أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - إشكالية السياسة في الايديولوجيات الأصولية















المزيد.....

إشكالية السياسة في الايديولوجيات الأصولية


نجيب غلاب

الحوار المتمدن-العدد: 2335 - 2008 / 7 / 7 - 10:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين سواء كان سماويا كالمسيحية والإسلام واليهودية أو وثني كالهندوسية والبوذية شكل ومازال قوة فاعلة توظف من قبل الراغبين في الحصول على السلطة بهدف التأثير على الجمهور لمواجهة منافسيهم أو أعدائهم، ورغم توظيف الجمهور في الصراع إلا أن القوة السياسية تصب في نهاية المطاف لصالح النخب الموظفة للدين.
والواقع العالمي الراهن يؤكد أن الدين قوة جبارة لتحريك إرادة الشعوب وبعث روح المقاومة والتحدي لديها، وهذا دفع الكثير من السياسيين لاستخدام الدين لتبرير سياساتهم، ورغم خطورة توظيف الدين في الصراع على المصالح، باعتبار ذلك انتهازية سياسية يتم من خلالها استغلال مشاعر الناس ودفعهم لتأييد السياسات، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في تحويل السياسة إلى دين كما هو الحال لدى الحركات الأصولية التي تعيد تفسير الدين وتقدم قراءات للواقع من خلال ذلك التفسير لتصبح تلك القراءات ايدولوجياً دينية مغلقة وتتحول السياسة في بنيتها إلى ممارسة دينية، ونتيجة لذلك تغدو ممارسة السياسة فرض على كل مؤمن يبحث عن خلاصه، ومن يعمل عكس ذلك فأنه يدخل دائرة الكفر، ولأن الحركات الأصولية المؤدلجة تحمل نفس التبريرات، وبحكم التناقض فيما بينها ونتيجة قناعة كل أصولية أن فهمها للواقع يمثل حقائق نهائية ومطلقة، فأن الصراع يكون نتاج حتمي، ويتم قبول الصراع في بنية الفكر الأصولي كأمر حتمي للصراع الأبدي بين الحق والباطل، وما يذكي أوار الصراع أن كل أصولية تعتبر نفسها الفرقة الناجية.
والأصولية التي تمارس السياسة كدين لدي أعضائها قناعة جازمة أن استخدام السلطة السياسية في خدمة الفكرة الدينية واجب ديني، ولان المؤدلج يهيمن عليه اعتقاد انه ممثل الإرادة الإلهية، وان مسئوليته تتمحور في نشر الدين، فأن كل أصولية تسعى للسيطرة على الدولة، وعندما تعجز عن السيطرة وفق آليات سلمية فأنها تلجأ للقوة، وإذا سيطرت على الدولة فأنها تحولها إلى أداة لقسر الناس على رؤيتها، وتعمل على تنميط أفراد المجتمع وفق نموذجها الأصولي، وفي هذه الحالة ونتيجة لطبيعة التنوع في المجتمع، فأن السياسة تصبح مجال للصراع العنيف وقوة قاهرة للآخر.
وعبر التاريخ كانت الأفكار السياسية المؤسسة على رؤية دينية صارمة، تحمل في بنيتها القهر والجبر والتسلط والاستبداد بأعلى صوره، لأن الأصولية المسيسة تحول الدين من قناعة ذاتيه إلى قوة قاهرة لإرادة الإفراد، وهذا بطبيعة الحال يتناقض مع المسلمات الأساسية للدين كما هي في مصادره الأولية والتي تؤسس للحرية كمدخل جوهري لبناء القناعات، ويتناقض أيضا مع السياسة كمجال يقوم على الحوار والنقاش والاختيار الحر.
ففي العالم الإسلامي فسرت الأصولية المؤدلجة الدين بطريقتها وجعلت تفسيرها هو الدين، فأصبحت السياسية لدى الشيعي التابع لنظرية ولاية الفقيه دين خالص، ولا يختلف الأمر فيما يخص المذهب السني فمع انتشار الايدولوجيا الاسلاموية أصبحت السياسية بناء عقدي وعبادة دينية بمقام الجهاد في سبيل الله.
وما عمق من إشكالية توظيف الدين في السياسة رد فعل الحاكم المسلم لمواجهة الحركات الأسلاموية، فالحاكم يرى ان الدين الذي يقدمه الحركي متناقض مع صحيح الدين، وتصبح المؤسسة الدينية التقليدية كفيلة بمواجهة الإسلام الحركي وتخطئة مسلكه، فتنال دعم الحاكم ويصبح الزعيم المؤمن شعار لمواجهة القوى الأصولية ذات المطالب السياسية، فتعيد المؤسسة الرسمية صياغة أصولية بطريقة مختلفة لكنها في نتائجها تعمل هي الأخرى على تحويل الدين إلى أيديولوجيا سياسية لتصبح هي الدين ومن يخالفها كافر، أي أن الحاكم في مواجهة الأصولية يسهم في خلق أصولية.
كيف يمكن حل هذه الإشكالية العويصة؟
الواقع يؤكد أن فصل الدين عن الحياة في العالم الإسلامي يمثل مشكلة كبيرة، وأغلب المحاولات كانت فاشلة، لذا فان الحل يكمن بفصل السياسة عن الدين، بما لا ينفي الدين، بحيث تمارس السياسة باسم السياسة لا باسم الدين، أي ان يناضل كل فرد أو جماعة من أجل قيم عقلانية تهدف لتحقيق مصالح الأفراد والمجموع بإبعادها المادية والمعنوية.
وعزل المسألة الدينية كمجال ثقافي، عن السلطة السياسية كمجال للصراع على المصالح، لا يعني تناقض الدولة مع الدين، فالسياسي الساعي للسيطرة على القوة السياسية لا يرفض الدين ولا يقف ضده، ولكنه يمارس السياسة باسم السياسة لا باسم الدين، وذلك من خلال برنامج يدافع عنه، والبرنامج قد يكون ذا مضمون ديني لكن دون التأكيد ان برنامجه حق مطلق، ولكنه أكثر صوابا في معالجة مشاكل الواقع من وجهة نظر أصحابه.
وفصل مجال الدين عن مجال السياسية لا يعني أيضاً استبعاد الدين وعزلة عن حركة الحياة، فالقوى السياسية هي تعبير عن المجتمع، وقواه الحية عندما تتصارع على الموارد، لابد أن تكون محكومة بالثقافة المهيمنة على المجتمع، فإذا كان الدين محدد جوهري في ثقافة المجتمع وسلوكه فان قرارات الأفراد وصانعي القرار لابد ان تتأثر بتلك الثقافة.
وهذه الطريقة تحرر الدين من الاستغلال وتجعله قادرا على التوائم مع مصالح الناس وحاجتهم، كما أنها تتجاوز إشكالية التناقض بين السياسة والدين، وتحرر الدين من الوعي الأصولي المؤدلج الذي يقدم الدين كبنية ماضوية مغلقة، وأيديولوجيا فكرية نهائية، والتي حولت الدين إلى رؤية منغلقة على العصر والتطورات، وهذا بطبيعة الحال يقتل طاقات التجديد ويضعف الدين ويعزله عن الحياة ويجعله دين جامد، ليصبح المجتمع في هذه الحالة لكي يواجه حاجاته مضطرا لتجاوز الدين.
مشكلة الوعي الأصولي الكبرى أنه يحول الدين من قوة جامعة للناس لا خلاف حول مبادئه رغم تعدد التفسيرات والاتجاهات الفكرية داخلة، إلى قوة مشتته ومفككه للمجتمع، ويجعل القيم الدينية محل خلاف ونزاع وصراع، لأن القوى الأصولية المؤدلجة تعمل على فرض رؤيتها الدينية على المجتمع، وهنا ينتج صراع لا على الموارد بل حول القيم الدينية وتصبح محل خلاف، وهذا يقود نحو التكفير والإلغاء، ويدخل المجتمع في صراعات وتناقضات عميقة فالقوى الأخرى في المجتمع ترفع السلاح نفسه لتقاوم باسم الدين القوى الأصولية الأخرى، والحل في هذه الحالة لحسم الصراع هو استبعاد الدين من الحياة لصالح العلمانية كما تطورت في اوربا.
اما عندما يتم ممارسة السياسية باسم مصالح الناس وحاجاتهم لا باسم الدين، فأن ذلك لن يؤدي إلى تجاوز الدين، فبحكم تدين المجتمع الصانع للدولة، فإن الماسكين على القوة فيها، لا يمكنهم تجاوز الدين عند صنع السياسات، فشرعية العاملين في الدولة مرتبطة بحرية اختيار الناس لهم، هنا يصبح الحاكم ملزم بالاستجابة لرغبات الناس وحاجاتهم المادية والمعنوية، وهذا الاستجابة ليست مبنية على رؤية إيديولوجية بل على رؤية تفهم الواقع كما هو وهذا ما يجعل منها استجابة متوافقة مع طبيعة الناس وفلسفتهم للحياة ومع مصالحهم كما أنها استجابة مرنة ومنفتحة على واقعها المحلي والعالمي، وهذا بطبيعة الحال يخدم الدين ويجعله قادرا على التوائم مع الواقع ويساعد على تحقيق مصالح الناس.
أما عندما يتحرك السياسي باسم الدين للسيطرة على الدولة فانه يفقد الدولة معناها الحقيقي، وتتحول الدولة إلى قيمة دينية، وأداة بيد رجل الدين، كما أن السياسية عندما تصبح دين تتحول الدولة إلى قوة قاهرة للمجتمع باسم العقيدة، وتصبح الدولة دولة عقيدة، وهذا يمثل أعظم مداخل الاستبداد لأنه يلغي فكرة الحرية لصالح رؤية إطلاقية لا تعبر عن حقيقة الدين، وإنما عن رؤية من أدلج الدين وجعل منه سياسية، وفي هذه الحالة الأفراد مجبرون على أتباع الحاكم لا باعتباره معبر عن مصالحهم ولكن باعتباره ممثل الشريعة والعقيدة ومعبر عن إرادة الله وتصبح طاعته واجبة بصرف النظر عن انسجامها مع حاجات الناس ومصالحهم.
على ما يبدو أن القوى الاسلاموية في ظل هيمنة الوعي الأصولي عليها لا يمكنها أن تدرك بأن الدولة قيمة مجردة محايدة، وأداة بيد المجتمع لتحقيق فلسفته ورؤيته في الحياة، وعندما تعجز الدولة عن القيام بوظائفها، فان الخلل ليس بالدولة وإنما بآلية إدارتها، واستخدام الدين من قبل الإسلاميين لمواجهة النخب الحاكمة يقوي من هيمنة النخبة ويضعف الدين ويحاصر تطور المجتمع وتقدمه.
فالمشكلة ليست بتغيير النخبة المهيمنة بنخبة متدينة تحكم باسم الدين لأنها مع الوقت تخلق مصالحها وتفسد القيمة الدينية وتشوه الدين وتفقد هيبته في المجتمع، والحل يكمن بإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة باعتبارها تعبير عن حاجة المجتمع، والتعامل مع الدولة كمسألة بشرية عقلية وأداة تنظيمية، وظيفتها تحقيق مصالح الناس بأبعادها المعنوية والمادية. لذا على الجميع أن يناضلوا من أجل حرية المجتمع وقيام الآليات التي تجعل من السياسية مؤسسة على الاختيار الحر.



#نجيب_غلاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكاليات التحول الديمقراطي في اليمن


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - إشكالية السياسة في الايديولوجيات الأصولية