أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - اركولوجيا الوعي عند مدني صالح















المزيد.....


اركولوجيا الوعي عند مدني صالح


عامر عبد زيد

الحوار المتمدن-العدد: 2313 - 2008 / 6 / 15 - 10:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المؤلم والمحزن أن يدرك المرء ، بعد فوات الأوان أنه : (ليس بإمكانه أن ينهل من النبع مرتين) بحسب مقولة هارقليطس الشهيرة . فحين يغيض النبع ـ مرة وإلى الأبد ـ دون أن نغرف منه ؛ لا تتكشف الأسئلة الحارقة عن غياب سهولة الارتواء من النبع ؛ بل عن غياب الجدوى التي تضمر فقراً مخيفا ً ، وذهولا عن الانتباه لعابر هائل مر بنا.ونحن نقف اليوم أمام استأذنا"مدني صالح"الذي عكس فكرا مختلفا وخلقا رفيعا متعالي عن الصغائر .
نقد الذات: على العكس من المتن الناعم، الذي يستوطن فيه مضطهدو الثقافة التقليدية التي ثار عليها من قبل علي الوردي ، في "وعاظ السلاطين" (الاتعاظ والاعتبار في شؤون الملك.. وإعمال النظر في دنيا التقلب والزوال..) كما هي عبارة ابن الأثير (كثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط) (ابن خلدون: المقدمة ص13(1) كانت هناك في المتن الأخر، المتن الوعر، كتابات استكشافية واجتهادية، ونقدية، تكافح من اجل إقامة ثقافة عقلية تأخذ بلطائف الحجج والبراهين، والتي تزعجها حياة الأقفاص ، اذا ما اصطيدت وروضت تذوي وتموت او في اقل تقدير تفقد زهوهها وتمتنع عن التكاثر، لا تنبعث منها رائحة حياة، لا تستطيع استئناف حياتها داخل مؤسسات ، حياتها نافرة، تقتحم الاسلاك الشائكة لذهنية المحظورات، تمارس فعلها العقلي بكل اتساعاته ومدياته ورشاقاته بغية الاقلاع والانطلاق والبحث تحت الشمس عن الاشياء الصالحة لانسانية الانسان، وتحرير الشرط البشري من العراقيل والاحباطات والآلام، تأخذ في بالها ان ليس بعد أيقونة لا تمس، وان كل شيء ينبغي ان يؤخذ من جديد، فيفكر به ويسأل عنه وينتقد. عبر الربط العقلاني الأفكاربسياق الأحداث ، وقياس مشروعيتها بمدى جدارتها في إثبات ذاتها بمنطق العقل، ومدى كفاءتها في تحريك الأحداث التاريخية وتغيير الواقع. فكل نص قابل للشرح والتأويل، كما أن لكل نص أفقا معرفيا وإيديولوجيا وهو نتاج أزمنة ثقافية وسياقات تاريخية واجتماعية معينة
هذا حال نص مدني مدني صالح له افقه المعرفي وهو وليد ازمه حقيقية مما يجعل منه وليد سياق تاريخي واجتماعي لايمكن ان يتجاوزه ولا يمكن ادراك مكنونه الا من خلال هذا السياق.

مدني صالح كان يحفر في الفكر العراقي بعيدا عن الكتابة التي ينشدها المشروع التدجيني الكبير الذي يصبح فيه المرء أعمى ومهادن وتصبح الكتابة مهادنة الى اكبر قدر من الالفة والتآلف مع الوضع التقليدي القائم الذي يبدو الفرد فيه مستلبا.
وقد اعتمد منذ الأربعينيات من القرن الماضي على بلاغة تجعله قادر على التعبير بمستويات متعددة من المجاز مما اكسب رسالته طابع التورية والإحالة التي تحتاج إلى التأويل من اجل الوصول إلى الهدف المراوغ المنساب بسلاسة . استراتيجيه انقلابية على أنماط الفكر والسلوك معا بأسلوب الحيلة العقلية تمثل الصراع بين رموز القوة التقليدية المتمثلة في أنها جدلية الحكمة والتغير .رغم عزلته وغيابه اللافت عن المؤتمرات ألا انه أبدع عبر الدرس والكتابة مما جعله " مدني صالح "تمتع بمقدرة على هزيمة الخوف والعزلة بوصفه "نابة "-باصطلاح ابن بأجه- ولأنه أدرك أن الخوف من الفشل يقود إلى الفشل الثقافي والتربوي في إنشاء وتطوير موقف واقعي وعقلاني من الفشل، الذي هو تجربة يمكن ويجب أن نتعلَّم منها كيفية جَعْلِه سببا للنجاح. وهذا مانلمسه في هذه الاشراقة :
". ولو كان حظ التاريخ والتطور والتقدم والارتقاء سعيداً لانقاد التاريخ للحكيمين العارفين العادلين أسال وحي بن يقظان بالحلم الأفلاطوني حلم ابن طفيل من كوخ المحبة والصداقة والعدل والتصرف النقي شاهق الأخلاق حول محور العدل والحكمة والعمل للإنتاج واللعب للابتهاج والعبادة للتصفية والتنقية والاستغناء في التأسيس عن الموجودات كلها بواجب الوجود الذي هو العقل عند الكساغوراس والوجود عند بارمنيدس، ومثال الخير الاعظم عند افلاطون والمحرك الذي لايتحرك عند ارسطو، والله تعالي اسمه وجلت قدرته عند ابراهيم عليه السلام، والواحد المشع عند افلوطين، وواجب الوجود عند الفارابي، والكامل عند ديكارت، والمطلق عند هيجل، وحاصل تحصيل هؤلاء والتطور التاريخي كله عندي انا وعند آسال وعن ابن طفيل وعند حي بن يقظان لاتعصب ولا انغلاق".(2)هنا تظهر تصوراته التي تجمع بين الحداثة ومستجداتها وبين التراث في قراءة تنطلق من الواقع وحاجاته مهما اختلفت التأويلات والتجريدات فالموضوع واحد فيما يتعلق بالماورائيات انه يركز على الموحد لا المفرق لان الحاجة الى الحياة السعيدة تقتضي الاخذ باللوازم التي تجعل منها سعيدة الفكر الذي ينطلق منه نلمسه اكثر في هذا التوصيف التجريبي:" لم يأت علي الانسان زمن ألا وهو كائن تاريخي تطوري فاعل اداري تشكيلي تصميمي يدير مؤسسة ويطور تشكيلات متطورة علي غرار تصميمات متطورة في مؤسسة متطورة في كون يتطور من اللامتناهي إلي اللأمتناهي في تاريخ يتطور من اللامتناهي إلي اللامتناهي..ولم يكن الفن الا اجراء ادارياً تدبيرياً اكتشافياً اختراعياً يساعد به الانسان جسمه ويقويه ويحميه ويعينه علي ادراك الطبيعة ويزيده اعجاباً وحباً لها.وكان الجسم جسم الانسان لاغيره اداته لمعرفة الكائنات يقيسها به ويذرعها او يزنها ويذوقها ويشمها ويراها ويلمسها ويحسها ويتذكر احساساته الحسية اللمسية الذوقية الشمية السمعية البصرية صوراً واخلية يستعيدها محفوظة في حافظته وهو تشكيل بايو سايكو سوسيو فسلجي في التشكيل الطبيعي الفيزيائي الكيميائي التأريخي المتطور الذي هو المغارة الكهف الملجأ المنزل البيت المسكن الكوخ القصر الثكنة المعسكر الحصن القلعة الحضانة الروضة المدرسة المعهد الجامعة الاكاديمية المختبر المعمل المصنع المتجر النادي الملعب الفندق الحانة المقهي المتحف المعبد الحقل الحديقة البستان المزرعة وان كلاً من هذه المواقف يصح ان يكون اصلاً تطورياً لكل من المرافق الاخري وهذا شيء.. أما الشيء الاخر فهو ان الانسان لايكتشف الا موجوداً، ولايخترع الا ممكناً، ولايطور الا قابلاً للتطور بفعل تناغم قوي التاريخ وتطاوعها متعاونة وتعاونها متطاوعة اوركسترالياً.هذا من جهة التطور الاداري،أما من جهة التطور الطبيعي فانه كائن متطور بالطبع اكتشفناه أم لم نكتشفه وانه الحقيقي الصواب الصحيح المنطقي الطبيعي الذي ليس من طبعه أن يكون غير ما هو كائن".(3)
هنا نلمس انه ينطق من تصور للمعرفة بين الحاجة والمعرفة والفرق بين هذا والتصور او المعتقد الذي هو الأخر يتم تصوره قياسا بنتائجه وهنا نلمس هذا الجذر التطوري الذي يطغي فيه البعد الحسي اذ(يفرق دفيد هيوم بين نوعين من المعرفة المعرفة التي تقوم بتحديد العلاقة بين الأفكار، والمعرفة التي تخبرنا عن أمور الواقع..ويرى بأن تدليلاتنا عن الواقع إنما تقوم على أساس العلاقة السببية التي تتيح للإنسان أن يتجاوز حدود الإدراكات الحسية وشهادة الذاكرة في حكمه على وقائع العالم الطبيعي.لأن علمنا بالرابطة السببية في جميع الحالات لا ينشأ عن التفكير العقلي الخالص الذي يستغني عن الخبرة الحسية من تقريره، بل هو مستمد في جميع الحالات من الخبرة الحسية التي تقدم لنا الشيئين اللذين نحكم بأن بينهم رابطة السبب، بالمسبب متصلا أحدهما بالآخر.(4) وهو هنا يحيلنا الى تلك العلاقة التي اقامها مع الفلسفة العملية عند "جون دوي"التي تعلق بما هو "صائب" و" مفيد" و"فاضل"و"خير" من وجهة نظر عملية:فالحقائق التي تعتمد عليها الأخلاق هي الحقائق التي تنبع من الروابط(الفعالة )للإفراد الإنسانيين مع بعضهم البعض.(5) وفي هذا يقول فاوست في مسرحية غوتة بذكاء شديد:(في البدء كان العمل) ويعلق يونغ ان ( الأعمال ) لم تبتدع قط ، كانت تفعل أما الافكار ، فهي اكتشاف متأخر نسبيا للإنسان، ويقول يونغ: الحقيقة هي ان البشر في الازمان السابقة لم يفكروا في رموزهم ، انهم قد عاشوها وكان معناها ينشطهم بلا وعي. الواضح أن "مدني صالح" مع المعرفة التجريبية التي تقوم على الواقع بعيدا عن التأمل والمنطق الصوري لان الواقع يجعلنا أكثر قدرة على تغير المحيط بشكل يجعل من الحياة ممكنه وسعيدة بعيدا عن التأمل والتجريد والتنازع المرير الكلامي الذي لا يضيف شيء إلى حياتنا .هذا معناه التقاطع مع التصور الفكري التقليدي:يعتمد الواقع القائم على منطق ألامعقول والقوة والتخلف إلي يذكرنا بالبداوة وتصورات علي الوردي عن منطق الغنيمة وكما يصف مدني صالح هذا في صوره بارعة عن طبيعة الحياة التي تسودها الفوضى التي رمز لها (الحيد الفحل)" لا تصير له حاجة في دائرة عند مدير أو في وزارة عند وزير إلا ويقوم الوزراء والمدراء رهباً ورغباً وسراعاً الي استنفار الموظفين جميعاً لتلبية الطلب كله تاماً كاملاً مثلما يشاء ومثلما يريد، لا مثلما تشاء الاقدار، ولامثلما تملي الانظمة ولا كما تنص القوانين... والخ.. والخ..
انها صوره ولا ابرع منها في وصف حياتنا السحرية في معتقداتها المفارقه للمنطق والعقل لهذا ترى كل خطط التنميه هي مجرد خطابات وكل مشاريع التعاون داخل عالم الحيد الفحل قائمة على الرغبة النزوة وليس على منطق العقل .
ثم يتطرق إلى صوره أخرى من تمظهرات الحيد الفحل اذ ينطلق من نقد هذا النمط من الواقع الى نمط اخر من ذات المنطق الي نجده ينحو فيه منحا علي الوردي وهو منطق وعاظ السلاطين :
" وما كل هذا الا حال من أحوال تواضع الحيد الفحل اذا ما تنازل وتداول شيئاً من هينات الامور... والا فالفعل أهوال وافاعيل... صورة من صور الحيد الفحل المردانة الذي يدفع ثمن تدويخ الرقيق الابيض وثمن مصادرة الكرامة والارادة والحرية من كيسه الخاص لاحباً الا بالتكلم الكبير وبالكلام المنفوخ: الامر الذي لم يكن في حقيقة أمره بين الوسائل والغايات الا حالاً من أحوال الفطحل النابغة العبقري الجهبذ وهو يناقش ويحاور ويجادل ويحاضر في النوادي وفي الجمعيات وفي الندوات وفي المؤتمرات وفي المحافل الاكاديمية والثقافية اينما تكون... لا فرق بين صورة الحيد الفحل التي انقرضت وبين صورة النابغة الجهبذ التي لم تنقرض بعد الا ان الحيد الفحل الخواردة المردانة كان يدفع ثمن تدويخ الجمهور من كيسه الخاص وان الفطحل النابغة العبقري الجهبذ يتقاضي علي تدويخ الجمهور أجراً مستخلصاً من أضلاع دافعي الضرائب وهم لاينتفعون بشيء من تكلمه الكبير.(6) الا انه يبشر بل يتمنى انقراض هذا النمط من المثقفين بالقول" واستحضروا صورة المتكلم الحيد الفحل المردانة كلما أضجركم المحاضر الفطحل النابغة الجهبذ واملأوا الدنيا قهقهات بالمقارنة بين الفحل والفطحل "(7) .نقد الاخر : في الوقت الذي يظهر جوهر الفكر العربي الحديث يظل هو" الإضافة "إلى الغير وبالتالي لا يمكن أن نفكر ألا بفضل المواجهة مع الأخر عبر لغته وأسئلته ونظامه المعرفي (8)ألا أن مدني صالح في قراءته إلى الذات لم يهمل الواقع الذي يدرسه ويعيش في كنفه ويعانيه يوميا فان قراءة الذات لا معنى لها ألا عبر رصد الواقع وتمثل متغيراته الثقافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية . وكان هذا الواقع هو المفتاح إلى نقد الأخر بعيدا عن منطق الهيمنة وقريبا من منطق المشاركة والحوار والشراكة.وهذا ما يظهر في هذا المتن الوعر،الذي خاضة مدني صالح الذي يمثل كتابات استكشافية واجتهادية، ونقدية، تكافح من اجل إقامة ثقافة عقلية تأخذ بلطائف الحجج والبراهين، والتي تزعجها حياة الأقفاص التي يرفضها كما ظهر هذا في ما بعد الطوفان وفي حوارية يؤكد على ثلاث ملامح أكد عليها الغربي "روبنصن كروزو "والاخر"فرايدي"وهو هنا يعيد استثمار نص كان يمثل لحظة انبثاق الخطاب الاستعماري والاستيطاني بين بين روبنصن كروزو لدانيال دوفو الكثير من شيطان فاوست لجيته الذي كان يمثل ثنائية المتقدم والبدائي بحسب مقولات المستشرقين الذين جعلوا من الاستعمار اعداد للبدائي اما مدني صالح فيرصد هنا عبر الرمز اذ يوكد ان روبنصن كروزو وقد شجع البدائي على بقائه على ما هو عليه من الأخلاق:(اما الأخلاق الاخري التي قبل بها روبنصن كروزو من فرايدي فهي الاخلاق التي يخرق بها فرايدي العادات والتقاليد والطقوس بلا صراع كلما تبين بالحساب التجاري ان في هذا الخرق ما قد يزيد من صادرات روبنصن كروزو الي فرايدي (... )كما تقضي اخلاقها بأن لعنة الله والملائكة والناس اجمعين علي جميع اللواتي يرتدين من الملابس ما قد يظهر من جسم المرأة غير العينين ومن وراء حجاب..(9)
أما من جهة الحكمتين فإنهما حكمة يحب بها فرايدي حكمته القديمة التي وجده روبنصن كروزو عليها اول ما تواجها وأقره عليها وقبلها منه وزين له ان يعتز بها ويفخر مباهياً بها روبنصن كروزو الذي لا يظهر الا انحسارا ازاء هذه المباهاة الفارغة الا من عنجهية المكابرة التي زرع روبنصن كروزو بذورها في نفس فرايدي. أما الحكمة الاخري فإنها الحكمة التي يحب بها فرايدي الراحة والثقافة والحضارة والمنية فيستورد جميع الذي يصدره روبنصن كروزو اليه ويستهلكه حتي يفنيه فيستورد غيره ويفنيه ليستورد غيره وهكذا تجري الامور علي هذا المنوال استيرادا بعد استيراد واستهلاكا بعد استهلاك لا يزيد فرايدي الا فقراً واعتماداً علي روبنصن كروزو الذي لا يزيده التصدير الا غني وقوة وسيطرة وابداعاً وتصديراً بعد تصدير واكتشافاً بعد اكتشاف واختراعاً بعد اختراع وازدهاراً في معارج الارتقاء وفرايدي منشغل بتأسيس المجامع اللغوية لترجمة أسماء المخترعات.(10) من الواضح هنا أن الغربي ينظر إلى الشرقي كمستهلك وكسوق لا علاقة له بما هو عليه من حال وتخلف وارتهان إلى الموروث القديم البالي بل ان جل اهتمام المروج صناعة الحاجة وإثارة الاستهلاك وبتحفيز الأخيلة والنزوات .(هي المأساة التاريخية والمأزق الخطير حيث لا يملك فرايدي من امره شيئاً بين اخلاقين يمنع باحدهما الخير عن نفسه ويستجلب الشر بالاخري عليها ولا تبرير عنده لهذا السلوك المأساوي الا الحكمتين : حكمة يضر بها نفسه وحكمة ينفع بها روبنصن كروزو.)(11) انها قراءة تلك اللحظة الامبريالية القائمة على الإخضاع والإتباع والقائمة أساسا على منظومة القوة التي جعلت من الثقافة الغربية نموذج عند "صموئيل هنتغتون" الذي يرى في القوة مجال يجسد الأثر الثقافي ، فقوة الغرب مقابل ضعف الآخرين أدى إلى التأثر بالغرب والتحديث والتغريب أما ضعف الغرب فإنها تدفع الآخرين إلى التأصيل الثقافي . وهي التي جاءت عند مدني صالح مكثفة إلى حد بعيد من خلال مسمى"ثقافة فوهة البندقية")يظل التاريخ بارودياً ظالماً لنفسه ولقواه كما يظل انتحارياً مأساوياً حول محور التجارة الحرب الاحكتار ما دام المنطلق الثقافي الحضاري المدني من فوهة بندقية لا من رأس حكيم وما دام التدبير الباطني الحقيقي التأسيسي الخفي بيد الاغني الاقوي الاغلب الاقهر.)(12) ثم ان هذا القوة تمثل حالة من الانحراف في الفكر والوعي انفصلت فيها الاخلاق عن السياسة منذ البداية وأصبحت القوة والمنفعة هي الدافعية في السياسة وهذا ما دفع الباعث إلى طرح سؤال(ما السبيل الي سيادة الاعلم الاحكم الاعدل الذي ينزل الناس منازلهم التي يستحقون ويرد الامانات الي أهلها ويعطي كل ذي حق حقه ويقسم الخيرات التي لأهل المدينة مادية ومعنوية علي السكان جميعهم حسب الاستئهال المحكوم بالتخصص وبالقدرة علي التجويد في العمل والابداع في الرأي حول محور العمل للأنتاج واللعب للابتهاج والحب للجميع لا حول محور التجارة الاحتكار)(13) لا ان الامر منذ لحظة انهيار المشروع التنويري الفرنسي وتحوله إلى مشروع استعماري هيمن التاجر على مقدرات الدولة والثقافة التي أصبحت في خدمته تشن الحروب من اجل الحصول على الإرباح وفتح الأسواق وهذا هي اللحظة التي ظهرت فيها فلسفة التاريخ والخطاب الاستشراقي وكل منهما مرتبط بتلك ألحقبه من الهيمنة (بروبنصن كروزو يفلسف التاريخ وقواه الثقافية علماً وادباً وفناً، والحضارية سياسة واخلاقاً وتشريعاً، والمدنية زراعة وصناعة وعمارة ، ويبوبه ، ويصرف الرأي في فصوله مثلما يشاء وكما يريد لا بناء الا علي ان الذي يفعله روبنصن كروزو نافع ممتع جميل وان الذي يفعله فرايدي ــ اذا لم يكن علي غرار المثال الروبنكروزوي ــ ضارا أما قبيحا أو انه أقل نفعاً وأقل امتاعاً وأقل جمالاً)(14) وهنا نلمس أن الثقافة في مجموعها أصبحت في خدمت التاجر وتهاوى الفكر ليتحول إلى مراكز بحوث تقدم الخدمات ومراكز استشراق من اجل معرفة الأخر حتى يسهل اختراقه وبالتالي اخضاعة تعاضدها مراكز التبشير ألا أنها في مجموعها كانت منصبه على المنفعة(ولم تكن لروبنصن كروزو من غاية اخري غير الاثراء وجمع الاموال.. اما ان يكون روبنصن كروزو قنصلا او مبشرا او مستشرقاً او رحالة او مستكشفا او مستشاراً او خبيرا أو شيئاً شبيها بهذه الاشياء ، فما هذه الا من الوسائل التي يتظاهر بها روبنصن كروزو ويظهر معها الدعة والبشاشة وحب الثقافة والعدل والحكمة والحق والخير والجمال بينما تسد منه لا من غيره حاملات الطائرات المقاتلة والقاصفات وقاذفات الصواريخ المضايق وتملأ الخلجان مضيقة الخناق علي فرايدي وآله طوقاً من نار.)(15)
أنها لعبة الاستعباد والإخضاع التي تتوع إشكالها وأساليبها ألا أنها في النتيجة واحده ، تقوم على منطق القوة .
الهوامش:
1. يوسف الديني، أزمة التأريخ الأيدلوجي 1/2، موقع جدل، 9-12-2005 .
2. انظر: انتاج المعرفة بروح المثقف المستقل ،عواد ناصر، جريدة (الزمان) الدولية - العدد 2754 - التاريخ 24/7/2006.
3. مدني صالح ، في مهب عواصف - التطور الطبيعي واللاإرادي في المدنية وفي الثقافة وفي الحضارة
،جريدة (الزمان) --- العدد 1629 --- التاريخ 2003 - 10 -7.
4. بناء المفاهيم وإشكالية البحث عن دلائل التأويل وأحكام المعاني/ أحمد باب العلوي.
5. جون دوي ،الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني،ت:محمد لبيب مؤسسة الخانجي،القاهرة 1963، ص339.
6. الحيد الفحل - مدني صالح ، جريدة (الزمان) --- العدد 1635 --- التاريخ 2003 - 10 -14.
7. المرجع السابق.

8. محمد ألمصباحي ، الجوهر (الإضافة) لفلسفة العربية المعاصرة، كتاب تاريخ الفلسفة العربية المعاصرة إعمال المؤتمر الفلسفي الثالث، بيت الحكمة ، 2002، بغداد ص16.
9. ما بعد الطوفان: روبنصن كروزو داخل قلعة حكمته - هل من سبيل الي الأعلم الأحكم الأعدل الذي ينزل الناس منازلهم؟ - مدني صالح جريدة (الزمان) --- العدد 1729 --- التاريخ 2004 - 2 – 12
10. المرجع نفسه.
11. المرجع نفسه.
12. المرجع نفسه.
13. المرجع نفسه.
14. المرجع نفسه.
15. المرجع نفسه.







#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد التمركز الغربي
- إشراقات النص وتجليات التلقي
- التعلم وثقافة اللاعنف
- مقاربة في اليات التسامح والامل
- تاثيث الذاكرة عند زيد الشهيد
- الخطاب السياسي في العراقِ القديمِ
- الحداثة العربية الناقصة
- حفريا المعرفة في الحدث الحضاري العراقي
- الأسطورة والأدب
- انطولوجيا الموت والحياة في العراق القديم
- قراءة في ديوان (ايماءات بعيدة)
- شعرية السرد
- قراءات في المتن الابداعي الحلي
- نقد النقد ام نقد تهافتي؟
- أخلاق الطاعة في ظل مهيمنة الدولة
- المخيال السياسي في الآداب السلطانية
- الموت في الفكر المصري القديم
- قراءة في رسالة شفرة دافنش
- حوار مع ثلاثة فنانين
- الموت غدا رائجا


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر عبد زيد - اركولوجيا الوعي عند مدني صالح