أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم الشنقيطي - بكاء ملك














المزيد.....

بكاء ملك


زكية خيرهم الشنقيطي

الحوار المتمدن-العدد: 2352 - 2008 / 7 / 24 - 10:28
المحور: الادب والفن
    



عند خروجي من العمل في مساء يفترش القلق على جنبات خطواتي المتثاقلة من شدة التعب. غاضبا حزينا حتى الثمالة. أسير متخبطا في المجهول وأفكاري تبحر مصارعة أمواج الإستياء التي أغرقت روحي في بحر من الأحزان ومازلت أجر جسدي المتهاوي على شطآن أوجاعي المتسكعة في شوارع أسلو ، أمشي بلا هدف ولا أعرف إلى أين؟ ضاعت أحلامي وأملي بين الرياح المجنونة التي رمتني من صحرائي عنوة إلى أحضان البرد والصقيع. لم أكن مستعدا أن أغادر وطني قسرا لأتواجد في وطن جديد بالنسبة لي في كل شيء ولأعمل في مجال التنظيف هذا العمل الشاق على جسدي الذي غادرته سنين الشباب والقوة، فلم ييق منه إلا سنوات أتعبتها الاوجاع لا تتحمل العمل المضني. صراخ المسؤول في وجهي مازال يرن في أذني.
"عندما تكون في العمل عليك أن تركز وتنسى كل شيء. مشاكلك الشخصية لا أريدها أن تزاحمك في عملك. هل فهمت؟ كم مرة قلت لك عندما تنهي من تنظيف المكاتب لا تنسى أن تسقي الزهور وترمي قمامة الأوراق التي تحت درج كل مكتب."
شعرت بالخجل من نفسي، من شاب في سن ابني الاصغر يصرخ في وجهي، لخطأ حصل مني عن سهو بسبب سهري ونهاري الذي يدمن ليلي. لكن لابد من انجاز بحثي العلمي الذي بدأته منذ كنت أعمل في مستشفى ومركز الأبحاث العلمية في وطني. وطني الذي مات فيه الضوء وصلب على جذع ديموقراطية "دموية" من غزو وخلع وشنق واغتصاب بكل الأنواع فخرجنا في ليلة عاصفة ترشف الرعب حيث طرنا وأبحرنا هروبا من القتل عن الهوية، فلا هوية تنفع ولا عقيدة تحميك، الكل مطارد تحت سقف سماء وطن ينزف.

أشعر بالاختناق وكأن اعصارا هب فجأة وعم الفضاء غبارا، أتذكر طلابي في الجامعة وحياتي الهنيئة مع أفراد عائلتي في بيت يحيطه روض من الجيران والأهل والأحباب. انسلخنا عنهم بل انسلخ الكل عن الآخر لننتهي في شرق الأرض ومغاربها و ليغرق بعض منا في مياه البحر ويرتاح. نحن كنا من المحظوظين لنرتاح ونستقر في شقة صغيرة تحيطها صحراء قاحلة من الجيران، لا يسلم عليك أحد ولا يطل عليك أحد، وكأنك نكرة أو أنهم هم النكرة. تلك الشقة التي يحتم علينا مغادرتها بعد سنتين من العقد الموقع من صاحبها، لنبحث من جديد عن شقة أخرى بدون جدوى. مفتاح شقتنا الجديدة ضائع في عتمة اليأس ونحن من غير كلل نتأمل بقعة ضوئية لترشف عنا همّ الانتظار.ألهذه الدرجة قدرنا يقسو علينا، أم نحن الذي بيننا خرابا وأجلسناه كرسي معتوها مليئا بالطرش لا يسمع هدير المياء إلى أن تقيأه الطوفان فصرنا ننعيه بعدما هربنا متنقلين من قارة إلى أخرى ودولة إلى أخرى وها نحن الآن ننتقل من شقة إلى أخرى. ألم يحن الوقت لتستقر أرواحنا من عناء الترحال؟

ضائعا أمشي بين شوارع أسلو ورأسي واحة مليئ بالأسى مفترشا أعماقي الخاوية وخطواتي على أرصفة الغربة تائهة بين الإنسانية والوفاء وبين القلق والجفاء أتعثر باحثا في فضاء تلك المدينة عن أمل يدثر وحشتي الخرساء إلى أن وجدت نفسي داخل حديقة "فروغنر" لأستيقظ فجأة على اخضرار الأشجار وزقزقة العصافير من فوق رؤوس التماثيل الضخمة. توقف تفكيري في تلك اللحظة ولم أعد أرى إلا عظمة مبدع تلك الأجساد الضخمة المصنوعة من البرونز. فجأة تبصر عيني رجلا مسنا يجلس وحيدا وبيده جريدة "الآفتن بوستن" كان ينظر إلى الشمس بابتسامة عاشق أو محب وكأنه يغازلها وأنا في وحدتي ومللي أستهوتني الرغبة للجلوس بقربه والتحدث إليه. توجهت نحو المقعد وجلست بجانبه، التفت إليه بين الفينة والأخرى، لم يعيرني الإنتباه وكأنه غير موجود أو أنا الذي لست موجودا. أخرجت كتابا من حقيبتي أتصفحه لأقتل مللي فإذا بذلك المسن يلتفت إلي ويحيني طالبا أن أعيره الكتاب للحظات. أعطيته الكتاب بفرح، لم أصدق أنني وجدت أحدا يقتل غضبي الذي بداخلي ولو بكلام عابر حول الطقس والشمس وزقزقة الطيور. كنت أنظر إليه وهو يتصفح الكتاب برفق وينظر إلى صورة الغلاف . يهز رأسه، يبتسم ويقرأ عنوان الكتاب بصوت مسموع: " كور فيلوك ، الأسطورة والواقع" هذا الرجل الذي في صورة الغلاف من الذين قادوا دولتنا وعملوا كل جهدهم لكي نصير إلى ما نحن عليه الآن. ثم أضاف بعد لحظات من الصمت، آه على تلك الأيام، يحرك برأسه، " أتذكر ملكنا (أولاف) الذي وقف في طابور مع الركاب ليشتري بطاقة القطار كباقي الشعب. كان حينها إضراب سياسي على البترول. لم يركب سيارته، شارك كبقية افراد الشعب. تصور ....! أذكر ذلك اليوم وكأنه البارحة. انفجر بالبكاء وجسمه يرجف، اندهشت من حالته ومن غير وعي انفجرت أبكي معه دون أن أدري لم أبكي في تلك اللحظة. فجأة يتوقف عن البكاء وينظر إلي جاحظا عينيه المحمرتين مستغربا.
_ لماذا تبكي؟
فاجأني سؤاله الذي أوقف بكائي. قلت له في ارتباك:
_ أبكي على بكائك.
ابتسم وقال:
_ أنا أبكي عن ملك محبوب عندنا. أبكي عن شهامة عن رجولة عن نزاهة، عن حاكم عادل، عن قائد ظل في قلبنا يعيش حتى الآن.
نظرت إليه وكلي خجل وقلت بحرقة تئن من تحت ضلوعي:
_ أما أنا فأبكي عن أورام في قلبي متراكمة، عن حزن غربتي، عن بلد لا تفارقه الحروب، عن شعارات تتقيؤها المنابر، عن ملك مخلوع عن شعب منتشر في بقاع الأرض ينعي الوطن، عن وطن يرثي شعبا نصفه ميت والنصف الآخر يبحث عن مأوى.

مجموعة قصص " العربان في بلاد القرصان" التي ستصدر قريبا.
www.zakianna.se

زكية خيرهم الشنقيطي
أسلو - النرويج



#زكية_خيرهم_الشنقيطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثالثة الثلاثية الشعرية


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكية خيرهم الشنقيطي - بكاء ملك