أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخمسي - صور زمن حزين















المزيد.....

صور زمن حزين


أحمد الخمسي

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 08:33
المحور: الادب والفن
    



كنت في حلم، رأيتني في المنام، أمسك الهاتف المحمول وأرد على سميرة، ثم لا تلبث تقول لي: ستسمع صوت صديقة عزيزة: "ألو؟" "أحمد" أين أنت؟" أجيب: "في مرتيل". تؤكد للاأمينة الحراقية: "لابد ما تحضر لدار الصنايع". تريد من إلحاحها أن تظهر لسميرة القادري أن الخمسي الوزاني لا يستطيع أن يرد طلب الشرفاء الحراقيين. وهو كذلك. كان التداخل واضحا بين دار الصنايع والسقالة حيث الفارق ليس إلا باب العقلة. كانت سميرة القادري مزهوة بتدشين جمعية أصوات نسائية في جو من الفرح. وقد أتت أمينة الحراق من وكالة المغرب للأنباء لتعيش اللحظة.

أما أنا فكنت التقطت سميرة الشنتوف السملالي وللاأمينة اليسفي. في الضفة العليا من باب العقلة. والحقيقة في نسبيتها، لها لون رمادي داكن، كما يلي:

لم أعد أمتلك الحد الأدنى من القوة/الضعف إلا مؤخرا، للجلوس على كراسي الجنائز، بسبب طعنات الموت بألوان مختلفة. في زقاق السقالة بالمدينة القديمة، أتيت رفقة خديجة لتعزية الأهل، بعد رحيل للاأمينة اليسفي. معلمة الأجيال.

التعليم عمود فقري رابط بين تعميم الإعلام وتعميق الثقافة. من المهد إلى اللحد يظل التعلم وسيلة الإنسان لمواجهة المستجدات وتناقضات الحياة. نعم، الحياة هي المدرسة الأم الأولى والأكبر والأقدر على توليف أفضل ميثاق للتربية والتكوين في كل المجموعات البشرية.

فمثل ميكانيزم النبات والتراب والمساحات المائية، توفر العناصر المادية والثقافية المتوارثة مقومات المناعة، ودوافع التقدم. ويكون التعلم من الأخطاء ومن النجاحات خريطة الطريق نحو المستقبل. بلا كلام غرانين ولا دردشة مقاهي.

فانظر في تناقضات الواقع كم تجد من حجج وبراهن الأثر الذي يتركه الدماغ البشري على مجرى الحياة. فهذا المواطن محمد السوسي يردد "دابا نموت لك أالزمان، وما تصيب شكون تمحّن°"، بدعابة الجنوبي الذي جرى له ما جرى لحسين السلاوي عندما سحره الشمال، فرسم ذلك على صخر الذاكرة الفنية المغربية.

محمد السوسي، بقي أرمل بعد غياب للاأمينة اليسفي، معلمة الأجيال التطوانية، رفقة سميرة وراوية. في حفل التأبين وبروتوكولات العزاء، كانت سمية تردد قدرة الراحلة على تنظيم حياتها في أدق التفاصيل. دائما الورقة والقلم والتسجيل. أما ترتيب جوانب المنزل، فالمعيار "التاويل" والنظافة.

في السقالة، ثلاث منازل للجيران، وأفواج النساء، والدكاكين مقفلة حتى ما بعد الخروج الأخير لأمينة اليسفي. البصمة بحجم تفاصيل المدينة القديمة.

لذلك تجد سميرة مثل "الحجر الصم" في إدارة حضورها رفقة الآخرين. عملة الكلام عندها نادرة. وقوة الحضور ضمن المجموعة تنبئ عن الدرجة العالية التي تختزنها من الاحترام للآخرين. وما بين الصمت السمة الغالبة في رفقتها للناس وبين الاعتبار المتأدب، لا يضيع أبدا تصميمها على العيش كما هي.

لا يمكن أن تكون صرامة الصمت عند سميرة، غير منتوج التربية الحديدية عند للاأمينة اليسفي. ولا يمكن السلوك الدسم اللبيب عندها غير قوة المعنى في كون "الترابي" لها مرمى احترام الآخر ودفئ الإنسانية الحية.

ولو أن حرص "راوية" على التفنن في إخراج حرف الراء طوع اللسان كما تحب وترضى لنفسها الأبية، كتطوانية لا يشق لها غبار، وجه آخر ينبئ عن حجم التأثير الذي بصمته الراحلة في هذه الصبية الثائرة بعقل وحرية.

في أكثر اللحظات حزنا لم يغب العمق الحديث لسميرة، سميرة الشنتوف السملالي أعني. بقيت الأم المد°رسة ثلاثة أشهر في الغيبوبة التامة قبل الرحيل الأبدي. وكان سلوك البنت ما بين لا عقلانية عاطفة البنوة وبين ثورة وجدانية الوفاء. وفي الشدائد يعز الوفاء. وكان عذاب الأمل أشد وطنا من غربة اليأس.

من المغاربة الذين لم يتزحزحوا قيد أسئلة عن نمط اليقين كما ترضاه لنفسها. لا تفعل فيها الموضه الإيديولوجية، لا في الشكل ولا في المضمون. إنسان كلاسيكي حديث، بأصول لا تشغل بال العابر. فهي متوارية عن العابرين. وهو حضور رمزي آخر. يتجاوز ثنائي السلوك المميز للإناث بلمز الظهور (ايكسيبيسيونيسم) وعند الذكور بغمز النظر (فوايوريسم). فهي على العكس من الحالتين، تظل في تواري متقدم. واستسمح الصديق الشاعر عبد السلام دخان، مرة أخرى، أن أقول كل شيء، دون أن أقول شيئا. فأدبه وحسن طويته لا تستحق كل هذه الانعراجات. لكن عناصر الحياة تستعصي عن الإحصاء وعن الجرد وعن القول. وهو يعلم أن اتساع المعنى يجعل العبارة ضيقة.

لن يندم محمد بن يوسف عن نمطيته الحديثة رفقة بناته في الأربعينات، نموذجا للمغاربة. فالتراجع لم يصب صلب المغرب الحديث. خصوصا هذا النوع من الصخر القاري للحداثة الذي يتجاوز ما استطاع زبد الفوران اللحظي. سواء نحو الأمام، أو نحو الوراء. شاقا طريقه ببطء، لكن بعمق وتصميم، نحو العصر.

* * *

أما الإدارة فتدبر أمر البلد وهو جزء من الزبد الذي يعلو فوق المجتمع ليعلن جبروت قوم يستحسنون المواقع الإدارية ويستسيغون الفوقية السلطوية فرحين بما لديهم من بأس ولو كان قشرة سطحية رقيقة على طبقات فوق طبقات من بؤس. ولسوف تحسن جمعية أصوات نسائية وتلتفت لمثل الراحلة أمينة اليسفي لتضع ملامح صورتها مرآة للمرأة المربية التي دخلت سلك التعليم مبكرا في هذا البلد الذي تركت السلطة نصفه تحت صفر الأمية ونصفه الآخر تحت صفر الدونية ونصفه الثالث تحت صفر الفقر. إن كان للمجتمع الواحد أنصاف ثلاثة.

والإدارة تلك، المحلية أعني، أطلت علينا في الأسبوع الماضي بسلوك حارت العقول في تفسيره. فقد فتحت "مدونة تطوان" الاليكترونية لأبحر عبرها نحو المدونات المحلية حيث تفاصيل الأخبار والجرائد المغربية والعربية والعالمية، إذا بي أجد في موقع "الصورة الصحافية" خبرا مفزعا، مفاده ارتطام شاحنة تحمل مئة وأربعين قنينة غاز، بدكان، في حي باريو مالقا، كنت ساعتها بصدد قراءة الرواية الرائعة للروائي محمد انقار، تحمل نفس عنوان الحي، "باريو مالقا"، اشتريت نسختها من مهرجان الصور المرسومة. فإذا بي أجدني أمام صفحة حية رسمتها السلطات في الحي.

مفاد الفزع آت من كون السلطات لم تلتفت لارتطام شاحنة على الساعة السادسة صباحا. في مقدمة حي جامع المزواق الشهير. وبقي الحدث وكأن شيئا لم يكن. ولما التقيت الزميل، أحمد معتكف صاحب الموقع الاليكتروني، زودني بتفاصيل أورد منها بعضا والبعض أضافه حكماء الحي. استفسرته عن سلوك السلطة المتراخي؟ فأجاب أن الشاحنة ارتطمت بجدار لم يكن ضمن الاختصاص الترابي للمقدم الذي علم بالأمر. فسألت: السلطة لم تكن بهذه الحرفية المهنية الضيقة فالملابسات كانت تدفع السلطة معرفة الأسباب و......والتنسيق....

فرد أحمد موعتكف بأن (اباعبدالسلام فالحومة د°الباريو) له تفسير الحكماء في القضية. إذ أكد وأقسم وحلف بأن الحمولة لو كانت عبارة عن مواد للبناء، لتسابق أعوان السلطة، كل أنواع أعوان السلطة، لمعرفة المكان من أين أتت الشاحنة والمكان الذي ستفرغ فيه الرمل أو الآجر أو الحجارة. فالأمر إذ ذاك تمتزج فيه قضايا التراخيص والقوانين المحاربة للبناء العشوائي وشبكة السلطة في هذه الجوانب كلها لا ترحم لكي لا يتم البناء العشوائي دون "عقاب".

لكن ما دامت الحمولة 140 قنينة من الغاز المحترق، فالأمر لا يستحق أي تسابق بين الأعوان. وليكن، ولتنشر العلم والأسبوع ما شاءت، فقد تعودنا على فضول الإعلام.

تركت معتكف واتجهت إلى ثانوية أنوال الإعدادية، حيث تعيش المؤسسة عرسا احتفاليا حول محور القضية الفلسطينية، في ذكرى هزيمة 67 في تظاهرة نادرة، حيث تكامل الإبداع بين التلاميذ والأساتذة والإدارة لخلق فسحة الانسجام بين شركاء التربية والتعليم، حيث تقرأ فاطمة الزهراء قصائدها الجميلة وحيث تقدم التلميذة شيماء، كأنها مثقفة شامخة، تفاصيل القضية. ظننتني أنني سأنهي اليوم على إيقاع فلسطيني تلاميذي موحي بالأمل. لكنني سرعان ما وجدت سيزيف مضطرا للخطو من جديد لمعرفة تفاصيل الجبل حيث يصنع أبطال آيت اباعمران مجد مغربيتهم على طريقتهم، أوفياء لأجدادهم، لكن السلطة مرة أخرى لم تعدم صناعة اليأس بالتلفيق.



#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا التزم عالي الهمة الصمت؟
- اختطاف -الأنوار- في ابن كرير؟!
- الكتابة جبل ثلج
- حميمية الصلة بين النفسية والكتابة
- عندما كان الشمال منصة لإطلاق صاروخ الكفاح الوطني
- التهامي الوزاني يحضر المهرجان
- الثقافة التي تمتلكها بعض الصحافة المستقلة في المغرب
- شبح مخيف آخر:السلفية -الرسمية- في المغرب
- طحينهن وجعجعتنا
- الحمالة والحطب والتاريخ
- عندما تمسح أوساخ العالم على وجه -الشمال- المغربي
- خمس نقط لتفسير حل البديل الحضاري في المغرب
- تأمل في تمثال عبد الكريم الخطابي
- (II)أحلام من الخيال العلمي تأمل في تمثال الزعيم
- قراءتين في -كتاب الأمير-
- سطحية السياسة المغربية في الصحراء وفي السياحة سواء
- حديث الروح
- هل يدشن التقرير الإصلاح الشامل في الاتحاد الاشتراكي؟
- شروط الانتقال من الزوبعة في الفنجان إلى التغيير
- حتى لا نصب الغاز على نار زيارة خوان كارلوس للمدن المغربية ال ...


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخمسي - صور زمن حزين