|
بريشة العالم الوردي .. لوحة اطبائنا في المستشفيات
نبيل قرياقوس
الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 10:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
متابعة لرسم لوحتنا السابقة حول عيادات اطبائنا ، حدثني صديق ، قبل حوالي عقد من الزمن ، عن طبيب افتتح عيادته الخاصة بتفكير تجاري انساني ، حيث اجتهد عدم جبي اي اجور اجبارية محددة من مرضاه ، فاسحا المجال لهم لاعطاء ما يتمكنونه في صندوق خاص ( يشبه صندوق التبرعات ) مثبت على احد جدران العيادة قبل مخرجها ، كان طبيبنا يتوقع ان يسد الميسورون العجز في مدفوعات المرضى الفقراء مع ربح مضاف له ، الذي حصل ان الطبيب اكتشف بعد فترة ان استمرار العمل بهذا الاسلوب سوف لن يؤمن له كلفة الايجار الشهري لعيادته ! في حادثة اخرى ، زميل اخر لي ، ميسور الحال جدا ، يملك عمارات في ( الشيخ عمر ) ، رغم انه يشكو دائما فقر الحال وقلة العمل امام الذي لا يعرفه ، اراد قبل سنين ان يجري عملية جراحية لاذن والدته ، كانت ستكلفه ( كذا ) مبلغ اضافة الى خطورتها لكون والدته امرأة طاعنة في السن ، نصحته ان يعرضها على طبيب اعرفه جراحا ذكيا ومختصا بامور الاذن ، عمل هذا الزميل بنصيحتي وراجع ذاك الطبيب الذي ابلى بلاء طبيا ممتازا مع المريضة ، حيث عالجها في الحال بعدد طبية وادوية خاصة جدا يملكها في عيادته بحيث خمدت الامها في الحال ، واكد الطبيب المبدع عدم حاجة المريضة الى اي عملية جراحية ، وفي النهاية طلب اجرة قدرها عشرة الاف دينارا بدلا من خمسة الاف دينار مضمنا اياها كلفة الدواء والعلاج . زميلي ( الكريم ) عاتب الطبيب عتابا مرا على اجوره العالية وجائني يشكو من طمع الاطباء !! دونت الحادثتين اعلاه لاكون منصفا في استكمال رسم لوحة عيادات اطبائنا ، ولاوضح ان لبعض مراجعينا قصورا في جوانب تخص عيادات قسم من الاطباء . كان الاطباء العاملون في المستشفيات الحكومية حتى منتصف القرن الماضي يؤدون عملهم بشكل مقبول حتى لو كان للاستشاري منهم عيادة خاصة يعمل بها بعد الدوام الرسمي ، فمعضم العراقيين يجرون العمليات الجراحية التي يضطرون اليها في المستشفيات الحكومية دون تفكير فى مستشفيات خاصة لجودة الاطباء وخبرتهم وحرصهم ، ولقلة المستشفيات الخاصة اصلا واجورها العالية جدا . الا ان عاما بعد اخر ، وبسبب تطور الحالة الاقتصادية تارة كما حصل في السبعينات ، او بدء حروب القتال والحصار ومصائبهما تارة اخرى في عقدي الثمانينات والتسيعينات ، تنامت ظواهر الاهمال والتقاعس لدى اغلب اطبائنا في وظائفهم الحكومية مع ازدياد الحاجة والطلب عليهم ، حيث تفاقمت وقائع اهمال فحص المرضى ومعالجتهم في المؤسسات الطبية الحكومية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق الحديث ، وليجبر المرضى على مراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة ، بينما اثرت هذه الاجواء على الكوادر الطبية الاخرى والدنيا خصوصا وليعبثوا وليفقدوا مهنتم اغلى قيمها الانسانية ، لا بل انحدرت تعاملاتهم حد الجريمة بحق الانسانية ، فمريض او جريح لا يسعف وسط المستشفى لولا وجود من يدفع عنه ما يسمى بـ ( الاكرامية ) وفي كل خطوة من الخطوات داخل المؤسسة الصحية الحكومية ! كان للوضع السياسي والاقتصادي للبلد عامة ، ولاسلوب الادارة في تلك المؤسسات الطبية الحكومية الاثر الواضح في الانحراف الخطير الذي دب في شرف مهنة الطب وذوي المهن الصحية ، فرواتب هزيلة مقابل جهود مضنية مطلوبة ، في ظل تسلط شخصيات حزبية لا تجيد التعامل مع الكوادر الطبية والصحية لضمان استمرار عملها المقدس بالمسار الانساني المعقول ، مذكرين بسواد ظروف امن دكتاتورية اصبح في ظلها بامكان اي موظف امن الصاق التهم الكيدية باي رجل طب اوعلم اوفكر لمجرد كلمة ينطقها مخالفة لمسار الحكومة ، ليبتز منه ما يجعله غنيا في ساعات ، وما كان على الاطباء ( المشهورين منهم خصوصا ) الا الاستعداد لحماية انفسهم بجني المزيد من المال ليكون خزينا يساعدهم في محنهم المتوقعة او مغادرة البلد .
ازاء هذه الاوضاع ، ظهرت حالات اجتماعية تنتقد الاطباء في العراق عموما ، كما تتهم بمرارة الكوادر الدنيا في المؤسسات الطبية الحكومية ، لتقصيرها في اداء مهنتها الانسانية التي يفترض بها المواطن العادي ان لا تكون لهاعلاقة بـ ( الفلوس ) ، العراقيون باتوا دون استثناء يعرفون ان الطبيب او الممرض الفلاني يقابل مراجعيه في المستشفى بحدة وغضب دون ان يؤدي واجبه صحيحا تجاههم ، بينما يقابل نفس المرضى في عيادته او مشفاه الخاص بترحاب وصبر مقابل كثير من المال . هذه الاوضاع ازدادت وضوحا وطرديا باشتداد ازمة الحروب والحصار الدولي على العراق ، اي بازدياد فقر وحاجة سواد العراقيين ، وذاك ما ادى الى تولد انطباع مؤلم جدا لديهم عن الاطباء وكوادرهم الصحية عمقه يتناسب والمكانة الخاصة العالية التي يتمتع بها الاطباء في مجتمعنا ( كما اوردناها في مقالنا الاول الذي ابتدأنا فبه رسم لوحة اطبائنا ) . لازلنا نحاول اكمال اللوحة بمزيد من الخطوط التي تملء فراغات واسعة ، فقبل ان ندخل عام 2003 لابد ان نوضح صورة ( شرح طبيبنا لمرض مراجعه ) ، وهل يوضح له ماهية ادويته ؟ امامنا الكثير من العمل .. ساعدوني بمتابعتكم مقالي المقبل .
نبيل قرياقوس بولص
#نبيل_قرياقوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بريشة العالم الوردي .. لوحة عيادات اطبائنا
-
بريشة العالم الوردي .. لوحة اطبائنا
-
بريشة العالم الوردي .. لوحة زوجاتنا وازواجنا
-
بريشة العالم الوردي .. لوحة حادثة
-
صباح الخير سوسن
-
نعم لقانون يحمي المغفلين وغير المغفلين
-
عاصفة حب وورود
-
مناهجنا التعليمية والبعد الثالث في صورى حركة المجتمع العراقي
-
موظفو حصار محترمون
-
تحقيق عن التعليم في العراق
-
اغنية للام
-
lممثلون
-
رقص شرقي
المزيد.....
-
نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض
...
-
أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
-
الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
-
غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز
...
-
-حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
-
قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
-
ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب
...
-
حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
-
إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
-
سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|