أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد احمد الزعبي - تاريخنا وبقايا صور















المزيد.....

تاريخنا وبقايا صور


محمد احمد الزعبي

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 10:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هذا العنوان هو اسم لكتاب صدر عن مجلة العربي الكويتية في شهر اكتوبر 1989 للمؤرخ والأديب العربي الكبير المرحوم الدكتور شاكر مصطفى ، والذي ــ أي الكتاب ــ وأنا أعاود قراءته للمرة الثانية هذه الأيام ، شعرت وكأن هذا الكتاب قد كتب عام 2008 وليس 1989 ، وتمنيت لو أن كل مثقف أو حتى مواطن عربي يقف على ماورد فيه من صور وأفكار تمثل وتعكس وتنبئ ــ رغم قدمها النسبي ــ ماوصلت إليه حال أمتنا العربية من المهانة والتخلف على يد منتصري الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرين المنصرم وعملائهم المحليين ممن حناجرهم مع الأمة ، وقلوبهم وسيوفهم عليها !! .
وبعد حوار طويل مع النفس ، حول كيفية إيصال مضمون هذا الكتاب إلى القارئ العربي عامة ، وإلى المثقفين العرب خاصة ، ولا سيما أولئك الذين لم يطلعوا عليه أصلا ، ارتأيت أن أقتطف بعض ماورد في فقرتين هامتين من الفصل الأول ، تحمل الأولى العنوان : "وللأساطير ثمنها الباهظ جدا " و تتعلق بالأكاذيب التي قامت عليها الحركة الصهيونية مدعومة بالترسانة العسكرية والإعلامية والإقتصادية والسياسية الإستعمارية ـ الغربية ، بينما تحمل الفقرة الثانية العنوان : " الأمن الثقافي من يحميه ؟ " مشيرة إلى العلاقة الشديدة التشابك والمتزايدة التعقيد بين البنى الاقتصادية والثقافية والسياسية في هذا العصر ، والتي تجعل الاجتياح الثقافي جزءاً أساسياً من عجلة السيطرة العالمية .
إن هدفنا من نقل بعض ماورد في كتاب أستاذنا الدكتور شاكر مصطفى ، هو الرغبة في إنعاش ذاكرة ووعي القارئ العربي ، بما يمكن أن يساعده على الربط الجدلي بين الماضي والحاضر والمستقبل ، وأيضا بين الأنا والآخر ، وصولا إلى مجتمع الوحدة والحرية والاشتراكية . هذا ولابد من الإشارة ــ قبل الدخول في الموضوع ــ إلى ملاحظتين :
الأولى : أن كافة المقتطفات الواردة أدناه ، إنما أوردناها بنصها الحرفي كما وردت في الكتاب ، مع الإشارة إلى الصفحة التي وردت فيها . والثانية: أن كافة الأرقام الواردة في هذه المقتطفات إنما تعود إلى عام 1989 ، أي إلى ماقبل عقدين من الزمن ، دون أن يؤثر ذلك على صحة دلالاتها بالمعنيين المطلق والنسبي .

أولاً : للأساطير ثمنها الباهظ جداً : ( 61 ــ 70 )
ـــ " في الخامس من أغسطس ( آب ) سنة 1882 رست في ميناء يافا السفينة أصلان ، تحمل أول المهاجرين من اليهود من حركة ( بيلو ) الصهيونية إلى فلسطين ، كانوا ثلاثة عشر رجلاً وامرأة واحدة ... " ( ص 61 ) .
ـــ " اكذب ! واكذب دائما ، فلابد أن يبقى من كذبك شيء " هذه القاعدة " الذهبية " التي وضعها جوبلز داعية النازية المعروف ، اشك في أن يكون أحد في الدنيا ــ إلاّ ان يكون الشيطان ــ قد طبقها أكمل تطبيق ، واستغلّها حتى النهاية كالحركة الصهيونية . ( 61 )
ـــ وفلسطين ، ومعها الشرق العربي ، ومصائر أهله ، ليست ضحية أسطورة واحدة ، ولكنها ضحية سلسلة مركبة من الأساطير ... أُ طلقت ثم كررت ثم كرست حقائق ، ونحن بمشقة نتلمس الطريق لمعرفة أبعادها ، ولم تأت كلها معاً ، لأنها كانت أساطير مرحلية ، لكل مرحلة .. شعاراتها المناسبة ، وأكذوبتها المبرمجة . هكذا مثلا أطلقت مقولة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " ، وأطلقت قصة اللاسامية ، وإبادة ستة ملايين يهودي في أفران الغاز ، ومن مثل ذلك ان اليهود شعب مسكين مسالم يريد العرب ان يذبحوه، وان اليهود هم الشعب الوحيد المضطهد في التاريخ الإنساني ، وانهم شعب واحد مستمر الوجود منذ ثلاثة آلاف سنة إلى اليوم ، وأنهم " شعب الله المختار " ، وشعب العبقريات ، وأن فلسطين هي أرض الميعاد ، والرب يهوه هو الذي وعدهم بها ، وانهم أيضا وايضا هم أصحاب فلسطين الأولون .
تكرار هذه الإساطير ، شعارات ومقولات مطلقة ، أدخلها بين الحقائق والبديهيات ، حتى لدى بعض العرب ، وحتى صار دفعها بالحق والحجة والوقائع ضربا من العبث ، إن لم يكن مدعاة للملل واليأس ... وفرض الأمر الواقع والقوة والزمن والظروف وقائع جديدة ، كأسطورة إعمار فلسطين الموات ، وهي عامرة قبل وجودهم في الدهر ، وأسطورة الأمن التي تبرر الإستيلاء المتسلسل على الأرض ... ، وأسطورة الجيش القوي الضارب ، ولولا الحبل السري الذي يربطه بالترسانة الأمريكية لما كان ، ولما كانت " إسرائيل " ! . ( ص 62 )
ـــ استعرض إن شئت تاريخ هذه الصليبية مابين أول صورها وآخر الصور لترى كم دفعنا نحن وحدنا ثمن تلك النظريات ـ الأساطير :
الصورة الأولى كانت بالضبط منذ مائة سنة( 1882 ) سفينة تافهة إسمها أصلان ترسو في الخامس من آب ( أغسطس )
في ميناء حيفا بعد أن أبحرت خمسة أيام من رومانيا وعليها بضاعة من البشر لم يأبه لها أحد : ثلاثة عشر رجلاًوامرأة واحدة من حركة لم يسمع بها أحد ، من الشرق العربي على الأقل ، أحباء صهيون( البيلو ) نزلوا مهاجرين وأسسوا أول مستعمرة زراعية أجنبية عند عيون " قارة " جنوبي يافا ، هي التي عرفت فيما بعد باسم ريشون لوسين ( الأول في صهيون ) .... ( 63 )
الصورة الأخيرة في آب ( أغسطس ) 1982 ماتزال طرية فاجعة على العيون ، ربع مليون جندي صهيوني يحتلون
نصف لبنان بآلات الدمار الأمريكية . يطوقون بيروت ويدمرونها بآلاف الأطنان من القنابل ، ثم يذبحون الألوف ممن طردوهم ، هم أنفسهم من ديارهم ، لايريدوا أن يسمعوا أن على الأرض شيئاً إسمه فلسطين أو فلسطينيون ، ويدخرون للغد العربي القنابل الذرية .
الرجال الثلاثة عشر الأول المسالمون ، صاروا أربعة ملايين قاتل. ومستعمرة ريشون لوسيون صارت تمتد من شرم الشيخ إلى جبل الشيخ ، ومن القنيطرة إلى القنطرة ، وتفترس فيما تفترس الصخرة المباركة ( المسجد الذي باركنا حوله ) وقبر السيد المسيح ، ومهده ...
بين الصورتين الأولى والثانية تمتد ملحمة المائة سنة الماضية ، ... يمتد قرن الآلام العربية الذي بدأ بثلاثة عشر رجلاً وامرأة واحدة يحملون أسطورة ذات ثلاث شعب : الأولى أن فلسطين أرض بلا شعب ، الثانية أن الله وعدهم بها ، والثالثة أنها أرض يهودية في التاريخ . وإذا كانت وقائع قرن كامل قد كذّبت الأولى ، وكان الجنون التوراتي الصهيوني هو الأعمى الوحيد الذي لايريد أن يرى الوجود الفلسطيني الثوري والبشري وهو يتضخم كل يوم ، فإن الشعبتين الأخريين ، الوعد ويهودية الأرض ، ماتزالان من بضاعة السوق . ( 64 )
إن للأساطير أيضا ثمنها الباهظ جداً ، ... وليس بالمهم أن تزلزل الأسطورة ، ولكن أن تدمر الآلة والمصالح التي تختبئ وراءها . المهم أن نفهم أن الأسطورة مثلها كمثل الحقيقة سواء بسواء ، اشبه بالكيس الفارغ لايقوم بذاته ، ولكن بما يمتلئ به من قوة . والتاريخ إنما يكتبه الأقوياء ... أم أن الآية الكريمة " وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " قد نزلت في غيرنا ، ولغيرنا ؟ . ( 70 )

ثانياً : الأمن الثقافي .. من يحميه ؟ ( 47 ــ 60 )
ـــ يجب أن نعرف وأن نعترف ، أن شيئاً خاصاً يتحطم في أعماقنا ،في البناء الثقافي الذي تقوم عليه الذات العربية الإسلامية ، نحن نسحق حتى العظم بين فكي آلة ، لاتدجن الوجود الثقافي العربي فقط ، ولكنها تمسح بالتدريج وفي تصميم وداب عدوانيين ، معالمه وينابيعه ، تحرق النبتة المبدعة . ( 50 )
ـــ بلى ، ثمة جهود ثقافية عريضة تطرح نفسها في السوق ، الوطن العربي تنمو كل سنة جموع الطلاب فيه ، وأرقام المدارس ، وتزداد الجامعات عددا وخريجين ... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بالمقابل هو : هل هذه الحركة الثقافية كلها بحجم الـ 160 مليون إنسان الذين يمثلون الوطن العربي بحجم حاجاتهم إن لم يكن بحجم طموحاتهم ؟ . إن الأمية تزيد على 80% بين هذه الملايين ، يباع من أي كتاب عربي أو مجلة فكرية جادة أكثر من خمسة آلاف نسخة في الحد الأقصى ( بمعدل كتاب أو مجلة لكل 32 ألف شخص ) وقد نشر من كتب التراث خلال 22 سنة ( بين سنتي 1954 و1975 ) 1196 كتابا ، بمعدل 54 كتابا تقريبا في السنة ، مع أن عناوين كتب التراث المخطوط تزيد على ربع مليون ، وليست النشاطات الثقافيية الأخرى باحسن حظاً .
ـــ وإذا كان الاستعمار هو اولاً قابلية الاستعمار ، فإن الضياع الثقافي هو أولاً وقبل كل شيء قابلية الضياع . وإذا كانت الحروب تبدأ في الأفكار ، فكذلك الهزائم هناك تبدأ ، ومن هنا قلق السؤال : هل يكفي مثل هذا التحرك الثقافي ، وبهذه الوتيرة ، للصمود وغرس الأقدام في الأرض ، في عصر يكتسح كالطوفان كل شيء ؟ .( 51 )
ـــ في شتاء 1962 ، وفي القاهرة ، قال شوان لاي يشكو الصلف الغربي : " رغم كل عصور الحضارة التي يحملها تاريخنا ، ورغم كل ماأسديناه للجنس البشري ، لم ينلنا من الغرب سوى الإذلال " . ( 51 )
ـــ والمشكلة اليوم في عدوانية الغرب مختلفة ، إنها الاجتياح المادي والثقافي في وقت معاً . الثقل السياسي الذي يجعل الغرب ( في شرقه وغربه ) قوة العالم الكبرى والوحيدة ، والثقل التقني الذي يعطيه كل وسائل الأبالسة للسيطرة والتحكم ، والثقل الإقتصادي الذي يجعله أكثر فأكثر سيطرة على الرغيف العالمي ، كل ذلك يصب في ثقله الثقافي ، ويجعل هذا الثقل " غول " الثقافات الأخرى .
ـــ إنهم " يغربنون " العالم يركعونه ونحن معه ، يحولونه عبيداً وخدماً بالف وسيلة : بالتفريغ السياسي ، بتسويق الإستهلاك ، بإثارة التمزقات الدينية ، باستغلال الجروح التاريخية ، بفرض المخاوف الاجتماعية والمشاكل المستعارة والمصطنعة ، بتشويه القيم ، بتدمير الروح ، ونشر الضياع . الغاية تبرر الوسيلة ، كذلك قال ممثلهم السياسي الأكبر
مكيافلي .
ـــ إن الغرب ... الذي تمكنه قواه العسكرية والتقنية والاقتصاديةمن أن يسيطرعلى 98 % من أعمال التنمية ، و 91 % من حركة التصدير ، وأن يمتلك 85 % من التسلح ، ويستهلك 87 % من الطاقة في الدنيا ، و94 % من ألمنيوم العالم ، و94 % من النحاس ، ويأكل 78 % من الحبوب ، هذا الغرب يمارس ــ بذلك كله ، ومن خلال ذلك كله ــ السيطرة نفسها على صياغة الفكر والثقافة لدى الشعوب الأخرى . الغرب ، على طريقة الأقوياء في كل عصر ، لاينظر إلى العالم إلاّ من خلال ذاته ومصالحه وحاجاته وقيمه ، والرفاه المطمئن الذي يريد الحفاظ عليه . ( 52 )
ـــ " الأنا " تملأ ساحة الرؤية لدى الغربي . وهو يفرض " أناه " على الآخرين من خلال هذه التبعية القائمة في لعبة الأقوى والأضعف ، وتحكم المنتج بالمستهلك .
ـــ التخلف ليس الفقر , ولكنه هذه " الذيلية " المفروضة فرضا على البشر ، والتي تغتصب خيراتهم ليكونوا في موقع الحاجة الدائمة ( 52 ) وتقتل خصوصيتهم الحضارية لتعيد صياغتها ضمن القوالب الغربية . إنهم الآن لايسلبون الثروات المادية كما في الأيام الاستعمارية البائدة ، ولكنهم يدمرون القوى الفكرية والثقافية والروحية التي يمكن أن تقول ذات يوم " لا" ! للغاصبين . ( 53 )
ـــ العلاقة الشديدة التشابك والمتزايدة التعقيد بين البنى الاقتصادية والثقافية والسياسية في هذا العصر ، تجعل الاجتياح
الثقافي جزءاً أساسياً من عجلة السيطرة العالمية . مع البضائع نفسها تدخل الأفكار التي تمهد لها . ومع أفلام " باباي "
و " ميكي ماوس " و " الكاو بوي " يصوغون للناس قيما أخرى ، إنهم بهذا يخلعون انياب التنين . إن ترويضه ،
نزع عناصر مقاومته ، تدمير حصونه الثقافية ، هي الشروط الأساسية لاستغلاله باقل جهد ، وأسرع وقت ، وأقل تكلفة.
ـــ عطاء الحضارة الغربية لم يعد الآن غربيا ، صار إرثاً للإنسانية كلها ، مثله تماما كمثل ماقدم العرب المسلمون للعالم وللغرب نفسه من دين وفكر وعلم وعطاء صار ملكا للبشرية جميعا ... على أننا يجب أن نفرق بين الثقافة الغربية وبين استغلال هذه الثقافة للاستعباد . لست أرفض إذن ثقافة الغرب أبدا ، لأنها على الأقل هي العصر ، ولكني أرفض ، وسأظل أرفض أمرين : الأول : أن تحل محل ثقافتي وأهلي ، والثاني استخدامها العدواني ضد ثقافتي وأهلي ، وجعلها أحد أسلحة الإفناء . ( 53 / 54 )
ـــ ليس أكثر سذاجة من أن نطلب رفض الغرب جملة ، وليس أقل منه سذاجة أن نقبله بالجملة . ( 54 )
ـــ إن ثورة الإتصالات قد أمدت القوى الاقتصادية العسكرية في الغرب بقدرات رهيبة لم تعرفها البشرية من قبل ابداً .
ثمة 2500 قمر صناعي تطوق الأرض ، وتوزع التوجيه والإعلام ضمن المخططات " الكومبيوترية المرسومة للآخر " المتخلف " . ... وفي العالم أكثرة من 1300 وكالة أنباء ، لكنها الأقزام أمام العمالقة الخمسة : رويتر الإنجليزية ، والوكالة الفرنسية ، ويونايتد برس ، و أسوشياتدبرس الأمريكيتين بالإضافة إلى وكالة تاس السوفياتية . إن الأربعة الأولى وحدها تقدم 90 % من الأخبار والتعليقات العا لمية ، تملأ جماجم الناس وأرشيف المعلومات لدى شعوب الأرض ، وتلعب بالسياسة والثورات لعبها بالأسعار .. والدماء . ( 56 )
ـــ في السبعينات كلها ، كانت أمريكا تصدر إلى العالم مامعدله 150 ألف ساعة تلفزيونية كل سنة ، وكان 75 % منها يذهب لتخدير العالم الثالث المتخلف . ( 56 )
ـــ ونتذكر بجانب الأقمار ووكالات الأنباء وسيال البرامج التلفازية ، تلك المنظومة التي تكملها من وسائل الغرب في التثقيف الموجه : من الوسائل المدرسية ، إلى ألعاب الأطفال وإلى إلى أفلام السينما ، ومن مطبوعات الموضة والجنس إلى الموسيقى الهستيرية وصرعات الهيبي والثقافة المصنوعة للتهريج والجماهير . ( 57 )
ـــ في أيام الاستعمار الأولى كانوا يتخطفون العبيد افرادا ويسوقونهم إلى ماوراء البحار ، وهذا [ اليوم] عصر العبودية الجماعية المقنعة . إنهم يحرّمون الرقيق ، ويعلنون حقوق الإنسان ، ولكنهم يمسخون الشعوب جماعياً ،عبيدا دون هويّة ، ولا يضعون الأسيار والقيود في الأعناق ، ولكن في الروح . ( 58 )
ـــ في السبعينات كان معدل هجرة الأدمغة من العالم الثالث " النامي " إلى أمريكا وحدها مابين 10 إلى 15 ألفا سنوياً .
في سنة 1970 مثلاً امتصت أمريكا 11250 متخصصاً ، كان بينهم 6400 مهندس و 2211 طبيبا . وليست الأدمغة التي ابتلعتها انكلترا وفرنساوألمانيا بأقل من هذه الأرقام . ( 58 )
ـــ إن الذي يعطي هذه المؤثرات شكل الكوارث الثقافية ، هو أربعة أمور :
الأول : إن غربنة العالم النامي ( ومنه العربي ) تتم من خلال خطط علمية تجند لها دوائر البحث والأموال والأجهزة ...
بينما يعيش هذا العالم [ النامي ] مشلول الوعي ، ومعظم قياداته قد باعت نفسها للشيطان .
الثاني : إن الزمن لاينتظر . الوحدة الزمنية التي يعالج بها العالم النامي مشاكله وبناه الثقافية باليوم والشهر والسنة تحولت في الغرب إلى دقائق وثوان ، والسباق بين الوحدتين خاسر . الزمن ضدنا . السياسة لدينا ــ كما قال بول فالري ذات مرة ــ فن منع الناس من أن يتدخلوا فيما يعنيهم ، وأبرع الحكام انجحهم في سياسة النوافذ المغلقة ، ومنع خائنة الأعين ، ويوما بعد يوم تتسع لدينا دائرة المحرمات وتتسع معها دوائر الخوف ودوائر النفاق ، فعمل الألسنة الوحيد لوك الأكل والدعاء للسلطان بالنصر .
الثالث : ان المستقبل ليس كالماضي أبدا ، لافي قواه ولا في إيقاعه الزمني ولا في معطياته . الغد ليس مختلفا جدا فقط ، ولكنه أقرب مما نتصور . وإذا كان معروفا ان شعوب العالم النامي تزداد كل يوم ضعفا ، بينما يزداد العالم المتقدم جبروتا وسلطانا ، فإن الكثرة العديدة لهذه الشعوب لم تعد شيئا مذكورافي حسابات القوى إن لم تستند إلى تكوينات ثقافية صلدة .
الأصالة ليست سدا ضد الطوفان ، ولابد من النضال المرير للحفاظ عليها .
الرابع : وهو المشكلة الكبرى بعد هذا كله ، أننا نحن نسهم في انتحارنا الحضاري الصامت ... نلح في تدجين المبدعين منا والجموع على السواء ، ليصبحوا الفريسة السهلة للاجتياح . وتضيق بالمقابل حرية الإنسان العربي حتى الاختناق
" كل مايتنفسه الوطن العربي من الحرية لايكاد يكفي لإنسان حر واحد " .
ـــ إن قتل الفكر جريمة أشد من قتل الجسد ، إنه يرد الإنسان مجرد كائن حيواني دون هوية ، ويجعل قياده نهبا لكل تسلط
... إن بناء الأمم ليس ورقة رسمية كتب عليها كلمة الاستقلال ، ولكنها بناء حضاري متكامل ، وإن صنع الغد بناء من القش ، إن لم يقم على قاعدة ثقافية صلبة ، وإن الشعوب تنهار إن لم يكن الهيكل الحديدي في داخلها لامن حولها .
( 59 / 60 )



#محمد_احمد_الزعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد احمد الزعبي - تاريخنا وبقايا صور