أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - الزكريتي عبد الرحمان - هوامش المغرب كلها -سيدي افني-















المزيد.....

هوامش المغرب كلها -سيدي افني-


الزكريتي عبد الرحمان

الحوار المتمدن-العدد: 2330 - 2008 / 7 / 2 - 10:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


إن الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها المناطق المهمشة في المغرب، والتي أصبحت تتتالى بشكل متسارع، هي تعبيرات عن انفجارات جزئية، وتعبير عن الضيق الذي تعيشه الفئات الأقل حظا في المجتمع المغربي. إنها امتداد لمقاومة القهر والضعف والاستغلال والحرمان الذي تبين عنه التكتلات الاجتماعية الصغرى في وجه الأجنبي الطامع في خيرات بلدها كلما أدركت ووعت ذلك. لأن جذوة المقاومة لا تشتعل ثم تفنى في كيان المجتمع عبر لحظات تاريخية متقطعة، بل هي طاقة الدفاع عن الوجود التي تتحرر باستمرار في أشكال متعددة من التعبير عن رفض إضعاف المجتمع أو القضاء على وجوده. هذه الذات الجماعية، التي قد تتسع لأبعد من حدود الوطن الواحد كما قد تضيق إلى حدود الأسرة كأصغر وحدة اجتماعية، تبقى محتفظة بدينامية الدفاع الواعي عن مقومات وجودها واستمرارها. إن كل مجتمع يرفض دائما من يقصيه ويرفضه ككيان ذي وجود مادي ورمزي. فالمبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الوجود الاجتماعي الإنساني هو اعتراف الآخر به واعتباره.
إن الانتماء إلى الوطن يعني الانتماء لكيان اجتماعي منسجم "نحن"، موحد الأهداف والغايات، متكامل الأدوار والتضحيات، ومنظم الحقوق والواجبات وفق مبادئ وقيم وقوانين تضمن كرامة الموطن وأمنه وتحرره من الخوف والتهديد الخارجي. والإنسان بهذا الانتماء يصبح جزءا من كل، وعضوا من جسد، ووحدة صغرى من بنية متكاملة.
إن الدولة الحديثة التي أصبحت تعمل على التنظيم العقلاني لمصالح ورهانات مجتمعاتها وتدبير أولوياتها وصراعاتها لا تكف عن محاولات التنبؤ المستمر بالاضطرابات والقلاقل الاجتماعية التي يمكن أن تنشأ داخلها. وتتطلع بالمقابل لبناء علاقات اجتماعية قائمة على التضامن والتعاون الإرادي داخل المجتمع الواحد، فتعتمد الهندسة الاجتماعية لخلق التوازن بين مطالب مختلف مكوناته، وإزالة أسباب الأزمة قبل انفجارها من خلال استراتيجيات شاملة ومتكاملة العناصر.
أما في البلدان التي مازالت مجتمعاتها تعيش تحت أنظمة حكم السلطنة، والتي لم يبرز بها مفهوم المواطن كواقع متحرك وفاعل، فإن الهاجس الأمني بمعناه التقليدي مازال المتحكم في مختلف الاستراتيجيات والمخططات التي تصوغها وتنفذها تحت عناوين تدبير الشأن العام. إن دلالة الأمن لا تنقسم، فالأمن السياسي ليس منفصلا عن الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي والأمن الثقافي. إن المجتمع يعبر عن نفسه بأبعاد مركبة ومتكاملة يصعب الفصل بينها وعزل بعضها عن بعض.
لعل ما شهدته منطقة سيدي افني وقبلها مناطق أخرى بمختلف جهات المغرب مثلا، هو مؤشر على أزمة اجتماعية أكبر من أن يتحكم فيها بكسر عظام المحتجين أو ترهيبهم بالعقاب البدني والنفسي. واستمرار المضي في هذا الاختيار تعبير عن الإصرار على تعميق الهوة بين الدولة والمواطنين. وكل خطوة في هذا الاتجاه تقود حتما إلى نزع الثقة من مؤسسات الدولة وإعادة انتاج العلاقات السلبية التي سادت عقودا من الزمن بين المجتمع والنظام السياسي بالمغرب. فذاكرة المجتمع مازالت مثقلة بتجارب الصراع مع الدولة "المخزن"، وما زال نموذج المخزن الذي لا يتقن غير لغة العنف والعقاب يسكن تمثلات عموم المواطنين وتصوراتهم حول الدولة.
إن الدولة، بهذا الاختيار التقليدي، تعيد إنتاج صورتها كجهاز أمني وعسكري، ونظام رقابة وعقاب، وبذلك ستظل في موقع تخارج إزاء عامة المجتمع، وستمثل الآخر الذي يهدد أمنه بدل احتفاظها بدور الحامي الذي يعتمد عليه لدفع التهديدات الداخلية والخارجية. فحماية مصالح فئات محظوظة على حساب مصالح عموم المواطنين هو كسر عظام دولة الحق والقانون، ودفع الناس للقبول بهذا الواقع عن طريق العنف المادي هو نزع لروح هذه الدولة. فالواقع الذي أصبحت تعيشه الفئات العريضة الفقيرة والمهمشة في المجتمع مقارنة بواقع الفئة المستأثرة بالحصة الأكبر من خيرات البلد، لا يدفع إلا إلى مزيد من الاحتقان. واللجوء إلى العنف للتخفيف من هذه الأزمة هو صب للزيت على النار، كما يقال.
لعل حساسية ودقة المرحلة التي يمر بها المغرب حاليا تستدعي حكمة في التعامل مع الوضع الاجتماعي، حتى لا يتم تفجيرة تحت شعار معالجته. لأن المعالجة الأمنية بالمعنى التقليدي لكلمة الأمن قد ثبت فشلها في كل التجارب السابقة. وستكون أكثر المعالجات سوءا في هوامش البؤس والفقر والحرمان. وإن حرص الدولة على عدم التجاوب مع مطالب المحتجين المعيشية وأخذها بعين الاعتبار، وتأخير الدخول في نقاشات جادة بشأنها، لا يزيد الهوة بين الدولة والمواطنين إلا اتساعا.
إن مطالبة الدولة المواطنين بالطاعة لا يبنى على الوعود والخطابات السياسية، بل إن الطاعة تأتي كنتيجة حتمية لتوفر الثقة بين الحاكمين والمحكومين. فمتغير الثقة، هذا، هو الذي من خلاله تتحرر مختلف أشكال القبول والرفض، وبالتالي أشكال الخضوع والمقاومة. وبين هذين الحدين تقع مساحة الشك والريبة والقلق، مساحة الاضطرابات الاجتماعية المتوسطة. إن الثقة الجماعية تقوم في المجتمع العام على التجربة والمعاينة بالأساس، ولا تقوم على الشعارات والأساليب البلاغية وخطابات السياسيين.
إذا كانت السياسة هي فن تدبير الممكن حسب التعبير الشائع، فإن الممكن في المركز ليس هو الممكن في الهامش. لذا فحل أزمات الهامش يجب أن يأتي من دراسة واقع هذا الهامش والإنصات الموضوعي العلمي والبارد له، قصد فهمه، من أجل ضمان نجاعة الحلول المقدمة كوصفات لتجاوز أزماته. فالتخطيط الذي ظل يحتكر المركز أبجدياته وأولوياته وفق تنظيرات نمطية لم يدفع بالبلاد إلا إلى مزيد من التأزم. وبالتالي فالبحث عن الحلول يقتضي الإنصات العلمي لمطالب المحتجين وأولوياتهم وحاجاتهم التي يدركونها بأنفسهم، وليس سجنهم وعقابهم، ثم أخذ القرارات والتخطيط والتنفيذ بدلا عنهم. والإمعان في ممارسة سياسة الإقصاء في حق مجتمع صغير كامل الانتماء للمجتمع المغربي العام، يحرم من حقوقه في اقتسام الموارد والخيرات المادية التي تزخر بها منطقته، والتي يجني معظم أرباحها فئة من المحظوظين، لن يشجع سوى على ولادة أشكال جديدة لمقاومة هذا الإقصاء وتفريخ للمواقف السلبية تجاه الدولة. وإصرار المسؤولين على صم الآذان هو إصرار على تسميم الوضع المتردي أصلا، وإفراغ لمؤسسات الدولة السياسية من وظائفها.
ما حدث بسيدي افني لا ينفصل عن سلسلة الأحداث التي عرفتها العديد من المناطق المغربية المهمشة خلال الأشهر والسنوات الأخيرة الماضية ، كما أنه يعبر عن واقع مرشح ليتكرر بأكثر من منطقة مغربية أخرى. ليس لأن المجتمع لم يستوعب دلالات الحرية والديموقراطية ودولة الحق والقانون التي انطلقت مع العهد الجديد، فيقوم باستغلالها بشكل سيئ، بل لأن صورية وغموض هذه المفاهيم في الواقع السياسي المغربي، واستهلاكها كيفما اتفق، وبالمعنى النقيض أحيانا لتمرير المصالح السياسية الخاصة، هو ما دفع الناس للبحث عن البدائل. إن مفاهيم الحرية والديموقراطية والحق والقانون لا تسكن ظلمات القلوب ودهاليز الخيال والتأملات، بل هي قيم تتجول في الشوارع وتعيش تحت الشمس وتنظم علاقات الناس داخل المجتمع وتحت راية الوطن.
إذا نطقت اليوم سيدي افني من فرط الألم، فلأنها أدركت بحدة معنى الإقصاء وسلب الحق داخل الوطن. وقد تلهم بتجربتها، مع مرارتها، الكثير من المناطق الأخرى التي تماثلها أو تقاربها من حيث الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ولكن هذه التجربة، بالتأكيد، ستحفز التفكير أكثر حول رصيد المغرب من ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المواطنة بعد شعار القطع مع سنوات القمع والجمر والرصاص، مع براءة الزمن وتقسيماته من ممارسات المتسلطين وقاهري الشعب خلال هذه الحقبة، هؤلاء الذين مازالوا يعيدون إنتاج لقطات ومقاطع من مسلسل تلك الفظاعات.
إن صدور صوت الاحتجاج من سيدي افني، ليس تعبيرا عن أزمة تنموية شديدة وخاصة بهذه المنطقة فقط، بل هو إنذار آخر بتسارع اتساع مجال صدى الرفض الذي انطلق قبل أكثر من عامين في مناطق أخرى من المغرب. والكثير من المناطق المغربية المهمشة ما زالت ساكنتها تتألم في صمت، ولا أحد يستطيع التنبؤ بحدود قدرتها على التحمل.




#الزكريتي_عبد_الرحمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - الزكريتي عبد الرحمان - هوامش المغرب كلها -سيدي افني-