أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 23















المزيد.....

معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 23


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2344 - 2008 / 7 / 16 - 10:53
المحور: سيرة ذاتية
    


لا أدري لماذا شعرت أن مدينة بغداد غدت اليوم متجهمة في أغلب مناطقها . الخريف يمشي نحو الناس ويلفهم بكثير من تقلبات الجو بين الحر والبرد وبين صفاء السماء تارة وتلبد غيومها تارة أخرى . أسمع هدير وأصوات السيارات واللوريات المسرعة على الطريق العام كأنها هاربة من مسالخ ذبح الحيوانات . كنت أشاهد حركة الناس الهادئة في الشوارع لكنهم كانوا مسرعين كأنهم مثلي يخشون كشف هوياتهم .
دخلت سميرة إلى غرفة الضيوف التي كنت جالسا فيها ومعها سليمة ربة البيت الذي صار بيتي منذ فجر اليوم . قبل قليل استيقظتُ ، من نوم عميق كما يبدو . لا أدري من هي سليمة التي بدت في غاية الرقة والجمال . هل هي أبنة الرفيق الذي نقلنا بسيارته فجرأ من البياع إلى الحارثية .. هل هي زوجته ..؟ كانت تحمل صينية فيها وجبة فطور أو غداء أو عشاء . لا أدري . على أية حال كانت وجبة كريمة لكنني لم استطع تناول كبابها ولا مرقة البامية ولا رزها ولا لبنها ، بل تناولت قطعة صغيرة من صمون أبيض مع شيء من الخضار والزلاطة وقد كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة . ثم طلبتُ علبة سيجاير روثمان .
قالت سميرة :
ــ هذه هي الرفيقة سليمة . أصرت على السلام عليك ..
ــ أهلا بالأخت العزيزة .
ابتسمت سليمة وقالت :
ــ تهانينا لكم بفوز الحرية . هيأت بعض الكتب سأجلبها لكَ لتتسلى بها بعد تناول الطعام .
ــ شكرا .. ألف شكر .
ثم راحت سليمة تنقل إليّ بعض الأخبار المتحركة في بغداد . يبدو أنها ملمة بكل شيء .
كل بوليس العاصمة العراقية ، بفصائله المختلفة ، صار في حالة إنذار قصوى . سيارات الشرطة وشرطة النجدة تجوب الساحات والشوارع ومختلف المناطق بحثا عن السجناء الشيوعيين الهاربين من سجن الحلة المركزي. عيون الحكومة في حيرة شديدة تدعو أجهزتها جميعا لتفتيش كل سيارة وكل عربة قطار وكل إنسان عراقي. حتى مواقف السيارات صارت فارغة ، هذا اليوم ، فقد قل عدد روادها إلى حد لم يحصل سابقا . همهمات بين الناس . بعضهم مسرور لهروب سجناء من قبضة النظام الفاشي . وبعضهم من القوميين اليمينيين المؤيدين للحكومة في غاية القهر والألم . صارت دوائر الدولة شبه معطلة بانتظار صدور بيان الحكومة ، في الإذاعة والتلفزيون ، عن ما جرى في سجن الحلة . إشاعات كثيرة عن حال وواقع السجناء في سجن الحلة . عائلات السجناء السياسيين توجهوا نحو الحلة لمراقبة ما يجري لأولادهم عن كثب .
قرار سريع صدر الليلة البارحة من حكومة طاهر يحيى يقضي بإغلاق سجن الحلة فورا ونقل جميع السجناء الباقين إلى سجن الرمادي على أن تتم عملية النقل محروسة بالسيارات المسلحة اليوم .
أخبار تقول أن جماهير مدينة الحلة تجمهرت قرب السجن لمشاهدة وتحية السجناء وهم ينقلون على عجل من قواويشهم إلى السيارات الواقفة بباب السجن . بعض السيارات الناقلة تحركت نحو الرمادي وكانت أصوات السجناء من فريقي اللجنة المركزية والقيادة المركزية تعلو في شوارع الحلة : سنمضي سنمضي إلى ما نريد .. وطن حر وشعب سعيد . الناس في الحلة يتجمهرون على الأرصفة وهم يحيون ، بأيديهم ، السجناء المنقولين .
محافظ الحلة شاكر مدحت السعود اصدر أمرا فوريا ، بعد الهروب مباشرة ، بتفريغ السجن الجديد من السجناء وتطويقه من قبل شرطة القوة السيارة من داخله وخارجه ، كما تم احتلال الكراج وتوقيف حارسه ونقله إلى مديرية أمن الحلة للتحقيق معه . المحافظ نزل بنفسه إلى النفق وشاهده من الداخل ، ثم أجرى مكالمة هاتفية من سجن الحلة مع مكتب رئيس الوزراء طاهر يحيى فقيل له أن الرئيس سيصل الحلة بعد دقائق بواسطة طائرة الهليوكوبتر . حال وصوله ذهب طاهر يحيى بصحبة مرافقيه ومحافظ الحلة ومدير السجن ومدير أمن الحلة لمشاهدة النفق من داخل السجن ومن خارجه في زاوية الكراج وقال أمام جمع من رجال الحكومة : أنه عمل جبار .
ثم أصدر أمره باعتقال مدير السجن وعدد من حراس السجن وإحالتهم فورا إلى التحقيق لمعرفة المقصرين والمهملين من العاملين في السجن .
أعضاء وكوادر تنظيمات القيادة المركزية واللجنة المركزية في بغداد كانوا ، جميعا ، في غاية السرور لهذا العمل الثوري الجريء.
دقت الساعة الكبيرة المعلقة في غرفة الضيوف معلنة تمام الساعة السادسة ثم بدأت نشرة الأخبار بإذاعة البيان المنتظر من الحكومة في الراديو والتلفزيون وقد جاء فيه : ( تمكن مساء أمس عدد من السجناء في سجن الحلة المركزي من الهروب عبر نفق محفور من داخل السجن إلى خارجه وعليه فإننا ندعو جميع الهاربين من العدالة أن يسلموا أنفسهم فورا إلى أقرب مركز للشرطة . كما نحذر المواطنين جميعا من تقديم أي نوع من المساعدة للهاربين مما يجعلهم تحت طائلة المساءلة القانونية ، وعليهم إبلاغ الشرطة العراقية عن الأوكار التي لجأ إليها الهاربون ..) .
كذلك أصدر مدير السجون العام تصريحا إلى الإذاعة والصحافة العراقية والأجنبية جاء فيه :
بعد هروب عدد من السجناء من سجن الحلة قررنا إلغاء السجن نهائيا . أن النفق المحفور من داخل السجن ينتهي عند جدار السجن المطل على أحد كراجات السيارات ومدة حفر النفق قدرت بما لا يقل عن ستة أشهر وطوله أربعة عشر مترا وقد هرب أربعون سجينا في الساعة الخامسة والنصف مساء بعـد أن هدأت حركة العمال في الكراج حيث كانت قد وصلت إلى الكراج سيارة حمل من بغداد ، وجاءت بعدها سيارة ركاب من النجف فركبوا بها بحجة إنهم ركاب وبعد خروج السيارة شاهد الحارس ثلاثة منهم يخرجون من الكراج فاعتقد بأنهم لصوص ، وقد تعرف الحارس في حينه على النفق .
إن عمليات حفر النفق كانت شاقة للغاية واستعملوا فيها السكاكين والحديد ، وشرعوا بالحفر في غرفة تستعمل كعيادة طبية للمرضى توجد فيها أدوات وأثاث طبية متروكة فكانوا يحفرون ليلا ويضعون الأدوات في مكانها فوق الحفر إلى أن أتموا الحفر . أني قد أبلغتُ مدير الأمن العام بعد زيارتي إلى هناك قبل أيام بأني غير مرتاح من وجودهم في هذا السجن ، واني أتوجس خيفة من ذلك ، وأننا كنا في طريق اتخاذ إجراءات لنقلهم فسبقونا وتمت عملية الهروب . إن بعض السجناء الهاربين الذين لم يخرجوا من نطاق محافظة الحلة قد ألقي القبض عليهم من أصل الأربعين سجينا الهاربين وما زالت التعقيبات جارية لإلقاء القبض على الآخرين وان الإجراءات الأصولية قد اتخذت لإحالة الهاربين المقبوض عليهم للقضاء لمحاكمتهم .

ونعلن لجميع المواطنين أن السجناء الذين هربوا مع سنوات محكوميتهم هم كل من :

1 ) جاسم محمد المطير / 20 سنه

2 ) حمادي عبد ألله / 20 سنه

3) حسين علي طراد / 20 سنة

4) حافظ رسن / 5 سنوات

5 ) حسين ياسين / 3 سنوات

6 ) عبد العزيز الحامد / 20 سنة

7 ) عبد الجبار علي الجبر / 20 سنة

8 ) عبد اللطيف حسن / 20 سنة

9 ) عبد الأمير سعيد / 20 سنة

10) عبد الحميد غني / 20 سنة

11) عدنان إبراهيم / 20 سنة

12) رياض كريم حبش / 10 سنوات ونصف

13) عادل عباس / 7 سنوات

14) عبد الجبار مال ألله / 20 سنة

15) مظفر عبد المجيد النواب / 20 سنة

16) ريمان عبد ألله / 15 سنة

17) نبيل حسين / 15 سنة

18) غانم داود الموصلي / 5 سنوات

19) عدنان عبد ألله سمعو / 20 سنة

20) أسعد العاقولي / 20 سنة

21) عقيل كريم حبش / 10 سنوات

22) سعدان فهوي / 20 سنة

23) سعد ألله ملا محمد / 12 سنة

24) جياد تركي / 20 سنة

25) كمال مدني / 11سنة

26) محمد حسن حمدي / 10 سنوات

27) صدام حميد / 20 سنة

28) قحطان عارف / 27 سنة

29) محمد موسى كاظم / 5 سنوات

30) علي جاسم خلف / 20 سنة

31) بشير الزرعو / 20 سنة

32) صلاح حسن شاهين / 20 سنة

33) هادي صالح / 3 سنوات

34) محفوظ يونس / 20 سنة

35) جاسم حذو / 15 سنة

36) جواد عبد ألله / 10 سنوات

37) حسين سلطان / 9 سنوات

38) عبد الواحد خلف / 20 سنة

39) حازم صابر / سنة واحدة

40) فاضل عباس / 17 سنة

كانت هذه المعلومات وغيرها من التي وردت في تصريحات وبيانات المسئولين الحكوميين محاولة لآرضاء بعضهم البعض الآخر . كانت عيونهم مغمضة طيلة السنوات الماضية عن معاناة السجناء السياسيين في السجون العراقية كافة . كما كانت آذانهم مقفولة ومحشوة بالقطن لا تسمع ولا تصغي لنداءات الحركة الوطنية في العراق ولا لنداءات الرأي العام العربي والعالمي المطالبة بإصدار العفو العام عن السجناء وإطلاق سراحهم فورا .
تدفقت الأسئلة غزيرة كالدماء إلى جمجمتي : هل أن السجناء الآخرين وصلوا إلى بر الأمان .. هل انتزع حسين سلطان حريته في الوصول إلى مكان أمين .. هل نجح حافظ رسن بالوصول إلى بغداد .. هل وصل الجميع إلى الهدف .. أين هو الآن مظفر النواب.. وأين أصبح حسين ياسين وعقيل حبش .. و الكثير من الأسئلة المقلقة ..؟

لم يكن أمامنا نحن سجناء الحلة غير اجتياز جدران السجن بالإرادة القوية والتصميم المتقن وتحدي القيود الظالمة والصارمة للعودة إلى صفوف الشعب ومواصلة النضال في سبيل الهدف العادل كي يعيش شعبنا سعيدا داخل مساحات وطن حر يصنعه بنفسه .
كنت أدرك منذ طفولتي ، حيث ولدت على شاطئ نهر غير مستقر هو شط العرب ، أن حياتي لن تكون مستقرة إلا إذا تحققت أحلام الشيوعيين العراقيين والوطنيين العراقيين والديمقراطيين العراقيين ، إلا إذا عاش الشعب خارج قفص ، إلا إذا أصبح جزءا من العالم الذي يتغير باستمرار .
لقد كتبنا نحن سجناء الحلة حريتنا بحبر ٍ جديد ،
وفي كتاب ٍ جديد ،
وبأنغام المخيلة الشعرية الصديقة ، مخيلة مظفر النواب ، الذي أسمع في شعره صوت أمي وهي تناديني منذ زمن طويل :
( خلي أيدك على شيبي
واحلف بطاهر حليبي ..)
ظلّ عقلي مركبا ، قبل الهروب وبعده ، على البقاء وفيـّا لهذا القسم .



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 21
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ... الحلقة العشرون
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 20
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 19
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 18
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 17
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 15
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14
- يا نوري المالكي .. خذ الحكمة من باريس ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقضية الهروب من سجن الحلة .. 13
- يا نوري المالكي سيلاحقك العار إلى الأبد إن لم تفصل وزير التر ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12
- معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11
- هزات متبادلة بين مايوهات مجاهدي خلق وفيلق القدس .. العراق هو ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10
- كيف تصبح سفيرا عراقيا بخمسة أيام بدون معلم ..!!
- يا ليتنا كنا في الفضاء الخارجي لنفوز والله فوزا عظيما .. !! ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 9
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 8


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 23