أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب التلقيح















المزيد.....

باب التلقيح


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 07:57
المحور: الادب والفن
    



زعموا أنه في قديم الزمان ، حدث أن انخسفت الأرض وأطلقت وشاحها، وارتجت منها الأعماق، انكسر منها الهواء، والمعدن والحجر، وهرب الموتى من ظلمة القبور، عادت الروح للانكباب تغري الأجساد، وانفلتت من سغب البعث والنشور واختلطت أظفار الموتى بالأحياء، والمراثي بالأمداح، والممالك بالممالك والصعاليك بالصعاليك، وانتشر خلق الله في حزون الأرض، وهم لا يلوون على شيء..

وخرج "إيبوقراط الحزين" تائها، فانتصبت به بادية مشبوبة من بوادي المغرب.سار الأيام والليالي قيل أن يشتعل اسمه في هامات البلاد، وكان أن أقيمت رمال المواسم، وصدرت المراسيم والظهائر، وحفر "إيبوقراط الحزين" اسمه في ذاكرة بلاد أغراه منها الهواء ونسائم الرغد..وكم كانت البلاد أثخن بأثواب الفرحة والحصاد، إذ كان حظها أن تستيقظ روح "إيبوقراط" في سواقيها وتنتعل فضاءها الطائل.. وسرعان ما اندمج "إيبوقراط الحزين" وانحل في هوى البلاد، صار علما من الأعلام ولهبا من الأسماء، واقتضت الإرادات العليا بسبب من ذلك أن يعين مستشارا في شؤون الملة والصحة، وما جرى مجراهما بحكم الاختصاص...

وطالت السنون، واستدارت باحات البلاد بأنسها، وقال أهل الحل والعقد، احتدمت هذه السوءات، وكان أن دبرت مواسم للتلقيح سنوات متتالية، وكان "إيبوقراط" في دواخله كأنما يستشعر دما أو ألما، وتختبيء فيه رغبة من عناد تخاتل ردهة هذه المواسم، رأى بأم عينيه الهزج والمزج، وكيف تتآلف نشوة الدقات والعيطات وهوادج الشيخات مع موج التلقيح، كان يبدو له أن التهريج أخطر وسيلة معاصرة اهتدى الإنسان إليها، تهتز لها أجساد الحكومات وأبواقها، وأن الطب مهنته القديمة انقلبت انقلابا، جاءها الأعداء والأدعياء من كل الجهات، تمنى لو عاد للأرض سيرته الأولى..

قال "إيبوقراط الحزين": إنما الغرض بالتلقيح في تدبير الأجسام، حفظ الصحة الموجودة في البدن الصحيح في المجتمع الصحيح، في السياسات الصحيحة، والأيادي الصحيحة، وينبغي أن يكون كل شيء في هذه المواسم مقدرا، وأن يقترب الناس من فرصة الهواء، لأن الهواء معدن الصحة، والهواء تدبير الله..
قال: فأما علة التلقيح فاستكمال العفة والخفة على الوجه الأغلب، وما انتظم فيهما من طبائع الخلق وعجائب الصحة، إذ العلل الموبوءة تأخذ أسنانها في قتل سلطان السلامة والأجسام والعقول السليمة..

قال: فأما الصحة فهي الكل ـ ذكر ذلك كل الحكماء ـ لا يتجزأ ولا يتذرر، ولا يستقيم هذا الكل إلا بما توافق من الأجزاء التي تكون له، والصحة لها أجناس، الجسم والسياسات والاقتصاد الناطق وغير الناطق ،والشغل النابت والتعليم الحجري والمعدني.. وسوى ذلك مما لم نتعرض لإيراده في هذا المضمار وإن كان متصلا بالكلام...

قال"إيبوقراط الحزين": والآن وقد كثر المتطببون، وباعة الأنساب والأعشاب، فإن ذلك في الحق تابع لمزاجات الحكومات، ومزاجات الحكومات تابعة لمزاجات الأنظمة... ولا يمكن لفائدة التلقيح أن تستوي ويتسق تنظيمها إلا بجوامع هذه التلقيحات:

1ـ "التلقيح ضد التزوير الديكي"

قال" إيبوقراط": أما التزوير فوباء الديموقراطيات الجوفاء، المزيفة، وأحد بروجها، ويكثر باكتماله في البلدان التي من طبيعتها الحرارة، والقهر والمرارة، والمجاعات والسطوة والحكم المطلق الفاسد، وبه تقوى الأغلبيات الميتة وتشل حركة العباد، ولا تستوي أقدارها، وستجد أن هذه الأغلبيات في هذه البلدان تكثر شحومها، وتمتليء جيوبها بما هو حرام في غالب الأحيان، ويكون ضعف الحريات، والديموقراطيات لا تكون فيها إلا بنسبة 99,99 في المائة من أرباع الكون لصالح هذه الأغلبيات وتشابه صورها وأهوائها، ولطالما أفسد هذا الوباء أهوية البلدان وأضاع مآلها وأضحت ملاذا تنتصب فيها أغلبيات من الديكة كلما صاح فيها ديك، تصايحت له الأدياك من كل الحدب والصوب، وكلما غاب ديك حل مكانه ديك جديد...

2 ـ "التلقيح ضد حصبة البطالة"

قال: فأما وباء البطالة فمنبتها البلدان المنحدرة نحو حضارات النهب والليبرالية الغاصبة، وإذا هبت في بلاد من البلدان أغرقته في صهد الويلات، فإنها تذيب الهواء، وتسخن البحار والأنهار والأدمغة وتغير الأشياء وعادات أهلها، وهي ترخي الأوضاع والأبدان وتورث الكسل والخمول وتحدث في العباد الثقل في الأسماع، والغشاوات في البصر وتؤثر في سوادهم وتجعلهم أكثر قابلية للانفجار، وتغير حاجات الورد والفرد، تتناثر في حماها الأوراق ويسخن الماء والحديث، وتسترخي العادات الاجتماعية وتتكدر الأجواء..

3 ـ "التلقيح ضد كزاز الطرد والتسريح"

قال: فأما الطرد فهو وجهان، الأول الطرد من المدارس والجامعات وغيرهما، والثاني الطرد من الوظائف المتوفرة لمنع الأرزاق بذريعة من الذرائع المعروفة في هذا الميدان..وطبيعة الوجه الأول تكون في البلدان التي يرتقي فيها طابع التعليم للنخبة، وتضيق أعراض المدارس بأنجال الفقراء، وتسكن الرغبة لسد المنافذ ومطاوعة بواعث الجهالات، والسعي لإشاعة زرع ألوانها... إن الوعي يقلب الناس من حال لحال. أما طبيعة الوجه الثاني فعلتها أن الحكومات أو المشغلين في مراحل تدبيرهما تضيق ذرعا بحقوق العاملين والمكتسبات وما لهم في تكون معاشهم واستيفاء حاجيات الوجود... قال: فأماالتسريح كذلك فهو شيء من ذلك،إذ أن أرباب المعامل النهابين بالقوة والقوانين المعدة لذلك سلفا، يغلقون الأبواب والنوافذ بدعوى من الدعاوي المعروفة عند هذه الطائفة من الطوائف، فيصير العمال والمستخدمون بسبب من ذلك في حل من لحمة الأرزاق وما تسد به الأرماق...

4ـ "التلقيح ضد دفتيريا الغلاء"

قال "إيبوقراط الحزين": لما كان إحدى أغراض التلقيح معرفة أحوال الأبدان والأعضاء، ومعرفة الأهواء واختلافها،ومعرفة الأعمال والصنائع والعادات والأطعمة والأشربة والأسفار... فقد يحدث أن يستعر وباء الغلاء ويتفشى في هذه الحاجات الأخيرة فترتفع أسعار الأطعمة والأشربة والأسفار وما إلى ذلك... ويجد الفقراء أنفسهم أغنياء بالقناعة من فرط الجوع، وتفتح أبواب المضاربات السامات، والأرباح وفوائض القيمات المشروعة وغير المشروعة، ويكون الدثور بالمال وعرق المستضعفين ودماء المغلوبين.. وفي بعض البلدان يقوم ( كومبرادور ) نهاب بالطبع، ربيب التبعية ،كثير أعشاب الرأسمال ، وأطماعه ذاهبة في السماء، وتطاوله عظيم، لا يترك وحشا ولا قشا إلا ويأكله، بل إنه يسحت الشجر والحجر والخيرات ويرمي الناس بسهامه، ويفسد عليهم معيشتهم، ويأكل زرعهم، وطالما يقصده الناس فلا يبيع للفقراء حتى يسجدوا له... ويخصب في هذه البلدان أو يفسد فيها فيصير وجهها قفاها وقفاها وجهها، كذلك يقول منطق النهب اللبيرالي الثاقب، إنه الغلاء،كان منذ الزمن الأول درعا من أحصن الدروع، له مخالب ومناقير ينقر بها أعين الفقراء..

5 ـ "التلقيح ضد شلل الأجور"

قال "إيبوقراط الحزين": فأما شلل الأجور فوباء يكثر في البلدان التي يأتيها النهب من كل الجهات، والقهر والجشع والطمع... وتقوم الحكومات فيها على تسخير المأجورين والحرث عليهم بأبخس الأثمان، بسبب ما تقدم من طبائع تلك البلدان، حيث تفتح أبواب الإثراء والارتشاء في وجه السماسرة وقطاع الطرق والمضاربين ومهربي العملات ممن استطاع إلى ذلك سبيلا.. ويكون الأجير أسفل السوافل تكتنز على ظهره الجيوب الصغيرة والكبيرة على مثال لصوص الخاصة والعامة. قال: وثبت أن تغير حالات الأجر يغير من حالات الناس، مرة إلى الغضب ومرة إلى السكون، وإلى الحزن والكآبة، أو إلى السرور، ومتى استوت الأجور استوت أحوال الناس وأخلاقهم..

وكان في يوم من الأيام أن استضاف أحد أهالي تلك البادية "إيبوقراط الحزين، وذبح له ديكا على عادات البدو وأكرمه، ووجدها "إيبوقراط" فرصة للحديث عن منافع الديك ودوره التاريخي عبر توالي الأزمنة والعصور...

1991.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساعة ألم مضافة للزمن المغربي
- ديموقراطية في سبيل الله
- مثل الدجاجتين
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - باب التلقيح