|
دمشق ، عاصمة للمقتلة الجماعية
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2339 - 2008 / 7 / 11 - 11:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جاء إختيار دمشق ـ كعاصمة للثقافة العربية لعام 2008 ، نتيجة لتوافق الأحرف الأبجدية في تسلسل العواصم العربية ، وليسَ لسبب آخر ؛ ثقافيّ مثلاً ! فأيّ مآثر للثقافة ، أضافتها هذه المدينة ، الأسيرة للإستبداد ، كيما يحقّ لها الإفتخار ، حقا ، بذلك اللقب العتيد : أهيَ مأثرة كونها رهينة أطول فترة للأحكام العرفية ، عرفها العصر الحديث ؟ أم مأثرة كونها تنعم بنسبة فقر في نفوسها ، لا يدانيها سوى دول متخلفة ، محرومة تماماً من المصادر الطبيعية وثرواتها ـ كالصومال ، مثلاً ؟ أم ربما مأثرة كون الحريات العامة ، من سياسية وإعلامية وفكرية ، أضحتْ أكثر ندرة في سوقها من العملات الصعبة ، والسهلة ، المحتكرة لأهل السلطة ، المحظوظين ، وأبنائهم وأنسبائهم وأتباعهم وجواريهم ؟ أم لكون خيرة مثقفي سورية ، من كتاب وفنانين وصحافيين وأكاديميين ، إما منفيين في جوانب أرض الله ، الواسعة ، أو رازحين خلف القضبان في سجون البلد العديدة ، والمتكاثرة ـ كجراد الفساد ، السلطويّ ، المزمن في جوعه وجشعه ؟
المقتلة الجماعية ، المرتكبة مؤخراً في سجن " صيدنايا " ، قرب دمشق ، وصلتنا أخبارها من محطات تلفزة عربية ودولية ، فيما إعلام النظام السوريّ ، الرسميّ ـ كعادته ، بقيَ صامتاً بلا حياة ولا حياء ! فحتى لحظة كتابة هذه الأسطر ، لم يُتحفنا أبواق النظام ، الممتقعو الوجوه ، بإطلالتهم الكريمة ، المزبدة المُرعدة ، على أثير هذه الفضائية أو تلك ؛ مما يؤكد الأنباء المتداولة ، غير الرسمية ، عن إستمرار الأحداث المريعة في السجن المنكوب . وإذا ضربنا صفحاً عن الصمت المريب ، من لدن أجهزة الحكومة السورية ، فيما يخصّ الأحداث الجديدة ، فالمرء لا بدّ ويُدهش من صفاقة الذهاب بكاميرا إحتفالية " دمشق ، عاصمة للثقافة العربية 2008 " ـ كذا ، لتتناهى حتى مشارف دير السيّدة ، في بلدة " صيدنايا " ، نفسها . بينما جميع الطرق من وإلى البلدة ، والمفضية للسجن ذاكَ ، سيء الصيت ، قد تم عزلها ومحاصرتها بوساطة الدبابات والآليات الحربية ، فضلاً عن وحدات الأمن والشرطة العسكرية . ولم تراعَ حتى مشاعر أمهات المعتقلين ، المجهولي المصير ، واللواتي دُفع بهنّ بفظاظة بعيداً عن أسوار السجن وبوابته الرئيسة .
بما أننا ما فتأنا ، بعدُ ، في وارد الإعلام ، فلنذكّر بحقيقة تنطع الفضائية السورية ، اليتيمة ، وأخواتها الثلاث من الصحف الرسمية ، الصفراء ، بفيض غزير لا ينضب من الثرثرة ليلاً نهاراً عن " إنتهاكات قوات الإحتلال الصهيوني في سجون الأرض المحتلة " ، أو " تدنيس جنود الإحتلال الأمريكي للمصحف في معتقل " أبو غريب " الخ .. فماذا عن سورية ، نفسها : هل ما جرى ، حتى اللحظة ، في معتقلات النظام من وحشية تفوق الوصف والخيال ، إلى تدنيس للمصاحف في سجن " صيدنايا " ، أخيراً ، هوَ بفعل قوات إحتلال أجنبية ؟ وهل يملك بضعة ألوف من أبناء " الجولان " السوريّ ، المحتل من قبل إسرائيل ، حظوة إيصال معاناتهم لوسائل الإعلام من محلية وإقليمية ودولية ، فيما يُنكر هذا الحقّ ، بتاتاً ، على عشرات الملايين من السوريين ، الموضوعين على مائدة اللئام ، الطواغيت ، منذ خمسة وأربعين عاماً ؟
مقامُ الإعلام ، العربيّ ، لا ينسَلخُ عن المقامات الديمقراطية ، الأوروبية ، التي تنافح عن حقوق الإنسان في العالم الثالث ومن منطلق مصالحها السياسية والإقتصادية ، في أحيان كثيرة . هذا النفاق ، الموصوف ، صار ضرباً من المسلك اليوميّ ، خصوصاً في تعامل الغرب مع الحالة السورية . ولن ندخل هنا ، بطبيعة الحال ، في متاهة هذه الحالة ، الحاليّة ، إن كان لجهة تقاطعها مع ملفات التفاوض مع إسرائيل أو الوضع المأزوم في العراق ولبنان وفلسطين . على أنه لا يمكننا ، أيضاً ، غضّ الطرف عن المحاولات الغربية ، المغطاة إسرائيلياً ، والساعية لفكّ العزلة عن النظام من خلال " فكّ حبل " المحكمة الدولية ، الخاصّة بقضية الرئيس الحريري ، المشدودة إليه عنقه . وليس سرّاً ، طبعاً ، أنه وبمجرّد الإعلان عن نجاح " المساعي الحميدة " للجيران الأتراك في المفاوضات بين دمشق وتل أبيب ، أن نرى " العقدة اللبنانية " ، التي كادت تفجّر حرباً أهلية جديدة في موطن الأرز ، وقد حلت على حين فجأة بيسر وسلاسة وشفافيّة !
بعد إخباتٍ متطاول ، إعتدنا خبث مراميه ، هوَ ذا بيان الناطق الرسمي ، السوري ، يتبجّح أخيراً بالقضاء على ما يسميه عصيان : " عدد من المساجين المحكومين بجرائم التطرف والإرهاب في سجن " صيدنايا " العسكري " . نحن هنا ، أيضاً ، أمام واحدة من أوراق النظام السوريّ ، التي دأبَ على اللعب بها في " بوكر " السياسة الإقليمية ؛ وأعني بها ، مسألة الإرهاب . فبدون أن يرفّ لهذا النظام جفن خجل ، يُسمّي أولئك المغرر بهم بـ " المتطرفين والإرهابيين " ؛ وهوَ نفسه من قام بتجنيدهم عبرَ أزلام التكفير ، المرتبطين مباشرة بأجهزته الأمنية ، الأخطبوطية ، بهدف زرع الفوضى في دول الجوار ، وكانت أبواقه الإعلامية تدعوهم حتى الأمس القريب بـ " المجاهدين والمقاومين " ! الآن ، إذاً ، تصحّ رؤية بعض المراقبين إلى ما كانت تقوم به أجهزة الأمن ، بين حين وآخر ، من حملاتٍ على أوكار أولئك المغرر بهم ؛ وهيَ الرؤية ، التي كانت تصمُ تلك الحملات الأمنية بالتمثيليات ، الدرامية ، الهادفة إلى إمتصاص نقمة الغربيين ، والأمريكيين خصوصاً ، من تناهي دعم السلطة السورية للإرهاب في المنطقة . هكذا ، وبضربة جديدة ـ كمجزرة سجن " صيدنايا " ، الحالية ، تكون هذه السلطة قد قدّمتْ عربونَ صداقةٍ آخر للغرب ، المُصاب بوسواس التطرف الإسلامويّ ، الأصوليّ ، تتوافق مع دعوتها إياه ليكون " إشبين " عرسها مع إسرائيل ، والذي عقدَ نكاحه شرعاً فضيلة الشيخ أردوغان ..
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطلسَم السابع *
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة 2 2
-
أسمهان : أيقونة وأسطورة
-
حَواريّو الحارَة 6
-
النصّ والسينما : بداية ونهاية لصلاح أبو سيف
-
حَواريّو الحارَة 5
-
حَواريّو الحارَة 4
-
حَواريّو الحارَة 3
-
حَواريّو الحارَة 2
-
النصّ والسينما : السمّان والخريف لحسام الدين مصطفى
-
حَواريّو الحارَة *
-
مَسْرىً آخر لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 10
-
أقاليمٌ مُنجّمة 9
-
غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
-
أقاليمٌ مُنجّمة 8
-
عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
-
مسْرىً لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 7
-
قراصنة في بحر الإنترنيت
المزيد.....
-
السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
-
الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال
...
-
السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت
...
-
سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
-
عملية احتيال أوروبية
-
الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
-
-بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ
...
-
مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا
...
-
عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
-
إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|