياضية والطبيعية وهو ما تجسّم في صدور قانون التربية للامن القومي في الولايات المتحدة الامريكية كما اشرت آنفا. وما حدث في كل من اليابان والمانيا قبل الحرب العالمية الثانية من بعث الروح العسكرية وتنميتها. وما حدث في هاتين الدولتين بعد هزيمتهما في الحرب واتباع امريكا لسياسة تربوية تستهدف القضاء على الروح العسكرية فيهما. وبالمثل يمكن ان يقال ان السياسة التعليمية التي اتبعتها اسرائيل في الجزء الذي احتلته من القدس العربية بعد عدوان 1967 وتطبيق نظام المدارس الاسرائيلة على المدارس العربية هناك يكشف بصورة واضحة عن نوايا اسرائيل في الاحتفاظ بالقدس كلها كجزء لايتجزا منها .ومن التطبيقات السياسية للتربية المقارنة تنمية القيم الديمقراطية في المدارس هو ايضا من الامثلة على الهدف السياسي الذي يتحقق بدراسة التربية المقارنة.

5- الهدف النفعي الاصلاحي: ان بروز الاهتمام بالتعليم بصورة متزايدة, وظهور المشكلات التعليمية المختلفة, وما ترتب على ذلك من ظهور الحاجة الى الاستفادة من المواد المقارنة للاستفادة من خبرات الاخرين في رسم سياسة تعليمية رشيدة, قد أكدّ الجانب النفعي الاصلاحي للتربية المقارنة وقد ساعد على تأكيد هذه النفعية تزايد الاهمية الحيوية للتعليم وضخامة حجمه وتعدد مشكلاته، وما ترتب على ذلك من ظهور الحاجة الى المواد والدراسات المقارنة للاستفادة من خبرات الدول الاخرى في رسم السياسة التعليمية، واختيار افضل الاحتمالات للتطوير . والواقع ان الاهتمام كان موجها على طول فترات ومراحل تطور التربية المقارنة الى اهميتها العلمية في الاستفادة من النظم وما يترتب على هذه الاستفادة من قيمة نفعية ونتائج تطبيقية . كما ان التربية المقارنة تساعد دارسيها على فهم مشكلات التربية في بلادهم والتعمق في تحليل جوانبها وابعادها المختلفة وتزوّدهم بالحلول المختلفة التي اتبعتها الدول الاخرى في مواجهة مشكلات مماثلة. وفي نفس الوقت تنمّي فيهم الحساسية والوعي معا بالتزام الحرص والحذر في استعارة هذه الحلول على علاّتها الا بعد تكييفها ومواءمتها للظروف المحلية- بل تجريبها- التي تعمل فيها النظم القومية للتعليم. ذلك ان النقل او الاستعارة للانظمة التعليمية عملية لا تؤمن عقباها ما لم تتوافر لها ضمانات النجاح ومن اهمها المواءمة والتكيف.
والاهداف النفعية الاصلاحية التي تحققها التربية المقارنة متنوعة ومتعددة فهناك اهداف تربوية وهناك اهداف قومية وهناك اهداف شخصية وهناك اهداف سياسية وهناك اهداف تتعلق بالسلام العالمي واهداف اخرى تتعلق بالباحث ذاته. والاهداف النفعية الاصلاحية التي تتحقق في بلد من خلال الدراسة المقارنة تتلخص في حل مشكلاته التعليمية بصورة افضل . وذلك بالوقوف على الاسباب التي ادت الى هذه المشكلات، وتقديم الحلول المناسبة لها، في ضوء القوى الثقافية المؤثرة في نظام التعليم به. ولذلك كانت التربية المقارنة دوما عونا للمخططين التربويين ،ولصانعي السياسات التعليمية.
اذن يعتبر البعض ان من خصائص التربية المقارنة أنه علم يميل كلية الوظيفية او الى دراسة الواقع وتطويره وتجويده وتحسينه وحل مشكلاته والتنبؤ بمسارات هذا الواقع والاعتماد على الارقام والبيانات والمعلومات. وهذا يؤكد الطبيعة الاجرائية للبحث في التربية المقارنة.




#أحمد_جميل_حمودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التربية المقارنة: محدّدات المفهوم (1)
- الاتجاه النقدي( الراديكالي) اليساري: التطبيقات التربوية المم ...
- وظائف الإدارة وتطبيقاتها المدرسية
- العوامل الاجتماعية/ غير المدرسية المرتبطة بالتحصيل الدراسي: ...
- الطفل والأسرة العربية: التفاعلات, بناء الأدوار, القيم..
- القراءة للجميع أم الخبز للجميع؟: واقع القرائية في العالم الع ...
- رفاهية اليأس!
- وداعا ايها المسيري مفكرا ومناضلا
- الأمّية الجديدة:تدني مستوى اللغة العربية عند غير المتخصصين ف ...
- الأسرة العربية والتنشئة الاجتماعية
- هل التعليم عامل ترابط أم استبعاد اجتماعي?
- الاتجاه الراديكالي اليساري: رؤية نقدية للتربية


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أحمد جميل حمودي - التربية المقارنة: الابعاد المتعددة في طور الالفية الجديدة (2)