أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسن أحمد عمر - صفحات من الذاكرة 2 ... ميت على أى حال














المزيد.....

صفحات من الذاكرة 2 ... ميت على أى حال


حسن أحمد عمر
(Hassan Ahmed Omar)


الحوار المتمدن-العدد: 2318 - 2008 / 6 / 20 - 10:48
المحور: حقوق الانسان
    


لم أشأ أن أطيل عليه فى الكلام حيث كان مرهقاً إلى أبعد الحدود رغم قوته الجسمانية وذكائه الحاد وعنفوان شبابه , كانت الكلمات تخرج من فمه كأنها دماء تنزف من جرح وكانت الحروف تتحشرج فى حلقه مثل حشرجة خروج النفس من الجسد وبلوغها الحلقوم , فقد طفح الكيل عنده وأصبح لا يطيق شيئاً حتى مجرد الكلام مع الأهل والأحبة والأصدقاء الذين دأب على ملاطفتهم والتحدث إليهم فى كل ما يخصه فى إسهاب شديد ودون أدنى مواربة .

لقد مرت سنوات سبعة على تخرجه من كلية العلوم حيث قضى فترة الخدمة العسكرية على أكمل وجه وكان يحدوه الأمل فى مستقبل مشرق وغد أفضل يحقق فيه أمله المنشود كشاب يريد أن يعيش الحياة وينهل من معينها الصافى , يريد أن يكون له شقة يتزوج فيها من إبنة الحلال التى طالما حلم بها وراودت خياله , ويريد أن تكون له وظيفة يعمل بها بجد واجتهاد ويعيش حياة حرة كريمة على دخلها ويريد أن يشعر بوجوده وكنهه كإنسان جاء إلى هذه الحياة بحلوها ومرها وفرحها وحزنها وصعبها وسهلها .

لمحت فى يده جواز سفره ومبلغاً من المال لم أعتد على رؤية مثله معه , دفعنى فضولى لكى أسأله عن نيته فاضطر للتحدث معى , كان قد جهز نفسه للرحيل ولكنه لا يدرى إلى أين فاستخرج جواز سفر وأقنع أباه وأمه برغبته فى السفر لتحقيق حلم حياته , فاضطروا لتصديقه من كثرة دموعه التى لا تنقطع وشروده الذى لا ينتهى فقد فشل عشرات المرات فى الحصول على وظيفة محترمة يبنى عليها مستقبل حياته وهو الذى عاش متفوقاً حتى تخرج من كلية العلوم بتقدير جيد جداً , ولكن كل الآذان صمت فلم تسمعه وكل العيون عميت فلم تره وكل الألسن خرست فلم تنصفه وكل القلوب جدبت فلم تعطف عليه , وكل الايادى الرحيمة بترت فلم تمتد له أى منها وكل الأرجل الحنونة خسفت فلم تسع له واحدة للوقوف إلى جواره فى محنته .

أضطر ابوه لبيع الجرن الخلفى من منزله بمبلغ لا بأس به , وقام بدفعه لأحد سماسرة الموت الذين يتاجرون بآلام الشباب وشقائهم وأحلامهم ورغباتهم , دفع تحويشة العمر وثمن الجرن الخلفى من منزل أبيه لذلك السمسار الذى كان قد اتفق معه ومع خمسين آخرين على تسفيرهم إلى ايطاليا عن طريق ليبيا وأوهمهم أن لديه خطة رهيبة لا تفسد أبداً وأنه قد سفر المئات من قبل وصاروا اليوم مليونيرات فى إيطاليا , وهكذا زين لهم ذلك الشيطان عملهم وأضل تفكيرهم فأصبحوا يرون جحيمه جنة وعذابه نعيماً ووعوده التى تبدو فى ظاهرها كأنها حقيقة أصبحوا يرونها الأمل والمخرج من مأزق الفقر والذل والعوز وضيق ذات اليد الذى يعيشه هذا الشباب الغض فى بداية حياته بعد أن نكس فى الشهادة العلمية التى أنفق عليها أهله دماء قلوبهم واصبحت تلك الشهادة مصدراً للحسرة والعذاب اليومى .

جلست معه محاولاً إقناعه بالرجوع عن قراره والإحجام عنه ولكن دون جدون فلقد اتخذ قراره ولم يبق غير التنفيذ , حكيت له عن مئات الشباب الذين غرقوا فى البحر الأبيض المتوسط وكيف خدعهم هؤلاء السماسرة وحكيت له عن بعض السماسرة المجرمين الذين قتلوا بيدهم بعض الشباب وألقوا بالبعض الآخر فى عرض البحر ليصبح طعاماً للقروش , قصصت له الكثير عن الضحايا ضحايا وهم السفر الغير شرعى إلى أوروبا , ولكنه لم يسمعنى ولم يرنى ولم يهتم بوجهة نظرى فقد اتخذ القرار , ذهبت إلى أبويه وتكلمت معهما , عرفت أنهما لا حيلة لهما معه وأنهما أضطرا لإرضائه لأنه كل يوم يهددهم بقتل نفسه بالسم أو أى وسيلة , خافوا عليه فباعوا جرن المنزل ( وهو الجزء الفضاء الخلفى من منزلهم ) للجيران وأعطوه الفلوس ليسافر بها ,
قلت لهم ليته يفتح بهذا المبلغ مشروعاً صغيراً حتى ولو كشك بيبع فيه بعض الأشياء سوف يمشى الحال وتتحسن الظروف فحكوا لى عن قصته منذ أربع سنوات مع مشروع مشابه وكيف أن الروتين والإجراءات الحكومية والضرائب والتأمينات أجبرته على التراجع وعدم المضى وذاق وقتها مرارة الفشل وأشرف على الإنتحار .

كانا يتحدثان معى وعيونهما تقطر دماً لا دمعاً حتى أبكيانى معهما , وشعرت بالعجز لأول مرة فى حياتى وكرهت الحياة تساءلت ولا زلت أتساءل اين يذهب هذا الشاب بعد قصة طويلة من التعليم والنجاح والتفوق ؟ وماذا يفعل أبواه المسكينان الفقيران بعد أن يريا فلذة كبدهما يضيع أمامهما هذا الضياع وقد شارف عمره على الثلاثين وهو لا يملك قرشاً ولا يعرف أن يطعم نفسه من عرقه ؟

كانت الجملة الوحيدة التى قالها لى حين كنت أحاول أقناعه بالعدول عن السفر هى ( أنا ميت على أى حال ) ...

لم يمض أكثر من عشرة ايام حتى رجع مع عشرات من اقرانه جثثاً هامدة بعد أن غرق بهم مركب الموت والخداع كما غرق بمئات قبلهم , وكانت جنازته مهيبة تجمدت فيها الدموع فى العيون وكبتت الكلمات فى الصدور , ولم يترك لأبويه وأهل قريته غير حزن وحسرة وقلوب حزينة على فراقه وفراق أقرانه ضحايا الغدر والظلم والفقر .





#حسن_أحمد_عمر (هاشتاغ)       Hassan_Ahmed_Omar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحات من الذاكرة
- ألفترة البرزخية و24 ساعة موت
- الطيب والخبيث
- لون حقيقى فى لوحة مزيفة ( قصة قصيرة )
- إستنباط معنى كلمة ( فتنة ) من القرآن الكريم
- كفى صراخاً فى وجوه الناس أيها الوعاظ
- لغز أنا الإنسان
- لكل زمان علماؤه ومفكروه
- مجتهدون .. نعم .. مالكون للحقيقة .. لا
- ربيع القلوب
- وداعاً زمن الثقافة
- عربدى يا إسرائيل
- حبيبتى أفلاطونية
- أنين الغربة (شعر)
- ألقرآن فوق الزمان والمكان
- العقل ...... وسنينه
- حكاية رجل ميت
- وعلى الإنترنت السلام
- بل كان فرعون موسى مصرياً
- الولى والمريد - قصة قصيرة


المزيد.....




- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...
- الأمم المتحدة تطالب الاحتلال بالتوقف عن المشاركة في عنف المس ...
- المجاعة تحكم قبضتها على الرضّع والأطفال في غزة
- ولايات أميركية تتحرك لحماية الأطفال على الإنترنت
- حماس: الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين ستبقى وصمة عار تطارد ...
- هيئة الأسرى: 78 معتقلة يواجهن الموت يوميا في سجن الدامون


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسن أحمد عمر - صفحات من الذاكرة 2 ... ميت على أى حال