أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - احمد جميل حمودي - عرض كتاب -التنمية حرية- امارتيا صن رؤية شاملة للتنمية















المزيد.....



عرض كتاب -التنمية حرية- امارتيا صن رؤية شاملة للتنمية


احمد جميل حمودي

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 09:11
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تمهيد:يمثل هذا الكتاب إحدى الرؤى الإبداعية بامتياز للعالم الثالث إزاء قضية التنمية والتطوير الحضاري التي يختزلها الساسة والاقتصاديون في عبارة واحدة:هي التنمية الاقتصادية وفي مظهر اقتصادي واحد هو الدخل وإجمالي الناتج القومي دون كل جوانب الحياة الأخرى النوعية ودون الحرية بمعناها الواسع أو أدوات وقدرات الإنسان الحر في فرص اختيار وصنع الحياة.
والكتاب حصاد تجربة للمؤلف جذورها وامتدادها في العالم الثالث بلاد الأطراف مع تفاعل إبداعي بفكر علوم حضارة العصر في بلدان المركز ليصوغ المؤلف في النهاية رؤية وإطارا مفاهيميا يؤكد أن التنمية حرية.والمؤلف عالم اقتصادي هندي حائز على جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية عام 1998.والجدير بالذكر انه منذ عام 1990وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يصدر تقارير سنوية عن التنمية البشرية استنادا لأعمال امارتيا صن وآخرين..إن التنمية حسب"امارتيا صن"هي عملية توسع في الحريات والقدرات الموضوعية للناس.في محاولة متواضعة اعرض معالم هذا الكتاب في لمحة مختصرة مستبعدا بعض الفصول التي تحمل الطابع التخصصي الأكاديمي.أرجو أن تستمتعوا في الرحلة مع هذا الكتاب.
مدخل:التنمية حرية:
"التنمية هي عملية توسع في الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس"هكذا يعرف الباحث كتابه كمفهوم شامل للتنمية فهو يرى أن التركيز على الحريات البشرية يتناقض مع النظريات ضيقة الأفق في التنمية مثل القول بتطابق التنمية مع نمو مجمل الناتج القومي لكنه يرى أنه يمكن بطبيعة الحال النظر إلى زيادة إجمالي الناتج القومي أو زيادة دخول الأفراد باعتبارها أدوات مهمة جدا لتوسيع نطاق الحرية لكن الحريات تتوقف أيضا على محددات أخرى مثل التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية (مثل مرافق التعليم والرعاية الصحية)وكذلك الحقوق السياسية والمدنية(مثل حرية المشاركة السياسية وصنع القرار)وإذا كانت الحرية هي ما تقدمه التنمية فان التنمية تستلزم إزالة جميع المصادر الرئيسية لافتقاد الحريات:الفقر والطغيان وشح الفرص الاقتصادية وكذا الحرمان الاجتماعي المنظم وإهمال المرافق والتسهيلات العامة.ويرى" امارتيا صن" إن إنجاز التنمية يتوقف بالكامل على الفعالية للحرية للشعب. إن ما يمكن للناس أن ينجزوه ايجابيا يتأثر بالفرص الاقتصادية والحريات السياسية وبالقوى الاجتماعية وبالشروط الميسرة لضمان صحة جيدة وبالتعليم الأساسي وبتشجيع ثقافة المبادرات وغرسها.
المعاملات والأسواق وافتقاد الحرية الاقتصادية:
يذكر" آدم سميث" أن حرية التبادل والمعاملات هما جزء مكمل ومقوم للحريات الأساسية التي يحق للناس أن يصدروا تقييما بشأنها ولذا يرى صن أن حرية تبادل الكلمات أو السلع أو الهدايا ليست في حاجة إلى تبرير دفاعي إنها جزء من وسيلة وأسلوب حياة الناس في المجتمعات وللتفاعل بينهم..إن رفض حرية المشاركة في
سو ق العمل هو إحدى الوسائل لإبقاء الناس خاضعين للسخرية والعبودية.إن علينا بحث ودراسة اطراد الحرمان بين قطاعات اجتماعية تظل مستبعدة ومستثناة من منافع المجتمع الخاضع لتوجه السوق. وكم هو عسير الظن بأن أي عملية للتنمية الموضوعية يمكن أن تمضي وتتحقق دون الدعم والمساندة الاجتماعيين أو التنظيم العام أو دور إدارة الدولة.إن افتقاد الحرية الاقتصادية من شأنه أن يرعى ويغذي افتقاد الحرية الاجتماعية تماما كما إن افتقاد الحرية السياسية يمكن أن يرسخ ويعزز افتقاد الحرية الاقتصادية.
الفصل الأول :منظور الحرية
انطلاقا من نص سنسكريتي فحواه أن "ميتيريبي" تساءلت عما إذا كانت الغاية تتحقق حين تمتلك أقطار كوكب الأرض وكل الثروات؟إذن ماذا عليها أن تفعل بهذا الذي لا يمنحنها الخلود؟ يرى "صن" أن المسألة ليست القدرة على الحياة إلى الأبد بل القدرة على الحياة حياة طيبة جيدة ما دام المرء على قيد الحياة بدلا من حياة البؤس وافتقاد الحرية, وينقل عن أرسطو قولته "الثروة- كما هو واضح- ليست الخير الذي ننشده ذلك لأنها مجرد أداة نافعة للحصول علي شيء آخر".انه لا يمكن أن نعالج النمو الاقتصادي معالجة معقولة باعتباره غاية في ذاته وإنما يلزم أن تكون التنمية معنية أكثر بتعزيز الحياة التي نبنيها ودعم الحرية التي نستمتع بها .
أشكال افتقاد الحرية:
يرى "صن" أن كثيرا من الناس في مختلف أنحاء العالم يعانون أنواعا مختلفة من افتقاد الحرية:المجاعات-سوء التغذية-الحرمان من حق الرعاية الصحية-الانحياز الجنوسي(عدم المساواة بين المرآة والرجل)-الحرمان من الحريات السياسية والحقوق المدنية- فقدان الأمن الاقتصادي.وبشيء من القطعية يؤكد "صن" أن التاريخ العالمي لم يشهد مجاعة في ظل ديمقراطية حقيقية فاعلة.

الحرية الفردية:
ثمة سببان متمايزان للأهمية الحاسمة للحرية الفردية في مفهوم التنمية.
أولا:يجري تقييم نجاح مجتمع ما أساسا في ضوء الحريات الموضوعية التي يتمتع بها أبناء هذا المجتمع
ثانيا:إن الحرية ليست فقط أساسا لتقييم النجاح والفشل بل هي أيضا المحدد الرئيسي للمبادرة الفردية والفعالية الاجتماعية.إن المزيد من الحرية يعزز قدرة الناس على مساعدة أنفسهم وكذا على التأثير في العالم.
الدخل – الحرية:

النهج الذي استخدمه صن في دراسته- منهج المفهوم الشامل للتنمية- يميزه عن الدراسات الاقتصادية الأخرى التي تركز على أولوية الدخل والثروة باعتباره المؤشر الوحيد للتنمية. ويرد على هذا الاتجاه الأخير بأمثلة كثيرة فمتوسط دخل الفرد للأمريكيين الأفارقة في الولايات المتحدة اقل كثيرا من نظيره للسكان البيض إلا أن الأمريكيين الأفارقة أغنى بكثير من الناس في الصين أو في ولاية كيرا لا الهندية(حتى بعد تصحيح فوارق كلفة المعيشة) ومع ذلك إن الأمريكان الأفارقة ليست لديهم كجماعة فرصة أعلى-بل أدنى- لبلوغ أعمار متقدمة في السن بالقياس إلى بلدان شديدة الفقر كالتي ذكرناها أي الصين وولاية كيرالا, ومن هنا يطرح بديلا لمفهوم التنمية يرتكز على القدرة والفعالية ونوعية الحياة. ولاريب في أن التركيز على نوعية الحياة وعلى الحريات الموضوعية دون الدخل أو الثروة قد يبدو كأنه انحراف عن التقاليد الراسخة للاقتصاد,لكن هذا النهج له روابطه السابقة فأرسطو ركز على الازدهار والقدرة الذي يرتبط بنوعية الحياة وبالحريات الموضوعية وكان "وليام بيتي" معنيا صراحة بمسائل الأمن المشترك والسعادة الشخصية لكل إنسان.
الفصل الثاني:التنمية:الوسائل والغايات
تشتمل الحريات الموضوعية على القدرات الأولية من مثل: القدرة على تجنب مظاهر الحرمان: كالمجاعات ونقص التغذية والأمراض القابلة للعلاج والوفاة المبكرة وأيضا الحريات المقترنة بكون المرء عارفا بالقراءة والكتابة وبالحساب ويتمتع بحق المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي دون رقابة.
وغالبا ما يثار سؤال عما إذا كانت حرية المشاركة السياسية والمعارضة تفضي أولا تفضي إلى التنمية.لكن هذا السؤال صيغ صياغة قاصرة إذ يعيبه الفهم الحاسم بان المشاركة السياسية والمعارضة جزءان تأسيسيان من عملية التنمية ذاتها..إن أهمية ودلالة الدور الاداتي للحرية السياسية كوسيلة للتنمية لا تقلل أبدا من الأهمية القيمية للحرية كغاية للتنمية
الحريات الاداتية :
يحدد "صن" الأنماط الأساسية للحريات الاداتية التي تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في مجمل الحرية التي يود الناس أن يعيشوها وبالتالي تسهم في عملية التنمية وهي:
أولا:الحرية السياسية:وهي تشير إلى الفرص المتاحة للناس لكي يحددوا من له الحكم وعلى أي المبادىء يحكم وامكان النظر نظرة فاحصة للسلطات وانتقادها وان يتمتعوا بحرية التعبير السياسي وإصدار صحف دون رقابة وحرية الاختيار بين أحزاب سياسية مختلفة.
ثانيا:التسهيلات الاقتصادية:وتشير إلى الفرص التي يتمتع بها كل طرف لاستخدام موارده الاقتصادية والانتفاع بها لغرض الاستهلاك أو الإنتاج أو التبادل التجاري.
ثالثا:الفرص الاجتماعية:تشير إلى موضوعات التعليم والرعاية الصحية والتي تؤثر في الحرية الموضوعية للفرد من اجل حياة أفضل.
رابعا:الشفافية:وتتعلق ضمانات الشفافية بالحاجة للصراحة التي يتوقعها الناس:حرية التعامل المشترك وفق ضمانات تكفل الإطلاع والوضوح ،وطبيعي أن لهذه الضمانات دورها الاداتي الواضح للحيلولة دون الفساد واللامسؤولية المالية والتعاملات السرية
خامسا:الأمن الوقائي:ويتضمن توافر ترتيبات مؤسسية ثابتة من مثل إعانات البطالة أو إضافات لدخول المعوزين اومساعدات الإغاثة في حالة المجاعات أو توفير عمالة للطوارىء بهدف توليد دخل للمعدمين.
ثم يتحدث"صن" عن التجربة التنموية لكل من الصين والهند وجوانب النجاح والإخفاق لكل من التجربتين000ويركز على دور التعليم والرعاية الصحية في إحداث التنمية مدللا بذلك على دول شرق آسيا .
الفصل الثالث:الحرية وأسس العدالة:
يعرض "صن" في هذا الفصل لنظريات العدالة الاقتصادية والأهمية الحاسمة للأسس المعلوماتية للحاجات الاقتصادية للفرد مؤسسا على أنقاض هذه النظريات منهجا معلوماتيا يعتمد منطق القدرة. وهذا عرض موجز لأهم هذه النظريات
أولا:نظرية المنفعة كأساس معلوماتي :
تفيد الصيغة الكلاسيكية لمذهب المنفعة عند بنتام بأن منفعة شخص ما رهن تقديرما للذته وسعادته. وتقضي الفكرة هنا بان نولي اهتماما لرفاهية كل شخص. ويمكن تقسيم شروط التقييم النفعي إلى ثلاثة مكونات متمايزة :
1-مذهب العبرة بالنتائج: consequential
ويعني أن جميع الخيارات من أفعال ومؤسسات وقوانين يتعين الحكم عليها في ضوء النتائج المترتبة عليها
2-نزعة الرفاهwelfarism التي تقصر أحكام شأن حالة ما على منافع كل حالة من دون اعتبار لاموراخرى مثل انتهاك حقوق أو واجبات
3-الإجمالي العام sum-rankingالذي يقضي بان نجمع حصاد منافع الناس على اختلافهم لنصل إلى إجمالي الميزات والاستحقاقات من دون اعتبار لتوزيع هذا الإجمالي على الأفراد.ونظرا لشدة صعوبة قياس السعادة أو الرغبة فان المنفعة تتحدد غالبا في التحليل الاقتصادي الحديث بأنها شكل من التمثيل العددي لخيارات الشخص التي يمكن ملاحظتها.
مواطن العجز في النهج النفعي:
1-اللامبالاة في التوزيع:ينزع الحساب النفعي إلى إغفال مظاهر عدم المساواة في توزيع العدالة
2-إغفال الحقوق والحريات: وغيرها من اهتمامات ليست نفعية
3-التكيف والاشتراط الذهني:من مثل اللذة أو السعادة أو الرغبات والمعروف أن رغباتنا وقدراتنا تتكيف مع الظروف لكي نجعل الحياة أكثر احتمالا خاصة عندما تكون الأوضاع معاكسة, والمعروف أن المحرومين من البشر ينزعون إلى التوافق مع حرمانهم بحكم دافع البقاء كضرورة حياتية ويمكن نتيجة لهذا أن تعوزهم الشجاعة للمطالبة بأي تغيير جذري بل يمكن أن يلائموا رغباتهم مع ما يرونه مجديا وان كان عاطلا من أي طموح.
ثانيا:النزعة التحريرية:
تحاول هذه النظرية في بعض صياغاتها أن تعرض فئات شاملة للحقوق تتراوح بين حريات شخصية وحقوق ملكية باعتبار أن لها أسبقية سياسية كاملة على السعي لتحقيق أهداف اجتماعية. وليست هذه الحقوق على قدم المساواة مع الأمور التي يمكن لنا الحكم عليها بأنها أمور مرغوب فيها مثل المنافع والرفاه وتساوي النتائج أو الفرص000الخ.ونسأل لماذا يتعين أن يكون وضع الضغوط والمتطلبات الاقتصادية الشديدة والتي يمكن أن تكون مسالة حياة أو موت أدنى من ضغوط ومتطلبات الحرية الشخصية ,يمكن أن تقع مجاعات مروعة دون حدوث انتهاك للحقوق التحريرية..إن المعوزين من أمثال المتعطلين أو من أصابهم الفقر يمكن أن يتضوروا جوعا لالشيء سوى أن صلاحياتهم لا توفر لهم طعاما كافيا
البديل:الحياة الواقعية:
طرح" صن" بديلا معلوماتيا للحاجات الاقتصادية للفرد وهو التركيز على حرية إنجاز حياة فعلية واقعية يمكن أن يتوافر للمرء المبرر للشعور بقيمتها.وجدير بالذكر انه ابتداء من عام 1990 وتحت قيادة محبوب الحق(عالم الاقتصاد الباكستاني)بدأ البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة(UNDP)في نشر تقارير سنوية عن التنميةالانسانية التي ألقت بانتظام ضوءا على الحياة الفعلية التي يعيشها الناس خاصة المحرومين نسبيا..إن الحيز الملائم ولأسباب تقييمية كثيرة ليس حيز المنافع ولا حيز أولوية الحرية بل حيز الحريات الموضوعية-القدرات-لاختيار المرء حياة لديه المبرر لإضفاء قيمة عليها..إن التركيز التقييمي لهذا النهج المعني بالقدرة يمكن أن ينصب إما على عمليات الأداء الوظيفي المتحققة في الواقع(أي ما يستطيع شخص ما أداءه بالفعل)أو القدرات المتوافرة في بدائل تملكها(أي الفرص الحقيقية المتاحة للشخص).
الفصل الرابع :الفقر كحرمان من القدرة:
يبرز باحثنا في هذا الفصل مفهوم الفقر كمفهوم شامل بأنه الحرمان من القدرات وليس نقص الدخل الذي يعتبره فهما ناقصا ويرى أن الدخل ليس الأداة الوحيدة لتوليد القدرات. ويوضح العلاقة الوثيقة بين الدخل والقدرة التي تتأثر- بقوة- بعمر الشخص وتتأثر بنوع الجنس والدور الاجتماعي لكل من الجنسين وتتأثر بموقع العمل وبالمناخ الذي تسوده أمراض معدية. وهذه المتغيرات مهمة لتأثيرها في نوعية القدرات ومن ثم على انخفاض الدخل.ويرى" صن" أن الحرمان النسبي من حيث الدخل يمكن أن يفضي إلى حرمان مطلق من حيث القدرات.
فقر الدخل وفقر القدرة:
يرى "صن" أن الدخل وسيلة مهمة للحصول على القدرات كما أن القدرات المعززة من اجل بناء الحياة تنزع طبيعيا إلى توسيع قدرة المرء ليكون أكثر إنتاجية واقدر على الحصول على دخل اكبر.ويرى أن التنمية البشرية بديل للقضاء على فقر الدخل. .إن توافر تعليم أساسي أفضل ورعاية صحية أفضل من شأنهما أن يؤديا إلى تحسن نوعية الحياة مباشرة وبالتالي يزيدان من قدرة الشخص على الحصول على الدخل والتحرر من فقر الدخل أيضا.وقد كشف تقرير التنمية الإنسانية عام 1999ان أولويات الفقراء ليس تحسين الدخل فقط ولكن أولويات أخرى مثل حرية التنقل وحرية الرأي والأمن من الاعتقال التعسفي والفصل التعسفي من العمل0000 ويلفت النظر إلى أن ترتيب المجتمعات على أساس متوسط الدخل يمكن أن يختلف عن ترتيبها وفق متوسط الشروط الصحية مثال ذلك:شخص يحصل على دخل مرتفع ولكنه يعاني من علة مزمنة يستلزم علاجها تكلفة باهظة جدا يصبح وعلى نحو واضح محروما إزاء وسيلة مهمة تعنيه حتى وان لم نصنفه فقيرا في الإحصاءات العادية عن توزيع الدخل.
البطالة والحرمان من القدرة:
يبين صن أن البطالة لها نتائج بعيدة المدى غير فقدان الدخل أهمها:
الأضرار النفسية وفقدان حافز العمل والمهارة والثقة في النفس وازدياد العلل المرضية وزيادة معدل الوفيات وإفساد العلاقات الأسرية والحياة الاجتماعية وقسوة الاستبعاد الاجتماعي وتفاقم التوترات العرقية والتمييز بين الجنسين.
ثم يتحدث صن عن واقع البطالة في الولايات المتحدة وأوربا الغربية من خلال إحصائيات تبرز زيادة معدلات البطالة00ثم يقوم بدراسة إحصائية لنسبة الوفيات بين السود والبيض في الولايات المتحدة 0000ثم يوضح ظاهرة الفقر في الهند وإفريقيا جنوب الصحراء ومقارنات لمعدلات وفيات الأطفال ومحو أمية الكبار في هذين الاقلميين000ثم يتحدث عن ظاهرة الفاقد النسوي والانحياز الجنوسي,وينتهي أن علينا أن نفهم ظاهرة الفقر كمفهوم شامل يعني الحرمان من القدرة.
الفصل الخامس:أهمية الديمقراطية:
أستطيع القول انه قد تكون الحاجة أم الاختراع وقد تكون طريق الموت هكذا يخبرنا "صن"عن فحوى ما ألمحت إليه آنفاعن غابة سوندربان
-غرب البنغال في الهند- فهي مناخ طبيعي لنمر البنغال الملكي المفترس, ولم يبق من هذا الحيوان سوى عدد قليل الآن يحميه قانون يحظر صيده! وتشتهر الغابة المذكورة بعسل النحل واعتاد الناس الذين يسكنون المنطقة وهم في فقر مدقع أن ينفذوا إلى داخل الغابة لجمع العسل الذين يجنون من بيعه ثمنا يتعيشون منه-ما يساوي نصف دولار لكل زجاجة-ولكن يتعين على جامعي العسل أيضا الفرار من وجه النمور وفي أحسن السنوات تفتك النمور بحوالي 50شخصا من جامعي العسل,ويستغرب "صن" كيف تحظى النمور بالحماية بينما لاشيء يحمي البشر البؤساء الذين يحاولون التقاط رزقهم عن طريق العمل وسط تلك الغابات.هذه مجرد صورة توضيحية لقوة الاحتياجات الاقتصادية في كثير من بلدان العالم الثالث..إن تركيز الاهتمام على الديمقراطية والحرية السياسية ضرب من الترف لا يتحمله بلد فقير.
الضرورات الاقتصادية أم الحريات السياسية:
مما سبق يطرح صن تساؤلا يتكرر: ايهما أولا القضاء على الفقر والبؤس أم كفالة الحرية السياسية والحقوق المدنية التي لا يفيد بهما الناس كثيرا بأي حال من الأحوال؟ويجيب أن هذا التساؤل نهج خاطىء في أن نتناول الاحتياجات الاقتصادية والحريات السياسية في ضوء تقسيم ثنائي..إن القضايا الحقيقية التي يتعين التصدي لها تكمن في غير هذا النهج,وتقضي بان ندرك الترابطات المتبادلة والمتداخلة بين الحريات السياسية وفهم وإيفاء الاحتياجات الاقتصادية..إن صياغتنا لمفاهيمنا عن الضرورات الاقتصادية تتوقف بشكل حاسم على الحوارات المفتوحة والصريحة التي تتحقق في جو من الحريات السياسية.انه يتعين علينا النظر إلى اثر الديمقراطية و الحريات السياسية على حياة وقدرات المواطنين..إن استجابة النظام الحاكم إزاء معاناة الناس الحادة تتوقف غالبا على الضغط الذي يمارسه الناس على الحكومة.ويتساءل "صن" هل يعبأ الفقراء بالديمقراطية والحقوق السياسية؟يجيب أن حكومة"انديرا غاندي" حين حاولت ترويج حجج لتبرير"حالة الطوارىء"أجرت انتخابات في هذه المسالة فظهر رفض حاسم لفكرة قمع الحقوق السياسية والمدنية رغم أن الناخب الهندي من أفقر شعوب الأرض.
إن عملية تطوير وتعزيز نظام ديمقراطي عنصرا جوهريا في عملية التنمية.وتتمثل أهمية الديمقراطية في ثلاث فضائل متمايزة:1-أهميتها في طبيعتها الجوهرية.2-إسهاماتها الاداتية.3-دورها البنائي في ابتكار قيم ومعايير.
الفصل السادس:فعالية المرأة والتغير الاجتماعي:
يذكر" صن" أن أدبيات حقوق المراة سابقا كانت تركز على جوانب رفاه المرأة وإغفال التأكيد على فعالية المراة ودورها في التنمية.بيد أن من الإنصاف القول أن جوانب الفعالية بدأت تحظى ببعض الاهتمام أخيرا..إن محاولة تعزيز رفاه المراة لا يسعها إلا أن تعتمد على فعالية المراة ذاتها لإحداث هذا التغيير..إن مظاهر الحرمان النسبية في رفاه المراة كانت ولا تزال حاضرة يقينا في العالم الذي نعيش فيه فهناك شواهد كثيرة على زيادة وفيات الإناث في آسيا وشمال إفريقيا والأعداد المهولة من الفاقد النسائي,لكن القضية أيضا أن الدور المحدود والمقيد للفعالية النشطة للمرأة اضر ضررا بالغا بالمراة..إن فعالية المراة من شانها أن تقضي على المظالم التي تحد من رفاهها..إن رفاه المراة تؤثر فيه بقوة متغيرات من مثل:قدرة المراة على اكتساب دخل مستقل وعلى توفير عمل خارج المنزل وان تتوافر لها حقوق ملكية خاصة وأن تعرف القراءة والكتابة وان تكون مشاركا متعلما في اتخاذ القرارات داخل وخارج الأسرة..إن عمل المراة خارج البيت وتحصيل دخل مستقل يكون له أثره الواضح على دعم الوضع الاجتماعي للمراة داخل البيت وفي المجتمع..إن عمل المرأة خارج البيت غالبا ما يكون مفيدا تعليميا من حيث معايشة المراة للعالم خارج حدود البيت.
ثم يطرح "صن" أهمية تمكين المراة في اتخاذ القرار داخل الأسرة الذي من شانه أن يحد من وفيات الأطفال وخفض معدلات الخصوبة000
الفصل السابع:الثقافة وحقوق الإنسان
يحظى خطاب حقوق الإنسان الآن يقينا بقبول على أوسع نطاق ويبدو على الأقل أن لغة الاتصال على الصعيدين القومي والدولي تعكس تحولا في الاولويات- بعد أن ساد الأسلوب الجدلي لبضعة عقود-وأصبحت حقوق الإنسان أيضا جانبا مهما في أدبيات التنمية والتطوير.ومع هذا فان الانتصار الواضح لفكرة واستخدام حقوق الإنسان يتعايش مع قدر من نزعة الشك الحقيقية تتردد داخل أوساط متشددة في نقدها بشان مدى عمق وتلاحم هذا النهج.إذن ما هي المشكلة في ظاهرها؟المشكلة هو القلق من أن حقوق الإنسان تخلط بين منظومات قانونية تعطي الناس بعض الحقوق المحددة جيدا ومبادىء سابقة على التشريع لا يمكنها أن تعطي المرء حقا قابلا للنظر فيه أمام العدالة, وهذه هي قضية مشروعة: مطالبات حقوق الإنسان:كيف يمكن أن يكون لحقوق الإنسان أي مكانة إلا من خلال الاستحقاقات التي تجيزها الدولة باعتبارها السلطة الشرعية الأخيرة؟وترى هذه النظرة أن البشر بالطبيعة لا يولدون بحقوق الإنسان وهم في هذا شانهم شان ولادتهم عراة بغير ملابس ومن ثم يتعين اكتساب الحقوق عن طريق التشريع تماما مثلما نكتسب ملابسنا عن طريق التفصيل والخياطة.

نقد الشرعية: نقد الشرعية له تاريخ طويل فقد كان إصرار ماركس على أن الحقوق تسبق واقعيا ولا تتبع تأسيس الدولة.لكن رفض حقوق الإنسان تأسيسا على هذا النهج يعني إسقاط جانب الممارسة..إن مطلب الشرعية ليس أكثر من أن مطلبا ما تبرره الأهمية الأخلاقية للاعتراف بان حقوقا معينة هي استحقاقات ملائمة لجميع البشر. ويمكن حسب المعنى أن تمثل حقوق الإنسان الدعاوى والقوى والحصانات التي تدعمها الأحكام الأخلاقية التي ترى في هذه الضمانات والمبررات أهمية أصيلة وجوهرية.
النقد الثقافي والقيم الآسيوية:
هل فكرة حقوق الإنسان حقيقة فكرة كونية شاملة؟ألا توجد أخلاق- مثل ما في الثقافات الكونفوشية العالمية- تنزع إلى التركيز على النظام والانضباط أكثر من الحقوق وعلى الولاء أكثر من الاستحقاق؟لقد أثير موضوع القيم الآسيوية كثيرا خلال السنوات الأخيرة بهدف توفير مبرر للتنظيمات التسلطية في آسيا.هل القيم الآسيوية غير مبالية بالحقوق الأساسية؟غالبا ما نرى مثل هذه التعميمات ولكن هل تدعمها براهين؟
إن آسيا يسكنها 60بالمئة من إجمالي سكان العالم فيها من التنوع الهائل ما لا يوجد في إقليم آخر فنجد البوذية والشنتوية والهندوسية والكونفوشية والاسلام000فلا توجد قيم جوهرية تنطبق على كل هذه الأعداد الضخمة المتغايرة من السكان بل إن سكان سنغافورة وتعدداهم2,8مليون نسمة بينهم تنويعات ثقافية وتباينات في التقاليد التاريخية.
يولي التراث البوذي أهمية كبرى للحرية ويفسح مجالا واسعا للإرادة وللاختيار الحر.
ثم إن قراءة الكونفوشية- التي يتخذها معيارا موحدا القائلون بان القيم الآسيوية تسلطية- لا تنصف التنوع القائم داخل تعاليم كونفوشيوس نفسه..إن كونفوشيوس لم يدع إلى الولاء الأعمى للدولة فحين سأله زيلو"كيف نخدم أميرا؟أجاب كونفوشيوس "قل له الحقيقة حتى إن أغضبته".
ومن أهم الممارسين للتسامح في ظل الإسلام الإمبراطور المغولي العظيم"اكبر"الذي حكم ما بين عامي1556و1606ونحن هنا لا نتعامل مع ديمقراطي بل مع ملك قوي أكد قبول الأشكال المتنوعة للسلوك الاجتماعي والديني وقبل حقوق الإنسان بأنواعها المختلفة بما في ذلك حرية الملكية وحرية الممارسة الدينية وهي حريات لم يكن يسيرا التسامح معها في أوربا في زمن "اكبر"
أصدر" اكبر" قوانين عدة وركزت هذه القوانين من بين أمور أخرى على التسامح الديني منها ما يلي:"لا يحق لأي امرىء التدخل في تفسير الدين وان من حق أي إنسان أن يعتنق الدين الذي يرضاه..إن هندوسيا إذا أرغم في سن الطفولة أو غير ذلك على أن يكون مسلما على غير إرادته فان له الحق إذا ارتضى ذلك أن يرتد إلى دين آبائه"وتجدر الإشارة إلى أن "اكبر"طبق سياساته وأفكاره هذه في وقت كانت محاكم التفتيش في عنفوانها في أوربا.وأكثر من هذا فان الفيلسوف اليهودي مايمونيد في القرن الثاني عشر اضطر إلى الهرب من أوربا المتعصبة(موطن بلاده)ومن اضطهادها لليهود إلى امن وأمان حاضرة القاهرة ليعيش في رعاية السلطان صلاح الدين.ويبدو أن مفهوم التبادل الثقافي في الحضارة الإسلامية كان بارزا في عصور مختلفة. ويبرز هذا التوجه الشاعر البنغالي العظيم رابندرانات طاغور إذ قال:"إن كل ما نستمتع به ونفهمه من المنتجات البشرية يغدو على الفور خاصا بنا أيا كان موطن نشأته.إنني أزهو بإنسانيتي حين أكون قادرا على الاعتراف بشعراء وفناني البلدان الأخرى وكأنهم أبناء بلدي.دعوني اشعر بالسرور الخاص بان الأمجاد العظيمة للإنسان أمجادي أنا أيضا"..إنني أستطيع القول أن ثقافة الرفض لا يمكن أن تعطي الأمان.
إن قضية الثقافة وحقوق الإنسان لا تختلف في آسيا عن أي مكان آخر وان رفض هذا القول على أساس الطبيعة الخاصة للقيم الآسيوية لا يقوى على البقاء أمام دراسة نقدية فاحصة.من الحري بنا- في حدود اهتمامنا بالدعاوى الاستبدادية عن "القيم الآسيوية"-أن نعترف بأن القيم التي ناصرتها البلدان الآسيوية في الماضي في شرق آسيا وفي كل آسيا اشتملت على نوع هائل من التنوع.



#احمد_جميل_حمودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -روساتوم- تسجل إيرادات قياسية في 2023
- شركات عالمية تتنافس على 30 مشروعا للطاقة في العراق.. ما أهمي ...
- تويوتا تحقق مستويات إنتاج ومبيعات قياسية
- الين بأدنى مستوى في 34 عاما وبنك اليابان المركزي يتدخل
- دراسة تحدد سلعة التصدير الرئيسية من الهند إلى روسيا
- شركة تعدين روسية عملاقة تنقل بعض إنتاجها إلى الصين
- شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة
- اشتريه وأنت مغمض وعلى ضمنتي!!.. مواصفات ومميزات هاتفRealme ...
- صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية
- وظائف جانبية لكسب المال من المنزل في عام 2024


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - احمد جميل حمودي - عرض كتاب -التنمية حرية- امارتيا صن رؤية شاملة للتنمية