|
إبداعات مغربية
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:20
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
1- يد الوزير لمحمد صوف رواية "يد الوزير" للكاتب المغربي محمد صوف ، الصادرة سنة 2006 عن منشورات أمنية، تتخذ من حدث طريف نقطة ارتكازها ، و طاقة مولدة للحكي في متنها، هذا المتن الذي يقع في 87 صفحة من الحجم المتوسط ، ويتمثل هذا الحادث في امتداد يد وزير شاذ نحو مؤخرة امرأة أمام زوجها و ملامستها ، تقول الزوجة التي تعرضت للحادث " تأهبت للخروج فامتدت يده اليمنى نحو وركي الأيسر و ربتت عليه بإمعان " ص 10 .. هذا السلوك المشين الصادر عن الوزير صاحب العين الزجاجية ، الذي يحيل على شخصية واقعية كان الزمن المغربي الرديء قد ابتلي بها في فترة من فتراته الكالحة ، يؤزم نفسية الزوج و أصدقائه ، الذين تعاطفوا معه فقرروا الانتقام من الوزير ، ثم التحق بهم- بعد ذلك- آخرون كانوا قد صادفوا الوزير في حياتهم و نالوا منه نصيبا من الإهانة .. شعر الوزير بما يحيط به من جو متوتر ، يحاول تضييق الخناق عليه شيئا فشيئا ، فأصابه القلق ، و تداعى في نفسه بداية التفكك الداخلي ، فلننصت إليه و هو يقول في الصفحة 13 " هذا الصباح عندما استيقظت أحسست برغبة جارفة للوقوف أمام المرآة .. تأملتني جيدا ...عيني اليمنى الزجاجية كانت تعكس صورة امرأة المصعد و ظل رجل .. حاولت أن أبتسم فرأيت الفم امتلأ أنيابا" ،لكنه - مع ذلك- تمادى في سلوكه المشين الحاط من قدر الآخرين، فيهينهم في أعماق أعماقهم ، خاصة من خلال امتداد يديه الآثمتين نحو مؤخرات زوجاتهم .. وبينما يعيش الوزير على وقع ظروفه الجديدة، التي ولدها تخطيط بعض المواطنين للانتقام منه، يلتقي بشابة في مكان عمومي ، يسيل جمالها و رقتها لعابه ، فيرسل إليها- كعادته - أحد مرافقيه ليستدرجها نحوه ، غير أنه يكتشف أن الفتاة مثقفة و واثقة من نفسها ، بل هي في الحقيقة بركان مشتعل ، يحرق لهيبه كل من اعترض طريقه ، و إذا بها ترفع صوتها متحدية صلافته ، فترد على مرافق الوزير ، بينما هذا الأخير- أي الوزير- يتلقف متحسرا -من مكانه غير البعيد- كلماتها النارية " قل لوزيرك إني لا أخشى سلطته ، قل له إنه ضعيف لأنه يعتمد على زبانيته و نفوذه .. قل له إنه لا يفهم قيد أنملة في الحياة .. قل له إنه متسلط.. عبد لنزواته... قل له إن وجود أمثاله يعزى إلى الجهل السائد في هذه البلاد و فساد الجهاز الذي ينتمي إليه..."
هذا الموقف الشجاع من الفتاة يعزز الإحساس بالذنب لدى الوزير و يقوي في داخله الشعور بالإحباط ، فيبدأ يختفي تدريجيا من الحياة العامة ، خاصة أنه أصبح ضحية لنوبات عصبية مفاجئة أدت إلى فقدانه القدرة على النطق ، بعد ذلك يصاب بشلل شبه كلي ، مما يجعله يلازم كرسيه المتحرك، خلال هذه الفترة الحرجة من حياة الوزير ستشرف عليه و على كرسيه المتحرك ممرضة مختصة .. والغريب أن الوزير رغم ما أصيب به ،فإنه لم يتخل عن عادته القبيحة ، إذ تروي الممرضة أنها حينما تتجول به في الشارع و يقع بصره على امرأة، فإنه يتوتر و يشير إليها بأن تتقدم به نحو المرأة ، محاولا أن يمد يده نحو مؤخرتها ، وهذا ما جعل الممرضة تستقيل من وظيفتها لدى الوزير الشاذ.
" يد الوزير " رواية طريفة ، وتستثمر تعدد المنظورات السردية و الرسائل و المذكرات ، كما توظف لغة سردية ناضجة و خالية من الحذلقة اللغوية أو المزينات البلاغية .. إنها رواية تستحق القراءة و الاهتمام.
2- السيل لأحمد التوفيق.
اختار الكاتب المغربي أحمد التوفيق أن يركز في روايته "السيل " الصادرة عن دار الأمان سنة 1998 على مسار الشخصية و التحولات العميقة التي طالتها في حياتها ، فعلى امتداد 150 صفحة من الحجم المتوسط تسرد الرواية قصة الشخصية الرئيسية "محمد بيزين" ، انطلاقا من مسقط رأسه في إحدى قرى الأطلس النائية ، التي تكاد تكون منعزلة عن العالم ، فنعرف منذ بداية الرواية أن هذه الشخصية ولدت في ظروف استثنائية من أب عطار و أم خادمة ، وحين يأتي هذا الطفل إلى الدنيا يجد نفسه يتيما ، لا أحد يذود عنه أو يحميه من عدوانية الآخرين و قسوتهم ، ينمو تدريجيا وسط الاحتقار و اللامبالاة ، ثم يكلف برعي البقر إلى أن يشتد عوده فيكلف برعي الغنم ، هذا العمل سيجعله يسيح على وجهه في الأرض بعيدا عن أعين الأهالي المزدرية .. يكبر الراعي و تكبر معه أحلامه إلا أن المكيدة و الغدر يكونان له دوما بالمرصاد ، فيصاب بداء القرع، الذي يجعل طباعه تصبح أكثر حدة، و يغدو قلبه أكثر قسوة تجاه من حوله .. في غفلة من الجميع تربطه علاقة غامضة بامرأة تدعى"لومي " فتصبح مستودع أسراره و أحلامه و فحولته .. يأتي السيل بغتة ، وهو نائم ، فيجرف غنمه ، فيسجن في القرية و يستدعى الدرك الفرنسي ، الذي يبدي تعاطفا معه أكثر مما أبداه أبناء جلدته . يخلصه الدرك من سيده ، فيشرع في الاشتغال لحسابه الخاص ، يستمر في ذلك إلى أن يلتقي برجل تاجر، تتوطد ثقته فيه ،فيأخذه معه إلى المدينة و يبحث له عن عمل عند أحد المعمرين الفرنسيين في معمل مختص في عصر حبات الزيتون.. يجد " بيزين" في عمله و ينجح فيه مما يجعل الفرنسي يقربه منه ، بل و ينقله إلى بيته بإيعاز من زوجته مدام "فيبي" ، لكن اضطرابات في المعمل تدعو الفرنسي لإعادته نحو عمله الأول ، فيعود إليه و قد اكتسب نفوذا و سلطة أكبر. يصادف هذا الرجوع تأجج حركة النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي ، فينخرط محمد بيزين أو الكابران محمد في هذا العمل من خلال تنظيم حملات لجمع المال للوطنيين ، هذا العمل سيؤدي به إلى السجن و التعذيب ، لكن تدخل زوجة الفرنسي لدى الحاكم ، ستكلل بالإفراج عنه رفقة بعض رفاقه. يحصل المغرب على استقلاله السياسي و يعود الكابران محمد إلى قريته الاصلية فتحدث تطورات لم تكن في الحسبان. توظف رواية" السيل" كباقي روايات أحمد التوفيق لغة بسيطة و سلسة ، تراهن على التواصل و تهتم بنقل الحكاية أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر ، وكأن كاتبها و هو يدبج أحداثها يضع عينا على الأدب و عينا أخرى على السينما ، لأن نص "السيل " يمتلك كل الإمكانات ، التي تؤهله لكي يتحول إلى سيناريو شريط سينمائي.
3-خبز أسود.. خبز أبيض لمحمد الحاضي
عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة، صدر للكاتب محمد الحاضي مجموعة قصصية جديدة ،اختار لها كعنوان " خبز أسود .. خبز أبيض " ، و تقع هذه المجموعة الصادرة سنة2007 في 68 صفحة من الحجم المتوسط ، وتضم بين دفتيها سبع عشرة قصة قصيرة ، نذكر منها طائر البقر و القنديل و فانطازيا و محكيات قصة مؤجلة و غيرها. وتتميز القصة القصيرة في "خبز أسود ..خبز أبيض " لمحمد الحاضي بعدة خصائص أهمها: - اهتمامها بأجواء الطفولة و تفاصيلها الحميمية ، والمتمثلة في تلك النظرة الطفولية المندهشة تجاه عالم الكبار ، وخصوصا الأم و الجد و المعلم و فقيه القرية و غيرهم. -تركيزها على عالم البادية من خلال التنقيب العميق في ذاكرتها و النسج من فسيفسائها عالما قصصيا باذخا و مثيرا للاهتمام ، وكأن القاص عمد إلى إنصاف الإنسان البدوي فمنحه الفرصة للتعبير و الكشف عن ذاته من خلال هذه المجموعة ، و وعيا منه بصعوبة التواصل مع هذا العالم الذي ينسرب من بين أيدينا تدريجيا ، جاءت القصص مذيلة بكثير من الإحالات التي تسعف في فهم بعض العبارات التي هي في حكم المنقرضة. - التعدد اللغوي ، إذ يراهن القاص في قصص المجموع على المزج بين مستويات لغوية متعددة من الفصيح إلى الدارج مرورا باللغة الفرنسية، لذا نجد قصصا بعينها إما معنونة باللغة الفرنسية ، أو كتبت باللغة العامية،أو تخترقها عبارات عامية دالة . - المزج بين الطابع الكتابي للقصة و الطابع الشفاهي ، فالقصة عند الحاضي تكتب نصها و كأنها تحكيه شفهيا و تحكيه و كأنها تكتبه ، إذ الخط الفاصل بين الشفاهي و الكتابي في النصوص يبدو دقيقا و من الصعب الوقوف عند حدود كل منهما ، وربما لهذا السبب تميزت القصص في المجموعة بحيوية ملحوظة. - حضور الطابع الساخر في القصص ، فالقاص حريص على التقاط المشاهد الساخرة ليؤثث بها قصصه ، لذا ستفلح - لا محالة- كل قصة من قصص المجموعة في انتزاع الابتسامة من القارئ ، إذ أنها قصص تسخر من كل شيء، حتى من تلك الأمور الغارقة في "قداستها" لكل هذه الأسباب و لغيرها تعتبر المجموعة القصصية "خبز أسود .. خبز أبيض " من المجاميع القصصية المتميزة التي تستحق كثيرا من الاهتمام.
4- موال على البال للمصطفى كليتي صدر حديثا للكاتب المغربي المصطفى كليتي مجموعة قصصية جديدة وسمها ب "موال على البال "، و تقع هذه المجموعة التي تزين غلافها لوحة جميلة للفنان محمد لكليتي في 108 صفحة من الحجم المتوسط، و تضم بين دفتيها ثماني عشرة قصة ، تتفاوت من حيث طولها و تنوع أساليبها و تقنيات كتابتها . ونذكر من هذه القصص أين ذهب الرفاق ؟ و حكاية بذيل و رأس مقطوع و ككل صباح و رأيت العيد يبكي وغيرها. وتتميز القصة القصيرة عند المصطفى كليتي بانفتاحها على الغرائبي والفنطاستيك و عالم الحيوانات دون أن تدير ظهرها لتيمات الواقع ،كما أنها تعض بالنواجذ على اللغة الفصيحة التي يرصعها المجاز ، و تراهن في بناء المعنى على المواقف الساخرة و الفكاهة ، ومن قصة " حكاية قيس و ليلى نقرأ " على ضوء القمر العسجدي أردفت "ليلى بنت الأكابر" "قيس" ابن الأصاغر على دراجتها النارية الفارهة ، انقذفت عجلى طاوية مسافة الطريق المسفلت بسرعة جنونية ، كانت ليلى تفرد ذراعيها مستحضرة "روز " و "جاك" بطلي شريط "تيتانيك" الذي شغفت به.. عند ربوة تنهض شاهقة"......" أوسد قيس ذراعيه لحبيبته ليلى"....." جاعا فأكلا سندويتشات" الهمبورغر" الطازجة ، وقضما رقائق "شيبس" و انتعشا بشراب عذب منعش..
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السرد الروائي في رواية - رجال وكلاب- لمصطفى لغتيري
-
روايات مغربية.. 2
-
مميزات القصة القصيرة جدا ومرجعياتها الثقافية والواقعية (أضمو
...
-
روايات مغربية
-
التخييل القصصي القصير جدا في تسونامي
-
ملامح شعرية في المجموعة القصصية -تفاح الظل- لياسين عدنان*
-
قصص قصيرة جدا من - مظلة في قبر-
-
حوار مع مصطفى لغتيري بمناسبة صدور -تسونامي-
-
-الشيء ونقيضه -ثنائية فلسفية عميقة تؤثث ديوان -بين -ذراعي قم
...
-
المفارقة والسخرية في مجموعة (تسونامي)*
-
قصص قصيرة جدا من تسونامي
-
قراءة في حب على طريقة الكبار لعزالدين الماعزي
-
المغرب بلد قصصي بامتياز
-
السخرية والغرابة في رجال وكلاب لمصطفى لغتيري
-
حوار مع رئيس الصالون الأدبي المغربي
-
عندما يطير الفلاسفة
-
حوار
-
بيت لا تفتح نوافذه لهشام بن الشاوي
المزيد.....
-
فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ
...
-
تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق
...
-
السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا
...
-
الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو
...
-
بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو
...
-
شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك
...
-
دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
-
مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر
...
-
قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
-
مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة
...
المزيد.....
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
-
دستور العراق
/ محمد سلمان حسن
المزيد.....
|