أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - شعراء الكيس














المزيد.....

شعراء الكيس


ثائر العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


بوصفي تدريسيا لمادة الأدب العربي الحديث في الجامعة، أعاني كل عام من محاولة إيجاد تعريف واف للصورة الشعرية، خاصة أني أعود طلبتي على التعريفات ذات الطابع العلمي البحت التي تزيل الغموض عن المعرف وتكون جامعة مانعة. ثم لا أجد تعريفا أفضل من : ((هي بناء الشاعر لعلاقات بين أشياء لا توجد بينها علاقة في الواقع.)). وهدا التعريف قد يكون قريبا من طبيعة الصورة الشعرية لكنه لا يخرجنا من اللبس تماما.
ما علاقة هذا الكلام بالعنوان الغريب الذي اخترته لهذه المقالة؟ سأحكي لكم حكاية طريفة، أعود بعدها الى الموضوع.
لي خال ينيف عمره الآن على السبعين، معلم قديم يحب الشعر ويحفظه وينظم العمودي منه، لكنه يكره الأساليب الحديثة خاصة تلك التي تميل إلى الغموض. سجن هذا الرجل عام 1963 بعد انقلاب الثامن من شباط في سجن نقرة السلمان مع مجموعة من المثقفين العراقيين بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي، وفي القاعة التي سجن فيها كان معه شاعران عراقيان معروفان، الأول كان ممن ينظمون القصيدة العمودية التقليدية وقد يكتب القصيدة الحرة السيابية، أما الثاني فكان من دعاة التحرر وشعر التأمل الذي يتخذ من الصورة المعقدة الغامضة أساسا. وفي يوم من أيام الاعتقال تلك اتفق خالي مع الشاعر الأول على تدبير مقلب ساخر لصاحبهما. فجاءا بمجموعة كبيرة من القصاصات الورقية وراحا يكتبان على كل قصاصة كلمة واحدة من اللغة الشعرية ذلك الوقت مثل عصفور شجرة أزهار شمعة يضيء يحترق ........الخ ووضعا تلك القصاصات في كيس ورقي، وبطريقة تشبه القرعة أخذا يسحبان قصاصة عشوائية في كل مرة ويربطان بينها وبين كلمة القصاصة التالية، حتى كتبا مجموعة كبيرة من الأسطر بتلك الطريقة، فذهبا بها الى صاحبنا وقالا انهما اقتنعا بطريقته في النظم، وجربا كتابة نص يريدان رأيه فيه.
راح صاحبنا يقرأ النص ويهز رأسه حيرة واندهاشا وربما إعجابا، ثم قال لهما إن هذا نص عميق ومذهل.
أفهم الفن، أي فن، على أنه نظام جمالي يمتاز بالانضباط، ويكون العمل الفني مدهشا بقدر ما يستطيع أن يجد تراكيب جديدة ومدهشة رغم ذلك الانضباط الصارم للقوانين الفنية. غير أن ثمة عاملان مهمان أديا الى ظهور ظاهرة خطيرة سأسميها ظاهرة شعراء الكيس؛ أما الأول فهو الاتجاه الى كتابة النصوص النثرية بلغة شعرية بما يعرف بقصيدة النثر أو النص المفتوح، الذي صور للبعض أن الشعر مركب سهل كل ما يحتاج اليه أن تكون عارفا بالقراءة والكتابة والهذيان، وأما الثاني فهو النشر الألكتروني المتاح للجميع من غير ضوابط أو مسؤولية، وقد أسهم هذان العاملان في إحداث نقلة نوعية في الأدب العربي، ولكنهما في الوقت نفسه أنتجا موجة عارمة من التشويش، وطوفان من شعراء الكيس.
يكفيك أن تزور أي موقع ألكتروني ثقافي لترى الأعاجيب من النصوص والتعليقات الملحقة بها، شاعر لا يعرف أن حرف الجر يجر، وأن الهمزة المكسورة تكتب على ياء,...... هذا ليس ذنبه طبعا ما دامت الكلمات تخرج من الكيس، ثم يأتيك آخر ليكيل المديح للشاعر الأول ويصوره بأنه الشاعر العظيم النحرير، وتجد أن هذا المعلق يكتب كلمة (لكِ) هكذا (لكي) وكلمة (يؤذن) مثلا هكذا (يأذن) وينصب الفاعل و.............. وهو غير ملوم طبعا ما دامت الكلمات تخرج من الكيس.
هل يمكن أن يكون الإنسان شاعرا وهو لا يمتلك أبسط مستلزمات الصنعة وهي النحو والإملاء، أم ترى سيقال هنا أيضا إن هذا تجديد وثورة على اللغة القديمة وابتكار لغة جديدة مناسبة لروح العصر.
الصورة الشعرية هي ابتكار لعلاقات جديدة بين أشياء لا توجد بينها علاقة في الواقع، لكنها في النهاية يجب أن تعيد تركيب العالم وتقدم رؤية جديدة مفهومة ولم تخطر على بال أحد من قبل، يجب أن تضيء العالم وتجعلنا نفهمه أكثر من ذي قبل على أن تكون منضبطة بقانون يحكم ديناميتها ولا تكون محض هذيان (كيسي).
لا شك أن النقاد والدارسين يتحملون مسؤولية كبيرة للارتقاء بالذوق العام وتدريبه على معرفة الزائف والرديء من الأصيل والجميل. ولا شك أن أصحاب المواقع الثقافية أيضا (بالمناسبة ثمة شاعر كيس يكتب أيضا أيظا) يتحملون المسؤولية في أن يحدوا من نشر الرديء ويشجعوا نشر الجميل وفي الأقل لا ينشرون تلك النصوص المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية وأن ينبهوا الشباب الى أن معرفة أصول اللغة شرط أساسي من شروط الكتابة الأدبية. ومن غير ه-ا اقرؤوا على الأدب العربي السلام، فالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة كما كان ت.س. إليوت يقول



#ثائر_العذاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار محمود درويش الساقط من الخريطة منذ ستين عاما
- مقتل سحر وموهبة ميسون أسدي
- الواقعية الشعرية في النص المفتوح – إشارات أولية / أشرعة الهر ...
- مناحة نبيل ياسين على بلاد الرافدين
- الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل
- علم الأدب
- في البلاغة الرقمية
- البطولة في الوعي العربي /حول مسلسل (باب الحارة)
- من أجل توضيح التباس القصد في عصر المعرفة الرقمية
- عصر المعرفة الرقمية
- سوق النساء أو ص.ب 26
- في التشكيل الشعري
- (السرد الخفي وتنميط العالم) تأملات في أدب الأمثال
- القافية بين التراث والمعاصرة
- (حمالة الدلع) وفخاخ القصة القصيرة
- ابن قتيبة وإغفال التجربة الشعورية
- شعرية القصة القصيرة جدا
- تناقضات الغذامي في القصيدة والنص المضاد
- نمر سعدي .. الرومانسي الجديد
- جيكور أمي – قراءة ثانية في تجربة السياب العروضية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر العذاري - شعراء الكيس