أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هايل نصر - فن المحاكمة 2 l’Art de juger















المزيد.....

فن المحاكمة 2 l’Art de juger


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 2345 - 2008 / 7 / 17 - 11:00
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


عرضنا فيما سبق لما تطرق إليه مؤلف كتاب "فن المحاكمة", غي توييه Guy Thuillier , قاضي ومدير دراسات في المدرسة العليا للدراسات التطبيقية, في المقدمة, وتعريفه لمعني المحاكمة في الفصل الأول, وللأسس في الفصل الثاني. ونعرض في السطور القادمة للفصل الثالث الذي أعطاه عنوانا, اتخذ صيغة سؤال: كيف نحاكم؟
يذهب في إجابته على السؤال المذكور إلى القول إن عملية المحاكمة غامضة إلى درجة كبيرة, فإذا ما تُركت جانبا قواعد الإجراءات, وقواعد الشكل, والطقوس الخاصة بكل محكمة, فالقليل من الأضواء الخافتة تسلط أحيانا عليها: و ما يهم معرفته هنا هو الآلية الداخلية المطلوب فهمها. ويرى, ولكن بحذر, ضرورة تحليل حياة القضاة, والتي هي متنوعة جدا. ومع ذلك يذهب لوضع رسم تخطيطي بهذا الصدد:
ـ إذا أخذنا, كما يقول, قضية معقدة قليلا في محكمة الاستئناف, يمكننا, لنستطيع إصدار قرار فيها, التمييز بين مراحل متعددة:
المرحلة الأولى:
أخذ ملف القضية والاعتكاف لدراسته مرات عديدة. وذلك في محاولة فهمه من الداخل. وفهم منطقه الخاص, فهم المهم وصولا إلى الأكثر أهمية فيه. استيعابه والسيطرة عليه. (يقال يستحوذ على ملفه مستوعبا إياه). أو انه (مستحوذ عليه من قبل الملف). ولكن الملف غالبا ما يقاوم, و يمتنع عن كشف خفاياه, للوصول لأعماقه ومعرفته كاملا. رغم فطنة القاضي و حدسه.
المرحلة الثانية:
الشروع في محاولة فهم الملف. فيقوم القاضي بجمع كل العناصر. جمع الحجج والوقائع. ما هو ظاهر, وما هو مخفي من الأشياء, أو محرف, أو مزور. وصولا إلى التخمين, والتساؤل حول نوايا الأطراف, ومدى مقدرتهم على الإخفاء, على الكذب. والنفاذ إلى "المناطق المظلمة" فيه, ووضع اليد على ثغراته ونواقصه. وهذا ما يقوده لطرح العديد من الأسئلة, وترقيم الصعوبات, وترتيبها حسب نظام التدرج في الأولويات, ودرجات الأهمية. وفحص الاحتمالات, وإحصاء الأخطاء المحتملة التي يمكن ان يكون قد ارتكبها قاضي الدرجة الأولى.
المرحلة الثالثة:
الاقتراب شيئا فشيئا في التعامل مع الملف, ووضع " الأسئلة الجيدة" وتكوين رأي, وتقديم حل أو حلين ممكنين. وتعتبر هذه المرحلة شاقة وتتطلب وقتا طويلا.
المرحلة الرابعة:
يضع القاضي فيها موضع الشك كل ما يعتقد انه أصبح معلوما لديه, ويمتحن سدادة وسلامة آرائه, ويفكك المجموع, وينتقد الحلول المتوصل إليها أو المحتملة. في هذه المرحلة من الشك النقدي يطرح الأسئلة المتعددة ومنها:
ـ هل هذا الذي أعتقده على جانب من القيمة؟
ـ هل تمكنت من الإطلاع على كل شيء؟ وأحصيت كل شيء؟
ـ هل حلقات السلسلة مكتملة ؟
ـ ما لذي يمكن أن يكون قد تم عمدا إخفاؤه عني؟
ـ هل علي أن أطلب عناصر أخرى؟
ـ هل استنتاجاتي جزئية وغير مكتملة ؟
ـ ما لذي يمكن أن يعارض اطروحاتي؟ ما الذي سيطرحه علي زملائي القضاة ؟
ـ هل الحل الذي أقدمه غير عادل؟ مقلق ؟ تعسفي ؟
ـ ما النتائج التي ستترتب عليه؟ ما النتائج التي قد تترتب على الحل الآخر البديل ؟
لا شك, يضيف المؤلف, أن القاضي يدرك أهمية وضرورة الأدلة المضادة. و انه يعلم بان كل شيء ممكن حدوثه. ويقوم بالمقارنة و الموازنة. فهذه المرحلة غير سهلة. و فيها إنضاج القرار ببطء وهدوء.
المرحلة الخامسة:
يجري العمل فيها على صياغة القرار المتخذ. بناء موجباته منطوقة. وتُراعي الجودة في الصياغة, والتماسك في البناء, والوضوح في المعاني, بمنطق خاص وكلمات موزونة بدقة.
2ـ وهنا يبدو التعسف واضحا في ترتيب تسلسل المراحل: لأنها مراحل متداخلة ومترابطة. فالمرحلة الأولى المتعلقة بفهم الملف تتداخل أحيانا بالمرحلة الثالثة التي هي مرحلة الشعور المسبق. والمرحلة الثانية التي هم الفهم تختلط بالمرحلة الرابعة, مرحلة الشك..
ومع ذلك لا ينعدم وجود خط رئيسي يسمح بالتقدم السريع في هذا المجال. كما يجب التنويه إلى أن نتائج إجراءات التحقيق قد تأتي مغايرة كليا لما يراه . وعليه يجب الاحتياط والفهم الجيد للعوامل الستة التالية المشوشة التي قد تعقد طريقة المحاكمة:
العامل الأول:
الحدس. القاضي الذي لا تعوزه البصيرة, يحذر من الرؤية المغرقة في منطق الأشياء. فهو يرى في الملف ما وراء المظاهر. ويستطيع الولوج إلى داخل مكوناته, يحس بما يتوجب عليه عمله. فالحدس يلعب دورا أساسيا, ولكن من غير المعروف كيف للحدس توجيه إرادة القاضي. كيف يمكنه أن يقوده إلى طريق محدد واضح. كيف له أن يجبره إلى اتخاذ القرارات الجيدة. الحدس يسمح في تسريع عملية المحاكمة: ولكن الجانب الحدسي, كما ينبه, يختلف في درجته ونوعيته اختلافا كبيرا من قاض لأخر.



العامل الثاني:
توقع النتائج. القاضي الحصيف لا يمكنه أن يكون غير مبال بالنتائج التي قد تترتب على قراراته. فهو ملزم بتوقع " ما يمكن أن يحدث بعد صدور الحكم" ( وهذا مصدر قلق وأرق له, وعليه توقع النتائج المحتملة).
العامل الثالث:
الأحكام المسبقة. وهذه مستعصية عن الاستبعاد كليا: فلا يمكن للقاضي التجرد كاملا من أحكامه المسبقة, بما فيها القادم من ضغوط "الأشياء المعروفة", ومن تجاربه الخاصة, ويمكن أن تكون هذه الأحكام من وحي النظام القانوني الذي يدافع عنه, والمصالح "المحتملة" للجسم الاجتماعي.
العامل الرابع:
التصور. الذي يقود للاجتهاد في بعض القضايا الحساسة. ويمكن أن يتضمن ذلك الخلق, أو الإنشاء, والابتكار. ويستطيع ـ حسب مهارته, وشفافيته, و وقدرته على الترميم ـ تحريك وتطوير بعض المبادئ العامة. وقد تعترضه أحيانا ظروف سياسية ,أو اجتماعية, مواتية لتمرير أطروحته. ويثبت بذلك تميزه, ويبحث عن فسحة من الحرية, ويعوض بذلك الفقر أو النقص الذي لم يكمله المشرع. ولكن ماذا يعني «الإنشاء création " بالنسبة للقاضي؟ أليس هذا في بعض الأحيان يحمل خطرا, ومنازع فيه؟ . " الإنشاءات الحكمية (المتعلقة بالأحكام والقرارات)" يمكن أن تثير الحذر. وهي من طبيعة تقود للفوضى واضطراب النظام.
العامل الخامس:
اليقينية. الفقه. بعض القضاة لا يبحثون إلا لبناء مجموع فقهي, بناء نظريات, وصناعة أنظمة ملائمة للقضايا, محل النظر, التي يعرفونها. إعجابهم الكبير بالقواعد القانونية يجعلهم يستهينون غالبا بأبعاد الملف وأعماقه. فلا يضعون مطلقا معارفهم موضع الشك. ولا يتابعون باهتمام كبير إلا هدفا مجردا. وعليه فان هذا النوع من القضاة يتزايد عددهم, وتُحاكى طرقهم في المحاكمة, وطرق استدلالهم الخاصة مما تؤثر في القضاة الجدد.
العامل السادس :
يتحدث المؤلف هنا عن الخطوط غير المرئية. القاضي ليس شخصا مجردا, فقد سبق تكوينه في المدرسة الوطنية للقضاء, حسب أعراف, وله سابقيه وسيكون له تابعون. وهو راسخ في الجسم القضائي. وروح هذا الجسم تلعب دورا في طريقة الحكم, فهناك طرق خاصة في الاستنتاج, والاعتماد على قيم معينة يجب الدفاع عنها, وتقارير, ومناقشة تقارير الآخرين, وإبداء الآراء ( فالقاضي لا يحاكم منفردا), هذه الخيوط غير المرئية التي هي في قلب المهنة, صعب استيعابها, ويصعب الوعي بها , ولكنها تبين الكيفية التي تجعله يختار طريقه الخاص به, بما في ذلك تحريره الأحكام والقرارات.
الواقع أن أصول المحاكمة متشابكة: فهي, كما يراها, كيمياء معقدة, فنحن لسنا بصدد نظام حدسي. ولا بصدد نظام منطق قانوني صرف ( كما يحاول أن يوحي به بعض المعلقين). نحن هنا بصدد نظام مختلط, ضبابي, غير محدد, ولا يمكن إيجاد الطريق فيه إلا بمشقة.
وللحقيقة, انه لا يوجد أمامه إلا بعض نقاط الدعم: لان لا يمكن للقاضي, من حيث المبدأ, الاستناد على سابقيه في الجسم القضائي. ولا على النظريات في مدرسة التكوين المهني (يطلق عليه المؤلف البيت maison كما جرت العادة, أي مكان التكوين). أو على خبرة الحياة ( معرفة الرجال, وأهوائهم هو الشيء القيم للمحاكمة في العمق ـ ولكن هذا لا يمكن امتلاكه إلا في المراحل المتأخرة من حياة القاضي). ويجد القاضي نفسه غالبا مرهقا لمعرفة كيف يمكنه الوصول لإصدار أحكام وقرارات جيدة, تجلب الرضاء له وللآخرين. وأخيرا يستنتج المؤلف, أن ليس من السهل على القاضي أن يصبح لاعبا جيدا في مثل هذه المهنة.
ملاحظة: دعتنا ضرورة التوضيح, في موضوع معقد, إلى التوسع في التصرف في عرض أفكار المؤلف, ولكن مع الحفاظ على جوهرها وتسلسلها.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن المحاكمة L’art de juger 1
- مغترب على أبواب عطلة صيفية Vacances
- ساركوزي و أفول -السياسة العربية- لفرنسا
- في القضاء الدستوري 2 /2
- في القضاء الدستوري./1
- مفتاح لا يعلوه الصدأ بفعل الزمن
- امة تلفظ شبابها 3
- أمة تلفظ شبابها 2
- أمة تلفظ شبابها
- حق الدفاع في المواد الجزائية 4
- 2 الديمقراطية سعي للمساواة
- السياسة العربية. ممارسة فردية وخارج كل مساءلة.
- الديمقراطية. وبعض أوجه الحريات
- ضمير الأمة خارج فعاليات الأمة. القضاة.
- قتل طفل فلسطيني, خبر. مجرد خبر.
- رسالة من مغترب إلى الوطن
- في الشمولية.
- المرأة. المكانة المنشودة.
- في الطفولة
- من أخطاء القضاء الفرنسي 2/3 l’erreur judiciaire


المزيد.....




- رئيس لجنة الميثاق العربي يشيد بمنظومة حقوق الإنسان في البحري ...
- بعد تقرير كولونا بشأن الحيادية في الأونروا.. برلين تعلن استئ ...
- ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في غزة
- تفاصيل قانون بريطاني جديد يمهّد لترحيل اللاجئين إلى رواندا
- بعد 200 يوم من بدء الحرب على غزة.. مخاوف النازحين في رفح تتص ...
- ألمانيا تعتزم استئناف تعاونها مع الأونروا في قطاع غزة
- العفو الدولية تحذر: النظام العالمي مهدد بالانهيار
- الخارجية الروسية: لا خطط لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إ ...
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة تلقيه رشى


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هايل نصر - فن المحاكمة 2 l’Art de juger