أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - المعنى العميق للثقافة














المزيد.....

المعنى العميق للثقافة


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 2315 - 2008 / 6 / 17 - 10:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا يوجد مفهوم مراوغ مثل مفهوم الثقافة، ويرجع ذلك إلي أننا نحيا بالثقافة ولا نستشعر ذلك. وفي مجتمعاتنا العربية التي تتحرك يوميا من خلال ضغط السياسة تبدو الثقافة شاحبة وربما غير مرحب بها، رغم الممارسة اليومية لها التي يتم تنحيتها لحساب الخطاب السياسي المعلن وتوجهاته المختلفة. ففي مجتمعات تتسم بالقمع والمصادرة تتحول ممارسات البشر العادية إلى نوع من التأطير السياسي والتحزب الفئوي والديني الضيق، وهو ما يخنق ممارساتهم الثقافية العميقة المتجذرة والعابرة العفوية، ويكسبها طابع الوحدات السياسية التي تعبر عنها، أكثر من الطابع الإنساني العام الذي تنتمي إليه بشكل عام.
فالثقافة أرحب من السياسة وأكثر إنسانية منها. وحينما يتم خنق الثقافة لصالح السياسة يستحيل البشر أنفسهم إلى ذوات متشابهة مقموعة وخاضعة. كما أن السياسة تختزل البعد الإنساني والاجتماعي للشعوب، وتجعلهم أقرب للقطعان في تشكيلاتها البيولوجية المختلفة، حيث يستحيل الإبداع إلى جمود، ويستحيل الرفض إلى قبول، ويستحيل النقد إلى مديح. وإذا كانت أفعال السياسة ترتبط بقرارات فإن الثقافة أبعد ما تكون عن الارتباط بقرارات رغم أهمية ذلك وضرورته في بعض الأحيان.
وفي ظل عمليات الشحن السياسية اليومية، وفي ظل تصاعد العنف والهجوم تُختزل المجتمعات العربية إلى تجربة سياسية ليس أمامها إلا الصواب والخطأ. وهو الأمر الذي يحيل كافة المجتمعات العربية إلى حالة اصطفاف مجنون يتخذ سمات وأشكال مختلفة دينية أو عرقية أو طائفية أو عمرية أو حتى جنسية. فالسياسة في العالم العربي، ربما بسبب عدم ممارستها بشكل صحيح متواصل ومتطور، تستحيل إلى نوع من الصراع والتحزب والقتل والتدمير. وربما لا توجد منطقة في العالم أجمع تفاعلت فيها شؤون السياسة وتجلياتها المختلفة بمثل هذا الشكل من العنف والرغبة في إزاحة الآخر بكافة الوسائل والأساليب.
وفي هذا السياق يتم تشويه الطابع الثقافي للمجتمعات العربية ووضعها ضمن أطر جديدة مغايرة لتوجهاتها الأصلية. واللافت للنظر هنا أن الكثير من المجتمعات العربية تحاول إيجاد أطر ثقافية جديدة تملأ الفراغ الذي أحدثته عبر ضغوطها السياسية والتحولات المختلفة التي نجمت عن مشروعاتها التنموية. لقد مارست هذه المجتمعات تشويها مزدوجا للثقافة من ناحية التأطير السياسي المتواصل والضاغط ومن ناحية العمل على إحلال ما تم تشويهه بأطر وتجليات جديدة قد تكون وافدة أو خليطا من المحلي والوافد. وعبر كل هذه المستويات من خلق أطر ثقافية جديدة ينسى البعض أن الثقافة رهن في المحل الأول بالطابع المجتمعي العام. وحتى في ظل وجود تعدد بشري فإن الثقافة في النهاية تكتسب سمات عامة ترتبط بقطاع كبير من البشر المتشابهين عبر جملة ممارساتهم التاريخية المختلفة. فلا توجد ثقافة بدون تاريخ، كما لا توجد ثقافة بدون بشر. فالبشر هم الذين يصنعون التاريخ، وبالتبعية يصنعون ثقافتهم.
يرتبط المعنى العميق للثقافة بكونها ليست كائن لحظي يتم إنتاجه حينما نريد وحينما نبغي، لكنها كائن تاريخي يحتاج لمن يتعهده بالرعاية والنمو والتطور. وهنا يبرز البشر الذين يدركون كيانهم وواقعهم وتاريخهم ومحيطهم الاجتماعي عبر جملة علاقاتهم التي تتأسس كل يوم، وعبر انسجامهم وصراعاتهم المختلفة. فالثقافة، رغم أنها تعبر عن أسلوب الحياة اليومي للبشر، ورؤيتهم للعالم، فإنها أيضا لا تعنى أسلوبا أو رؤية منسجمة له، فكما تنطوي على التجانس فإنها تنطوي أيضا على الصراع، وإلا كانت جامدة لا حراك فيها، تنتظر موتها في أقرب فرصة ممكنة، تفرضها عوائد التاريخ ومصائبه.
إن الثقافة ترتبط لا محالة بالواقع الفعلي الذي يواجهه البشر عبر كل لحظة من لحظات حياتهم. وإن كان البعض يتحدث عن البعد الكوني المعاصر، وعن التقاء المحلي بالوافد، فإن هذا لا يعني في النهاية خلق تشكيلة ثقافية هجين. بل إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الكثير من المجتمعات العربية الآن يتمثل في كيفية الحفاظ على الطبيعة الثقافية لمجتمعاتها ضمن أطر مبدعة من التفاعل والتغيير والانسجام والصراع بدون أن يؤدي ذلك في النهاية إلى ضياع الثقافة المحلية للمجتمعات العربية. وحتى يحدث ذلك لابد أن تترك السياسة مساحة للثقافة تتحرك من خلالها بمرونة وانطلاق، كما يجب على السياسة أن تدرك أن تهميش الثقافة وضياعها أو استبدالها هو في التحليل الأخير ضياع للسياسة أيضا، بل ضياع للمجتمع ذاته.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارك الصحفية في عالمنا العربي
- حالة القوات العسكرية الأمريكية اليوم
- آليات العزل وحكايات الكلب الأجرب!!
- سيناريو انهيار الأقصى
- التمييز العنصري ضد المسلمين في أمريكا
- بنية التواطؤ
- الاتساق الفكري
- أحوال مصرية
- عالم بدون إسلام
- مُعضلة التدين في العالم العربي
- تقرير حالة السكان العالمي 2007 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة ...
- -جَوْجَلة- المعرفة
- نحو سلام واقعي
- أزمة علم الاجتماع في العالم العربي
- الأغنية العربية المعاصرة
- -الحرية والخوف- التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007
- ثقافة التمثيل
- عزمي بشارة والملاحقات الإسرائيلية
- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007
- المثقف والعاصمة: هل من علاقات متبادلة؟


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صالح سليمان عبدالعظيم - المعنى العميق للثقافة