أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - الولدعديشان















المزيد.....

الولدعديشان


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 10:02
المحور: الادب والفن
    



(م. عديشان. تاريخ صغير من الذكريات الآسرة، خرج من صمت المدينة، لكل الدينة… منذ عام ـ فقط ـ كان يرسم طفولته البريئة في السنة الرابعة من الثانوي، وجاء انتقاله فجأة إلى السنوات الخمس سجنا نافذة أو بابا…. في جزيرته الصغيرة الآن بمدينة " إيفران " مازال يكتب عن الفرح القادم تتصاعد طفولته كالبور نحو سعة القضبان، ويملأ برجه العائد ارتقابا أو اقترابا… فإليه وإلى كل الأسماء معه..)

كانت سماء المدينة تغمرني، أقف على فاسوخها، وأغرس قدمي في جنون صغير يمتد عبر النافذة، يشتعل في مداها، ويتلألأ مثلما دمالج الصبايا في قاطبة النهار. لا مدينة. يحاذيني هزيع الحزن، كالصخر يراودني سيفه، وأنا أنحدر من هديل الفقر، أتوكأ على سلالة دفاتر عشيبة، تصلني بيني وبيني، أجلس في ظلها مرفوعا بحضرة الأطفال طائرا من الفرح المغتال على خرائب الأرباض…
ذلك الباب كان لبيتنا الدامي، تلك الخيمة الذابلة في السواد تعرفني، أنا من ذبابها الصغير، أعبر سعتها كالنيزك، تغريني شمس هواها، فأرسم في مرافئها حدائق الأسفار، وأغني للياليها العذراء:
من يشنقني، أيها الآن المنهار.
أنا المتعب،
أجر محاصيلي كغبار كئيب، فإلى أين تسير هذه الأوبة؟
أسير على الطريق، وأغلق زهو السؤال في خليج الحقد، ما بيننا، أعرف تلك القامات الطويلة القارسة التي ترعبني أو تذلني… في الطريق على ذؤابات الشوق أسرح بصغري في أودية متآكلة تنأى أو تقترب، يشدني الحنين إلى هوائها وأستريح على وعد تلك السواعد التي علمتني أن أشتاق..

منذ ذلك الصباح العابر وأنا أخرج من كأس الخيمة، أتربع عرش زماني الصغير وأسلافي الغرباء، وأتدحرج نحو مدرسة طين تأكلنا كالبراغيث، نتمرغ في داراتها أجسادا مخلوعة، أجر مملكة من الجوع والفقر المبين، وسوء التغذية، وأدخل من بوابة الحرف: باب، ناب، غابة، دابة،… وأعرف أن كل الأبواب موصدة في وجهي، وأن الغابة رهيبة، وأصل على الرغم أطرق حنينها، وأن كل الأنياب تقتات من ضايات دمي، وأنا لا أطيق، قد أتكسر في خلوتي. قلت يومها لكل السانحات: إني مرهق كتاريخ العبدان، مثخن ككل البثور الوجيعة. وافترقنا. كانت النار تكبر بصدري، أسكن لكل الشظايا، وأولد من تحت كل الأنهار، من تحت كل الرماد، وأجيء…
جئت ككل المرات، ما زالت الكلمات المدرسية الجوفاء تقتلعني، وفي صدري الصغير يتمادى حبي الكبير ويتعالى، ويتعاظم، أمتشق سيفي، وأتدرع جوعنا والتاريخ الحافي، وأتلصص كالخوف على بيوتات الشمس ( أيها التي ، لو أحرقتني ). قالت أمي ذلك المساء:
ـ إني أترقب سماء لا تسعها الأحزان، كي نقترب من صولجانها أيها الولد، هذا فرحنا نبنيه خيمة، ونسير سيرنا الهائج..
طما الموج في جلدي، حدقت في زيتون أمي ـ ذلك المساء ـ، كان وشمها الأطلسي، ينشطر انشطار البركان، يتناسخ ويسيح، قلت لها:
ـ أنا جندي هذا الفرح، أصل من بعده فمن يفنيني…
بكت حرارتها كشتاء خريفي، وعانقتني قيامة صغيرة، أقسمت في كل الدواخل والخوارج أن أتوغل في سكون الغابة، وأرغم هيبتها على الحضور. ضحكت أمي من بؤرة الأعماق، قالت:
ـ أنت من تحفر أخاديد التاريخ في دمي أيها الولد…
ومنذ ذلك الحين حملت فأسي، وما زلت أعبر اشتعال الشهوة،أشيد ناطحات الغضب على سطح كل المدينة، ( آه،أيتها الذرية المفجوعة، لا مدينة تأتيني، أسند لها أحلامي.) في عمري تداخلت فجوات من الأسماء من الفقراء للفقراء، من الحرب لكل الحرب، وقف الدم في مجرى هذه السنين البيداء، لكن صبري يتقد أشتاتا، ويعانق نسيم الغابات كليلة صيف هارب. يصيبني البرود، هكذا أنا الولد المسافر بأغوار السغب ودقات الموت البطيء، البطيء، كطريق الإبرة في جلد النعل.. يومها دخلت غمار الرحيل. قلت لأمي:
ـ إني أضع قدمي على نبوة قادمة. أنا الولد السندباد الأزلي، أرحل عبر متاريس الشد، مرة سأضع إصبعي على برزخ الفرح، وأنام على خرائط النبع الآتي..
حملت الزاد، وخرجت الخروج، ودعت النواميس الميتة في أضلاعي، توسطني عرف المحبة، وها أنا أدرج مر السحاب، لا ماضي يغنيني، أنا الولد المسافر، ورقة تاريخ يتكيء على سواعد الفقراء، أيها الأقارب القادمون…
هي البداية. كنت أعود لخيمتنا كمالك حزين أتوسد الدفاتر البليلة، واضع بندقيتي تحت قدمي كمحارب طليق. قالت أمي( ذلك المساء ):
ـ واها بو ثايري إيتابع ووال…( يا سيد هوى يقفوه الشغب)
قلت لها :
ـ ثيط أو غايسادان آوايتيصنون..( عين لا تبصر، من لي باقتلاعها )

وحينما كانت تتأملني بصدقها الوارف، كانت تتورد في أوصالي رجة عاتية، تهزني من الأعماق، وأتمالك أن أركع في وجه ذكريات عفنة تبني عمري وتنعق على صداه كغربان الجزيرة.. ومرة واحدة قرأت عن النفط.آه. كم أنت مبسوطة الأعماق أيتها الجزيرة. أعطينا نفطا، إنا قريبا نمتلك مفاتيح الأرض، أغرقينا في هوادة النفط قليلا، أيتها الجزيرة أعفينا من الهواء… فكرت تلك المرات في بيوتات وخلاخل من ذهب، وأسارير اللون والمدى.. يومها كان رفاقي يرحلون الواحد تلو الآخر، يعانقون الصمت في ظلمات الليالي البكماء، ويكتبون تاريخ الأظفار، وجئت ، وجاءوا ( هم ) كالعادة يفتحون باب التنقيب عن النفط في دماغي، قلت لهم: ما أنا بالجزيرة. لكن إصرارهم احتد، وضعوا مضخاتهم على القلب وثريات الجسد وبدأوا يتوغلون في منتهى القساوة: بئر، بئران، حقول، خلجان.. صرخت في سحناتهم الباردة:
ـ هذا أنا الولد العاري كنخيل الخراب، لا نفط يكسوني. أنا قاع هذه الأزمنة الزيتية، أبحث عن فرحة تحميني، أو تملأ خطوي..
قالوا:
ـ أيها الولد الجاحد لنعمات الله… واقتصوا من دمي، اكتويت برعبهم، كنت ألعن الجزيرة والنفط والنطفة…

كانت المساءات الطويلة تحاصرني، أتنسم رائحة الطريق ورفاق الحريق، الواحد ، الواحد، فأنام على حفيف المدائن المنورة… وفي مغارات الغربة، أسأل عن المسافات والسطوح والشوارع الحمراء، والقبور القادمة، فتخفق مني الجناحان، أطير كالطير… هكذا يدخلني الغرق تماما، أنا الولد الموصول بجذع شجرة، ما هم لو كان التاريخ سوطا يؤويني…

وذلك الصباح استيقظت، مشيت طويلا في تلة الزقاق، لا طيور تحدوني، أغمضت عيني على الريح، وسرت أهش على فأسي وبدأت أعانق الغابات وقيامة المسافات… وقفت على مضارب خيمتنا الشاهدة، وناديت من صمتها كل الأبواب:
هذا أنا الولد المسافر
تتعب الطريق من ركضي
وأنا لا أتعب.
1985



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلخيص جراح قديمة
- العربة
- سبعة ( رجال )
- بلاد
- باب انقلاب الحال
- باب-عبس وتولى-
- باب التلقيح
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - الولدعديشان