أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - (أختي فوق الشجرة) ل وليد معماري..هَوَس الذاكرة .. لوثة الأشجار ..















المزيد.....

(أختي فوق الشجرة) ل وليد معماري..هَوَس الذاكرة .. لوثة الأشجار ..


نادين باخص

الحوار المتمدن-العدد: 2320 - 2008 / 6 / 22 - 04:06
المحور: الادب والفن
    


" لا .. الحكاية قد تكون متخيلة .. أما القصة فهي واقعٌ أعيد صياغته " .. قد يكون مناسباً للمرء أنْ ينطلق من هذا التعريف ، في حال أراد الحديث عن المجموعة القصصية ( أختي فوق الشجرة ) للكاتب وليد معماري ، الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب ، دمشق2007 ، إذ لابدّ سيفهم من خلال تمييزه بين القصة و الحكاية ما الذي كتبه وليد معماري في مجموعته هذه ..

يعنون الكاتب قصته ( حين كتبتُ .. حين لم أكتب ) عنواناً جانبياً هو ( ما يشبه السيرة ) .. و ليس هذا العنوان إلاّ بمثابة اعتراف جميل مموّه لابدّ للقارئ أنْ يبتسم له ، حيث تنساب مذكرات وليد معماري هادئة رقراقة مثل مياه العيون في أسافل الجبال .. و لأنّه أمين لهاجس القصّ فيه ، فإنّه يعرّف القصة وفق ما عاش من تجربة، ويصمت عن سرد (ما يشبه سيرته)، أي أنه ينهي بالقصّ الذي هو ليس إلا بداية، فقد تربّى على حكايات بيت الجد، وعلى القصص التي كان يقرؤها في الكتب والمجلات، إلا أن عبارة (ما يشبه السيرة) تسوّغ له إطلاق خياله في ما يسرد من أحداث، حتّى أن الكتب المندرجة في إطار السيرة الشخصية البحتة لا تخلو منه أيضاً.. فكتابة السيرة ليست عبارة عن سرد تاريخي لأحداث جرت، إنما هي فنّ قائم بذاته، يحمل ما يحمل من شحنات إبداعيّة، لا بدّ لها من دَفع الكاتب لاستضار سيرة حياته مع كثير من الخيالات .. فقد يكون الملك الأردني –الذي ذكره الكاتب- دخل حمّام قصره حقاً ليتفحّص عمل والد الكاتب وهو يرصف له(البورسلين)، إذ من المنطقي أن يطمئن على عملٍ يقام في قصره، لكن قد يكون خيال الكاتب هو من صوّر (أبا وليد) يسرع في أخذ مزقة من الكيس الاسمنتي، ليكتب عليها طلباً يقدّمه للملك بخصوص قبول ابنه (وليد) في مدارس المملكة الرسمية، نقول (قد) من باب عدم منطقية الحدث في حال في الواقع، إنما هنا نقطة يكمن فيها جمال الخيال التوظيفي الذي جاء ليسوغ ردّ الملك على فعل (أبي وليد)، حيث "عاود الملك ضحكه وقال: تعيبون علينا بداوتنا، والبداوة فيكم يا المتحضرين".

ولأن القصة وفق ما خَلُصَ إليه وليد معماري "ليست ابتكارا ً من خيال، بل هي إعادة الشغل على الواقع، أي خلق واقع مركب من واقع كائن، دون تضحية بالتخييل، ولكن دون اقتباس من الخيال البحت"، فقد تكون الدار العتيقة التي أفرد لها الكاتب قصته الثانية واقعية الوجود، لكن خيال الكاتب فعل فعله فيها، ومارس تأثيره المبدع إلى أن أسقطها في نهاية القصة، ليضع بانهيارها ذاك نهاية منطقية لكن مُبدَعة، لكل دار لا يفطن أهلها لترميمها، في حين يواصلون استغلالها لمصالحهم الشخصية.

وربما تنسحب هذه الحال على بقية القصص، وإذ بالكاتب ينهل من بحر ذاكرته التي من الواضح أنها مستأثرة به، إذ من الطبيعي أن يكون لدى كاتبٍ بحجم (وليد معماري) تلك الذاكرة الخصبة، لكنه يعيد صياغتها بما يتناسب مع براعة القصّ فيه.

ولا يمكن الانتقال من موضوع الذاكرة في مجموعة (أختي فوق الشجرة) دون المرور على (فونوغراف) وليد معماري، تلك القصة التي جعلها جزءاً ثانياً لقصة كان قد كتبها منذ عشرين سنة، وأودعها مجموعته (حكاية الرجل الذي رفسه البغل)، و لايخفى على أحد ما يبثه مفهوم الفونوغراف في العصر الحالي من معنى تراثي وتذكير بماضٍ غابر.

إن (وليد معماري) مهووس بالماضي، فها هي شخصياته تستعذب سرد ما كان، ويندر أن تخلو قصة من هذه الصفة، حتّى إن بعض شخصياته مصابون بال(نوستالجيا) أي التعلق الشديد بالماضي والحنيني إليه، فها هي (عائشة) في قصة (رجل العليّة) يجرفها الماضي فتضحي برسالة الدكتوراه فقط لأنها اختارت الكتابة عن مؤلفات شيخ عرفته في صغرها، وأُخذت بنورانيّته، في حين لم تعترف لجنة التحكيم بنصوص غير موثّقة وكانت النتيجة رسوبها.

وذاك هو (زحيمان) في قصة (أغلفة مجلات ملونة) يواصل استعادة ماضً فقد فيه ابنته، وينتظر عودة ما لن يعود. وهنا يمكن للقارئ أن يعتمد على قريحته في التفكيك وإعادة البناء ليختار للمجموعة عنواناً هامشياً ربما يكون (ما يشبه الذاكرة).

وإذا كانت الذاكرة هي المحور الأول في المجوعة، فالمحور الثاني فيها هو الأشجار، وهو محورٌ رديف للأوّل ، فالأشجار دائماً مرتبطة بالذكرى، إذ في جذوعها يحفر العشاق والمارة أسماءهم، وليس هنالك أحنّ من الأشجار على الإنسان، ولا أكثر منها أمانةً، كل هذا وغيره يسوّغ انتقاء الكاتب عنوان (أختي فوق الشجرة) ليتوِّج به مجموعته، حتّى أنه يختار ال(ق.ق.ج) التي تنتمي إلى قسم (ما يشبه القصص) حسب تسميته له في المجموعة، حيث يقول فيها: "دخلنا غابة، وتوغلنا فيها عميقاً، وحين تعبنا، تبادلنا القبلة تحت شجرةٍ تحفظ السرّ، بعد سنين عدت لأسترجع الذكريات، كانت الغابة يابسة، سوى شجرة بقيت خضراء، لأنها تذكرت قبلتنــا". هذه القصة القصيرة جداً هي بمثابة الآية الرئيسة، بعبارة أخرى، إنها تلخّص فكر الكاتب في المجموعة، فيما يتعلق بالأشجار والذاكرة، وحتى غلاف المجموعة مصبوغ بالأشجار وخضرتها.

وفي وقفة استثنائية لأشجار المجموعة، يتوصل القارئ إلى أن القصص تكاد لا تخلو واحدة منها من وجود الأشجار، فالشيح البري والجوز والعنب والبلوط والكرمة والسماق والبطم والزيتون و الصفصاف كلها لها حضور في المجموعة، و إن خلت إحدى القصص من الشجر، فلا بد من وجود تفصيل من تفاصيلها، كالخشب والحطب والجيرزون والحفيف والأوراق.

ومن خلال كثافة الأشجار في المجموعة، يُفهم أنّ الكاتب يريد أن يقول إن الشجرة تدخل في تفاصيل الحياة، فمنها الدفء للأغنياء عبر المواقد، وللفقراء عبر الشُعَل، ومنها تصنع الأثاثات وتدخل في بناء المنازل، وفي سترها تلد النساء، ومن جيرزونها تُضرم النراجيل، حتى قباقيب النساء والرجال، وكذلك كثير من التسالي والألعاب للاطفال والشيوخ تصنع منها، ولا بُدّ للعشاق من الاحتماء بها لتبادل القبل. وإضافة إلى الأثر المادي للأشجار الذي يُلمس عبر المجموعة، فان الكاتب كثيراً ما يؤنسن الشجرة، فهو في قصة (الفونوغراف) يقول على لسان شابٍّ يصف جُرنَ جدّه: "إنه مصنوع من شجرة بطم وحيدة نبتت في البلدة ويقول إن الشّجرة يبست حالما أدركت انها وحيدة، ولكن بعد خمسين سنةٍ من عمرها، وكان يمكن لها أن تعيش ستمائة سنة قادمة"، وفي قصة (أخت المحتضرين) يُشرك الكاتب الشجر أفعال البشر: "حتّى إن أوراق الشجر فوقنا، ومن حولنا، كفّت عن الحركة، وحين تحركت أوّل ورقة في شجرة، كان حفيفها منسجماً بشكل هارموني مع صوت أمينة"، ويقول كذلك: "كانت أشجار الحديقة حزينة" ومثل هذه الأمثلة كثيرة.

وفي عودة إلى ما أطلق عليه سابقاً (الآية الرئيسة في المجموعة)، تُرى الشجرة تحفظ السر وتتذكّر.

إن ارتباط الإنسان بالشجرة قديمٌ قدمَ الأزل، ولا غرابة في تأثّر واحدهما بالآخر، فها هو الكاتب يسوّغ موت أحدهم فيقول: "ثمّ لحق الجدّ بالجدة، لا من القهر عليها ولا شوقاً إليها، بل من اعتقاده أنّ العيش في هذا الزمن أصبح يحتاج إلى كثير من البلادة، وكانت أشجار حقله تمضي إلى الضمور، فيما ثمارها تقل سنة بعد سنة وتضغر حباتها، حتى غدت حبّة الجوز بحجم حبّة العنب، وحبّة العنب بحجم حبة العدس"، هكذا يعامد محور الأشجار محور الذاكرة في المجموعة، ضمن دائرة لا بدّ من ذكرها هي القرية أو الريف، فالريف والقرية والأرض هي الأمكنة التي تدور فيها معظم قصص (وليد معماري)، حتّى إنّ الباحث أو المتلقي إذا أراد تصنيف مفردات للمجموعةضمن حقول دلالية، لكان حقل الطبيعة هو الأهم والأوسع.

أما المدينة، فتمرّ في المجموعة على استحياء، حيث تتراءى للقارئ عبر صورٍ ضبابية مقتضبة وعابسة، ففي قصة (الهبوط نحو أمنا الأرض) يصور الكاتب التغيير السلبي الذي كثيراً ما تحدثه المدينة في نفوس أبناء الريف بعد انتقالهم للعيش فيها، لدرجة إنكارهم لذويهم.

وفي قصة (صاحب سوابق) يعرض الكاتب لما يمكن أن يلحق ببعض الناس من ظلم جراء فساد بعض أولياء السلطة، أما في قصة (معطف أول الليل)، فيثير الكاتب فكرة مقايضة جسد المرأة بتأمين فرصة عمل لها: "طردوني قبل يوم واحد من إتمام الشهر الثالث، المدير قال لي: غيبي نصف شهر ثم عودي لنعينك من جديد، وقال لي: يا سيدة زينب عودي، ولكن بوجه أقل تقطيباً مما كنت عليه، وجهك يذكرني بصور العمال الروس الذين كانوا ينفذون أيام عمل السبوت الطوعية، أنا شخصياً ليس لدي سبوت طوعية، كلّ ما لديّ هو ليالٍ طوعية، بصراحة يا آنسة، أنا مدير معمل كونسروة، صرت أرى الناس مثل علب ربّ البندورة، ولا بدّ من فتح بعض العلب للتأكد من سلامة المنتج".

والطريف أن القصة التي يتجنب المرء الحديث عنها هي نفسها التي حملت المجموعة اسمها، فقصة (أختي فوق الشجرة) تحمل ما تحمل من السريالية، وتنحو منحى الرموز الأسطورية، وهي تذكر قارءها بجو رواية (مئة عام من العزلة) ل غابرييل غارسيا ماركيز، فحركات (هولا) غير المسوّغة منطقياً في المشي والضحك والأكل، وعلاقتهما الغامضة بالقط الأسود (فادي)، ولقاؤها على البيدر بحبيبها البشري (فادي)، وميتتها الغريبة فوق الشجرة بالقرب من قطها، كلّ هذه إشارات أسطورية تترك القارئ حائراً في فكر الكاتب تجاهها، وكي لا يعدم القارىء مفتاحاً للغز، الأحرى به أن يعزو هذا التحليق الفانتازي للكاتب، إلى طبيعة الإبداع الحرّة، التي لا يحدها شكل ثابت، بغض النظر عن الرموز الدفينة في أعماق الكاتب.

وتبقى الإشارة إلى مسألة قد تلحظ في قصّ (وليد معماري)، وهي أن أسلوب كتابة الزاوية الصحفية التي هي فن كتابي يقوم على التداعي والانسكاب حبراً، والجمع بين أفكار متعددة ومختلفة، أسلوبٌ يجتاح قصّه بين حين وآخر، فقصته على قصرها متعددة العوالم، ومتشابكة احياناً في طرحها لأفكار عدّة، إلا أن وليد معماري يبقى طائر الليل عندما يريد أن يبدع أدباً، وهو الجندي المسلّح حين يكون في ساحة الصحافة.



#نادين_باخص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - تفاصيل - ل ديمة ونّوس .. تسعة شهور لا تكفي حين يكون الجنين ...
- وجودية نزيه أبو عفش في (أهل التابوت)..
- رائحة القرفة ل (سمر يزبك) حين تكون الكلمات سلعاً مهرّبة ..


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادين باخص - (أختي فوق الشجرة) ل وليد معماري..هَوَس الذاكرة .. لوثة الأشجار ..