أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - أمنية















المزيد.....

أمنية


علي غشام

الحوار المتمدن-العدد: 2318 - 2008 / 6 / 20 - 08:40
المحور: الادب والفن
    


قصة
قصيرة

انتقلت عيونه بين أثاث الغرفة البالي، فقد شهد بعضه زواج أبويه..! بدا وكأنه يراه لأول مرة ، أحس ببرودة في بدنه كالتي تسري في جسده في شتاءات الفقر الموروث ، أطال النظر لصورة أبيه المعلقة على احد جدران الغرفة ، اقترب منه ، تفحص ملامحها ، كانت تقاسيم وجه حادة وبانت عليها الصرامة الشديدة ، اخذ يطيل النظر الى الصورة ويتحسس ملامح وجهه هو ليكتشف وجه التشابه بينهما ، كان يشبهه تماما وكأنهما تؤمان ،كانت له عيون غائرة .. اقترب منه احد أبنائه .. كان أصغرهم سنا بين ثلاثة أكبرهم ثمان سنين وأوسطهم بنت كانت هي الأخرى تشبه أمه، بقي متأرجحا في هامش الحياة،اصطبغت أيامه بهالات من الحزن والقلق، كما اصطبغ شعر رأسه ..
- ألن تذهب الى عملك يا أبي ؟ سأله وكأنه يريد شيئا منه..
- سوف اذهب بعد دقائق، ماذا تريد؟
- اجلب لي معك ............ قالها بحذر شديد، فهو عارف مصير طلباته السابقة لدى أبيه..
- أعرف ..أعرف سوف أتذكر ذلك يا حبيبي..
هز رأسه مع ابتسامة خفيفة تدل على انه يعاني من عدم تلبية طلباتهم الملحة. فجيوبه على غير وفاق مع المال ..!
توجه الى عمله ورأسه ممتلئ بهموم البيت ، فزوجته هي الأخرى توصية بنواقص البيت من أشياء وطعام،فهمه الأولاد وأمهم ولم يترك لنفسه المجال لطلب شيء ما.
لكن رغم كل ذلك فهو يحاول ان يصنع الفرحة في بيته ، أو بالأحرى البيت الذي أستأجره ، فقد عاش اغلب سني عمره متنقلا من بيت الى آخر.!
كان نظره مسلطا على خطوط الكهرباء حيث تسير السيارة ببطء وهي تلملم راكبيها متوجهة الى مكان العمل الذي يقع في أطراف المدينة المنكوبة،الأجواء مشحونة برعب وتوتر كبيرين، فهذه الأيام لم تنفصل عن أيام الموت الجاهز تلك.!
وكأنها جاءت لتكمل مرحلة من مراحل العنف الديناصوري في حيات العراقيين،فشخوص السلطة ما زالوا نفسهم لم يتغيروا، فقط غيروا من كذبهم ، حيث صاروا قديسين ورهبانا ومصلحين ومفكرين بالفطرة كما هو حال صاحبهم ذو النياشين والألقاب الإلهية والممنوحة له بتفويض رباني، وسنة كونية، على حين غرة من كل نواميس الكون ، وغفلة من قوانين الرب..
والذي جاء الى دنيانا هذه حين توحمن ساحرات العالم الشمطاوات بعيون الشيطان ورقدن على حمم أعتى براكين الأرض... ومسحت الرذيلة على بطونهن وعلى أكتافهن وعلى وجوههن.. فمنح بركة القتل بطرق تفتق عنها عقله الجبار بالجريمة والصراخ الخنزيري.. فصلب من صلب وقطِّع من قطع ونفي من نفيّ وأغتصب من أغتصب على مرأى من أصحاب التواريخ المشرفة والعلامات الدالة على وحشية الانسان وتخلف عقول أصحاب صكوك الغفران، هنالك ابتلي العراقيون وزلزلوا زلزالاً كبيرا، بمن تحول في ليلة وضحاها الى إنسان يهمه أن لا ينام الفقير جوعان، حيث يكون الأمان من جهنم والنيران..!!
فكانت مرحلة ديمقراطية اللسان ، تحت قبة البرلمان والذي يعاني من نقص حاد في رواتب منتسبيه المساكين،اللذين لا تكفيهم لشراء قنينة غاز العراق أو مكيف هواء لا تديره الكهرباء الوطنية، فاضطروا الى سحب خطوط حرجة مباشرة من محطات الكهرباء لبيوتهم حتى يستطيعوا يواصلوا التفكير في خدمة الشعب وسن قوانين المنع والمراقبة على الحدود،دون ان تدخل سيارة المقود الأيمن، و أطنان الحشيش وتجارة لن تبور دون ان يحاسبهم أحد أو يشهد عليهم من هو محكوم بالموت مسبقا مع المطالبة بزيادة حصصهم من الدولار والدينار ، و(نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام)..!
تنبه الى طيور الحمام وهي تسير بمحاذاة الشارع ، راقبها كيف ترفرف بأجنحتها مخترقة الريح ، تمنى ان يكون معها ليشاهد الأرض من السماء ،
- لا..لا.. فربما هناك كواسر كالتي على الأرض تفتك به ..!
ترى أيوجد هناك مكان في الكون آمن .؟ قالها متسائل في نفسه ..
لابد من ان يكون هناك مكان منقطع ..لا.. بل هناك الكثير من الأماكن الخالية على هذا الكوكب ؟
كانت المركبات الأخرى مزدحمة على الطريق المؤدي الى العمل ، في حين انشغل الركاب الآخرون بالحديث عن ما يدور هذه الأيام الصعبة.
وقف أبوه عند رأسه مبتسما ..!
- لم هذه الابتسامة يا أبي ؟
- لو تعرف كم اشتقت إليكم يا ولدي . كيف أخوتك وأمك هل ما زالت تذكرني ؟
- نحن في محنة يا أبي ، فقد تغيرت الأحوال من سيء الى أسوأ ..!
- أما زلت تتفقد تلك النخلة اليتيمة في حديقة المنزل.؟
- نعم وباستمرار وفاءا لذكراك يا أبي.. لقد أصبح النخل كله يتيم يا أبي..!
- هل رطبها كما هو، أم تغير يا ترى ؟
- تغير كل شئ يا أبي منذ أمد بعيد..
- قل لي يا أبي ما الذي أتى بك الى عالمنا بعد ان رحلت عنه ؟
- جئت مستفسرا عن كثرة القادمين ألينا منكم، هل هناك حرب أخرى اندلعت بعد غيابنا ؟
فقد كانت الحروب كثيرة وقت كنا معكم. ألم تتذكر كيف كنت أقص عليكم كيف اشتعلت الأرض حينها . وتطايرت الأشلاء ، وأختلط الدم بالحديد والبارود ، وملئت رائحة الموت طرقات وأزقة مدننا، وأصبحت الأرامل والأيتام في تزايد. كانت البيوت، والأشجار والشوارع عارية وكئيبة يا ولدي، ولم تكتفي بعد الأشياء والإنسان من أمنياتهما، كانت الناس تساق الى هلاكها،وتترك النساء في أفرشتها الباردة الكئيبة ، ويطول العطش بالنخيل،وكنا نستعذب الهواء القادم من جهة الغرب لعله يحمل أنسام الأحبة،وتراقصت شظايا الموت على رقاب الخلق!! كانت لي في حينها أمنية ان أرى نهاية تلك الفاجعة .. فكنت حطبة من حطب تلك النار المشتدة الأوار دون ان أرى نهاية لتلك المأساة.
- الآن الفاجعة اكبر في مسيرة الفواجع الوطنية !! اليوم لا يعرف سبب هذا القتل المستديم والمتجذر في نفوس الناس،لقد عاودت الكرة هذه المرة ..ولكن بشكل أصعب من ما تتخيل!! لقد اشتعلت الأرض وأسودت السماء ، ويمكن ان نلتقي في وقت قريب على أقل تقدير..! فالقتل لمجرد القتل كارثة الكوارث يا أبي ..!
لم يكتفوا بعد من إشباع رغباتهم في النهايات المخطط لها للبشر المسالم في هذه الأرض التي ما انفكت تشهد على قسوة حاكميها والمتملكين لأدوات الإبادة والسلطة والمال !!
انتبه الى صديقه وهو يوقضه ، فقد وصلوا الى مكان ممتلئ بالخوف!!
كانت الوجوه مكفهرة جرداء من اللين والسلام، أحاطت بهم من كل جانب ، أعتاد على سماع أصوات التكبير في الأعياد والمناسبات الجميلة خصوصا في أيام رمضان والذكريات البعيدة، فتعجب من سماعه التكبير مصحوبا بالقتل ، وكأنهم يريدون مباركة الموت الجماعي وحفلة الدم تلك.!
كانت أفواه بنادقهم جائعة ومتأهبة لافتراس أفواه تتكلم وتشكوا وتبوح بأسرار السرقات الكبرى لما تبقى من وطن!!
تحول صديقه الى كتلة عديمة الحركة ، تعالى صراخ بعضهم ، اختلط بصوت الرصاص الغالب على المكان البعيد والمنقطع ، والذي يصحب أصوات النشاز تلك،وانفلت الشر من مكامنه المكتظة بكل أدوات السلب والحرمان والنهايات المفجعة تاركا تلك الأجساد تفترش جانب الطريق وتغط في نوم طــويل أبدي حيث لا أحلام ولا أماني ،...!
عندها تذكر وجه أبيه،فأحس بتلك البرودة تسري في كل بدنه ، فلم يرى حينها إلا وجه أبيه..
ورحل بحسرة ستبقى للأبد معه.... فلم يحقق بعد أمنية ولده الصغير!!!

صيف 2008



#علي_غشام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - أمنية