وصلتنى عن طريق الفاكس رسالة من الأمانة العامة لمجلس شيوخ العراق تقول بالنص :
" السيد / سعد هجرس .. تتشرف الأمانة العامة لمجلس شيوخ العراق باختياركم عضو شرف فى مجلسنا لما نتلمسه فيكم من قوة وكفاءة وشرف المسئولية لبناء عراق حر ديمقراطي مزدهر .. آملين ان يأخذ تعاوننا معكم كل مداه من اجل هذه الغايات النبيلة" . والله ولى التوفيق .
ووقع الرسالة الأمين العام رعد عودة الحمدانى ، وارفق معها مجموعة من الأخبار عن نشاطات مجلس شيوخ العراق .
أول هذه الأخبار ان منح كاتب هذه السطور العضوية الشرفية للمجلس جاء فى سياق إعطائها لست شخصيات عربية أخرى هم :
- الدكتور محمد حلايقة ... رئيس غرفة عمان
- المهندس عبد الحليم عابدين .. رجل أعمال
- السيد صائب نحاس ... رجل أعمال سورى
- السيد راتب سلاح ... عضو مجلس الشعب السورى ورئيس عشيرة البكارة
- الشيخ محمد الجبورى .. عضو مجلس الشعب السورى
- وأخيراً .. كاتب هذه السطور
وقال السيد رعد الحمدانى ان منح هذه العضوية الشرفية لهذه الشخصيات "يأتي ضمن نشاط المجلس لكسب التأييد لدعم وحدة العراق وعدم تقسيمه وعدم تعميق التفرقة الطائفية "
أما الخبر الثانى فهو ان عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية قد استقبل السيد رعد الحمدانى أمين عام مجلس الشيوخ العراقى . ورحب موسى بزيارة وفد رفيع المستوى من مجلس شيوخ العراق لمصر الكنانة .
وسيتألف الوفد من رؤساء عشائر العراق ومن كافة اقلياته ، وان مهمة الوفد ستتركز على إحاطة الجامعة العربية علما بالأوضاع فى العراق.
ويشير الخبر الثالث الى استقبال السيد رعد الحمدانى – بصفته رئيس اتحاد المستثمرين العراقى – لوزير الزراعة الأسترالي ، حيث اتفقا على إبرام مذكرة تعاون بين وزارة الزراعة الأسترالية واتحاد المستثمرين العراق لبناء ثلاث محطات تربية أبقار واستيراد لحوم الى العراق .
ومن مجمل هذه الأخبار نفهم أننا إزاء كيان محدد الملامح هو " مجلس شيوخ العراق " ، وان هذا الكيان له صفة تمثيلية ما ، أهلته كى يكون طرفا فى محادثات مع الجامعة العربية ومع حكومات أجنبية كاستراليا على سبيل المثال .
ونفهم أيضا ان هذا الكيان قائم على الهوية القبلية والعشائرية ، فالمقصود بكلمة "الشيوخ" فى اسم هذا المجلس شيوخ القبائل والعشائر وليس الـ senate اى مجالس الشيوخ فى الديمقراطيات الغربية التى يتألف فيها البرلمان من مجلسين : مجلس نواب ومجلس شيوخ .
والقبائل والعشائر موجودة فى المجتمع العراقى قبل صعود صدام حسين الى الحكم وقبل الإطاحة به على أيدي قوات الاحتلال الأمريكية . ولا تتوفر لنا فى الوقت الراهن دراسات موثوق بها عن الحجم الحقيقى لهذه القبائل وتلك العشائر وعن حدود الأدوار التى تلعبها فى المجتمع العراقى حاليا، وان كان بعض زعماء العشائر (ومنهم مثلا غالب مسعود الشلال الركاية أمين عام ما يسمى بتجمع عشائر العراق الديمقراطى) يقولون ان "العشائر تمثل 85% من المجتمع العراقى " !!
لكن المؤكد ان هذه العشائر – ايا كان حجمها –كانت مهمشة سياسيا فى عهد الرئيس صدام حسين . وهو ما يؤكده عبد الأمير حسن على ممثل عشيرة الدبات بقوله "لنا دور فى فض المنازعات فى المنطقة الا ان وجودنا معدوم على المستوى السياسى" .
وانعدام وجود العشائر على المستوى السياسى- رغم شكوى زعماء العشائر منه– لا يعد فى رأينا تهمة او نقيصه لنظام الرئيس صدام حسين ، لان مبدأ المواطنة أرقى من مبدأ القبلية والعشائرية ، والوطن اسمى من القبيلة والعشرية والبطون والأفخاذ ، والاندماج الوطنى أهم من النعرات الانعزالية والانفصالية .
والمفارقة الملفتة للنظر بهذا الصدد ان الادارة الأمريكية – التى لا تكف عن التشدق بالديمقراطية – كانت هى السباقة بعد احتلالها للعراق الى تشجيع النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية والعشائرية .. وهى كلها نعرات كانت قد توارت او تراجعت فى بلاد الرافدين قبل الاحتلال الامريكى .
ويبدو ان هذا الاحتلال قد استهدف تفويض الاندماج الوطنى الذى تحقق فى العقود الماضية والنكوص بالمجتمع العراقى إلى مكوناته الأولية.
ومن هنا عادت الانتماءات ما قبل الوطنية لتطل برأسها من جديد ، ومن بينها الانتماء القبلى والعشائرى.
حتى هذا الانتماء الأخير لم يكتب له "البعث" فى صورة واحدة ، بل أخذ صوراً شتى . فنجد مثلاً قيادات عشائرية تكرس التوجهات الانعزالية والسلفية التى نجد لها نموذجاًَ فى قول الشيخ عبد الأمير حسن على "نحن ندعم الحوزة العلمية فى النجف وكل ما تقوله ننفذه" ، معليا بذلك من شأن المذهبية على استحقاقات الوطنية .
وبالمقابل نرى مجلس شيوخ العراق يؤكد فى بيانه المشار إليه آنفا "على وحدة العراق وعدم تقسيمه وعدم تعميق التفرقة الطائفية" ، وهى – كما هو واضح من ظاهر هذه الكلمات – توجهات "وطنية" رغم صدورها عن مجلس "عشائرى"!
بل أكثر من تركيزه على الهوية الوطنية ، نجد تطلعا إلى آفاق "قومية" فى خطاب المجلس المذكور، بدليل اهتمامه باقامة علاقة ما مع جامعة الدول العربية ، وإقامة روابط – حتى ولو معنوية – مع شخصيات عربية ، ومنها كاتب هذه السطور على سبيل المثال.
وبطبيعة الحال فاننى لست شيخ قبيلة أو عشيرة ولا حتى شيخ طريقة .. ولا يوجد فرع لعائلة "الهجارسة" فى بلاد الرافدين .. كما أنه ليس معروفاً عنى تشجيع القبلية أو العشائرية . وبالتالى فان تفسير احتفاء مجلس شيوخ العراق بشخصى الضعيف لا يمكن أن يكون تفسيراً قبلياً او عشائرياً ، وإنما هو على الأرجح احتفاء بالأفكار التى عبرت عنها كتاباتى ومواقفى إبان العدوان الأمريكى على العراق كما انه احتفاء بجريدة "العالم اليوم" ، باعتبارها المنبر الصحفى الذى أتاح نشر هذه الكتابات .
واذا كان الأمر كذلك .. فان هذه مسألة تسعدنى وتجعلنى أشعر بالفخر والرضا ، لأنه ما من شئ يسعد الكاتب أكثر من أن تصل رسالته إلى القارئ ، فما بالك اذا كانت كلماته قد طارت وحلقت بأجنحتها عبر الحدود ووصلت إلى قلوب وعقول بعض أبناء دجلة والفرات ، أى أصحاب القضية بالأصالة.
واذا كانت رسالة مجلس شيوخ العراق تنشد التعاون من أجل "بناء عراق حر ديموقراطى مزدهر" ، ومن أجل "دعم وحدة العراق وعدم تقسيمه وعدم تعميق التفرقة الطائفية" ،وهى أهداف أشاطره إياها، فاننى من جانبى أود أن أؤكد بأكبر قدر من الوضوح والشفافية أن تحقيق هذه الأهداف النبيلة لا يأتى إلا عن طريق :
• مقاومة الاحتلال الأمريكى بكل الأشكال والوسائل ، ومن بينها وفى مقدمتها الكفاح المسلح المشروع.
• فضح ومقاطعة أذناب وزعانف الاحتلال الأمريكى الذين ينفذون مشيئته ويتواطئون معه ويتسترون على أهدافه الاستعمارية تحت لافتات عراقية زائفة ، وفى مقدمتها لافتة ما يسمى بـ "مجلس الحكم العراقى".
• مناهضة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية الانفصالية والانعزالية التى تهدد وحدة الوطن والشعب ، والعمل بالمقابل على تعزيز الوحدة الوطنية وإعلاء راية المواطنة كقيمة أسمى بصرف النظر عن العرق أو الدين او المذهب أو الجنس.
• النضال ضد القرارات الرجعية والخبيثة التى أصدرها مجلس الحكم بإيعاز من الحاكم الأمريكى بول بريمر ، ومن بينها :
- القرار المشين باعتبار يوم سقوط بغداد فى أيدى قوات الاحتلال الأمريكية عيداً وطنياً !!
- قانون الأحوال الشخصية الذى يلغى النظام المدنى الذى كان معمولاً به فى السابق ويستبدله بقانون رجعى يتمسح بأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالزواج والخطبة وعقد الزواج والأهلية واثبات الزواج والمحرمات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعى أو خلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والأصول والأقارب والوصية والايصاء والوقف والميراث .
ففى مجتمع يتميز بالتعددية الثقافية والدينية والمذهبية يمثل هذا القرار الذى أصدره مجلس الحكم – بشكل مفاجئ وغير شفاف وغير ديموقراطى دون طرحه للحوار والمناقشة – تكريساً للطائفية وتبذر بذور الانشقاق فى المجتمع والأسرة العراقية ، وهى كلها أمور تخدم أهداف الاحتلال ، لأنها تشعل النار فى الجبهة الداخلية ، وتفتح الأبواب أمام ملايين المعارك الفرعية اليومية فى كل بيت من أجل إلهاء الناس عن القضية المحورية ، ألا وهى مقاومة الوجود الاستعماري الأمريكي.
كل من يؤيد هذه التوجهات والسياسات .. نقف معد ونشد على يديه بكل قوة، وكل ما يعارضها أو يساوم عليها ليس له معنا كلام ولا سلام.