أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - السودان ومحنة العدالة الدولية















المزيد.....

السودان ومحنة العدالة الدولية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2354 - 2008 / 7 / 26 - 10:50
المحور: حقوق الانسان
    



بعد انتظار وقلق وتكهناتٍ قانونية وسياسية، أصدر المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو (الأرجنتيني الجنسية) مذكرة تتضمن طلباً بالقبض على مسؤولين سودانيين، بينهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الأمر الذي أثار موضوع توظيف القانون لمصلحة السياسة، واستغلال القضاء والعدالة لحساب أهداف سياسية، رغم التداخل والتجاذب بينهما.
إن طلب القبض على رئيس دولة، بغض النظر عن الاتهامات الموجّهة إليه بالارتكاب، يشكّل سابقة قانونية وقضائية خطيرة، لاسيما أن المحكمة التي يُراد لها النظر في القضية، لا تملك القوة القانونية التنفيذية لإجباره على المثول أمامها، وإذا كان الرئيس البشير قد رفض مثول أحمد هارون وزير الشؤون الإنسانية السوداني، وعلي كوشيب رئيس ما يُعرف بميليشيا الجنجويد، وقال إنه إذا اقتضى الأمر، فإنه سيقدمهما إلى القضاء الوطني السوداني، وأقسم بأغلظ الأيمان ألا يسلم سودانياً واحداً إلى القضاء الدولي، فهل سيمتثل لأوكامبو؟ فلعلّ ذلك أمر غير منطقي.
أشار المدعي العام أوكامبو إلى أن الرئيس البشير هو الرأس المدبر للجرائم المرتكبة في دارفور، وقد وجه إليه ثلاث تهم أساسية: الأولى، تتعلّق بجرائم الابادة الجماعية. والثانية، تتعلق بالجرائم ضد الإنسانية، والثالثة تشمل جرائم الحرب.
جديرٌ بالذكر أن مجلس الأمن الدولي كلف المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدولية في مارس عام 2005 بالتحقيق في مذابح دارفور، باعتبارها تشكل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين، وطلب من الحكومة السودانية وبقية أطراف النزاع أن تتعاون بشكل كامل مع المحكمة والمدعي العام. وفي فبراير عام 2007 حدد المدعي العام اثنين من المشتبه فيهم، وهما هارون وكوشيب، واعتبرت رئاسة المحكمة عناصر الإثبات التي قدمها المدعي العام كافية لإصدار مذكرة توقيف بحقهما، وهو الإجراء نفسه الذي سيتم اتخاذه بحق الرئيس البشير.
ولعلها هي المرة الأولى التي يُحيل فيها مجلس الأمن قضيته إلى المدعي العام، كما يُتيح ذلك النظام الأساسي لميثاق روما، حيث تشمل ولاية المحكمة دولة غير موقعة على قانونها الأساسي بناءً على طلب من مجلس الأمن وفقاً لاختصاصاته المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، لكن الأمر طرح على بساط البحث دوافع هذا الإجراء واستقلالية المحكمة، خصوصاً في ظل الضغوط التي تتعرض لها من جانب القوى المتنفذة في العلاقات الدولية، وبالأخص الولايات المتحدة.
لاشك أن جرائم فظيعة ارتُكبت بالفعل في دارفور، وأن ملاحقة المتهمين من مسؤولية المجتمع الدولي، لكن صمت المحكمة والمجتمع الدولي عن جرائم أكثر خطورة يضع أكثر من علامة استفهام حول طلب المدعي العام، خصوصاً أن العالم كله اطلع على ما جرى بعد غزو أفغانستان واحتلال العراق، وما يحصل في سجن غوانتانامو منذ ست سنوات ونيف، والسجون السرية الطائرة والسجون العائمة والانتهاكات في سجن أبو غريب وبوكا والعديد من السجون الأميركية والعراقية بعد الاحتلال.
إن التعامل بازدواجية في المعايير وانتقائية وقصدية في المواقف، يضع شكوكاً كبيرةً أمام تطبيقات العدالة الدولية ويضعف من مصداقيتها، خصوصاً في ظل اختلال نظام العلاقات الدولية، ومنها النظام القضائي الدولي رغم الأمل الذي جسده إنشاء محكمة روما، حيث ظل الإفلات من العدالة بالنسبة لكبار المتهمين بارتكاب جرائم صارخة وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، أمراً سائداً، لاسيما للقوى المهيمنة على العلاقات الدولية.
ويثور تساؤل مشروع، لماذا لا تتحرك المحكمة الجنائية الدوليّة ومعها الدول الكبرى، لاسيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، للمطالبة بتقديم إسرائيل وقياداتها إلى القضاء الدولي، خصوصاً في ظل الجرائم المستمرة المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعيّة، لاسيما التطهير العرقي واستهداف المدنيين واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وجرائم العدوان وجرائم الحرب، إضافة إلى جريمة بناء المستوطنات وكل ما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها. ولم تُعر المحكمة أي اهتمام بشأن قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري في لاهاي بخصوص عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري «الجدار العازل»، الذي ماتزال إسرائيل مستمرة وبإصرار على إكماله وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية.
ومن المفارقات المثيرة، أن الولايات المتحدة التي تتشبث اليوم بالمحكمة الجنائية الدولية وتقدم إليها المعلومات حول فظائع دارفور، كانت قد عارضت إنشاء المحكمة عام 1998، وعندما تقرر تأسيسها، ووقعت على ميثاقها عشية إغلاق باب التوقيع، لكنها عندما دخل الميثاق حيز التنفيذ في الأول من يوليو عام 2002 انسحبت منه بعد أن تمكنت من تكييف النظام الأساسي بحيث تبعد جنودها عن المساءلة القانونية، لاسيما للفترة الماضية، ولسبع سنوات قادمة. ورغم عدم عضويتها حالياً في ميثاق روما، فإن وزارة الخارجية الأميركية هي التي كانت وراء تسريب خبر إدراج اسم الرئيس السوداني كمطلوبٍ للعدالة الدولية، قبل طلب المدعي العام، حيث وصل الخبر إلى وكالات الأنباء العالمية، الأمر الذي يفضح حجم التدخل والضغط السياسي والإعلامي على المحكمة، ناهيكم عن التلاعب بقواعد العدالة الدولية لحساب مصالح سياسية ضيقة.
بغض النظر عن الأبعاد الإنسانية الخطيرة لقضية دارفور وحجم الانتهاكات المرتكبة ومسؤوليات بعض المسؤولين الحكوميين السودانيين، إضافة إلى القوى المتمردة وبعضها المدعوم خارجياً، فإن مأساة دارفور تستحق اهتماماً أكبر من جانب المجتمع الدولي، وخصوصاً عدم السكوت أو تبرير الجرائم بحق السكان الأبرياء العزّل ومنها؛ جرائم القتل، والتطهير والإبادة، والاغتصاب، والترحيل حيث اضطر مئات الآلاف إلى الهجرة والعيش كنازحين في ظروف لا إنسانية وسيئة على نحو صارخ.
إن قرار المدعي العام أوكامبو، إضافة إلى ما يحدثه من صدام بين القوى المتنفذة في العلاقات الدولية والسودان، فإنه أحدث في الوقت نفسه نوعاً من الجدل الفقهي بشأن حصانة رئيس الدولة، وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهي مبادئ تكاد تكون مستقرة في القانون الدولي المعاصر، لاسيما في ميثاق الأمم المتحدة. لكنها في الوقت نفسه أثارت تداعيات حول مسؤولية المجتمع الدولي إزاء الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وحدود السيادة في مواجهة احترام حقوق الإنسان، الأمر الذي يضع مسألة التدخل الإنساني في صلب مسؤوليات المجتمع الدولي، لكن هذه المسألة تم توظيفها لأغراض سياسية أنانية ضيقة، بل إنها في حالة أفغانستان والعراق اعتبرت مرادفة للحرب والاحتلال، بحيث تم استغلال هذا المبدأ لمساع خاصة واستراتيجيات كونية تستهدف إملاء الإرادة وفرض التبعية والهيمنة.
وبعد طلب المدعي العام توقيف الرئيس السوداني، أصبحت الكرة في ملعب المحكمة، فإذا وافقت هيئة المحكمة على طلب المدعي العام، فستطلب من مجلس الأمن الدولي بناءً على تكليفه التحقيق، تنفيذ السودان لقرارها بتسليم المتهمين إليها لمحاكمتهم، أما إذا امتنع السودان ورفض التعاون، وهذا ما هو حاصل، فستُعاد القضية إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار، حيث يحق له، وهو الذي فوض المدعي العام، إغلاق القضية أو حفظها، أما إذا طلب مجلس الأمن من السودان تنفيذ قرار المحكمة وامتنع عن ذلك، فسيتخذ التدابير التي يراها ضرورية، بما فيها قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض العقوبات والحصار، وقد يصل الأمر إلى الخيار العسكري، أي شن الحرب، طبقاً للمادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة والفصل السابع.
هل سيكون الغزو القضائي مقدمة للغزو العسكري؟ وكيف يمكن تحقيق العدالة الدولية بوسائل غير قانونية؟ كانت المحكمة فكرت في اختطاف طائرة بعض المسؤولين السودانيين، بينهم الوزير أحمد هارون خلال توجهه لأداء العمرة (أواسط يونيو الماضي)... لعلها محنة العدالة الدولية!
* كاتب ومفكر عراقي
جريدة الجريدة الكويتية العدد رقم 360 الجمعة 18 يوليو 2008 ,14 رجب 1429



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام التنمية العربية
- شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
- شارل مالك الكبير ولبنان الصغير
- بوش وحصاد الشرق الأوسط!
- في دلالات الحوار الكندي - الإسلامي: فكرة الهوية والخصوصية!
- المنفى والهوية والحنين إلى الأوطان
- جيفارا والحلم الغامض
- التويجري الكبير والحقيقة الخرساء
- النمو الاقتصادي والتنمية الإنسانية: تأصيل المفاهيم!
- قمّة روما والأمن الغذائي
- المعاهدة العراقية-الأميركية: هل التاريخ مراوغ؟
- ماذا بعد وثيقة الإعلام العربية؟!
- مفارقات العدالة الدولية
- أزمة الرهن العقاري الأميركي... ما انعكاساتها على العالم العر ...
- مهنة الدبلوماسية!
- حرية التعبير وتحديات الإصلاح والديمقراطية
- الإعلان العربي للمواطنة
- الصمت الآثم: «المبشرون» وغسل الأدمغة!
- حقوق الإنسان: الهاتف الغيبي!!
- الجولان والوساطة التركية


المزيد.....




- وزير المهجرين اللبناني: لبنان سيستأنف تسيير قوافل إعادة النا ...
- تقرير حقوقي يرسم صورة قاتمة لوضع الأسرى الفلسطينيين بسجون ال ...
- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد الحسين شعبان - السودان ومحنة العدالة الدولية