أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - هــــــــــــوية - قصة قصيرة














المزيد.....

هــــــــــــوية - قصة قصيرة


محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)


الحوار المتمدن-العدد: 729 - 2004 / 1 / 30 - 04:30
المحور: الادب والفن
    


  يادارة، دوري فينا
ظلي دوري فينا
تاينسوا أساميهم
                               وننسى أسامينا

كلمات وألحان:الإخوان الرحباني
غناء : فيروز

سـلمني رجـل الأمـن النسخـة الـجديدة مـن بطـاقـتـي الـوطنـيـة وظـل يـتابـعـني بـنـظـرة  تـشـف عن ريب من أمــري ثــم قـال وهــو يـنفــض أذنــه بـسـبابـتـه :
-  بالـك !هــــذه النـسـخـة الـثالثـة مـن  بطـاقتك الوطنيـة ، فـلا  تـكن  شـماتـة  مــرة   أخـرى. أتسمـع ؟
بـالــك !
بـالــك !
بـالــك !
خـارج مـركـز الأمـن، جـاذبية إضـافية تلصقنـي بالأرض وتـجعـل خطـواتـي أثـقل فأثـقل.

استـمتـع   بثـقـلي...
رشاش نافـورة الساحة يذاعـبـني وأنـا أبـتـعد نـحو بـاب السـوق. الزحـام داخــل السـوق لا يـفـتـر فـي أي وقــت. الـزبـنـاء يـتـزاحـمون، يـتواجـهـون، يـتـدافـعون بضيـق بالغ . باعـة الخضـر والـقـطـانـي والسـرديـن، عـلى جـانـبي الـممر الـوحيـد، يـنبهـون الـمتـدافعـين ويـلعنـون أمـهاتهم وهـم يضـربونـهم على وجـوهـهـم بربـطـات البـقـدنـوس حيــن تنـقلـب لـهـم أكـيـاس القطـاني أو تتشتـت لـهـم صـنـاديـق السـرديـن تـحـت رفـس الأقــدام الهـائجـة :
بـالــك !
بـالــك !
بـالــك !
دفعـة جـانبيـة أخرجـتنـي مـن شـرودي ورمتـني فـوق أكـيـاس القـطـاني. انـقلب علي كشكـول البضائـع الرخيصـة. أتـمرغ فـي العـدس والـحمـص واللوبيـاء بحثـا عـن مـوطـئ قـدم بـيـن الـمتـدفـقـيـن ...
أحـس بـالخـفة.
الزلة أفـقـدتـني كل وزني، كل ثقـلي…كأنـني تـخلصت مـن شيء مـا، أو كـأنني فقدتـه. أفتـش  فـي جيـوب سـروالـي. الـجيـوب الأمامية... الخلفية...أعيـد التفتيـش مـرة ثـانـية... ثـالـثة...ركبتاي ترتعشان... الحافظة ؟ ركبـتـاي تـخونـانـي في كـل خطـوة ... البطاقـة ؟...أطـالع الـوجـوه حـوالـي : الـكـل يتـزاحــم و لا أحـد يهتـم بـي .
السيـل الآدمي يـقـذفنـا خـارج السـوق، إلى الساحــة  الأخـرى. رشـاش هـذه النـافـورة يـرشـقنا جـميعا ببصاقـه.
ركبـتاي ترتـعشان. النـسيم يغـير لي وقفتي بـاسـتـمـرار.
أنــا الآن بـلا وزن.
أخـف مـن الريشـة.
كـأن جــاذبـيـة الأرض استـغنـت عنـي، فـجـأة.
ربما أنـا الآن أثـير ضـحـك سـراقـي بـهـذا الذهــول. ربـما هـم الآن يـرشفـون قـهوتهـم فـي إحـدى هـذه المقاهي، ويـتـنذرون بـغبـائـي...
أحـد زمـلائـي دلـني عـلى رئيس الفرقـة المكلفـة بعمليات النـشــل فــي الســوق : رجـل أنـيـق يـرتـدي بـدلـة رمـاديـة وهـو يـرشـف قـهـوتـه وحـيــدا تـحـت
ظـلة عـلـى سـطيـحـة مـقهـى  "الـمنظر الجميل " قبالة باب السـوق.
سـألـني الـرئيـس ،حـين أكملـت قـصتـي :
- وأيـن سـرقـت ؟
أجـبـت:
- فـي الســوق.
لكن الرئيس، على ما يبدو، حريص على معرفة الجزئيات والتفاصيل :
- أيـن ؟ عنـد الدخـول ؟ الـخـروج ؟...
- عـنـد الـخـروج.
مـال الرئيـس عـلـى زمـيلـي وهـمس بصـوت مسموع :
- زميلـك غـير مـحظــوظ. الـخـروج لـيس عـلى حسابنـا.
ثـم التفـت إلـي ثـانيــة :
- مـاذا كــان فـي حـافظتـك ؟
- بـطـاقتـي الـوطنـيـة .
صـمـت الـرئـيــس بـرهـة ثــم قـال بـأسف مفتـعـل :
- أنـت ضـحيـة لــصـوص لـيسـوا أبـنـاء البـلـد وهــم يـسـرقـون أي شـيء مـن أي كــان. ومـنهـم من يـختص في سـرقـة الـوثـائـق وبيـعـها للمهـربين والـمجرمـين والبغايا ...
رشـف الرئـيـس قـهوته ثـم أردف :
-كـن حـذرا !
لـم أجبـه .
ما جدوى الـحذر بعـد الآن ؟ !
واصـل الرئيـس نصـائحه و عينـه لا تـبارح بـاب السـوق :
- هـؤلاء الذيـن  سرقـوا بطاقـتـك، سـيطـاردونـك أكـثـر لـيسرقـوا الـمزيد مـن وثائـقـك  : جواز سفر، دفتر شيكات، تـوقيـع ...إن بـطـاقـتك الآن تبـاع في مـكـان مـا بالـمزاد. وكـل مـن اشتـراهـا سيسـبـب لـك متـاعب كثـيرة . لأنـه سيصبـح بـمقتضـى القـانـون هـو أنـت بـالإسـم والـمهنـة والعـنـوان والتـواريـخ... الـوثـائـق، يا ابـن بلدي، تصـنع الشـخـصيـة. وكلـما كانـت الوثائـق كامـلة ومنسجمة، كانت الشـخصـية حقيـقيـة وشـرعيـة.
ثـم التفـت إلـي قائــلا :
- هل تتذكر وجها من الوجوه التي ضايقتـك عنـد مـخرج السـوق ؟
أسـتـرجع الأحـداث والـوجـوه على شاشـة ذاكــرتي: الـزحـام، الـدفـع، لعـنــات البـاعـة، لـهـاث المتزاحمـين داخــل عنـق قـمـيصـي، لامـبـالاة الـوجـوه حـوالـي...
الـرئيـس ينتـظـر جـوابي.
قـلــت :
- لا.
تــأفــف الـرئـيس مـستـاء واعـتـذر عن مساعـدتي .
أنــا لا أعــرف سـبـب هـذه الـهيـبة الـتي تعتـريني كـلمـا درجـت سـلـم مـركـز الأمـن. حـتـى الـرايـات تـفـزعـنـي حـيـن يـنفـضـهـا الـريـح فـوق رأسـي...
وضـعـت وثـائـقـي عـلى مـكـتـب رجـل الأمــن :
- هـذه لــوازم البطـاقـة الوطـنية، وهـذه شـهادة الضيـاع ...
انـدهـش الـرجـل :
- ضـيـاع من ؟ ألـســت  ذاك  الـذي  تـسلـم  النـسـخـة  الثـالـثــة  مـن ب ـطـاقـتـه الـوطـنيـة هـذا الصـباح ؟...
ظـل مـشـدوهــا يتـفـرسـني. عـيناه في عيـني تبحث عـن الـخـدعـة الـتي أنـسـجـهـا لـه.
يـتـفـرسـني...
خـبـط أخـيرا عـلى مـكتبـه ثـم نـهض مـن مـقعده، مسـتـغـربـا :
- انـتـظـر هـنـاك. سـأصـعـد لأسـتـشـير فـي قضـيتك.



#محمد_سعيد_الريحاني (هاشتاغ)       Mohamed_Said_Raihani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصدار جديد في انتظار الصباح
- الشــــــــرخ
- أرض الغيلان
- وطن العصافيرالمحبطة - قصة قصيرة
- بمناسبة إطفاء موقع -الحوار المتمدن- شمعته الثانية: النجاح وم ...
- في انتظار الصباح
- الحياة بملامح مجرم
- دليل الكاتب الناشئ إلى عالم الكتابة والنشر والتوزيع في مجتمع ...
- حوار مع الباحث المغربي محمد سعيد الريحاني حول كتابه -الإسم ا ...
- بمناسبة صدور مجموعته القصصية» في انتظار الصباح « ،الكاتب محم ...
- نحو أغنية عربية تعددية
- الموقف من الوجود في الأغنية العربية
- التعبير الغنائي : من استظهار النص إلى التوحد به
- المبدع الحر والمشروع الغدوي
- الأغنية العربية المؤجلة
- الإحتلال الأنغلو- أمريكي للعراق: النفط أولا
- على هامش تفجيرات الدار البيضاء المغربية: من ثقافة الحياة الى ...


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الريحاني - هــــــــــــوية - قصة قصيرة