أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعد هجرس - تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى














المزيد.....

تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2316 - 2008 / 6 / 18 - 11:28
المحور: حقوق الانسان
    


كان يوم الأثنين الماضى، الموافق 11 يونيه 2008 يوما استثنائياً فى كندا. وكان من حظى أن أكون موجوداً فى العاصمة الكندية أوتاوا فى هذا اليوم الذى توجه فيه رئيس الوزراء ستيفن هاربر إلى مجلس العموم ليلقى خطابا تاريخياً يعتذر فيه بالنيابة عن جميع المواطنين الكنديين عن انتهاكات حقوق السكان الأصليين رغم أن هذه الحوادث وقعت منذ سنوات وعقود طويلة.
ولم تكن المسألة مجرد كلمة من رئيس الوزراء وإنما كانت الأمة الكندية على امتداد هذه البلاد الشاسعة تتابع هذا الاعتذار "القومى" فى المدارس والجامعات ومكاتب الموظفين فى المصالح الحكومية والشركات الخاصة والمقاهى التى التف المواطنون فيها حول شاشات التليفزيونات بها لمتابعة هذا الحدث النادر بحماس اكبر من ذلك الحماس الذى رأيناه بعد ذلك فى متابعتهم لمباريات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم. وكنت تستطيع أن تستمع إلى نبضات قلوب الناس فى هذه اللحظات المؤثرة وأن ترى الدموع تنهمر من عيون الكثيرين فى صمت مهيب.
أما تفاصيل الأحداث التى استوجبت فى هذا الاعتذار القومى فتعود إلى عقود من المعاناة، التى اشتملت فى الكثير من الأحيان على الاعتداء الجسدى والجنسى لنحو 150 ألف من أبناء شعوب الـ Metis و Inuit، وهم من الهنود الحمر الذين كانوا أول شعوب تقطن هذه الأنحاء. أي أنهم السكان الأصليين. ومع ذلك فأن "المهاجرين "الذين استوطنوا هذه البلاد قاموا بانتزاع أطفال الهنود الحمر بالقوة من أحضان أسرهم وأرسلوهم إلى مدارس داخلية .. ومنذ عام 1874 تم إرغام ما يزيد عن 150 طفل "هندى " على البقاء داخل أسوار 132 مدرسة داخلية تديرها الكنيسة و كان الهدف من هذا التعليم القسرى هو عزل الأطفال عن أسرهم من أجل استيعابهم فى "الثقافة السائدة" . ومعظم هذه المدارس ظلت مفتوحة حتى سبعينيات القرن الماضى. وأخر مدرسة من هذا النوع كانت فى ساسكا تشيوان و تم إغلاقها عام 1996.
ويقول الناجون من هذه التجربة المؤلمة أنهم كانوا يتلقون عقابا قاسيا إذا تم ضبطهم يتحدثون بلغتهم الأصلية أو يحاولون الحفاظ على عاداتهم و تقاليدهم و ثقافتهم.
أى أنهم كانوا يعاقبون لمحاولتهم الحفاظ على هويتهم .
و الاعتذار الذى قدمه ستيفن هاربر رئيس الوزراء الكندي ليس هو التعويض الوحيد لضحايا هذه الجريمة الجماعية، بل هو جزء من تسوية مالية تم التوصل اليها عام 2006 تبلغ قيمتها1.9 مليار دولار يحصل عليها 80 ألف من الناجين من هذه المدارس الداخلية.
وستعقب ذلك مرحلة تالية تعمل فيها مفوضية للمصالحة و تقصي الحقائق لمدة خمس سنوات وتستمع خلالها إلى الناجين والأطراف المعنية الأخرى.
وأى ان الكنديين يعتبرون الاعتذار القومى الذى قدمه رئيس وزرائهم بالنيابة عنهم يوم الاثنين الماضي مجرد نقطة بداية لهم جميعا لكشف النقاب عن الحقيقة فيما يتعلق بالسكان الأصليين لهذه الأرض التى يسمونها اليوم "وطناً".
ولاشك أن ما فعله الكنديون شئ رائع وبالغ النبل، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن جيرانهم الأمريكيين، الذين قاموا بعمليات إبادة جماعية للهنود الحمر تزيد قسوة وفظاظة ووحشية، لم يفكروا فى مبادرة مماثلة. بل إن ممارسات المحافظين الجدد الممسكين بمفاتيح صنع القرار حالياً فى الولايات المتحدة تؤكد العكس تماماً، حيث يصرون على "تحصين" القوات الأمريكية ضد أى مساءلة قانونية على الجرائم التى تقترفها هنا وهناك.
ولعل ما فعله الكنديون أن يكون له تأثير ما من أجل حث النخبة الأمريكية على تغيير موقفها المتغطرس.
وفى كل الأحوال فإن يوم الاثنين الماضى ليس مفخرة للكنديين فقط وإنما هو بلسم لجراح البشرية بأسرها التى عانت من وحشية وهمجية وبربرية امتدت لعقود وقرون.
ولعله ان يكون حافزاً لكافة الحكومات الأخرى على أن تعتذر لشعوبها عن المعاناة والوحشية والانتهاكات التى تعرضت لها.. حتى لو كان ذلك على أيدى حكومات سابقة. فمثل هذه الجرائم، التى هى جرائم ضد البشرية، لا تسقط بالتقادم.
وكم كان مؤثراً جداً ان أرى عدداً من الشخصيات الكندية المرموقة تجلس معى فى هذه اللحظات الاستثنائية عندما كان هاربر رئيس وزراء كندا يتلو خطاب الاعتذار المكتوب ببلاغة والمشحون بعواطف صادقة، وهم يجهشون بالبكاء لدى سماعهم ذكريات أفعال أجدادهم المخزية.
همست فى أذن أحدهم.. قائلاً: أرجو ألا يقف رئيس وزرائكم بعد مائة سنة ليقدم اعتذاراً إلى أهالى مدينة دمياط المصرية على جريمة إقامة مصنع لإنتاج اليوريا والأمونيا فى قلب جزيرة رأس البر التى تعد إحدى منح الطبيعة النادرة و يأتى مصنع البتروكيماويات الكندى ليهدد وجودها و ليضرب هويتها فى الصميم.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتنة ملوي.. واستراتيجية المصاطب!
- عشاء ساخن جداً مع سفير كندا
- أجريوم .. شكرا
- سر أجنحة كلمات الأبنودى
- قنبلة طلخا... الموقوتة
- عش الدبابير !
- عصر الاضطراب (1)
- -طوارئ- .. فى الزمان والمكان فقط
- هوامش على دفتر النكبة (3)
- أزمة رئاسة مجلس الدولة: ضعف البصر له حل.. وعمى البصيرة ليس ل ...
- ثلاثية التراجعات
- اعتذار ل »دمياط«.. ورسالة حب ل »رأس البر«
- مطلوب تفسير من وزير الصحة
- هوامش على دفتر النكبة (2)
- دمياط تتحدى دافوس !
- هوامش على دفتر النكبة
- الفوضى -الهدامة-
- علاوة الأسعار (2)
- علاوة الاسعار !
- من جزارين إلي رشيد نقطة نظام


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سعد هجرس - تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى