أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنون















المزيد.....

ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنون


شذى الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 09:55
المحور: سيرة ذاتية
    


بضع قطرات من الندى
أطلت على شرفات الروح
سألتها إن كان يرويها الجفاف !!
تبخرت من أول آه
مابين الحسرة والحسرة كانت إلتماعة حزينة تنبثق من عيني السيدة (ك. ج) وهي تسترجع ذكريات طبعت بصماتها على كل حياتها فكانت هي الماضي والحاضر والمستقبل اعتقل خطيبها عام 1979 بسبب افكاره الماركسية وخوفا عليها من المصير نفسه اجتمع رأي اهلها واهل خطيبها على ان تسافر خارج العراق، ومع انها لم تكن تبلغ الثامنة عشرة حينذاك ولكن لها نشاطات في مجالات الطلبة والشبيبة التي تعشقها ولازالت تحفظ الشعارات والاناشيد التي كانوا يرددونها حينذاك، تقول (ك. ج): في ذلك الوقت لم اكن افهم من الحياة سوى انني احب أحمد واعشق افكاره النبيلة وأؤمن بها وادافع عنها بثبات وبدون خوف، ولذا كان اعتقاله صدمة كبرى لي، شلت كل تفكيري،

وكادت تقضي على عقلي لانني كنت اعتبره الزوج والصديق والأخ.. باختصار كان هو كل عالمي ودنياي.. سافرت وتركت (أحمد) تحت سيف الجلاد..
ثلاثة اشهر في الخارج لم يغب عن تفكيري لحظة رغم كل محاولات الاصدقاء هناك، ورغم ترف الحياة كان جرح أحمد يكبر في روحي ولذا فشلت في تكييف وضعي وفق الحياة الجديدة ولم أتأقلم كما هو مفروض، كانت ايام صعبة وقاسية للغاية، وماكان مني إلا العودة للوطن حاملة معي ماتبقى من صواب !!
فقد فتك بي الحنين والقلق على خطيبي، ورغم إدراكي بأنها مخاطرة مجنونة في زمن كان العراق محظورا على أهله.. جاء هذا القرار بعد ان وجدت ان بقائي في الغربة سيوصلني الى نتائج ليست في صالحي في كل الاحوال اهونها الجنون، وعلى هذا الاساس طرحت حساباتي على أسوء الإحتمالات كالاستجواب والاعتقال والتعذيب، ولم يخطيء ظني فكان ماكان..
عز علي ان اقتحم ذكريات قاسية احتفظت بها هذه المرأة الفاضلة لعشرات السنين، وكان من الصعوبة ان أحيل قلمي الى سكين يفتح جراحا عجز الزمن عن شفائها.. سقط القلم سهوا من يدي، وكأنها قرأت مادار برأسي فناولتني إياه وهي تقول: لاعليك، انني الآن حطام إنسانة، دفنت احاسيسي التي تفكرين بها منذ زمن وحكايتي هذه اقصها على نفسي كل يوم لأنها اصبحت زادي اليومي..
كانت إرتعاشات سريعة تعتري جفن عينها اليسرى اعتقد انها حالة مرضية نتيجة ماجرى معها فتضطر ان تمسك عينها بيدها لتوقفها مما زاد من احساسي بعذابها، فرغبت بإلتقاط صورة لها ولكنها رفضت..
تقول السيدة الفاضلة: لحد تلك اللحظة التي وصلت فيها المطار كنت اقنع نفسي بأسباب كثيرة قد انجو فيها من مخالبهم، فهم اولا وأخيرا بشر لهم ضمائر وعقول، كما انني لست بالعنصر الخطر او المتقدم في العمل السياسي... استقبلني في المطار خمسة رجال من عناصر الامن والمخابرات.. اقتادوني الى سيارة (جيب) وقبل ان اصعد السيارة قال لي احدهم: (باوعي زين خاف حنيتي لبغداد، تره السيارة مضللة).
بينما علق آخر: (لا،لا حنت لغير أشياء..) ثم صفعني بكفه الحقير على وجهي، ثم تعالت ضحكاتهم الساقطة وتعليقاتهم البذيئة، في تلك اللحظة عرفت انني انتهيت، وانني اوقعت نفسي بأيدي هؤلاء الشرذمة المنبوذين.
في تلك اللحظة توقف تفكيري تماما واحسست كم انا ملعونة، لانني طعنت الرجل الذي كان مثالا للبطولة والوفاء.. لم اكن اصغي لتعليقاتهم السوقية وإشارات ايديهم التي تنم عن سقوطهم الاخلاقي لانني كنت مشغولة بطيف (أحمد) الذي وقف امامي وهو يخاطبني بنفس لهجته التي عودني عليها: (طفلتي الحبيبة نحن اقوى منهم لأننا نملك فكرا نيرا وهم يملكون رؤوسا كالكرات المحشوة بالقذارة).
لم اشعر بالساعات التي مرت وانا في السيارة ليوهموني بأنني خارج بغداد، صمتت (ك. ج) وكأنها تقضم أوجاع تلك السنين...
تذكرت كيف إنتزعوا منها اسمى ماتعتز به، كيف انتهكوا إنسانيتها...
تقول (ك. ج) في البداية طلبوا مني ان اتعاون معهم وعلى طريقتهم فرفضت بدون نقاش، اخبروني بأن (احمد) محكوم بالاعدام وإنقاذه بيدي، وهددوني بالتعذيب والإغتصاب امامه.. إحتجزوني في غرفة لوحدي لثلاثة ايام، بعدها لم اعد اتذكر شيئا ولااعرف حتى الفترة التي بقيت فيها او المكان.. لأني فقدت الوعي تماما مما اضطرهم لنقلي الى المستشفى. هناك افقت على صوت احدهم يتكلم مع الطبيبة التي كانت تشرح له حالتي وتسأله عن الاسباب، فأخبرها بأنني خطرة ومطلوبة أمنيا لأنني مسؤولة (تنظيم تخريبي)، وقد القي القبض علي مع مجموعة من الساقطين...
استغرقت (ك. ج) في صمتها، ولكن اسئلة كثيرة في عينيها كانت متوجهة نحوي وكأني بها تسائلني، ان كنت عرفت طعم الاحساس بالظلم او ذقت مرارة تبادل الادوار حين يصبح المجني عليه جانيا !!
فكان خير جواب لها ان افتح احدى نوافذ ذاكرتي المتعبة كي تهدأ قليلا وتعلم اننا جميعا تعرضنا لسيف الطاغية...
بعد المستشفى رحلت الى (الامن العامة) للتحقيق معها وبكل الاساليب، كان عليها ان تعترف: متى ساعة الصفر ؟ ومن هم شركاؤها في الخارج والداخل ؟؟
تقول (ك. ج): ابدع البرابرة في التعذيب الجسدي للنساء ولاداعي ان اذكر التفاصيل ويكفي ان اقول حتى الصهاينه لايملكون تلك القدرة من الوحشية والهمجية... ولكن ابشع انواع التعذيب الذي مارسوه معنا هو التصوير (بالفيديو) واعادة عرضه على المعتقلات واجبارنا على المشاهدة.. اما الكهرباء فكان له طقوسه الخاصة بهم حيث كانوا يستخدموه معنا (ليلا) وبحضور المدير او مسؤول كبير بعد (تعرية) السجينة من ملابسها ويصحبه التصوير بالفيديو ايضا....
اضطررت لإنهاء هذا الحديث بعد ان امسكت (ك. ج) رأسها بكلتا قبضتيها ربما لتخمد جحيم الذاكرة المتأججة في تلك الفترة لم يكفوا نذالتهم عن اهلها فكانوا يستقدمون والدتها ووالدها للتحقيق معهم ويسألوهم عنها ويهددوهم بالاعتقال في حال عدم عودة ابنتهم من الخارج مع الاهانات طبعا والكلام البذيء وعلى مسمع منها حيث يضعوها في الغرفة المجاورة كنوع من التعذيب النفسي...
بعد تسعة اشهر افرج عنها بعد ان وقعت تعهدا بأن لاتتفوه بشيء عن التفاصيل الدامية التي قد يصعب حتى على البرابرة سماعها... كان معها اربع نساء افرج عنهن ذلك اليوم اكبرهم كانت سيدة في الثلاثين من عمرها بتهمة (حزب الدعوة).
عاشت في بيت اهلها وحفظت الدرس جيدا فكانت صماء بكماء لاتتكلم سوى مع والدتها وبكلمتين فقط، نعم او لا واحيانا تكتفي بإشارة من رأسها..
كانت تتابع عن بعد اخبار (احمد) رغم انها قطعت الامل منه حيث تقول: اذا كنت انا التي لاتفهم شيئا في السياسة جرى ماجرى لي فكيف هو الامر مع انسان مبدئي مدرك لكل مايفعله ويعتقده...
كان عزاؤها الوحيد هو زيارة والدة احمد بين الحين والآخر.. واحيانا تقبع في غرفتها بالظلام وترفض اي ضوء حيث يسبب لها هيستيريا اشبه بالصرع...
حاولت اكمال دراستها الاعدادية فلم يسمحوا لها حتى في الامتحان الخارجي ! حوربت في جميع المجالات وفشلت وساطات الاقارب والاصدقاء لمساعدتها في ايجاد عمل لإخراجها من السجن الذي فرضته على نفسها... واخيرا اتهموها بالجنون بتلفيق تقرير طبي عن طريق المختار مما اثار الاشاعات المختلفة حولها واثر على تكوينها الشخصي، اذ وجدت نفسها عاجزة عن خوض حرب لم يكن لها خيار بالانسحاب منها.
اخيرا تقول (ك. ج): نتيجة الوضع الذي اصبحت فيه خلال سنوان القهر وخلاصة المعاناة القاسية والعزلة التي فرضت علي، وجدت ان لا مبرر لحياتي لأنني فقدت الاساس الذي تعتمد عليه حياة الانسان وهو الامل فحاولت الانتحار اكثر من مرة ولكن لم أمت.
ويبدو ان الارادة الإلهية شاءت ان اشهد نهاية العتاة الظالمين، ولو ان غصة تبقى في القلب لأن مايجري في العراق وفي بغداد خاصة يؤكد ان الزمرة التي كانت تمارس التعذيب في السجون سابقا لازالوا احرارا ويمارسون وحشيتهم في الشوارع وفي وضح النهار.

الكاتبة العراقية شذى الشبيبي



#شذى_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة امرأة عراقية / أم جليل ومحنة السؤال
- ذاكرة امرأة عراقية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنون