أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواز حسن الخالتي - شاهد على الجريمة














المزيد.....

شاهد على الجريمة


فواز حسن الخالتي

الحوار المتمدن-العدد: 2320 - 2008 / 6 / 22 - 04:06
المحور: الادب والفن
    


انتظرت عشرة أعوام لسماع دوي تلك الاطلاقة النارية, وأنا مختبئ بين جدران غرفتي المتصدعة, والتي يغطيها سقف اسود, يتوسط جدارها الأيسر نافذة صغيرة كنت أتتبع من خلالها أثار أقدامه الطافية فوق الشارع الغارق في الصمت والظلام, وفي جدارها الأيمن نافذة أخرى أمليء بها نظري كمية من السراب المطل عليها, كلما لذت بالفرار من تتبع خطاه, إلى أن كان ينبهني صياح الديوك, فأدرك انه قد تم إطلاق سراح فكري المتشبث به و ادع استبسال فضولي ينال قسطا من الراحة, واستلقي على فراشي تاركا أجفاني تحجب النور عن عينيَّ متمنيا أن أُشاهد نهاية ذاك الصراع في حلمي, لأركض نحو ولده المقعد, وهو الصديق الوحيد الذي استطيع من خلاله مضاجعة عقارب الزمن دون ملل, وابشره بنصر أبيه, علَّ تلك البشرى تحمل في ثناياها القدرة على انتصابه أمامي, تيمنا بالحكاية التي سمعتها عن مُقعدْ استطاع المشي عندما تفاجئ بخبر سار.. طاردا من مخيلتي هطول المصائب كالمطر على أيامه التي ستغدو أكثر سوادا من ماضي عائلته التي أدمنت النحيب مع إطلالة الغبش المضفي انتظارا جديدا على كحل أعينهم عندما كان يعود (أبو صارم) وتكون الرصاصة المحشوة في مسدسه قبل عشر أعوام باقية لم تطلق بعد.. على الرغم من إدراكي أن ذلك الحلم لن يزورني إلا في اليقظة, لأني كنت واثقا من جرأته, واعلم انه ينتظر أن تطرق الفرصة بابه في أية لحظة يحل الحظ فيها ضيفا عليه, ليطوي صفحة الثأر لمقتل أبيه وأخيه على يد ذلك الضابط ,والذي منزله يبعد عن منزل (أبو صارم) مسافة لا تتجاوز حدود نظري من النافذة التي أصبحت شاهدا على الجريمة من خلالها, وتدوين صفحة أخرى تدفع عائلته في سطورها الدامية ثمن تلك الجرأة, وذلك الثأر, لأني كنت مطلعا على بربرية شبكة الأمن آنذاك والتي كانت تصطاد أي أسد أو نملة سار أو سارت بمحاذاتها أو لمس أو لمست أي خيط من خيوطها الطويلة.. وفي نفس الوقت كنت ملتمسا شجاعة تلك العائلة وقدرتها على صنع المعجزات ولا اكتراثها للموت يوما في سبيل المبدأ الذي طالما امنوا انهم وجدوا لأجله, حتى وان زهقت أرواحهم واحدا تلو الأخر, تاركين بصمة في ذاكرة الزمن ماضين في سبيل الخالدين, وهم على يقين من أن خطاهم لن تصل ذاك السبيل إلا بعدما يتجرعوا كؤوس الألم في كل ثانية من يقظتهم, في سجون النظام الدموي الحاكم , وهم على علم بأنهم سيغدون وجبات شهية لنمور جائعة حائمة في ساحات تلك السجون البغيضة, والمطمورة تحت الأرض أو أنهم سيدفنون أحياء ملتحقين بقوافل الذين ساروا قبلهم في ذاك الطريق..
جلست أمام النافذة وكانت السماء صافية لان الغيوم انقشعت عن وجه القمر الذي كان يضفي على الحي بعض أشعته الخافتة التي ساعدتني على رؤية (ابو صارم) يقطع الشارع جيئة وذهابا وعندما وصلت سيارة الضابط رايته يُخرج المسدس من تحت معطفه الأسود.. دوت تلك الاطلاقة تاركة جثة الضابط على الأرض, والتي ضيعت لأجل رؤيتها عشر سنين من عمري.. وبعد لحظات خرجت زوجته واخذ صراخها يهز أركان الحي فخرج على إثره بعض الرجال, واتصلوا بالإسعاف التي وصلت بعد ربع ساعة تقريبا.
غدت علامات الغبطة على وجوه بعض رجال الحي المعارضين أثناء مراسيم الدفن في اليوم التالي.. وحين كنت شاردا في منتصف الليل, سمعت أصوات محركات سيارات, فركضت نحو النافذة اليسرى, ركعت على ركبتيَّ وبقيت قرابة النصف ساعة اتباع عملية مداهمة منزل صديقي الى حين مغادرتهم.
وعندما استلقيت على فراشي محاولا النوم انتابتني رغبة شديدة لان اذهب واتأكد من اخذهم لجميع افراد العائلة, فأمسكت المظلة لان الأمطار كانت غزيرة في تلك الليلة التي تساقطت معها التعاسة على حينا وبهدوء خرجت من المنزل.. وعندما أدركت من بعيد أن باب السياج الخارجي مفتوح بدأت نبضات قلبي تتسارع, وأخذت قدماي ترتجف , والعرق يتصبب من تحت إبطي, وخيل لي أن الخطوات العشرين التي سأقطعها لأصل منزل (ابو صارم) لا نهاية لها.. وكأنها ألف ميل على أرضية مفروشة بشظايا زجاج ممزوجة بأشواك حادة عليَّّ أن امضي فوقها حتى أتخلص من الألم الذي تسببه لي, لاكتشف إني لن اراهم بعد الان, فعندما دخلت غرفة (صارم) لم أرى ــ في الفوضى التي خلفها أبناء الشوارع الذين تربوا على قتل الانسان والتسكع فوق نهود الثكالى اللواتي فقدن أولادهن في حروب النظام الشيطانية..! والعَبثْ بأوجاع الشيوخ راسمين الموت على أيام الأطفال الذين قدرهم أنهم عراقيين فقط ــ سوى صورة واحدة لهو وبعض الكتب التي أدهشني بقائها, ولكن خيل لي أنهم لم يعرفوا ماهية تلك الكتب وكذلك دفتر صغير وجدته تحت المنضدة المقلوبة.. وعندما فتحته كان قد دون في الصفحة الأخيرة هذه العبارة (بما إننا نسعى لنيل الحرية فأن جزءاً من وجودنا مبرر) وفي السطر الأخير من تلك الصفحة كتب (إن لم نضحي بأرواحنا لأجل أطفالنا فلأجل من سيضحي أطفالنا ) فأغلقت الدفتر, وتركت المئات من القبلات على كل شبر من غرفته, ثم عدت إلى المنزل ولا اعلم متى غفوت في ذالك اليوم, ولكني اذكر عندما استيقظت في الصباح كانت أصابعي متشبثة بدفتره, وأدركت من خلال الضجيج في الخارج أن خبر اعتقال عائلته قد انتشر.
دخلت أمي الغرفة ولم تستطع أن تخبرني عمَ حصل إذ سبقتها دموعها وطوقتني بذراعيها فوضعت رأسي على صدرها انزف الدموع كما أنزفها ألان وانا أدون تلك الجريمة..! وقالت سيعودون عما قريب, وانا واثق من أن انفاسي لن تشتبك بأنفاسه يوما إلا في أحلامي ولكنها أردفت بذلك لكي تواسيني حتى أتمالك أعصابي قبل أن اصرخ بوجه السماء واشتمها على الذل الذي امتزج بأيامنا, وكذلك خوفها أكثر من اشتم نظام الطاغية وأزلامه المنحطين, وطلبت مني أن استجمع قواي ولا استسلم لما جرى حتى أعانق يوما أشعة الحرية الطافية فوق ارض وطني لأنها كانت متفائلة جدا ولم تحبطها أحداث مماثلة لتلك التي وقعت, وها أنا اليوم افترش بعض تلك الأشعة التي اخترقت عالمنا في يوم سقوط الطاغية والتحف البعض الأخر ولكن الذي يؤلمني كثيرا إنني لحد هذه اللحظة لم اعثر على رفات (صارم) ولا عائلته على الرغم من بحثي في جميع المقابر الجماعية....!!



#فواز_حسن_الخالتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقصوصات
- اعتذار
- فجر العيد
- خطى سرمدية
- قصص قصيرة جدا
- تناسل الغباء
- امضي في حلمي
- كبرياء امرأة
- ما بعد التهجير
- وطنية مات اصحابها
- اغتيال
- عودة سبارتاكوس


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواز حسن الخالتي - شاهد على الجريمة