أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج كتن - عدالة العولمة















المزيد.....

عدالة العولمة


جورج كتن

الحوار المتمدن-العدد: 2355 - 2008 / 7 / 27 - 11:19
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


القرار الأخير للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية سلط الأضواء من جديد على حقائق الأوضاع العالمية الجديدة، العولمة الراهنة، التي يكاد يتجاهلها الممانعون في منطقتنا إذ يتوهم بعضهم تحقيق انتصارات في مواجهتها، ويتصور آخرون أن "إمبراطورية" العولمة في أيامها الأخيرة، في طريقها للانهيار أمام تصديهم وصمودهم.
العولمة ليست فقط في المجال الاقتصادي حيث يزداد السوق العالمي ترابطاً، أو فقط في المجال السياسي حيث تتوسع مسؤولية مجلس الأمن عن أوضاع العالم حتى يكاد يتحول إلى حكومة عالمية قيد البناء، فالعولمة أيضاً تتقدم في المجال التشريعي بتكامل القوانين الدولية التي تكتسب تدريجياً أولويتها على القوانين الوطنية لكل دولة. والمجال المتمم لهذه القوانين هو السلطة القضائية التي تجعل هذه القوانين واجبة التطبيق، وتضمن عدم إفلات الخارجين على القانون الدولي ومنتهكي حقوق الإنسان من العقاب.
المحاولات قديمة لإقامة سلطة قضائية دولية مكملة للسلطتان الدوليتان التنفيذية والتشريعية، فقد سبق تقديم رجالات الحكم النازي لمحاكم عسكرية دولية عقب الحرب العالمية الثانية، وعطلت الحرب الباردة بين القطبين الاقتصاص من مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، إلى أن عادت العدالة الدولية في التسعينيات مع إنشاء محاكم خاصة لمقاضاة مجرمي يوغوسلافيا السابقة وراوندا وسيراليون ولوكربي والمحكمة الخاصة بلبنان.. إلا أن جميع هذه المحاكم مقتصرة على قضية واحدة ومجال جغرافي محدد ينتهي عملها مع طي ملف القضية التي تنظر فيها، مما أبرز ضرورة محكمة جنائية دولية دائمة تنظر في جميع القضايا المحالة إليها من أي مكان في العالم.
المحكمة الجنائية الدولية (م. ج. د I. C. C. ) التي أنشئت بموجب اتفاقية روما- تموز 1998-، وفعّلت في العام 2002, تشارك فيها حالياً 107 دولة، إضافة لعشرات الدول الأخرى التي وقعت الاتفاقية ولكنها لم تصادق عليها رسمياً. وهي تختلف عن محكمة العدل الدولية، فالأخيرة تابعة للأمم المتحدة ومختصة بالنزاعات بين الدول، بينما (م. ج. د ) مستقلة عن الأمم المتحدة وتنظم علاقتها بها اتفاقية خاصة، وتنظر في قضايا ضد أشخاص ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية أو جرائم حرب وأعمال اغتصاب واستعباد جنسي وإشراك الأطفال في الأعمال الحربية والترحيل الإجباري للسكان، ويمكن تخويلها، في مؤتمر لأطرافها المشاركة يعقد في العام القادم، بقضايا العدوان العسكري واستهداف المدنيين أثناء الأعمال العسكرية..
اختصاص (م. ج. د) لا يتعارض مع الولاية القضائية الوطنية فهو مكمل لها في حالة تقاعسها أو عجزها عن ممارسة واجباتها، أو أن المحاكمات التي أجريت من قبل القضاء الوطني لا تتسم بالنزاهة أو الاستقلالية، أو أجريت بشكل صوري لحماية المتهمين من تقديمهم أمام المحكمة، التي تحقق حالياً بانتهاكات لحقوق الإنسان في: الكونغو، أوغندا، جمهورية وسط أفريقيا، السودان، وتحتجز أربعة متهمين ومنهم قائد المتمردين في الكونغو والنائب السابق لرئيس الكونغو.
حظيت المحكمة منذ إنشائها بتأييد أعداد متزايدة من المنظمات المدنية في العالم والبلدان العربية، ومنها التحالف اليمني والإقليمي من أجل (م. ج. د) والتحالف العربي المقام في القاهرة ويضم خمسين منظمة عربية غير حكومية، ويعملان بالترابط مع التحالف الدولي من أجل (م. ج. د) المؤلف من 2000 منظمة أهلية من ضمنها منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس واتش، تعمل لنشر الوعي بدور المحكمة وتطالب الحكومات بالتصديق عليها.
وقعت على الاتفاقية ما يزيد عن عشر دول عربية إلا أن المصادقة عليها لم تتعد الأربع، وهي الأردن واليمن وجيبوتي وجزر القمر. ويمكن فهم سبب امتناع الأنظمة الشمولية العربية عن التصديق، لخوف مسؤوليها من احتمال تقديمهم لهذه المحكمة لانتهاكاتهم المستمرة لحقوق الإنسان في بلدانهم. وقد ازداد قلق بعضهم بعد طلب مدعي عام المحكمة توقيف أول رئيس عربي بتهمة جرائم حرب وإبادة جماعية لما لا يقل عن 135 ألف من سكان دارفور ودفع مليونين منهم للفرار من ديارهم بعد تدمير قراهم ونهب ممتلكاتهم من قبل ميليشيات مسلحة (الجنجويد) موالية للحكومة ومدارة من قبلها.
أصبحت المحكمة الجنائية الدولية بعد هذه الخطوة الجريئة غير المسبوقة، فزاعة لرؤساء وملوك دول المنطقة، فهرعوا لما يتقنونه من إصدار بيانات الاستنكار من خلال مؤسساتهم الهرمة كالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي.. وادعوا الشجاعة والممانعة أمام شعوبهم، وأنهم متآزرون في التصدي "للعولمة" التي نبتت أسنانها في مواجهة منتهكي حقوق الإنسان مهما علت مناصبهم وقويت شوكتهم. ولا يستبعد أن هبة الأنظمة في مواجهة قرار المدعي العام هي للاستهلاك المحلي، إذ سيهرعون سراً لعقد الصفقات لإنقاذ مناصبهم وامتيازاتهم.
وتقوم أنظمة ومنظمات بتعزيز الأوهام بإمكانية صد هذه الهجمة للعدالة الدولية بتقديم تبريرات تبدو قوية لمن لا ينظرون أبعد من أنوفهم، ولكنها لا يعتد بها في مواجهة الحقائق، وهي تبريرات تتم عادة باسم السيادة والهوية الوطنية والأمن والقوانين المحلية، المفصلة خصيصاً لاحتياجات القادة "التاريخيين".
السيادة الوطنية المدعاة مشجب لتعليق الانتهاكات التي يروج لها كشأن داخلي، مع تجاهل أن الشعوب لم تعد ملكية خاصة للطغاة يفعلون بها ما يشاءون، فهناك حساب وقصاص دولي، يمكن تأجيله ولكن لا يمكن تفاديه. وقد ادعى النظام السوداني أن لا ولاية للمحكمة في السودان لعدم مصادقته على نظامها الأساسي مستغبياً من لم يطلع على نظامها، الذي تنص أحدى مواده على أنه يمكن النظر في قضايا ضد شخصيات من دول ليست مشاركة في اتفاقية روما، إذا تمت إحالتها من مجلس الأمن بحسب الفصل السابع، وهو ما حصل بالنسبة لقضية دارفور.
والتبرير "الوطني بامتياز" لعدم التعاون مع المحكمة هو أن أميركا وراء نشاطات المحكمة وتسخيرها للتخلص من معارضي سياساتها، وأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن "في جيبها"... وهي تبريرات تنافي الحقائق، فأميركا لم تصادق على اتفاقية المحكمة وعارضت صيغتها بشدة، وطالبت باستثناء جرم العدوان من اختصاصاتها، وحضت دول على عدم تصديق معاهدتها، وحرمت دول أعضاء فيها من المعونة العسكرية، كما أصدرت قانون يمنع تعاون الهيئات الحكومية والمحاكم الأميركية مع المحكمة، ، ويحظر وقف أي شخص لصالح المحكمة ويمنع تحقيقاتها على الأرض الأميركية.
أما تبرير حصانة الرؤساء فهو متهافت حيث نظام المحكمة يمكن من مقاضاتهم إذا علموا، أو يفترض أنهم علموا، أن مرؤوسيهم ارتكبوا جرائم تدخل في اختصاصها ولم يتخذوا أية إجراءات لإيقافها. وهناك تبرير آخر يبدو مقنعاً ظاهرياً، بأن اتهام الرئيس البشير سيعرقل عملية السلام في دارفور، وليكتسب هذا الابتزاز وجاهة ما، صرح مساعده: " نحن لا نحمي سيادتنا بالحوار والتودد.. ولكننا نحميها بالبندقية.." وهي صورة تشبه نظامه بالنظام العراقي السابق الذي هدد "التتار الجدد" بتكويم جماجمهم عند أسوار بغداد، وعندما جد الجد سلمت بغداد بلا أدنى ممانعة.. المرجح أن الادعاء الدولي سيسهل عملية السلام التي عمل النظام على عرقلتها، فالسلام والعدالة مترابطان ولا يتحقيق أحدهما دون الآخر.
الادعاء على طاغية وجلبه أمام عدالة العولمة يمكن أن يعيد الأمل للشعوب المغلوبة على أمرها بإمكانية التخلص من أوضاعها المأساوية. وما هو مطلوب ليس "الانتفاض" للسيادة الوطنية المدعى انتهاكها، فهي في حقيقتها الراهنة سيادة الأنظمة المطلقة على مواطنيها وتطويعهم بشتى أشكال الانتهاكات لحقوقهم المشروعة.
لقد مضى عهد الإفلات من العقاب، والمطلوب توجيه الضغوط لهذه الأنظمة لرفع قبضتها عن شعوبها ودفعها للالتزام بتغليب المواثيق والعهود الدولية على القوانين المحلية. والعمل لتعديل اختصاصات (م. ج. د ) لكي لا تقتصر على محاكمة الأشخاص، ولتشمل الهيئات الحكومية وغير الحكومية. وتوسيع مجال عملها ليشمل العدوان على الدول والانتهاكات ضد المدنيين أثناء الحروب وضد الحريات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغير ذلك.. أو إنشاء محاكم دولية أخرى متخصصة بهذه الانتهاكات.. أي عمل كل ما يمكن لتحويل العالم إلى مكان غير آمن للطغاة.



#جورج_كتن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجلس إعلان دمشق: ليبرالية أم واقعية؟
- التناقض الرئيسي بين الحداثة والتخلف
- إقليم كوردستان العراق تجربة رائدة في المنطقة
- هل يتضعضع التحالف القومي- العربي الإسلاموي؟
- مجزرة سنجار والصهر في الأكثريتين
- الخطاب الأمازيغي لا يصل إلى النخب الكردية
- الإمبراطورية الرثة
- حماس : الدم الفلسطيني خط أخضر!
- الإرهاب يخرج من عباءة المقاومة
- حوار حول الإرهاب
- مزيد من الحوار حول المسألة الأمازيغية
- بناء دول طالبانية يلقى مقاومة
- ما الجديد بعد ثلاث سنوات على أحداث القامشلي؟
- ذنوب محيي الدين شيخ آلي
- الهوية المتعددة للمغرب الكبير
- منجزات المحاكم الإسلامية الصومالية؟!
- -الاتجاه المعاكس- للمنطق: الدكتاتورية هي الحل!
- ما بعد الاستبداد شبه العلماني
- هل تهجير المسيحيين هو الحل؟!
- مشروع -الراديكالية الإسلاموية- للانتحار الجماعي


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج كتن - عدالة العولمة