أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب-عبس وتولى-














المزيد.....

باب-عبس وتولى-


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2328 - 2008 / 6 / 30 - 05:34
المحور: الادب والفن
    



زعموا أنه ظهر في آخر الزمان في بلاد من بلاد الله الراكدة، دجال اسمه "عبس وتولى"، وأعلن في الملأ أنه سيد الثقلين، وبرزخ الأمان، وأمين الأسرار الإلهية، والحضرة المولوية الكبرى، الشاهد على هذا العصر الموبوء والمصطفى لإنقاذ أهل الوقت من مخالبه الفاجرة. رأس مستطيل كبطيخة مغربية، وأنف سافر كوحيد القرن، ووجه مكابر كالثور، تأكل مآقيه بداوة متوحشة، وتظلله لحية مسبلة كالتيوس الأطلسية، تنقش تضاريس القتل في شغاف القلب، وتتعهد المواجع الراسبة في تجاويفه. جثة من قش جوفاء كالأكياس البلدية، وشاشية يهودية على الرأس بيضاء تحجب سواد القلب بكل الأضلاع.. قيل إن أطرافه كانت من أظلاف، وقيل إن نصف جسده السفلي كان أقرب إلى البعير أو فرس البحر، وقيل أشبه بدابة آخر الساعة، وقيل العكس، كأنما هو من فصيلة الأغوال..

خرج "عبس وتولى هذا المدني" في الناس يحرق المدائن والمزارع المسكونة بالرياح، وحشد الجيوش والكلاب، والبغال والنساء والعبيد والسباع والضباع، ليفسد في الأرض، يبني خيمة من الأساطير الرثة القديمة، فنظر إليه الناس، فقالوا: سلاما.
قال: إنما أوتيت هذا النور الأكمل ليستضيء به الشرق والغرب من المهد إلى اللحد، فتحير الناس قالوا: لم كساه الله هذا السعار.

قال: لا يعنيكم مر هذا الأوان، سأرسو على المشاريع والمزارع والمسارح والمسابح أحرق أفياءها المرتوية، ولو قاربت السماء، سأهدم هذا العمران المتطاول وحشة هذه الأزمنة السوداء..أنا سيد هذه البرية وسلطانها الأول، اصطفاني الرب لأحرس قلاعها، وأزرع برج السعادات ومفاتيح الفرج العظيم، سأفتل هذه الجزائر فتلا، وأصنع منها الدرع الواقي من الهبوب، وأغتال فيها نشوتها الأزلية...
أوفد لكل الأمصار الزبانية والعيون والمرتزقة الأنصار الموشحين بالدم، ورحلوا صوب الشرق والغرب والشمال والجنوب، والجنون، وأطلقوا خيول الرعب في البيوتات، واستعاروا أزمنة الدم والغزوات الهمجية، والثارات العتيقة، قتلوا، انتهبوا.. قالوا: نور الآلهة يبدأ الآن رحلته، لنا المد، السلاح، الموت والموت، والحوريات الملاح المخبوءة في الفراغ.. الجنة تحت أقدام هذه الوحشية تغتال بياض الأزهار، وتعمي الوردة واللون.. عاندوا كالخنازير ترفل في أثواب الكناس، قالوا للناس: كونوا في حل مما كنتم..أضرموا النيران في أشباهكم. لنا هذه الأجنحة تطير بها رغوة الأعداء. صدق الناس، ولم يصدقوا، هربوا للقبور والأسنان المكشرة..

قال "عبس وتولى هذا المدني": العاصفة مركبي، والبحر من خزائني، والجزائر ملكي، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أشرارا..

كان قد مضى الصيف وولى الشتاء،انتشر جراد الله الآكل في كل الممرات، أشهر موته الجهول، أغلق النوافذ والأبواب والمقامات والأحباب والحانات والأنهار، أحرق السفائن والأشجار والدواب والأنعام... تعربد الأجلاف في الطرقات باسم الله، وزرعوا الأشواك وتنادوا للردى، التلة الهاربة من قبضة السماء، تداعت الأفنان، تصاعد القمل في الرواسي، وطاف الطائفون القتلة الراجفون، وأمروا الوعول بالطاعات، دمروا المساجد وافتتنوا بالمواجد، ومنعوا الماء والهواء والبحر والبر، والنوم والعوم، أصبحت الحدائق يبابا والمقاهي خرابا، وعاد الناس يعبدون الأصنام، ويهرولون في الشوارع من الصيحة العظيمة، ذهب العز والنعمة، وضاعت أسارير الأمن وصودرت الأحوال والأقوال والأموات، من جاءه الحر فليمت بقيظه، ومن جاءه القر فليقنع بصيده، ومن كان مؤمنا فليهرب من جلده ويلعن هذا العصر الساقط. البداوة البداوة هي المثوى...
وجاءت الفلول المدججة بالجفوة والعمى والانغلاق وسياط الافتراس، فتكت بالأماني وبالصبايا والولدان، وضعوا المتاريس في أرحام النساء، وحرموا الأمل والغسل والفرحة والبسمة ومنابت البهجة والحبور في الأرض والسماء، وارتعبت تلك الجزائر، صار الناس في الممرات تطاردهم سيوف الجهامة ورماح الجهالة، وسكاكين التخلف والوراء، أهين الناس في عقر ديارهم أو قتلوا أو فتنوا، وانقطعت لذة المطعم والمشرب، وامحت غياض الرحب..إن الجهل يهلك هذا العصر، سفينة الجبابرة فمن ركبها فقد غرق.

كان "عبس وتولى هذا المدني" تجتمع إليه الناس فينفخ فيهم: إنما الديموقراطيات رجس من عمل الشيطان، إنما هذه المدارس والمعالم بدعة البدع، والحضارات ضلال في ضلال، والصناعات والولع بالتقنيات غواية وأي غواية... إنما أنشأ الله هذا الكون على البساطة، لقد جاء آدم الأرض عاريا، جائعا، وتوسد الأرض والأحجار، وشقها بالساعدين، فمن يقدر على أمر الله أو يخالفه، إن آدم لم يستحم في شاطيء، ولم يشرب بيرة، ولم يأكل طيرا، ولا خيرا، ولا تقاضى أجرا، عاش الزمان على العفاف والكفاف، والحفاء الطليق، وحواء لم تتبرج على الإطلاق، ولم يلامسها الهواء، كانت تقبع في العريش ولية تأكل وتشرب نعيم الضياع،تحبس عنها الشمس السنين بأمها ولياليها... وجميع ما على الأرض متاع الغرور، وسراب هي هذه الدنيا..العصيان، العصيان، الجبال، الجبال، إن الطوفان يناديني، سأغرق هذه العادات في طيش من الدماء..

وزعموا أنه كان في الساحة رجل مسكون بالحلم، يتيه في الطرقات والأسواق، ومر به "عبس وتولى هذا المدني"وعلى رأسه عمامة استطالت نتوءاتها كالقرون، فتعلق به الرجل يناديه ويصرخ به:
يا ذا القرنين.. أهلكتنا..
وتبعه أولاد الحارات ينادونه، ويرمونه بالحجارة... فصار الناس يتعجبون من أمره.

1992.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب التلقيح
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب-عبس وتولى-