أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - في التَّناقض















المزيد.....



في التَّناقض


ماو تسي تونغ

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 10:45
المحور: الارشيف الماركسي
    


كلمة الناشر
جرتْ هذه التَّرجمة لكُراس ""في التَّناقض"" وفقاً للنَّصِّ الصِّينيِّ من ""المُؤلَّفاتِ المُختارة لماوتسي تونغ""، المجلَّد الأوَّل (دار الشَّعب للنَّشر ببكين في يوليو/ تموز 1952).

كتب الرفيق ماوتسي تونغ هذا البحث الفلسفيّ في أغسطس/ آب 1937 بعد بحثه السَّابق ""في الدِّراسة العمليَّة""، وللغرض نفسه: تصحيح في التَّفكير المتَّسم بالجُمود العقائديّ الذي كان رائجاً في الحزب بشكل خطير، ولقد ألقى هذا البحث كمُحاضرة في الكليَّة الحربيّة والسياسيّة المناهضة لليابان في يانآن. وقد أدخل المؤلف عليه بعض التَّعديلات والتَّنقيحات عند ضمِّه إلى ""المؤلَّفات المُختارة لماوتسي تونغ"".
لجنةُ نشر المؤلَّفات المُختارة لماوتسي تونغ
التَّابعة للّجنة المركزيَّة للحزب الشيوعيّ الصِّينيّ





نظرتان إلى العالم
عموميَّة التَّناقض
خاصّيَّة التَّناقض
التَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتَّناقض
الوحدة والصِّراع بين طرفيّ التَّناقض
مركز التَّعادي في التَّناقض
خاتمة

إن قانون التَّناقض في الأشياء، أي قانون وحدة الضدَّين هو القانون الأساسيّ الأوَّل في الدِّيالكتيك المادِّيّ. ويقول لينين: »إن الدِّيالكتيك، بمعناه الأصلي، هو دراسة التَّناقض في صميم جوهر الأشياء«(1). وكثيراً ما أسمى لينين هذا القانون جوهر الدِّيالكتيك، كما أسماه لبّ الدِّيالكتيك(2). وهكذا لا يمكننا، أثناء دراسة هذا القانون، إلا أن نتطرَّق إلى جوانب متعدِّدة، وإلى عدد كبير من قضايا الفلسفة. وإذا فهمنا جميع هذه القضايا حقَّ الفهم، استطعنا أن نفهم الدِّيالكتيك المادِّيّ من حيث الأساس. وهذه القضايا هي: النَّظرتان إلى العالم؛ وعموميَّة التَّناقض؛ وخاصّيَّة التَّناقض؛ والتَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتناقض؛ والوحدة والصِّراع بين طرفي التَّناقض؛ ومركز التَّعادي في التَّناقض.
لقد أثار النقد الذي وجهته الأوساط الفلسفيَّة في الاتحاد السُّوفياتيّ في السَنوات الأخيرة إلى مثاليَّة مدرسة ديبورين(3) اهتماماً عظيماً لدينا. إن مثالية ديبورين قد تركت أثراً سيئاً جداً في الحزب الشيوعيّ الصِّينيّ، ولا يُمكن أن نقول إن أسلوب الجمود العقائديّ في التَّفكير داخل حزبنا لا يمتُّ بِصِلَة إلى أسلوب هذه المدرسة. وهكذا فإن الهدف الرئيسيّ لدراساتنا الفلسفيَّة في الوقت الحاضر يجب أن يكون استئصال التَّفكير المتَّسم بالجُمود العقائديّ.



1- نظرتان إلى العالم

خلال تاريخ المعرفة البشريَّة كله كانت هُناك وجهتا نظر حول قوانين تطوُّر العالم، هما وجهة النَّظر الميتافيزيقيّة ووجهة النَّظر الدِّيالكتيكيّة اللَّتان تُشكلان نظرتين متضادتين إلى العالم. ويقول لينين: »إن وجهتي النَّظر الأساسيّتين (أو الممكنتين؟ أو المُشاهدتين تاريخياً؟) عن التطوُّر (الارتقاء) هما: التطوُّر كنقصان وازدياد، كتكرار؛ والتطوُّر كوحدة الضدَّين (انقسام الواحد إلى ضدَّين متعارضين تربط بينهما علاقة متبادلة)«(4). إن ما يعنيه لينين هنا هو هاتان النَّظرتان المُختلفتان إلى العالم.
إن أُسلوب التَّفكير الميتافيزيقيّ، طوال مرحلة مديدة جداً من التَّاريخ في الصِّين وفي أوروبا على حد سواء، والذي هو جزء من النَّظرة المثالية إلى العالم، كان يحتل مركز السَّيطرة في الفكر البشريّ. وفي أوروبا كانت مادية البرجوازيّة في أيامها الأولى، ميتافيزيقيَّة هي الأُخرى. وقد نشأت النَّظرة الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة الماركسيَّة إلى العالم نتيجة لدخول الاقتصاد الاجتماعيّ في العديد من أقطار أوروبا مرحلة الرَّأسماليّة العالية التطوُّر، وبلوغ القوى المنتجة والصِّراع الطَّبقيّ والعُلوم مُستوى لم يسبق له مثيل في التَّاريخ، ولأن البروليتاريا الصِّناعية أصبحتْ القُوة المحركة العُظمى في التطوُّر التَّاريخيّ. وعندئذ ظهر عند البرجوازيّة مذهب التطوُّر المُبتذل، إلى جانب مثاليَّة رجعيَّة صريحة عارية الوجه تماماً، لمقاومة الدِّيالكتيك المادِّيّ.
ونحن نقصد بالنَّظرة الميتافيزيقيّة أو نظرة التطوُّر المبتذل إلى العالم، النَّظر إلى العالم بصورة منعزلة جامدة وحيدة الجانب. إن دعاة هذه النَّظرة يعتبرون أن جميع الأشياء في العالم، جميع أشكالها وفصائلها منعزلة بعضها عن بعض إلى الأبد، وثابتة لا تتبدل بصورة أزلية، وأنه إذا كانت هناك تبدُّلات فإنها لا تعني سوى ازدياد أو نقصان في الكميّة وتغيّر في المكان؛ وأن علَّة هذا الازدياد أو النقصان وذلك التغير لا تقوم في باطن الأشياء نفسها، بل تقوم خارجها، أي بفعل قوى خارجيّة. ويرى الميتافيزيقيّون أن الأشياء المُختلفة في العالم وخصائصها، قد بقيتْ على حالها منذ اللَّحظة التي وُجِدَتْ فيها. وليس كل تبدل لاحق سوى ازدياد أو نقصان كميّ. ويرون أن الشَّيء لا يمكن إلا أن يتكاثر ويتولد عنه نفس الشَّيء مراراً وتكراراً إلى الأبد، ولا يستطيع مطلقاً أن يتغير إلى شيء آخر مختلف. وفي رأي الميتافيزيقيّين أن الاستغلال الرَّأسماليّ والمنافسة الرَّأسماليّة والأيديولوجيّة الفرديّة في المجتمع الرَّأسماليّ، وهلم جرا، يمكن أن نجدها في المجتمع العبوديّ في الزمن القديم، بل في المجتمع البدائي، ولن تبرح موجودة إلى الأبد دون أدنى تبديل. وحين يتحدث الميتافيزيقيّون عن أسباب التطوُّر الاجتماعيّ، فإنهم يفسرونها بالعوامل الخارجة عن المجتمع، كالبيئة الجغرافية والمناخ. ويفتشون بسذاجة خارج الأشياء نفسها عن أسباب تطوُّرها، وينكرون النظريَّة التي يقدمها الدِّيالكتيك المادِّيّ والتي تقول إن التَّناقضات الكامنة في باطن الأشياء هي التي تسبب تطوُّرها. فإنهم يعجزون بنتيجة ذلك، عن تفسير تعدد نوعيات الأشياء، كما أنهم يعجزون عن تفسير ظاهرة تحول نوعية معينة إلى أُخرى. ولقد وجد هذا النوع من التَّفكير في أوروبا بصورة المادِّيّة الميكانيكيَّة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وبصورة مذهب التطوُّر المبتذل في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. أما الصِّين، فقد ظهر فيها التَّفكير الميتافيزيقيّ القائل إن »السماء لا تتبدل، وداو كذلك لا يتبدل«(5)، وقد أيدت الطبقة الحاكمة الإقطاعيّة المتعفنة هذا التَّفكير زمناً طويلاً. أما المادِّيّة الدِّيالكتيكيّة ومذهب التطوُّر المبتذل المستوردان من أوربا في السنوات المائة الأخيرة فقد أيدتهما البورجوازية.
والنَّظرة الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة إلى العالم، على النقيض من النَّظرة الميتافيزيقيّة إليه، تدعو إلى دراسة تطوُّر الشَّيء من باطنه ومن حيث صلته بالأشياء الأُخرى، وذلك بمعنى أنه ينبغي النَّظر إلى تطوُّر الشَّيء على أنه حركته الباطنية الذاتية والحتمية، وأن كل شيء يرتبط في حركته بالأشياء الأُخرى التي تحيط به ويتبادل معها التأثير. فالعلة الأساسيّة في تطوُّر الشَّيء إنما تكمن في باطنه لا خارجه، في تناقضه الباطني. وهذا التَّناقض الباطني موجود في كل الأشياء وهو الذي يبعث فيها الحركة والتطوُّر. إن هذا التَّناقض الكامن في باطن الأشياء هو العلة الأساسيّة في تطوُّرها، أما الصلة القائمة والتأثير المتبادل بين شيء وآخر فهي علة ثانوية. وهكذا فإن الدِّيالكتيك المادِّيّ قد دحض بصورة قاطعة نظريَّة الأسباب الخارجيّة أو نظريَّة القوة الدافعة، التي ينادي بها أنصار المادِّيّة الميكانيكيَّة الميتافيزيقيّة ومذهب التطوُّر المبتذل الميتافيزيقيّ. ومن الواضح أن الأسباب الخارجيّة الصرفة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الحركة الميكانيكيَّة للأشياء، أي إلى تغيرات في الحجم والكميّة، لكنها لا تستطيع أن تفسر لماذا تختلف الأشياء نوعياً ذلك الاختلاف الذي لا يمكن حصره، ولماذا يتحول الشَّيء من نوعية إلى أُخرى. والواقع أنه حتى الحركة الميكانيكيَّة المسببة عن القوى الخارجيّة تتحقق هي الأُخرى بواسطة التَّناقض القائم باطن الأشياء. وكذلك فإن النمو البسيط للنباتات والحيوانات وتطوُّرها الكميّ مسببان بصورة رئيسيّة عن تناقضاتها الباطنية. وينطبق نفس الشَّيء على المجتمع، فإن تطوُّره مشروط، بصورة رئيسيّة، بالأسباب الباطنية لا الخارجيّة. فإن ثمة بلداناً عديدة تتسم بالعوامل الجغرافية والمناخية المتماثلة تقريباً، ومع ذلك فهي تختلف في تطوُّرها اختلافاً بيناً، وتتفاوت درجات تطوُّرها تفاوتاً عظيماً. وإن تبدلات اجتماعية هائلة قد تجري في ذات البلد الواحد، بدون أن يطرأ أي تبدل على جغرافية هذا البلد ومناخه. لقد تحولت روسيا الإمبرياليّة إلى الاتحاد السُّوفياتيّ الاشتراكي، وتحولت اليابان الإقطاعيّة المغلقة إلى اليابان الإمبرياليّة، بينما لم يطرأ أي تبدل على جغرافية هذين البلدين ومناخهما. ولقد مرت الصِّين الواقعة منذ زمن طويل تحت سيطرة النِّظام الإقطاعيّ، وهي الآن تتبدل في اتجاه صين جديدة حرة منعتقة، مع أنه لم يطرأ أي تبدل على جغرافيتها ومناخها. وإن التَّبدُّلات تحدث أيضاً في جغرافية ومناخ الكرة الأرضية كلها وفي كل جزء منها، لكنها تبدلات تافهة جداً إذا ما قورنت بالتَّبدُّلات الطارئة على المجتمع، فالتَّبدُّلات الأولى تظهر في مدى عشرات ألوف السنين أو ملايين السنين، بينما تظهر التَّبدُّلات الثانية في مدى آلاف السنين أو مئاتها أو عشراتها فقط، بل حتى في مدى بضع سنين أو بضعة أشهر (كما هي الحال في زمن الثورات). ومن وجهة النَّظر الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة، فإن التَّبدُّلات تنشأ في الطَّبيعة بصورة رئيسيّة عن تطوُّر التَّناقضات الكامنة فيها. وتغيرات المجتمع ترجع في الأساس إلى تطوُّر التَّناقضات الباطنية فيه، وهي التَّناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، والتَّناقض بين الطبقات، والتَّناقض بين القديم والجديد، وتطوُّر هذه التَّناقضات هو الذي يدفع المجتمع إلى الأمام، يدفع المجتمع الجديد لكي يقضي على المجتمع القديم. فهل يستبعد الدِّيالكتيك المادِّيّ الأسباب الخارجيّة؟ كلا. فالدِّيالكتيك المادِّيّ يعتبر أن الأسباب الخارجيّة هي عامل التَّبدُّل، والأسباب الباطنية هي أساس التَّبدُّل، وأن الأسباب الخارجيّة تفعل فعلها عن طريق الأسباب الباطنية. فالبيضة تتبدل في درجة حرارة ملائمة فتصير كتكوتاً، ولكن الحرارة لا تستطيع أن تحول حجراً إلى كتكوت، لأن كل منهما أساساً يختلف عما للآخر. إن شعوب البلدان المختلفة يؤثر بعضها على بعض باستمرار. ففي عصر الرَّأسماليّة، وعلى الأخص في عصر الإمبرياليّة والثَّورة البروليتارية كان هذا التأثير والتفاعل المتبادل عظيماً جداً بين مختلف البلدان في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولم تفتح ثورة أكتوبر/ ترين الأول الاشتراكيَّة عصراً جديداً في تاريخ روسيا فحسب، بل في تاريخ العالم أيضاً، وقد كان لها نفوذ على التغيرات الدَّاخليَّة في الأقطار الأُخرى في العالم، كما كان لها نفوذ يتسم بالعمق بصفة خاصّة على التغيرات الدَّاخليَّة في الصِّين، إلا أن هذه التَّبدُّلات قد حدثت عن طريق قوانين التطوُّر الداخلي لتلك البلدان بما في ذلك الصِّين. إن جيشين يلتحمان في معركة، فينتصر أحدهما وينهزم الآخر، والنصر والهزيمة على حدٍّ سواء تقررهما أسباب باطنية. إن أحدهما ينتصر إما بسبب قوته وإما بسبب قيادته الصَّحيحة، وينهزم الآخر إما بسبب ضعفه وإما بسبب أخطاء في قيادته، فالأسباب الخارجيّة تفعل فعلها عن طريق الأسباب الباطنية. لقد انتصرت البرجوازيّة الصِّينية الكبيرة على البروليتاريا عام 1927، وذلك عن طريق الانتهازية التي كانت موجودة داخل البروليتاريا الصِّينية نفسها (داخل الحزب الشيوعيّ الصِّيني). فلما صفينا هذه الانتهازية، عاودت الثَّورة الصِّينية تقدمها. ثم تعرضت الثَّورة الصِّينية من جديد لضربات قاسية من قبل العدو، وذلك من جراء روح المغامرة التي ظهرت داخل حزبنا. فلما صفينا هذه الروح عاودت قضيتنا تقدمها مرة أُخرى. من هذا نرى أنه يجب على الحزب السياسيّ، كي يقود الثَّورة إلى الظفر، أن يعتمد على صحة خطه السياسيّ وعلى صلابة تنظيمه.
إن النَّظرة الدِّيالكتيكيّة إلى العالم قد نشأت منذ القدم في الصِّين وفي أوروبا على حدٍّ سواء. لكن الدِّيالكتيك في العصور القديمة كان يتصف بصفة العفوية والسذاجة، وفي ظل الظروف الاجتماعيّة والتَّاريخيّة التي كانت تسود في تلك الأيام لم يكن من الممكن أن يأخذ شكل نظريَّة كاملة، وهكذا عجز عن تفسير الكون تفسيراً كاملاً، فحلت الميتافيزيقيّا فيما بعد محله. وقد ساهم الفيلسوف الألماني الشهير هيجل الذي عاش في أواخر القرن الثامن عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر بخدمة عظيمة الأهميَّة في الديالكتيك، لكن ديالكتيكه كان مثالي النزعة. حتى جاء ماركس وانجلز، هذان الرائدان العظيمان للحركة البروليتارية فلخصا المنجزات الإيجابيَّة في تاريخ البشريَّة، واستوعبا على الأخص بصورة ناقدة العناصر المعقولة في ديالكتيك هيجل، واستنبطا النظريَّة العظيمة نظريَّة المادِّيّة الدِّيالكتيكيّة، والمادِّيّة التَّاريخيّة، عندئذ فقط حدثت ثورة عظمى لم يسبق لها مثيل في تاريخ المعرفة البشريَّة. ولقد طوَّر لينين وستالين فيما بعد هذه النظريَّة العظيمة. وما أن دخلت هذه النظريَّة إلى الصِّين حتى سببت في الحال تبدلات عظيمة جداً في عالم الفكر الصِّيني.
إن هذه النَّظرة الدِّيالكتيكيّة إلى العالم تعلِّم الإنسان بصورة رئيسيّة كيف يلاحظ ويحلل بصورة صحيحة حركة التَّناقض في مختلف الأشياء وكيف يستنبط على أساس هذا التَّحليل حلولاً للتناقضات. ولذلك فإن فهم قانون التَّناقض في الأشياء فهماً محدداً هو أمر بالغ الأهميَّة بالنسبة إلينا.






2- عموميَّة التَّناقض

تسهيلاً للبحث سأتكلم هنا عن عموميَّة التَّناقض أولاً، وأنتقل بعد ذلك إلى خاصّيَّة التَّناقض. ذلك لأنه بعد اكتشاف النَّظرة الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة إلى العالم بواسطة مؤسسي الماركسيَّة الكبيرين، ماركس وانجلز، وبواسطة مكملي عملهما العظيمين، لينين وستالين، قد طبق الدِّيالكتيك المادِّيّ بنجاح عظيم جداً في تحليل جوانب عديدة من التَّاريخ البشري والتَّاريخ الطبيعي، وعلى ميادين عديدة متعلقة بتحويل المجتمع والطَّبيعة (في الاتحاد السُّوفياتيّ على سبيل المثال)، وأصبحت عموميَّة التَّناقض شيئاً معترفاً به لدى كثير من النَّاس، ولذا فإننا لن نحتاج إلا إلى كلمات قليلة لأجل إيضاح هذه المسألة؛ أما مسألة خاصّيَّة التَّناقض فإن عدداً كبيراً من الرفاق وأصحاب الجمود العقائدي منهم بصورة خاصّة، لم يفهموها بعد حق الفهم. إنهم لا يفهمون أن عموميَّة التَّناقض تكمن بالضبط في خاصّيَّة التَّناقض. كما لا يفهمون إلى أي درجة عظيمة تبلغ أهميَّة دراسة خاصّيَّة التَّناقض الكامنة في الأشياء المحددة التي تجابهنا في توجيه مجرى النشاط العملي الثَّوريّ أثناء تطوُّره. ولذا يجب أن نولي دراسة خاصّيَّة التَّناقض اهتماماً خاصّاً، وأن نفسح لها مجالاً كافياً لتوضيحها. لهذا السَّبب فإننا حين نحلل قانون التَّناقض في الأشياء، سنحلل بادئ ذي بدء عموميَّة التَّناقض، ثم نحلل باهتمام خاصّ خاصّيَّة التَّناقض، ونعود في النِّهاية إلى عموميَّة التَّناقض.
إن عموميَّة التَّناقض أو صفته المطلقة ذات معنى مزدوج. فأولاً توجد التَّناقضات في عمليَّة تطوُّر جميع الأشياء، وثانياً توجد حركة التَّناقض في عمليَّة تطوُّر كل شيء منذ البداية حتى النِّهاية.
يقول انجلز: »إن الحركة نفسها هي التَّناقض«(6). ويعرف لينين قانون وحدة الضدَّين بأنه »اعتراف (اكتشاف) بالاتجاهات المتناقضة المتعارضة المستقلة عن بعضها في جميع ظواهر الطَّبيعة (بما فيها الفكر والمجتمع) وعملياتها«(7). هل هذه الآراء صحيحة؟ أجل، إنها صحيحة. إن الاعتماد المتبادل بين طرفي كل تناقض في كل شيء معين والصِّراع بينهما يقرران حياة ذلك الشَّيء ويدفعان تطوُّره إلى أمام. فليس ثمة شيء ليس به تناقض، ولولا التَّناقض لما وُجد شيء.
إن التَّناقض هو أساس الأشكال البسيطة للحركة (مثلاً الحركة الميكانيكيَّة)، وهو بالأحرى أساس الأشكال المعقدة للحركة.
وقد أوضح انجلز عموميَّة التَّناقض بالعبارات التالية: »إذا كان التغير الميكانيكي البسيط لشيء ما من مكان لآخر ينطوي على تناقض، فإن ذلك ينطبق بالأحرى على الأشكال الأعلى لحركة المادة، وبخاصّة على الحياة العضوية وتطوُّرها. .. إن الحياة تعني بالتَّحديد وقبل كل شيء: إن الشَّيء الحي هو، في كل لحظة، ذاته، ولكنه في نفس الوقت شيء آخر أيضاً. فالحياة إذن، هي أيضاً تناقض قائم في الأشياء والعمليَّات ذاتها، وهو ينشأ ويحل نفسه باستمرار؛ وحالما يتوقف هذا التَّناقض تتوقف الحياة أيضاً ويحلُّ الموت. ولقد رأينا كذلك أننا لا نستطيع في مجال التَّفكير أيضاً، أن نتجنب التَّناقضات. وأن التَّناقض مثلاً بين قدرة الإنسان الكامنة فيه اللامتناهية على المعرفة، وبين وجودها الفعلي في البشر الذين هم محدودون خارجيّاً ويملكون معرفة محدودة، هذا التَّناقض يجد حله في تعاقب لامتناهٍ – بالنسبة إلينا على الأقلّ في الواقع- من الأجيال، في التقدم الذي لا نهاية له«.
»إن أحد المبادئ الأساسيّة للرياضيات العليا هو التَّناقض..«.
»لكن حتى الرياضيات الدنيا تمتلئ بالتَّناقضات..«(8).
وكذلك أوضح لينين عموميَّة التَّناقض كما يلي: »في الرياضيات: + و-، التفاضل والتكامل.
في الميكانيكا: الفعل ورد الفعل.
في الفيزياء: الكهرباء الموجبة والسَّالبة.
في الكيمياء: اتحاد الذرات وتفككها.
في العلوم الاجتماعيّة: الصِّراع الطَّبقيّ«(9).
إن الهجوم والدفاع في الحرب، التقدم والانسحاب، النصر والهزيمة، كلها مظاهر متناقضة. ولا يمكن لأحد منها أن يبقى بدون نقيضه. وهذان الجانبان متصارعان ومتحدان في وقت واحد، يؤلفان بذلك الوحدة الكلية للحرب، ويدفعان الحرب إلى التطوُّر.
وينبغي النَّظر إلى كل اختلاف في مفاهيم الإنسان على أنه انعكاس لتناقض موضوعيّ. إن التَّناقضات الموضوعيّة تنعكس في التَّفكير الذاتي، فتشكل حركة التَّناقض في المفاهيم، وتدفع التَّفكير نحو التطوُّر، وتحل دون انقطاع المشاكل التي تقوم في فكر الإنسان.
إن تضاد الأفكار المختلفة والصِّراع بينها في صفوف الحزب ينشأ على الدَّوام، وهو انعكاس داخل الحزب للتناقضات بين القديم والجديد في المجتمع. ولا شك أن حياة الحزب ستتوقف إذا خلا من التَّناقضات ومن الصِّراع الأيديولوجيّ من أجل حلّ هذه التَّناقضات.
وهكذا فقد اتضح أن التَّناقض يوجد بصورة شاملة سواء في الأشكال البسيطة للحركة أو في الأشكال المعقدة لها، في الظواهر الموضوعيّة أو في الظواهر الفكرية، وأنه يوجد في جميع العمليَّات. لكن هل التَّناقض موجود أيضاً في المرحلة البدائية من كل عمليَّة؟ هل هناك حركة التَّناقض من البداية حتى النِّهاية في عمليَّة تطوُّر كل شيء؟
يبدو من المقالات التي نقدت فيها الأوساط الفلسفية في الاتحاد السُّوفياتيّ مدرسة ديبورين أن هذه المدرسة تزعم أن التَّناقض لا يظهر منذ بداية عمليَّة ما، وإنما يظهر عندما تكون العمليَّة قد تطوُّرت إلى مرحلة معينة. وبناء على ذلك فإن تطوُّر العمليَّة حتى تلك اللحظة، لا ينشأ عن الأسباب الباطنية، بل عن الأسباب الخارجيّة. وهكذا يكون ديبورين قد عاد إلى نظريَّة الأسباب الخارجيّة، ونظريَّة الميكانيكيَّة، اللتين تنادي بهما الميتافيزيقا. وحين طبق أتباع مدرسة ديبورين هذه النظريَّة في تحليل القضايا الواقعية، رأوا أنه ليس بين الكولاك وبين جمهور الفلاحين في ظروف الاتحاد السُّوفياتيّ أية تناقضات، بل بينهم تفاوت فقط، فوافقوا بذلك موافقة تامة على رأي بوخارين(10). ورأوا ذلك، في تحليل الثَّورة الفرنسية، أنه لم يكن قبل الثَّورة في داخل الطبقة الثالثة المؤلفة من العمال والفلاحين والبورجوازية أية تناقضات، بل هناك تفاوت فقط. إن وجهات نظر أتباع مدرسة ديبورين هذه مناهضة للماركسيَّة. فهم لا يفهمون أن كل تفاوت في العالم ينطوي في ذاته على تناقض، وأن التفاوت هو تناقض. ولقد ولد التَّناقض بين العمال والرَّأسماليّين منذ اللحظة التي ظهرت فيها هاتان الطبقات إلى الوجود، إلا أن هذا التَّناقض لم يكن حاداً. وأن هناك تفاوتاً بين العمال والفلاحين، حتى في ظروف الاتحاد السُّوفياتيّ الاجتماعيّة، وهذا التفاوت هو التَّناقض، لكنه، خلافاً للتناقض بين العمال والرَّأسماليّين، لن يشتد بحيث يصير تناقضاً عدائياً ولن يتخذ شكل الصِّراع الطَّبقيّ؛ فالعمال والفلاحون يشكلون في غمرة البناء الاشتراكي، تحالفاً متيناً، وسوف يحلون ذلك التَّناقض تدريجياً في مجرى التطوُّر من الاشتراكيَّة إلى الشُّيوعيَّة. إن المسألة هنا هي مسألة الاختلاف في صفة التَّناقضات، وليست مسألة وجود التَّناقضات أو انعدامها. إن التَّناقض شيء عام مطلق، موجود في جميع عمليات تطوُّر الأشياء، ويتخلل جميع العمليَّات من البداية حتى النِّهاية.
كيف تبدأ عمليَّة جديدة ما؟ إنها تبدأ على النَّحو التالي: عندما تفسح الوحدة القديمة والعنصران المتضادان اللذان تتركب منهما هذه الوحدة المكان لوحدة جديدة والعنصرين المتضادين اللذين تتركب منهما هذه الوحدة الجديدة، فإن عمليَّة جديدة تنبثق مكان العمليَّة القديمة. فحين تنتهي العمليَّة القديمة تبدأ العمليَّة الجديدة. ولما كانت العمليَّة الجديدة تتضمَّن هي الأُخرى تناقضات جديدة، فإن تاريخ تطوُّر تناقضاتها الخاصّة يبدأ منذ ذلك الحين.
ولقد أشار لينين أن ماركس قد قدَّم في كتابه ""رأس المال"" تحليلاً نموذجياً لحركة التَّناقض التي تجري خلال عمليَّة تطوُّر الأشياء من البداية حتى النِّهاية. وهذه هي الطَّريقة التي ينبغي أن تُطبَّق في دراسة عمليَّة تطوُّر كل شيء. ولقد طبقها لينين نفسه أيضاً بصورة صحيحة والتزم بها في جميع كتاباته.
»إن أول ما حلله ماركس، في كتابه ""رأس المال""، هو أبسط علاقة في المجتمع البرجوازيّ (السلعي)، علاقة اعتيادية أساسيّة مألوفة عادية أكثر من غيرها، علاقة تحدث مليارات المرات، ألا وهي تبادل السلع، وفي هذه الظاهرة البسيطة جداً (في هذه ""الخلية"" للمجتمع البرجوازيّ)، كشف التَّحليل جميع تناقضات (أو بذور جميع تناقضات) المجتمع الحديث. وإن العرض اللاحق يبين لنا تطوُّر (النمو والحركة على حدٍّ سواء) هذه التَّناقضات وهذا المجتمع في المجموع العام لأجزائه المختلفة، منذ بدايته حتى نهايته«.
يستطرد لينين قائلاً: »وهكذا ينبغي أن يكون طريقة العرض (والدِّراسة) للديالكتيك بصورة عامَّة«(11).
وينبغي للشيوعيين الصِّينيين أن يتقنوا هذه الطَّريقة، وعندئذ فقط يستطيعون تحليل تاريخ الثَّورة الصِّينية وظروفها الراهنة تحليلاً صحيحاً، وتحديد آفاقها في الوقت نفسه.



3- خاصّيَّة التَّناقض

يوجد التَّناقض في عمليَّة تطوُّر جميع الأشياء، وهو يتخلل عمليَّة تطوُّر كل شيء من البداية حتى النِّهاية: هذان هما عموميَّة التَّناقض وصفته المطلقة، كما أوضحنا آنفاً. ونتحدث الآن عن خاصّيَّة التَّناقض ونسبيته.
ينبغي أن ندرس هذه القضيَّة من عدة زوايا.
أولاً، أن للتناقض في كل شكل من أشكال حركة المادة صفته الخاصّة. إن معرفة البشر للمادة هي معرفتهم بأشكال حركة المادة، لأنه ليس في العالم شيء سوى المادة في حالة حركة، وحركة المادة لا بد أن تتخذ شكلاً من الأشكال المعينة. وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار، عندما نتفحص كل شكل من أشكال حركة المادة، السمات التي يشترك فيها هذا الشَّكل مع الأشكال الأُخرى للحركة. لكن ما له أهميَّة أعظم هو وجوب ملاحظة السمة الخاصّة هي التي تشكل أساس معرفتنا بالأشياء، أي ملاحظة الاختلاف الجوهريّ الذي بينه وبين الأشكال الأُخرى. وبهذا وحده نستطيع أن نميز بين الأشياء المختلفة. إن كل شكل من أشكال الحركة يحتوي في ذاته على تناقضه الخاصّ. وهذا التَّناقض الخاصّ يشكل الجوهر الخاصّ الذي يميز الشَّيء عن الأشياء الأُخرى. وهذا هو السَّبب الباطني أو الأساس كما يسمى أيضاً، في الاختلاف العظيم الذي لا يمكن حصره بين الأشياء المتنوعة في العالم. وثمة أشكال عديدة للحركة في الطَّبيعة: الحركة الميكانيكيَّة، والصوت، والضوء، والحرارة، والكهرباء، والتفكك، والتجمع، وهلم جرا. وجميع هذه الأشكال يعتمد بعضها على بعض في البقاء ويختلف بعضها عن بعض جوهريّاً في آن واحد. وأن الجوهر الخاصّ الذي يحمله كل شكل من أشكال حركة المادة يتحدد بالتَّناقض الخاصّ الذي يتميز به ذلك الشَّكل. وينطبق هذا لا على الطَّبيعة وحدها، بل ينطبق كذلك على ظواهر المجتمع والتَّفكير. فإن كل شكل من أشكال المجتمع، وكل أسلوب من أساليب التَّفكير، له تناقضه الخاصّ وجوهره الخاصّ.
وإن تصنيف الدراسات العلميَّة المختلفة يقوم بالضبط على أساس التَّناقضات الخاصّة القائمة في كل فرع من فروع العلم. وهكذا فإن نوعاً معيناً من التَّناقضات خاصّاً بحقل معين من الظواهر يشكل موضوع الدِّراسة لفرع معين من العلوم. مثال ذلك الأعداد الموجبة والأعداد السَّالبة في الرياضيات، الفعل ورد الفعل في الميكانيكا، الكهرباء الموجبة والسَّالبة في الفيزياء، التَّحليل والتركيب في الكيمياء، القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، الصِّراع بين طبقة وأُخرى في العلوم الاجتماعيّة، الهجوم والدفاع في العلوم العسكرية، المثالية والمادِّيّة، النَّظرة الميتافيزيقيّة والنَّظرة الدِّيالكتيكيّة في الفلسفة، وهلم جرا، إن جميع هذه الأشياء بسبب احتواء كل زوج منها على تناقض خاصّ وجوهر خاصّ، فإنها تشكل مواضيع فروع مختلفة من الدِّراسة العلميَّة: وطبيعي أننا، إذا لم نعرف عموميَّة التَّناقض، لا نستطيع أن نكتشف الأسباب العامَّة أو الأسس العامَّة لحركة الأشياء وتطوُّرها؛ ولكننا إذا لم ندرس خاصّيَّة التَّناقض فلن نستطيع أن نحدد الجوهر الخاصّ الذي يميز شيئاً عن الأشياء الأُخرى، ولن نستطيع أن نكتشف الأسباب الخاصّة أو الأسس الخاصّة لحركة الأشياء أو تطوُّرها، ومن ثم لن نستطيع أن نميز بين الأشياء أو نحدد حقول البحث العلمي.
وفيما يتعلق بالتسلسل في حركة المعرفة البشريَّة، فهناك دائماً نمو تدريجي من معرفة أشياء مفردة وخاصّة إلى معرفة أشياء عامَّة. ولا يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى التلخيص وأن يعرف الجوهر المشترك بين أشياء مختلفة عديدة إلا بعد إلمامه بالجوهر الخاصّ لكل شيء منها، وبعد أن يلمّ الإنسان بهذا الجوهر المشترك، فإنه يستعمل معرفته كدليل له ويقدم عندئذ على دراسة أشياء محددة مختلفة لم تدرس بعد أو دُرسَت دراسة غير معمقة، فيستخرج الجوهر الخاصّ لكل منها، وبهذه الطَّريقة وحدها يستطيع أن يكمل معرفته بالجوهر المشترك ويغنيها ويطورها، ويحول دون أن تصبح هذه المعرفة جافة أو متحجرة. فهناك عمليتان في المعرفة: إحداهما من الخاصّ إلى العام، والأُخرى من العام إلى الخاصّ. وتتقدم المعرفة البشريَّة على الدَّوام بإعادة هاتين العمليتين بشكل دائري، ويمكنها مع كل دورة (إذا طبقت الطَّريقة العلميَّة بدقة) أن ترتفع لدرجة أعلى وأن تتعمق باستمرار. وأصحاب الجمود العقائدي بيننا يرتكبون أخطاء في هذه المسألة، لأنهم، من جهة، لا يفهمون أنه يجب علينا أن ندرس خاصّيَّة التَّناقض ونعرف الجوهر الخاصّ لكل شيء من الأشياء المفردة قبل أن نستطيع أن نعرف بصورة كاملة عموميَّة التَّناقض والجوهر المشترك للأشياء المختلفة؛ ولأنهم، من جهة ثانية، لا يفهمون أنه يجب علينا بعد الإلمام بالجوهر المشترك للأشياء أن نتقدم لدراسة تلك الأشياء المحددة التي لم تُدرس بعد بصورة معمقة أو التي نشأت للمرة الأولى. إن أصحاب الجمود العقائدي بيننا قومٌ من الكُسالى، يرفضون القيام بأية دراسة شاقَّة للأشياء المحددة، ويعتبرون الحقائق العامَّة كشيء هبط من السماء فيجعلونها صيغاً مجردة صرفة لا يمكن أن يدركها النَّاس، وبذلك ينكرون كل الإنكار ويقلبون في الوقت ذاته الترتيب الطبيعي الذي يتوصل الإنسان بواسطته إلى معرفة الحقيقة. وكذلك لا يفهمون الترابط القائم بين عمليتي المعرفة البشريَّة – من الخاصّ إلى العام ثم من العام إلى الخاصّ، إنهم لا يفهمون البتة النظريَّة الماركسيَّة حول المعرفة.
ليس من الضروري وحسب أن ندرس التَّناقض الخاصّ لكل نظام كبير من أشكال حركة المادة والجوهر الذي يحده هذا التَّناقض، بل من الضروري كذلك أن ندرس التَّناقض الخاصّ والجوهر لكل شكل من أشكال حركة المادة في كل عمليَّة من العمليَّات في مجرى تطوُّره الطويل. إن كل عمليَّة حقيقية لا وهمية من عمليات تطوُّر جميع أشكال الحركة، تختلف جوهريّاً عن العمليَّات الأُخرى. وينبغي لنا في دراستنا أن نشدد على هذه النقطة وننطلق منها.
إن التَّناقضات المختلفة من حيث طبيعتها لا يمكن أن تحلّ إلا بطرق مختلفة طبيعياً. مثال ذلك أن التَّناقض بين البروليتاريا والبرجوازيّة يحلّ بطريقة الثَّورة الاشتراكيَّة؛ والتَّناقض بين جماهير الشَّعب الغفيرة والنِّظام الإقطاعيّ يحل بطريقة الثَّورة الديموقراطية،؛ والتَّناقض بين المستعمرات والإمبرياليّة يحل بطريقة الحرب الوطنية الثَّوريّة؛ والتَّناقض بين الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين في المجتمع الاشتراكي يحل بطريقة جعل الزراعة جماعية ومكننتها؛ والتَّناقض داخل الحزب الشيوعيّ يحل بطريقة النقد والنقد الذاتي؛ والتَّناقض بين المجتمع والطَّبيعة يحل بطريقة تطوير القوى المنتجة. إن العمليَّات تتبدل، فتتلاشى العمليَّات القديمة والتَّناقضات القديمة، وتنبثق عمليات جديدة وتناقضات جديدة، وطبقاً لذلك تختلف طرق حل التَّناقضات. فثمة فرق أساسيّ بين التَّناقض الذي حلته ثورة فبراير (شباط) وبين الذي حلته ثورة أكتوبر (تشرين الأول) في روسيا، وكذلك بين الطُّرق التي استعملت لحل تلك التَّناقضات. فاستخدام الطُّرق المختلفة لحل التَّناقضات المختلفة هو مبدأ يجب على الماركسيّين اللينينيين أن يراعوه مراعاة دقيقة. أما أصحاب الجمود العقائدي فلا يراعون هذا المبدأ، إذ إنهم لا يفهمون الفوارق بين الحالات الثَّوريّة المختلفة، وبنتيجة ذلك لا يفهمون أنه ينبغي اللجوء إلى طرق مختلفة في سبيل حل التَّناقضات المختلفة، بل يعتنقون بانتظام صيغة واحدة يتخيلون أنها غير قابلة للتبدل، ويطبقونها بصورة آلية على كل شيء، الأمر الذي لا يؤدي سوى إلى جلب النكسات على الثَّورة أو إلى إفساد قضيَّة كانت تسير على ما يرام حتى ذلك الحين.
ولكي نكشف اللثام عن خاصّيَّة التَّناقضات في مجموعها وفي ترابطها معاً داخل عمليَّة تطوُّر الشَّيء، أي نكشف اللثام عن جوهر عمليَّة تطوُّر الشَّيء، ينبغي لنا أن نكشف اللثام عن خاصّيَّة طرفي كل تناقض من التَّناقضات في هذه العمليَّة، وإلا أصبح من المستحيل الكشف عن جوهر العمليَّة، وهذه قضيَّة يجب علينا أن نعيرها أيضاً كل الانتباه في دراستنا.
إن كل شيء عظيم يحتوي في عمليَّة تطوُّره على تناقضات عديدة. مثال ذلك أن هناك في عمليَّة الثَّورة الدِّيمقراطيّة البرجوازيّة في الصِّين، التَّناقض بين الطبقات المضطهدة في المجتمع الصِّيني وبين الإمبرياليّة، والتَّناقض بين جماهير الشَّعب الغفيرة والنِّظام الإقطاعيّ، والتَّناقض بين البروليتاريا والبرجوازيّة، والتَّناقض بين الفلاحين والبرجوازيّة الصَّغيرة في المدن من جهة والبرجوازيّة من جهة أُخرى، والتَّناقض بين الكتل الحاكمة الرَّجعيّة المختلفة..إلخ؛ فالحالة إذن معقدة جداً. ولكل من هذه التَّناقضات خاصّيته بحيث لا يمكن وضعها جميعاً على صعيد واحد، وليس هذا فحسب، بل إن لكل طرف من طرفي كل تناقض خصائصه بحيث لا يمكن أيضاً أن يعاملا معاملة واحدة. فلا ينبغي لنا، نحن الذين نعمل من أجل الثَّورة الصِّينية، أن نكتفي بفهم خاصّيَّة كل من التَّناقضات بالنَّظر إلى هذه التَّناقضات في مجموعها، أي إلى ترابطها، بل ينبغي لنا أن ندرس طرفي كل تناقض منها، وبهذا وحده نجد سبيلاً إلى فهم مجموع هذه التَّناقضات. ونقصد بدراسة طرفي كل تناقض فهم المركز الخاصّ الذي يحتله كل طرف، والشَّكل المحدد الذي به يعتمد كل طرف على الآخر في البقاء ويتناقض معه في آن واحد، والوسائل المحددة التي يناضل بها ضد نقيضه عندما يكون كل منهما معتمداً على الآخر في البقاء ويكون متناقضاً معه في الوقت ذاته أو عندما ينفصم هذا الاعتماد المتبادل. إن دراسة هذه المسائل أمر في غاية الأهميَّة. وقد عبَّر لينين عن هذه الفكرة بالضبط حين قال إن التَّحليل المحدد للظروف المحددة هو الشَّيء الجوهريّ الأول في الماركسيَّة، وهو روحها الحيَّة(12). لكن أصحاب الجمود العقائدي بيننا، خلافاً لتعاليم لينين، لا يستعملون أدمغتهم البتة في سبيل تحليل أي شيء بصورة محددة، بل يستخدمون دائماً أسلوب القوالب الجامدة في كتاباتهم وخطاباتهم، ويخرجونها عقيمة جوفاء خالية من كل مضمون، وهم بذلك خلقوا في حزبنا أسلوباً سيئاً جداً في العمل.
عندما ندرس قضيَّة ما، ينبغي لنا أن نبعد أنفسنا عن النَّظرة الذاتية، والنَّظرة الوحيدة الجانب، والنَّظرة السطحية. فالنَّظرة الذاتية معناها العجز عن دراسة القضايا دراسة موضوعيّة، أي العجز عن دراستها وفق وجهة النَّظر المادِّيّة. وقد أوضحت هذا في بحثي ""في الممارسة العمليَّة"". أما النَّظرة الوحيدة الجانب فمعناها العجز عن دراسة القضايا من جميع جوانبها. ومن أمثلة ذلك، فهم الصِّين وحدها من دون اليابان، وفهم الحزب الشيوعيّ وحده من دون الكومينتانغ، وفهم البروليتاريا وحدها من دون البرجوازيّة، وفهم الفلاحين وحدهم من دون مُلاّك الأراضي، وفهم الظروف الملائمة وحدها من دون الظروف العسيرة، وفهم الماضي وحده من دون المستقبل، وفهم الجزء وحده من دون الكّل، وفهم النقائص وحدها من دون المنجزات، وفهم المدعي وحده من دون المدعى عليه، وفهم العمل الثَّوريّ السري وحده من دون العمل الثَّوريّ العلني، وهلم جرا. وباختصار، عدم فهم خاصّيَّة كل طرف من طرفي تناقض ما. وهذا ما يدعى النَّظر إلى القضايا نظرة وحيدة الجانب. أو يدعى رؤية الجزء دون الكلّ، كرؤية الشَّجرة دون الغابة. فإذا فعلنا ذلك، فلن نستطيع الاهتداء إلى طرق حل التَّناقضات، ولا إنجاز مهمات الثَّورة، ولا أداء الواجبات بصورة مرضية، ولا تطوير الصِّراع الأيديولوجيّ في داخل الحزب بصورة صحيحة. لقد قال سون تسي حول العلوم العسكرية: »إذا كنتَ على بينة من أمر عدوك وأمر نفسك فلن تنهزم في أي معركة تخوضها«(13). وهو يقصد بهذا القول معرفة أحوال الطَّرفين المتقاتلين. وقال وي تشينغ من أسرة تانغ: »إذا استمعت إلى الطَّرفين ظهرت لك الحقيقة، أما إذا استمعت إلى طرف واحد وتحيزت له خفيت عليك الحقيقة«(14). وكان وي تشينغ أيضاً يدرك خطأ النَّظرة الوحيدة الجانب. ولكن رفاقنا كثيراً ما ينظرون إلى القضايا من جانب واحد، ولذلك كثيراً ما يتعثرون. وقد جاء في رواية ""أبطال على شاطئ البحيرة"" أن سونغ جيانغ هاجم قرية تشو ثلاث مرات(15)، فانهزم في المرتين الأوليين نظراً لأنه كان يجهل حال العدو فطبق طريقة خاطئة. ثم غير طريقته، فبدأ باستكشاف الأوضاع، فعرف سرّ الطُّرق المتشابكة التي يتيه فيها الغرباء، ونجح في فصم عرى التَّحالف بين القرى الثلاث: قرية لي وقرية هو وقرية تشو، ووضع كميّناً في معسكر العدو، وهي حيلة مماثلة لحيلة حصان طروادة(16) في القصص الأجنبيّة، وكسب النصر في المعركة الثالثة. ونجد في رواية ""أبطال على شاطئ البحيرة"" أمثلة عديدة من الدِّيالكتيك المادِّيّ تعتبر قصة الهجمات الثلاث على قرية تشو أحسنها. لقد قال لينين: »لكي نعرف موضوعاً ما معرفة حقيقة، علينا أن نلمّ وندرس جميع جوانبه وروابطه و""وسائطه"". وبالرغم من أننا لن نتمكن من تحقيق ذلك بصورة تامة، إلا أن حرصنا على دراسة القضايا من جميع جوانبها سيقينا شرَّ الأخطاء والجمود«(17). إن من واجبنا أن نتذكر هذه الكلمات. أما النَّظرة السطحية فهي تعني أن المرء لا يأخذ بعين الاعتبار خاصّيَّة تناقض ما في مجموعة ولا خاصّيَّة كل طرف من طرفي التَّناقض، وتعني أن المرء ينكر ضرورة التعمق في شيء ودراسة خاصّيَّة التَّناقض القائم فيه بدقة، بل يكتفي بالنَّظر إليه من بعيد ويحاول، بعد أن يلمح التَّناقض لمحة خاطفة، أن يحل هذا التَّناقض (أن يردّ على الأسئلة، ويحسم الخلافات، ويتصرف في الأعمال، ويوجه العمليَّات الحربيّة). ومثل هذا الأسلوب لا بد أن يثير المتاعب. وأن السَّبب في أن رفاقنا المصابين بالجمود العقائدي والتجريبية يرتكبون الأخطاء يعود إلى أنهم ينظرون إلى الأشياء بطريقة ذاتية ووحيدة الجانب وسطحية. والنَّظرة الوحيدة الجانب، والنَّظرة السطحية هما في نفس الوقت نظرة ذاتية، ذلك لأن جميع الأشياء الموضوعيّة هي في الحقيقة مرتبطة بعضها ببعض، ولها قوانينها الباطنية، إلا أن بعض النَّاس، بدلاً من أن يعكسوا الأشياء كما هي، ينظرون إليها نظرة وحيدة الجانب أو نظرة سطحية، دون أن يدركوا علاقاتها المتبادلة ولا قوانينها الباطنية، ولهذا فإن أسلوبهم أسلوب ذاتي.
إن كل عمليَّة حركة التَّناقضات في تطوُّر شيء ما لها خصائصها التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، سواء من حيث ترابط التَّناقضات أو من حيث حال كل طرف من أطرافها، وليس هذا فقط، بل إن لكل مرحلة من مراحل عمليَّة تطوُّر الشَّيء أيضاً خصائصها التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.
فإن التَّناقض الأساسيّ في عمليَّة تطوُّر شيء ما، وجوهر العمليَّة التي يحدده هذا التَّناقض الأساسيّ، لن يتلاشيا قبل اكتمال العمليَّة، لكن الوضع في كل مرحلة من مراحل عمليَّة التطوُّر الطَّويلة للشيء كثيراً ما يختلف عن وضع مرحلة أُخرى، والسَّبب في ذلك أنه على الرغم من أن طبيعة التَّناقض الأساسيّ في عمليَّة تطوُّر شيء ما وجوهر العمليَّة لا يتغيران، إلا أن التَّناقض الأساسيّ يتزايد حدة في المراحل المختلفة من عمليَّة التطوُّر الطَّويلة. وفضلاً عن ذلك فإن بعضاً من التَّناقضات العديدة، الكبيرة منها والصَّغيرة، التي يحددها التَّناقض الأساسيّ أو يؤثر فيها يصبح متزايد الحدة، والبعض الآخر يحل مؤقتاً أو جزئياً أو تخفّ حدته، وأن تناقضات جديدة تنبثق، وبنتيجة ذلك تظهر في العمليَّة مراحل مختلفة. فإذا لم يعر النَّاس انتباهاً لوجود مراحل مختلفة في عمليَّة تطوُّر شيء ما فإنهم لن يستطيعوا معالجة تناقضاته كما يجب.
مثال ذلك: عندما تطوُّرت رأسمالية عصر المنافسة الحرة وتحولت إلى إمبرياليّة، لم يحدث أي تبدل في طبيعة الطبقتين المتناقضتين تماماً، البروليتاريا والبرجوازيّة، ولا في الطَّبيعة الرَّأسماليّة لهذا المجتمع، ولكن التَّناقض بين هاتين الطبقتين قد ازداد حدة، وانبثق التَّناقض بين الرَّأسمال الاحتكاريّ والرَّأسمال الحرّ، واشتد التَّناقض بين الرَّأسمال الاستعماريّ والمستعمرات، كما أن التَّناقض بين مختلف البلدان الرَّأسماليّة، الناشئ عن تطوُّرها المتفاوت، برز على نحو حاد جداً، وهكذا ظهرت مرحلة خاصّة من الرَّأسماليّة هي مرحلة الإمبرياليّة. والسَّبب في أن اللينينية هي ماركسيَّة عصر الإمبرياليّة والثَّورة البروليتارية هو أن لينين وستالين قد قدّما إيضاحاً صحيحاً لهذه التَّناقضات وصاغا بصورة صحيحة نظريَّة الثَّورة البروليتارية وتكتيكها في سبيل حلّ تلك التَّناقضات.
وإذا نظرنا إلى عمليَّة الثَّورة الدِّيمقراطيّة البرجوازيّة في الصِّين، التي بدأت بثورة 1911(18)، وجدنا لها أيضاً مراحل خاصّة متعددة. فالثَّورة في فترة قيادة البرجوازيّة لها والثَّورة في فترة قيادة البروليتاريا لها تتمايزان على الأخص، كمرحلتين تاريخيتين مختلفتين اختلافاً كبيراً. ذلك أن القيادة التي مارستها البروليتاريا غيّرت وجه الثَّورة بصورة جذرية، وأدت إلى ترتيب جديد في العلاقات الطَّبقيَّة، وإلى انطلاق عظيم في ثورة الفلاحين، ومنحت الثَّورة الموجهة ضد الإمبرياليّة والإقطاعيّة صفة الحزم الذي لا يعرف المهادنة، وجعلت من الممكن الانتقال من الثَّورة الدِّيمقراطيّة إلى الثَّورة الاشتراكيَّة، وهلم جرا. وما كان يمكن أن تحدث هذه الأشياء كلها عندما كانت الثَّورة بقيادة البرجوازيّة. وعلى الرغم من أنه لم يحدث تبدّل في طبيعة التَّناقض الأساسيّ في العمليَّة كلها، أي في طبيعة هذه العمليَّة بوصفها ثورة ديمقراطية مناهضة للإمبرياليّة والإقطاعيّة (ونقيضها هو طبيعة البلاد كشبه مستعمرة وبلد شبه إقطاعي)؛ فإن العمليَّة قد اجتازت مع ذلك مراحل عديدة من التطوُّر في مدة تزيد على عشرين عاماً وقعت خلالها أحداث كبيرة عديدة كإخفاق ثورة 1911، وقيام حكم أمراء الحرب الشَّماليين، وإنشاء الجهة الوطنية المتحدة الأولى، وثورة 1924- 1927(19)، وانفصام عرى الجبهة المتحدة وانتقال البرجوازيّة إلى المعسكر المناهض للثورة، والحروب بين أمراء الحرب الجدد، وحرب الثَّورة الزِّراعيَّة(20)، وإنشاء الجبهة الوطنية المتحدة الثانية وحرب المقاومة ضد اليابان. وكانت هذه المراحل تحتوي على أوضاع خاصّة، مثل اشتداد بعض التَّناقضات (حرب الثَّورة الزِّراعيَّة والغزو اليابانيّ للمقاطعات الشَّماليَّة الشَّرقية الأربع مثلاً)(21)، والحل الجزئي أو المؤقت لتناقضات أُخرى (تصفية أمراء الحرب الشَّماليين ومصادرتنا للأراضي التي في يد ملاك الأراضي مثلاً)، والانبثاق الجديد لتناقضات أُخرى (الصِّراع بين أمراء الحرب الجدد، واستعادة ملاك الأراضي لأراضيهم بعد أن فقدنا القواعد الثَّوريّة في الجنوب مثلاً).
حين ندرس خصائص التَّناقضات في كل مرحلة من مراحل عمليَّة تطوُّر شيء ما، فإنه ينبغي لنا ألا ندرسها في ترابط التَّناقضات وفي مجموعها فحسب، بل ينبغي لنا أيضاً أن ندرسها في كل طرف من أطراف التَّناقضات في كل مرحلة من مراحل التطوُّر.
فلنأخذ الكومينتانغ والحزب الشيوعيّ مثلاً. لقد نفذ الكومينتانغ في فترة الجبهة المتحدة الأولى، السياسات الكبرى الثلاث لصون يات صن: التَّحالف مع روسيا، والتعاون مع الحزب الشّيوعيّ، وتقديم المساعدة إلى العمال والفلاحين، فكان بذلك ثورياً ذا حيوية، وجسد تحالف طبقات مختلفة في الثَّورة الدِّيمقراطيّة. لكن الكومينتانغ تحول إلى نقيضه منذ عام 1927، فأصبح كتلة رجعية تمثل كبار ملاك الأراضي والبرجوازيّة الكبيرة. ثم بدل اتجاهه مرة أُخرى، بعد حادثة شيآن في ديسمبر (كانون الأول) 1936(22)، وانعطف نحو وقف الحرب الأهلية والتَّحالف مع الحزب الشيوعيّ لمجابهة الإمبرياليّة اليابانيّة في صف واحد. هذه هي خصائص الكومينتانغ في المراحل الثلاث. ومعلوم أن نشوء هذه الخصائص راجع إلى أسباب شتى. أما الحزب الشيوعيّ الصِّيني، فقد كان في مرحلة الجبهة المتحدة الأولى حزباً في طور الطفولة، وقد قاد بشجاعة ثورة 1924- 1927؛ لكنه كشف عن عدم نضجه في فهم طبيعة الثَّورة ومهماتها وأساليبها. وبنتيجة ذلك استطاعت التشندوشيوية(23) التي ظهرت في الفترة الأخيرة من هذه الثَّورة، أن تفعل فعلها وأن تؤدي بالثَّورة إلى الهزيمة. ولقد عاد الحزب الشّيوعيّ، منذ عام 1927، فقاد بشجاعة حرب الثَّورة الزِّراعيَّة وخلق الجيش الثَّوريّ والقواعد الثَّوريّة، لكنه ارتكب أخطاء المغامرة التي سببت خسائر جسيمة للجيش وللقواعد على حد سواء. وقد أصلح هذه الأخطاء منذ عام 1935، وقاد الجبهة المتحدة الجديدة لمقاومة اليابان، هذا النضال العظيم الذي يتطوُّر الآن وينمو. وفي هذه المرحلة أصبح الحزب الشيوعيّ حزباً مرّ باختبار ثورتين واكتسب ثروة عظيمة من التجارب. هذه هي خصائص الحزب الشيوعيّ الصِّيني في المراحل الثلاث. ونشوء هذه الخصائص راجع كذلك إلى أسباب شتى. ولن نستطيع، دون دراسة هذه الخصائص، أن نفهم العلاقات المتبادلة الخاصّة بين الحزبين في مراحل التطوُّر المختلفة: إنشاء جبهة متحدة، وانفصام عرى الجبهة، وإنشاء جبهة متحدة أُخرى. لكنه ينبغي لنا، كي ندرس الخصائص المختلفة للحزبين، أن ندرس – وهذا أمر أكثر أهميَّة – الأسس الطَّبقيَّة للحزبين، والتَّناقضات الناتجة عنها بين كل من الحزبين وبين القوى الأُخرى خلال كل مرحلة من المراحل. مثال ذلك أن الكومينتانغ في فترة تحالفه الأول مع الحزب الشيوعيّ كان، من جهة، في تناقض مع الإمبرياليّة الأجنبيّة، ولهذا كان يعارض الإمبرياليّة؛ وكان، من جهة أُخرى، في تناقض مع جماهير الشَّعب الغفيرة في داخل البلاد، فكان، رغم وعوده اللفظية بإعطاء فوائد كثيرة للشعب الكادح، لم يعطه في الحقيقة إلا القليل جداً أو لم يعطه شيئاً البتة. وفي الفترة التي قام فيها بالحرب المناهضة للشيوعيين، كان يتعاون مع الإمبرياليّة والإقطاعيّة ضد جماهير الشَّعب الغفيرة، فمحا بجرة قلم جميع المكاسب التي نالتها جماهير الشَّعب الغفيرة في الثَّورة، وبذلك زاد من حدة التَّناقض بينه وبينها. أما في الفترة الراهنة فترة حرب المقاومة ضد اليابان فإن الكومينتانغ، بسبب التَّناقض القائم بينه وبين الإمبرياليّة اليابانيّة، يريد أن يتحالف مع الحزب الشّيوعيّ، إلا أنه في الوقت ذاته لا يتراخى في نضاله ضد الحزب الشيوعيّ والشَّعب الصِّيني واضطهاده إياهما. أما الحزب الشيوعيّ فإنه يقف على الدَّوام، في أية فترة كانت، إلى جانب جماهير الشَّعب الغفيرة في النضال ضد الإمبرياليّة والإقطاعيّة؛ ولكن لما كان الكومينتانغ، في الفترة الراهنة فترة حرب المقاومة ضد اليابان، قد أبدى استعداده لمقاومة اليابان، فقد اتخذ الحزب الشيوعيّ سياسة معتدلة تجاهه وتجاه القوى الإقطاعيّة في داخل البلاد. ولقد أدت هذه الظروف إلى تحالف بين الحزبين في زمن ما، وإلى صراعهما في زمن آخر، بل لقد كان هناك حتى في فترة التَّحالف، حالة معقدة كان الصِّراع بينهما يجري فيها إلى جانب تحالفهما. فإذا لم ندرس خصائص طرفي التَّناقض هذه، فإننا سوف نخفق في فهم العلاقات بين كل من هذين الحزبين وبين القوى الأُخرى، بل سوف نخفق في فهم العلاقات المتبادلة بين الحزبين أيضاً.
يتبين من هنا أنه ينبغي لنا في دراسة خصائص أي تناقض – التَّناقض في كل شكل من أشكال حركة المادة، والتَّناقض في كل شكل للحركة في كل عمليَّة من عمليات التطوُّر المختلفة، وطرفي كل تناقض في كل عمليَّة من عمليات التطوُّر، والتَّناقضات في كل مرحلة من مراحل العمليَّة وطرفي كل تناقض منها في كل مرحلة – ينبغي لنا في دراسة خصائص كل هذه التَّناقضات أن نتفادى النَّظرة الذاتية والنَّظرة الاعتباطية وأن نقوم بتحليلها تحليلاً محدداً. ولا يمكن أن تكون ثمة معرفة بخصائص أي تناقض بدون التَّحليل المحدد. إن من واجبنا أن نذكر دائماً كلمات لينين: التَّحليل المحدد للظروف المحددة.
ولقد كان ماركس وانجلز سبَّاقين إلى تزويدنا بنموذج رائع عن هذا التَّحليل المُحدّد.
عندما طبَّق ماركس وانجلز قانون التَّناقض في الأشياء على دراسة عمليَّة التَّاريخ الاجتماعيّ، فقد اكتشفا التَّناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، والتَّناقض بين الطبقات المستغِلة والطبقات المستغَلة، كما اكتشفا التَّناقض الناتج عن ذلك بين القاعدة الاقتصاديّة والبناء الفوقي من سياسة وإيديولوجيا..إلخ، واكتشفا كيف أن هذه التَّناقضات تؤدي لا محالة، في المجتمعات الطَّبقيَّة المختلفة، إلى ثروات اجتماعية مختلفة.
وعندما طبق ماركس هذا القانون على دراسة البنية الاقتصاديّة للمجتمع الرَّأسماليّ اكتشف أن التَّناقض الأساسيّ لهذا المجتمع يكمن في التَّناقض بين الصِّفة الاجتماعيّة للإنتاج والصِّفة الخاصّة للملكية. ويتمثل ذلك في التَّناقض بين الصِّفة المنظمة للإنتاج في كل مشروع على حدة والصِّفة غير المنظمة للإنتاج في المجتمع بأسره. ويعبر هذا التَّناقض عن نفسه، من حيث العلاقات الطَّبقيَّة، في التَّناقض بين البرجوازيّة والبروليتاريا.
وبسبب أن أنواع الأشياء لامتناهية وأن تطوُّرها غير محدود، فإن ما هو عمومي في حالة معينة يصير خاصّاً في حالة معينة أُخرى. وعلى عكس ذلك، فإن ما هو خاصّ في حالة معينة يصير عمومياً في حالة معينة ثانية. إن التَّناقض الذي يحتوي عليه النِّظام الرَّأسماليّ بين الصِّفة الاجتماعيّة للإنتاج والملكية الخاصّة لوسائل الإنتاج هو شيء مشترك بين جميع البلدان التي توجد وتتطوُّر فيها الرَّأسماليّة، وهذا ما يشكل، بالنسبة إلى الرَّأسماليّة، عموميَّة التَّناقض. ولكن هذا التَّناقض في الرَّأسماليّة شيء خاصّ بمرحلة تاريخية معينة من تطوُّر المجتمع الطَّبقيّ عموماً، فهو بالنسبة إلى التَّناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في المجتمع الطَّبقيّ عموماً، يشكل خاصّيَّة التَّناقض. لكن حين كشف ماركس اللثام عن خاصّيَّة كل تناقض في المجتمع الرَّأسماليّ فقد أوضح، بصورة أعمق وأوفى وأكمل، عموميَّة التَّناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في المجتمع الطَّبقيّ عموماً.
ولما كان الخاصّ يرتبط بالعام، ولما كان كل شيء يحتوي لا على خاصّيَّة التَّناقض وحدها، بل يحتوي أيضاً على عموميَّة التَّناقض، ولما كانت العموميَّة تكمن في الخاصّيَّة، فإنه ينبغي لنا عندما ندرس شيئاً ما أن نحاول اكتشاف هذين الجانبين وترابطهما، اكتشاف كل من الخاصّيَّة والعموميَّة في هذا الشَّيء وترابطهما على حد سواء، واكتشاف الترابط بين هذا الشَّيء وغيره من الأشياء العديدة. وعندما أوضح ستالين الجذور التَّاريخيّة للينينية في مؤلفه الشهير ""أسس اللينينية""، حلل الوضع الدولي الذي ولدت فيه اللينينية، وحلل في الوقت ذاته التَّناقضات المختلفة في الرَّأسماليّة التي بلغت أوجها في ظروف الإمبرياليّة، وبيّن كيف أن هذه التَّناقضات جعلت الثَّورة البروليتارية مسألة عمل فوري، وكيف خلقت ظروفاً ملائمة لتوجيه الضربات مباشرة نحو الرَّأسماليّة. وبالإضافة لذلك، قد حلل الأسباب التي جعلت روسيا مهداً للينينية، مبيناً كيف كانت روسيا القيصريّة تمثل نقطة تجمع كل تناقضات الإمبرياليّة، ولماذا استطاعت البروليتاريا الروسية أن تصبح طليعة البروليتاريا العالمية الثَّوريّة. وهكذا حلل ستالين عموميَّة التَّناقض في الإمبرياليّة مبيناً كيف أن اللينينية هي ماركسيَّة عصر الإمبرياليّة والثَّورة البروليتارية؛ وحلل كذلك خاصّيَّة إمبرياليّة روسيا القيصريّة في هذا التَّناقض العام، مبيناً كيف أصبحت روسيا وطناً لنظريَّة وتكتيك الثَّورة البروليتارية، وكيف أنه تكمن في هذه الخاصّيَّة عموميَّة التَّناقض. ولقد أفادنا تحليل ستالين هذا كنموذج في فهم خاصّيَّة التَّناقض وعموميته وترابطهما.
إن ماركس وانجلز، وكذلك لينين وستالين، فيما يتعلق بتطبيق الدِّيالكتيك على دراسة الظواهر الموضوعيّة، يعلِّمون النَّاس دائماً أنه ينبغي لهم أن يتخلصوا من أية شائبة من شوائب النَّظرة الذاتية والنَّظرة الاعتباطية، بل يجب عليهم أن يكتشفوا، من الظروف المحددة في الحركة الواقعية الموضوعيّة، التَّناقضات المحددة في تلك الظواهر، والمركز المحدد لكل طرف من أطراف التَّناقضات، والعلاقات المحددة القائمة بين التَّناقضات. أما أصحاب الجمود العقائدي بيننا، فلا يمكنهم أن يصيبوا كبد الحقيقة، لأنهم لم يتخذوا في البحث هذه الطَّريقة. فينبغي أن نتَّعِظَ بإخفاقهم، فنتعلم هذه الطَّريقة الصَّحيحة في البحث والتي لا توجد طريقة صحيحة أُخرى سواها.
إن العلاقة بين عموميَّة التَّناقض وخاصّيته هي العلاقة بين الصِّفة المشتركة والصِّفة الفرديّة للتناقض. وإننا نعني بالصِّفة المشتركة أن التَّناقض يوجد في جميع العمليَّات ويسري فيها من البداية حتى النِّهاية، فالحركة، والأشياء، والعمليَّات، والتَّفكير – كلها تناقضات. وإن نكران التَّناقض في الأشياء هو نكران كل شيء. هذا مبدأ عمومي ينطبق على جميع الأزمان وجميع الأماكن بدون استثناء. ومن هنا جاءت الصِّفة المشتركة أي الصِّفة المطلقة للتناقض. لكن هذه الصِّفة المشتركة كائنة في كل صفة فرديّة، وبدون صفة فرديّة لا توجد صفة مشتركة. فإذا أبعدنا جميع الصفات الفرديّة فهل تبقى هناك أية صفة مشتركة؟ والصفات الفرديّة للتناقضات ناتجة عن كون كل تناقض ذا صفة خاصّة تختلف عن صفات غيره من التَّناقضات. وإن جميع الصفات الفرديّة موجودة بصورة مشروطة ومؤقتة، فهي لذلك نسبية.
هذا المبدأ مبدأ الصِّفة المشتركة والصِّفة الفرديّة، والمطلق والنسبي، هو جوهر قضيَّة التَّناقض في الأشياء، وإن عدم فهمه معناه نبذ الديالكتيك.


4- التَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتناقض

بقي من قضيَّة خاصّيَّة التَّناقض جانبان آخران ينبغي أن يفردا للتحليل هما: التَّناقض الرئيسيّ والطَّرف الرئيسيّ للتناقض.
توجد في كل عمليَّة تطوُّر معقدة لشيء ما تناقضات عديدة، ولا بد أن يكون أحدها هو التَّناقض الرئيسيّ الذي يقرر وجوده وتطوُّره وجود وتطوُّر التَّناقضات الأُخرى أو يؤثر في وجودها وتطوُّرها.
ففي المجتمع الرَّأسماليّ مثلاً، تشكل القوتان المتناقضان، البروليتاريا والبرجوازيّة، التَّناقض الرئيسيّ، أما التَّناقضات الأُخرى – كالتَّناقض بين الطبقة الإقطاعيّة المتبقية والبرجوازيّة، والتَّناقض بين برجوازية الفلاحين الصَّغيرة والبرجوازيّة، والتَّناقض بين البروليتاريا وبرجوازية الفلاحين الصَّغيرة، والتَّناقض بين البرجوازيّة غير الاحتكاريّة والبرجوازيّة الاحتكاريّة، والتَّناقض بين الدِّيمقراطيّة البرجوازيّة والفاشية البرجوازيّة، والتَّناقض بين البلدان الرَّأسماليّة نفسها، والتَّناقض بين الإمبرياليّة والمستعمرات..إلخ – فيقررها جميعاً ذلك التَّناقض الرئيسيّ أو يؤثر فيها.
وفي البلدان شبه المستعمرة كالصِّين، تظهر العلاقة بين التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة في حالة معقدة.
فعندما تشن الإمبرياليّة حرباً عدوانية على بلد ما من هذا النوع، فإن الطبقات المختلفة في هذا البلد، باستثناء حفنة من الخونة، يمكن أن تتحد مؤقتاً كي تخوض غمار حرب وطنية ضد الإمبرياليّة. وحينئذ يصبح التَّناقض بين الإمبرياليّة وذلك البلد التَّناقض الرئيسيّ، بينما تصبح مؤقتاً جميع التَّناقضات بين مختلف الطبقات داخل ذلك البلد (بما فيها التَّناقض الرئيسيّ بين النِّظام الإقطاعيّ وجماهير الشَّعب الغفيرة) في مركز ثانوي وتابع. هكذا كانت الحال في الصِّين أثناء حرب الأفيون عام 1840(24)، والحرب الصِّينية اليابانيّة عام 1894(25)، وحرب يى خه توان عام 1900(26)، وكذلك هي الحال في الحرب الصِّينية اليابانيّة الراهنة.
لكن مراكز التَّناقضات تتبدل في حالة أُخرى. فعندما تمارس الإمبرياليّة أشكالاً من الاضطهاد معتدلة نسبياً، سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة..إلخ، بدلاً من الاضطهاد عن طريق الحرب، فإن الطبقات الحاكمة في البلدان شبه المستعمرة سوف تستسلم للإمبرياليّة، ويتحالف الاثنان ويتعاونان على اضطهاد جماهير الشَّعب الغفيرة. وفي مثل هذه الحال كثيراً ما تلجأ جماهير الشَّعب الغفيرة إلى شكل الحرب الأهلية للوقوف في وجه تحالف الإمبرياليّة والطبقة الإقطاعيّة، بينما تتخذ الإمبرياليّة على الأغلب طرقاً غير مباشرة لمساعدة الرَّجعيّين في البلدان شبه المستعمرة على اضطهاد الشَّعب دون أن تقوم بعمل مباشر، وعندئذ تبرز حدة التَّناقضات الدَّاخليَّة بصورة خاصّة. وهكذا كانت الحال في الصِّين في الحرب الثَّوريّة عام 1911، وفي الحرب الثَّوريّة 1924- 1927، وفي أعوام حرب الثَّورة الزِّراعيَّة العشرة منذ عام 1927. ولمكن أن نجد حالة مماثلة أيضاً في الحروب بين مختلف الكتل الحاكمة الرَّجعيّة في البلدان شبه المستعمرة – كالحروب بين أمراء الحرب في الصِّين.
وحين تبلغ الحرب الثَّوريّة الأهلية، في تطوُّرها، حداً تهدد معه في الأساس بقاء الإمبرياليّة وأذنابها الرَّجعيّين المحليّين، فإن الإمبرياليّة كثيراً ما تتخذ طرقاً غير الطُّرق المذكورة أعلاه محاولة الحفاظ على حكمه؛ فهي إما أن تحاول شق الجبهة الثَّوريّة من الداخل وإما أن ترسل القوات المسلَّحة مباشرة لتساعد الرَّجعيّين المحليّين. وفي هذه الحال تقف الإمبرياليّة الأجنبيّة والرَّجعيّون المحليّون بصورة علنية مفضوحة في قطب، بينما تقف جماهير الشَّعب الغفيرة في القطب الآخر، فيتألف من ذلك تناقض رئيسيّ يقرر تطوُّر التَّناقضات الأُخرى أو يؤثر فيه، فالمساعدة التي قدمتها البلدان الرَّأسماليّة للرجعيين الروس بعد ثورة أكتوبر/ تشرين الأول هي مثال للتدخل المسلح. وخيانة تشيانغ كاي شيك للثورة عام 1927 هي مثال لشقّ الجبهة الثَّوريّة.
ولكن مهما تكن الحال، فمما لا يتطرق إليه أدنى شك أن ثمة تناقضاً رئيسيّاً واحداً فقط يلعب الدور القيادي في كل مرحلة من مراحل عمليَّة التطوُّر.
ونعلم مما تقدم، أنه إذا كانت في أية عمليَّة من العمليَّات تناقضات كثيرة ، فلا بد أن يكون بينها تناقض رئيسيّ يلعب الدور القيادي الحاسم، أما بقية التَّناقضات فإنها تحتل مركزاً ثانوياً تابعاً. ولذلك ينبغي لنا في دراسة أية عمليَّة معقدة يوجد فيها تناقضان أو أكثر أن نبذل قصارى جهودنا كي نكتشف التَّناقض الرئيسيّ فيها. فإذا أمسكنا بزمام هذا التَّناقض الرئيسيّ، استطعنا حلّ سائر التَّناقضات بسرعة. وهذه هي الطَّريقة التي علمنا ماركس إياها عندما درس المجتمع الرَّأسماليّ. وقد علّمنا لينين وستالين أيضاً هذه الطَّريقة عندما درسا الإمبرياليّة والأزمة العامَّة للرأسمالية، وعندما درسا الاقتصاد السُّوفياتيّ. وإن آلاف الباحثين والمشتغلين بالقضايا العمليَّة لا يفهمون هذه الطَّريقة، وهم بنتيجة ذلك متحيرون كالملاحين التائهين في بحر عظيم، لا يستطيعون الاهتداء إلى لبِّ الموضوعات، ولذلك يعجزون عن الاهتداء إلى طرق حلِّ التَّناقضات.
إنه، كما ذكرنا آنفاً، لا يجوز لنا أن نعامل جميع التَّناقضات الموجودة في عمليَّة ما على قدم المساواة، بل لا بد لنا أن نميز بين التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات الثَّانويّة ونولي انتباهاً خاصّاً للإمساك بزمام التَّناقض الرئيسيّ. لكن هل يجوز لنا أن نعامل الطَّرفين المتناقضين، في أي تناقض رئيسيّاً كان أم ثانوياً، على قدم المساواة؟ كلا، لا يجوز ذلك. فإن تطوُّر كل طرف من الطَّرفين المتناقضين، في أي تناقض كان، متفاوت عن تطوُّر الطَّرف الآخر. ويتراءى أحياناً أن ثمة توازناً في القوى بين طرفي التَّناقض، لكن تلك ليست سوى حالة مؤقتة ونسبية، فالتفاوت هي الحالة الأساسيّة. فلا بد أن يكون أحد الطَّرفين المتناقضين رئيسيّاً والآخر ثانوياً. فالطَّرف الرئيسيّ هو الذي يلعب الدور القيادي في التَّناقض. وإن طبيعة الشَّيء يقررها في الدرجة الأولى الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة.
لكن هذا الوضع ليس ثابتاً، إذ أن الطَّرف الرئيسيّ وغير الرئيسيّ لتناقض ما يتحول أحدهما إلى الآخر، فتتبدل طبيعة الشَّيء تبعاً لذلك. إننا نجد، في عمليَّة معينة لتطوُّر تناقض ما، أو في مرحلة معينة من مراحل التطوُّر، أن الطَّرف الرئيسيّ هو ""أ"" وأن الطَّرف غير الرئيسيّ هو ""ب""؛ ولكن في مرحلة أُخرى من التطوُّر أو في عمليَّة أُخرى منه تنعكس الحالة، وهذا تبدل يقرره مدى ازدياد أو نقصان قوة كل من الطَّرفين المتناقضين في صراعه مع الطَّرف الآخر في مجرى تطوُّر الشَّيء.
وكثيراً ما نتحدث عن ""حلول الجديد محل القديم"". إن حلول الجديد محل القديم هو قانون عام للكون، لا يمكن مقاومته أبداً. إن تحول شيء إلى شيء آخر تبعاً لطبيعته وللظروف المحيطة به وبواسطة أشكال مختلفة من القفزات. تلك هي عمليَّة حلول الجديد محل القديم. إن كل شيء يحوي تناقضاً بين طرفه الجديد وطرفه القديم، تناقضاً يشكل سلسلة من الصِّراعات الملتوية. ونتيجة لهذه الصِّراعات يتعاظم الطَّرف الجديد ويرتفع فيحتل مركز السَّيطرة، بينما الطَّرف القديم يتضاءل بصورة تدريجية حتى يضمحل. وحالما يسيطر الطَّرف الجديد على الطَّرف القديم، فإن الشَّيء القديم يتحول إلى شيء جديد من حيث الطَّبيعة. ومن هذا نرى أن طبيعة الشَّيء يقررها بالدرجة الأولى الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة. وعندما يطرأ تبدل على الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، الذي يحتل مركز السَّيطرة، فإن طبيعة الشَّيء تتبدل تبعاً لذلك.
ففي المجتمع الرَّأسماليّ، تحولت الرَّأسماليّة من قوة تشغل مركزاً تابعاً في عصر المجتمع الإقطاعيّ القديم إلى قوة تحتل مركز السَّيطرة، فتبدلت طبيعة المجتمع تبعاً لذلك من الإقطاعيّة إلى الرَّأسماليّة. وفي عصر المجتمع الرَّأسماليّ الجديد، تحولت القوى الإقطاعيّة، من قوى كانت في الأصل مسيطرة، إلى قوى تابعة، ومن ثم سارت نحو الاضمحلال بصورة تدريجية، كما حدث في بريطانيا وفرنسا. ومع تطوُّر القوى المنتجة تتحول البرجوازيّة من طبقة جديدة تلعب دوراً تقدمياً إلى طبقة قديمة تلعب دوراً رجعياً، حتى تسقطها البروليتاريا في النِّهاية، فتصبح طبقة مجردة من الوسائل الخاصّة للإنتاج ومن السُّلطة، وتضمحل بصورة تدريجية. أما البروليتاريا التي تفوق البرجوازيّة كثيراً في عددها، والتي نمت مع البرجوازيّة في وقت واحد، لكنها تقع تحت سيطرتها، فهي قوة جديدة، تنمو وتزداد قوة بصورة تدريجية، بعد أن كانت تشغل في البدء مركز التابع للبرجوازية، فتصير طبقة مستقلة تلعب دوراً قيادياً في التَّاريخ، حتى تستولي في النِّهاية على السُّلطة السياسيّة فتصبح الطبقة الحاكمة. وعندئذ تتبدل طبيعة المجتمع، فيتحول من المجتمع الرَّأسماليّ القديم إلى المجتمع الاشتراكي الجديد. وهذا هو الطَّريق الذي اجتازه الاتحاد السُّوفياتيّ، والذي ستجتازه سائر البلدان حتماً.
خذ الوضع في الصِّين مثلاً. إن الإمبرياليّة تحتل المركز الرئيسيّ في التَّناقض القائم في تحويل الصِّين إلى شبه مستعمرة، وهي تضطهد الشَّعب الصِّيني، بينما الصِّين تتحول من بلد مستقل إلى شبه مستعمرة. لكن هذا الوضع سوف يتبدل بصورة محتومة. ففي الصِّراع بين الطَّرفين، سوف تحول حتماً قوة الشَّعب الصِّيني النامية تحت قيادة البروليتاريا بلاد الصِّين من شبه مستعمرة إلى دولة مستقلة، بينما الإمبرياليّة سيطاح بها، والصِّين القديمة ستتحول، لا محالة، إلى صين جديدة.
إن تبدل الصِّين القديمة وتحولها إلى صين جديدة، يتضمَّن أيضاً تبدلاً في الوضعية بين القوى الإقطاعيّة القديمة والقوى الشَّعبية الجديدة داخل البلاد. فطبقة ملاك الأراضي الإقطاعيّة القديمة سيطاح بها وتصبح طبقة محكومة بعد أن كانت حاكمة، وتضمحل بصورة تدريجية. أما الشَّعب فيصبح، تحت قيادة البروليتاريا، حاكماً بعد أن كان محكوماً. وهما يطرأ تبدل على طبيعة المجتمع الصِّيني، فيتحول المجتمع القديم شبه المستعمر وشبه الإقطاعيّ، إلى مجتمع ديمقراطي جديد.
وفي تجاربنا الماضية أمثلة على هذه التَّحوُّلات المتبادلة. إن أسرة تشينغ الملكية التي حكمت الصِّين قرابة ثلاثمائة سنة قد أُطيح بها أثناء ثورة 1911، أما العصبة الثَّوريّة تحت قيادة صون يات صن فقد كسبت النصر لفترة من الزمن. وفي الحرب الثَّوريّة التي دارت رحاها بين 1924- 1927، تحولت القوى الثَّوريّة في الجنوب التي تمثل التَّحالف بين الحزب الشيوعيّ والكومينتانغ من قوة ضعيفة إلى قوة عظيمة، وكسبت النصر في الحملة الشَّماليَّة؛ أما أمراء الحرب الشَّماليون، وقد كانوا أصحاب قوة وجبروت في فترة من الزمن، فقد اندحروا. وفي عام 1927 أصبحت القوى الشَّعبية التي يقودها الحزب الشيوعيّ ضعيفة جداً تحت ضربات قوى الكومينتانغ الرَّجعيّة؛ لكنها تعاظمت من جديد بصورة تدريجية بعد أن استأصلت الانتهازية من صفوفها. وفي القواعد الثَّوريّة تحت قيادة الحزب الشّيوعيّ، تحول الفلاحون من محكومين إلى حاكميّن، بينما طرأ على ملاك الأراضي تحول معاكس. وعلى هذا النَّحو يحدث في العالم باستمرار، زوال القديم وولادة الجديد، حلول الجديد محل القديم، وتحطيم القديم وإنشاء الجديد أو انبعاث الجديد من القديم.
وفي أوقات معينة في مجرى النضال الثَّوريّ، تطغى المصاعب على الظروف المؤاتية، وحينئذ تشكل المصاعب الطَّرف الرئيسيّ للتناقض، أما الظروف المؤاتية فإنها تشكل الطَّرف الثَّانويّ. إلا أن الثَّوريّين يستطيعون بفضل جهودهم أن يتغلبوا على الصعوبات خطوة فخطوة وينشأ من ذلك وضع مؤات جديد، وهكذا يحلّ الوضع المؤاتي محل الوضع الصعب. تلك كانت الحال بعد إخفاق الثَّورة في الصِّين عام 1927، وخلال المسيرة الكبرى للجيش الأحمر الصِّيني. وإن الصِّين تجد نفسها من جديد، في الحرب الصِّينية اليابانيّة الراهنة، في وضع عسير، لكننا نستطيع أن نبدل هذا الوضع ونحقق تحولاً أساسيّاً في وضع كل من الصِّين واليابان. وعلى العكس، يمكن للظروف المؤاتية أن تتحول إلى مصاعب إذا ارتكب الثَّوريّون أخطاء. فقد تحول انتصار ثورة 1924- 1927 إلى هزيمة، كما أن القواعد الثَّوريّة التي نشأت في المقاطعات الجنوبيَّة منذ عام 1927 قد لحقتها الهزيمة جميعاً عام 1934.
وينطبق الأمر نفسه على التَّناقض القائم في انتقالنا من الجهل إلى المعرفة أثناء الدِّراسة. ففي بدء دراستنا للماركسيَّة يقف جهلنا بها أو معرفتنا الزهيدة بها موقف التَّناقض من المعرفة الماركسيَّة. لكنا نستطيع بالدِّراسة المجدة، أن نتحول من الجهل إلى المعرفة أو من المعرفة الزهيدة إلى معرفة غزيرة ومن التَّطبيق الأعمى للماركسيَّة إلى تطبيق حاذق لها.
ويظن بعض النَّاس أن الأمر على خلاف ذلك في بعض التَّناقضات. مثال ذلك أن القوى المنتجة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بينها وبين علاقات الإنتاج؛ وأن الممارسة العمليَّة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بين النظريَّة وبينها؛ وأن القاعدة الاقتصاديّة هي الطَّرف الرئيسيّ في التَّناقض بينها وبين البناء الفوقي؛ ولا يحدث تحول متبادل في مركز أي طرف منها. هذه هي نظريَّة المادِّيّة الميكانيكيَّة، لا نظريَّة المادِّيّة الدِّيالكتيكيّة. صحيح أن القوى المنتجة، والممارسة العمليَّة، والقاعدة الاقتصاديّة، تلعب عادة الدور الرئيسيّ الحاسم، ومن ينكر هذه الحقيقة لا يكون مادياً. لكن يجب أن نعترف كذلك بأن علاقات الإنتاج والنظريَّة والبناء الفوقي تلعب بدورها، في ظل ظروف معينة، الدور الرئيسيّ الحاسم. فعندما يتعذر تطوُّر القوى المنتجة بدون تبديل علاقات الإنتاج، فإن تبديل علاقات الإنتاج يلعب الدور الرئيسيّ الحاسم. وحين ""لا توجد نظريَّة ثورية لا يمكن أن تكون هناك حركة ثورية""(27) كما قال لينين، فإن خلق النظريَّة الثَّوريّة والدعاية لها يلعب الدور الرئيسيّ الحاسم. وعندما ينبغي القيام بعمل ما (وهذا ينطبق على أي عمل كان) لكنه لم ترسم بعد سياسة عامَّة أو طريقة أو خطة أو سياسة محددة، فإن رسم كل هذه يصبح العامل الرئيسيّ الحاسم. وعندما يعوق البناء الفوقي، كالسياسة والثقافة، تطوُّر القاعدة الاقتصاديّة، فإن التجديدات السياسيّة والثقافيّة تصبح العامل الرئيسيّ الحاسم. أترانا نخالف المادِّيّة بقولنا هذا؟ كلا. والسَّبب هو أننا إذ نعترف بأن المادِّيّ، في التطوُّر العام للتاريخ، هو الذي يقرر الروحي، وأن الوجود الاجتماعيّ هو الذي يقرر الوعي الاجتماعيّ فإننا نعترف أيضاً، ويجب أن نعترف، برد فعل الروحي على المادِّيّ، برد فعل الوعي الاجتماعيّ على الوجود الاجتماعيّ، برد فعل البناء الفوقي على القاعدة الاقتصاديّة. وليس هذا مخالفاً للمادية، بل يعني بالضبط تفادي المادِّيّة الميكانيكيَّة، والتمسك الحازم بالمادِّيّة الدِّيالكتيكيّة.
إذا لم نبحث أثناء دراستنا لقضيَّة خاصّيَّة التَّناقض، مسألة التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة في عمليَّة معينة ومسألة الطَّرف الرئيسيّ والطَّرفي غير الرئيسيّ لتناقض معين، يعني إذا لم ندرس الفارق المتمثل في كلا هذين الوضعين من أوضاع التَّناقضات، فإننا سنتورط في دراسات مجردة ونعجز عن فهم أوضاع التَّناقضات بصورة محددة، ونعجز بنتيجة ذلك عن إيجاد الطَّريقة الصَّحيحة لحلها. وإن هذا الفارق أو هذه الخاصّيَّة المتمثلة في كلا الوضعين تمثل التفاوت بين القوتين المتناقضتين. فلا شيء في العالم يجري في تطوُّرات متساوية بصورة مطلقة، وينبغي لنا أن نعارض نظريَّة التطوُّر المتساوي أو نظريَّة التوازن. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الأوضاع المحددة الخاصّة بالتَّناقض، والتَّبدُّل الذي يطرأ على الطَّرف الرئيسيّ والطَّرف غير الرئيسيّ للتناقض في مجرى تطوُّره، تظهر بالضبط قوة الأشياء الجديدة في إزاحة الأشياء القديمة والحلول محلها. إن دراسة أوضاع التفاوت في التَّناقضات، دراسة التَّناقض الرئيسيّ والتَّناقضات غير الرئيسيّة والطَّرف الرئيسيّ وغير الرئيسيّ للتناقض، هي إحدى الطُّرق المهمة التي يقرر بها حزب سياسيّ ثوري، بصورة مضبوطة، خططه الاستراتيجية والتكتيكية في الشؤون السياسيّة والعسكرية، وهي دراسة من واجب جميع الشّيوعيّين أن يولوها الاهتمام.




5- الوحدة والصِّراع بين طرفي التَّناقض

بعد أن أوضحنا قضيَّة عموميَّة التَّناقض وخاصّيته، يجب أن ننتقل إلى دراسة الوحدة والصِّراع بين طرفي التَّناقض.
الوحدة، الاتحاد، التطابق، التداخل، التمازج، الاعتماد المتبادل (أو الاعتماد المتبادل في البقاء)، الترابط أو التعاون – هذه العبارات المختلفة جميعاً تعني فكرة واحدة ونقصد هاتين النقطتين التاليتين: أولاً، إن كل طرف من طرفي التَّناقض في عمليَّة تطوُّر شيء ما يستلزم وجود الطَّرف الآخر المتناقض معه، كشرط مسبق لوجوده هو، وإن الطَّرفين يتواجدان في كيان واحد؛ ثانياً، إن كل طرف من الطَّرفين المتناقضين يتحول، تبعاً لعوامل معينة، إلى نقيضه. وهذا هو ما يقصده بالوحدة.
لقد قال لينين: »إن الدِّيالكتيك هو النظريَّة التي تدرس كيف يمكن لضدين أن يكونا متحدين، وكيف يصيران متحدين (يتبدلان فيصيران متحدين) – في أية ظروف يكونان متحدين، ويتحول أحدهما إلى نقيضه – ولماذا ينبغي للفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدَّين كشيئين ميتين جامدين، بل كشيئين حيين مشروطين قابلين للتبدل ولتحول أحدهما إلى نقيضه«(28).
فماذا يعني لينين بهذه الكلمات؟
إن الطَّرفين المتناقضين في أية عمليَّة هما متعارضان ومتصارعان ومتضادان فيما بينهما. ويوجد هذان الطَّرفان المتناقضان دون استثناء في عمليات تطوُّر جميع الأشياء في العالم وفي الفكر البشري. فالعمليَّة البسيطة تحوي زوجاً واحداً من الأضداد فقط، بينما تحوي العمليَّة المعقدة أكثر من زوج واحد منها. وبين كل زوج وآخر من الأضداد يقوم أيضاً تناقض ما. وعلى هذا النَّحو تشكل التَّناقضات كافة الأشياء في العالم الموضوعيّ والفكر البشري وتدفعها إلى الحركة.
إذا كان الأمر كذلك فإن كل ما هنالك هو انعدام تام للوحدة والاتحاد، إذن كيف يمكننا أن نقول إن هنالك وحدة أو اتحاداً؟
السَّبب في ذلك هو أن كل طرف من الطَّرفين المتناقضين لا يمكن أن يبقى بمعزل عن الآخر. فكل طرف يفقد شرط وجوده إذا انعدم الطَّرف الآخر الذي يعارضه. تصوروا، هل يمكن لأي شيء من الأشياء المتناقضة في الفكر البشري أن يبقى مستقلاً؟ فلا موت بدون الحياة، ولا حياة بدون الموت. لا ""تحت"" بدون ""فوق""، ولا فوق بدون تحت. لا سعد بدون النحس، ولا نحس بدون السعد. لا عسر بدون اليسر، ولا يسر بدون العسر. لا فلاحين مستأجرين بدون ملاك الأراضي، ولا ملاك أراضٍ بدون الفلاحين المستأجرين. لا بروليتاريا بدون البرجوازيّة، ولا برجوازية بدون البروليتاريا. لا مستعمرات وأشباه مستعمرات بدون الاضطهاد الإمبرياليّ للشعوب، ولا اضطهاد إمبرياليّ للشعوب بدون مستعمرات وأشباه المستعمرات. هكذا، فإن كل عنصرين متضادين هما، بفعل عوامل معينة، متعارضان من جهة، ومترابطان، متمازجان، متداخلان، يعتمد بعضهما على بعض من جهة أُخرى، وهذا هو المقصود بالوحدة. إن كل طرفين متناقضين هما، بسبب عوامل معينة، متسمان بعدم الوحدة بينهما، لذلك نقول إنهما متناقضان. ولكنهما في الوقت ذاته متسمان بسمة الوحدة، فهما لذلك مترابطان. وهذا هو ما يشير إليه لينين بقوله إن الدِّيالكتيك يدرس ""كيف يمكن لدين أن يكونا متحدين"". كيف يمكن أن يكونا متحدين؟ يمكن ذلك لأن كلاً منهما يشكل شرط وجود الآخر. هذا هو المعنى الأول للوحدة.
لكن هل يكفي أن نقول فقط إن كل طرف من طرفي التَّناقض يشكل شرطاً، لوجود الطَّرف الآخر، وإن ثمة وحدة بينهما، ولذلك يمكنهما أن يتواجدا في كيان واحد؟ كلا، لا يكفي ذلك. فالأمر لا ينتهي عند حد الاعتماد المتبادل في البقاء بين الطَّرفين المتناقضين، وإنما الأهم من ذلك هو تحول أحدهما إلى نقيضه. وهذا يعني أن كلاً من الطَّرفين المتناقضين في شيء ينزع، بسبب عوامل معينة، إلى التحول إلى الطَّرف المناقض له، وأن ينتقل إلى مركز نقيضه. هذا هو المعنى الثاني لوحدة طرفي التَّناقض.
لماذا توجد هنا وحدة أيضاً؟ انظروا، إن البروليتاريا التي كانت محكومة تصبح هي الحاكمة بواسطة الثَّورة، بينما البرجوازيّة، وهي الحاكمة في الأصل، تصبح هي المحكومة وتنتقل إلى المركز الذي كان نقيضها يشغله من قبل. وهذا ما حدث في الاتحاد السُّوفياتيّ، وسيحدث في العالم بأسره. وإني لأود أن أسأل: كيف يمكن أن يحدث هذا التَّبدُّل لو لم يكن ثمة ترابط ووحدة بين الطَّرفين المتناقضين بسبب عوامل معينة؟
إن الكومينتانغ الذي لعب دوراً إيجابياً معيناً في مرحلة معينة من تاريخ الصِّين الحديث قد تحول منذ عام 1927، بسبب طبيعته الطَّبقيَّة الكامنة فيه ونتيجة لإغراء الإمبرياليّة (هذه هي العوامل)، إلى حزب معادٍٍ للثورة، لكنه اضطر، بسبب اشتداد التَّناقض بين الصِّين واليابان وسياسة الجبهة المتحدة التي انتهجها الحزب الشيوعيّ (هذه هي العوامل)، إلى الموافقة على مقاومة اليابان. فهناك نوعٌ من الوحدة بين شيئين متناقضين في تحول أحدهما إلى نقيضه.
إن الثَّورة الزِّراعيَّة التي سبق أن قمنا بها كانت، وستكون، عمليَّة تتحول فيها طبقة ملاك الأراضي المستحوذة على الأرض إلى طبقة محرومة منها، بينما يتحول الفلاحون، وقد كانوا محرومين من أرضهم، إلى صغار أصحاب ملكيات خاصّة بحصولهم على الأرض. فالتملك والحرمان، الحصول على الأرض وفقدانها، طرفان مترابطان بسبب عوامل معينة، وثمة وحدة بينهما. وفي ظل الاشتراكيَّة يتحول نظام الملكية الخاصّة للفلاحين إلى نظام للملكية العامَّة للزراعة الاشتراكيَّة، ولقد حدث هذا في الاتحاد السُّوفياتيّ، وسوف يحدث في العالم بأسره. ثمة جسرٌ بين الملكية الخاصّة والملكية العامَّة يوصل الأولى إلى الأخيرة، وهو يدعى في الفلسفة بالوحدة، أو تحول الشَّيء إلى نقيضه أو التداخل.
وإن توطيد دكتاتورية البروليتاريا أو دكتاتورية الشَّعب يعني بالضبط تهيئة الظروف لتصفية هذه الدِّكتاتوريَّة والتقدم إلى مرحلة أعلى، مرحلة يتم فيها القضاء على جميع أنظمة الدولة. وإن تأسيس الحزب الشيوعيّ وتطويره يعني بالضبط تهيئة الظروف للقضاء على الحزب الشيوعيّ وجميع الأحزاب السياسيّة. وإن تأسيس الجيش الثَّوريّ بقيادة الحزب الشيوعيّ والقيام بالحرب الثَّوريّة يعني بالضبط تهيئة الظروف للقضاء على الحرب إلى الأبد. إن هذه الأشياء متناقضة لكنها يكمل بعضها بعضاً في الوقت ذاته.
ويعلم الجميع أن الحرب والسلم يتحول أحدهما إلى الآخر. فالحرب تتحول إلى السلم، مثال ذلك أن الحرب العالمية الأولى ق تحولت إلى سلم ما بعد الحرب، والحرب الأهلية في الصِّين قد توقفت الآن أيضاً وحلَّ السلم الداخلي مكانها. وأن السلم يتحول إلى الحرب، مثال ذلك أن التعاون بين الكومينتانغ والحزب الشيوعيّ عام 1927 قد تحول إلى الحرب، وأن الوضع العالمي السلمي الراهن قد يتحول هو الآخر إلى حرب عالمية ثانية. ما سبب ذلك؟ السَّبب هو أن مثل هذه الأشياء المتناقضة من حرب وسلم في المجتمع الطَّبقيّ تتسم بسمة الوحدة بسبب عوامل معينة.
إن كل متناقضين مترابطان، فهما يتواجدان في كيان واحد في ظل عوامل معينة، بل يتحول أحدهما إلى الآخر في ظل عوامل معينة، هذا هو كامل معنى وحدة الضدَّين. وهو بالضبط ما عناه لينين عندما قال: »كيف يصيران متحدين (يتبدلان فيصيران متحدين) – في أية ظروف يكونان متحدين، ويتحول أحدهما إلى نقيضه«.
»ولماذا ينبغي للفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدَّين كشيئين ميتين جامدين، بل كشيئين حيين مشروطين قابلين للتبدل ولتحول أحدهما إلى نقيضه«؟ لأن تلك هي بالضبط حقيقة الأشياء الموضوعيّة. إن وحدة أو اتحاد طرفي كل تناقض في الأشياء الموضوعيّة هي بطبيعتها ليست بالشَّيء الميت، الجامد، بل هي شيء حي، مشروط، قابل للتبدل، مؤقت، نسبي، فكل طرف من طرفي أي تناقض يتحول بفعل عوامل معينة إلى نقيضه. وبانعكاس هذه الحقيقة في الفكر الإنساني تتكون النَّظرة الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة الماركسيَّة إلى العالم. إن الطبقات الرَّجعيّة التي تحكم اليوم، والتي حكمت في الماضي على حد سواء، والميتافرزيقا التي خدمتها، هي وحدها التي لا تنظر إلى الأضداد كأشياء حية مشروطة، قابلة للتبدل يتحول بعضها إلى نقيضه، بل تنظر إليها كأشياء ميتة، جامدة، وتنشر هذه النَّظرة المغلوطة في كل مكان وتضلل جماهير الشَّعب، لتحقيق هدفها في الإبقاء على حكمها. وإن واجب الشّيوعيّين بالضبط هو فضح فكرة الرَّجعيّة والميتافيزيقا المغلوطة هذه، ونشر الدِّيالكتيك الكامن في الأشياء، والعمل على التعجيل بتحول الأشياء حتى يحققوا أهداف الثَّورة.
وعندما نقول إن ثمة وحدة بين ضدين في ظل عوامل معينة، فإننا نعني أن الأضداد التي نتحدث عنها هي أضداد حقيقية، أضداد ملموسة، وأن تحول كل من الضدَّين إلى الآخر هو أيضاً تحول حقيقي وملموس. والتَّحوُّلات المتنوعة التي ذكرت في الأساطير ""كمطاردة كوا فو للشمس"" في ""كتاب الجبال والبحار""(29)، و""إسقاط يي للشموس التسع"" في كتاب ""هواي ناي تسي""(30)، وتحول سون وو كونغ من صورته إلى اثنتين وسبعين صورة كما ذكر في ""الحج إلى الغرب""(31)، والحكايات العديدة في ""الغرائب المسجلة في قاعة السمر""(32)، التي تتحدث عن أشباح وثعالب تقمصت صورة الكائنات البشريَّة..إلخ، إن تحولات الأضداد بعضها إلى بعض، التي ترويها هذه الأساطير هي ضرب من التَّحوُّلات الصبيانية الخيالية التي نسجتها التصورات الذاتية نتيجة لانعكاس التَّحوُّلات التي لا حصر لها للأضداد المعقدة الحقيقية في أذهان النَّاس، وليست تحولات ملموسة كالتي تظهر في الأضداد الملموسة. ولقد قال ماركس: »إن كلّ الأساطير تسخر قوى الطَّبيعة وتسيطر عليها، وتجسدها، في الخيال وبواسطته؛ ولذلك تختفي الأساطير حالما يتمكن الإنسان من السَّيطرة على قوى الطَّبيعة«(33). ورغم أن قصص التَّحوُّلات التي لا تنتهي في هذه الأساطير (وفي حكايات الأطفال أيضاً) تبعث السرور في قلوب النَّاس لأنها تتخيل تسخير الإنسان لقوى الطَّبيعة وغير ذلك، وإن أروع الأساطير هي ذات ""سحر خالد"" كما قال ماركس، إلا أنها لا ترتكز على عوامل معينة لتناقضات ملموسة، لذلك فهي ليست انعكاساً علمياً للواقع. وهذا يعني أن الأطراف التي تشكل التَّناقضات في الأساطير أو في حكايات الأطفال ليس لها وحدة حقيقية، بل وحدة خيالية لا غير. إ الدِّيالكتيك الماركسيّ هو الذي يعكس الوحدة في التَّحوُّلات الواقعية بصورة علمية.
لماذا يمكن للبيضة لا للحجر أن تتحول إلى كتكوت؟ لماذا توجد وحدة بين الحرب والسلم ولا توجد بين الحرب والحجر؟ لماذا تستطيع الكائنات البشريَّة أن تلد كائنات بشرية فقط لا كائنات أُخرى؟ السَّبب في ذلك ليس سوى أن وحدة الضدَّين توجد في ظل عوامل ضرورية معينة فقط، ولا يمكن أن يكون هناك أي وحدة من دون عوامل ضرورية معينة.
ولماذا كانت ثورة فبراير/ شباط 1917 الدِّيمقراطيّة البرجوازيّة في روسيا مرتبطة بصورة مباشرة مع ثورة أكتوبر/ تشرين الأول الاشتراكيَّة البروليتارية الناشبة في السنة نفسها، بينما لم ترتبط الثَّورة البرجوازيّة في فرنسا بصورة مباشرة مع ثورة اشتراكية، وانتهت كومونة باريس عام 1871(34) إلى الإخفاق أخيراً؟ لماذا ارتبط نظام البداوة في منغوليا وآسيا الوسطى بالاشتراكيَّة مباشرة؟ ولماذا يمكن للثورة الصِّينية أن تتجنب مستقبلاً رأسمالياً فترتبط بالاشتراكيَّة مباشرة دون اجتياز الطَّريق التَّاريخيّ القديم الذي اجتازته البلدان الغربية، دون أن تمرّ بمرحلة من الدِّكتاتوريَّة البرجوازيّة؟ ليس السَّبب في ذلك سوى العوامل المحددة الكائنة في وقتها. وعندما تتوفر العوامل الضرورية المعينة، ينشأ تناقض معين أو أكثر من تناقض في عمليَّة تطوُّر الشَّيء، وبالإضافة إلى ذلك فإن طرفي هذا التَّناقض أو أطراف التَّناقضات يعتمد بعضها على البعض الآخر في البقاء، ويتحول بعضها إلى بعض، وإلا لما كان شيء من هذا ممكناً.
تلك هي قضيَّة الوحدة. فما هو الصِّراع إذن؟ وما هي العلاقة بين الوحدة والصِّراع؟
لقد قال لينين: »إن اتحاد (تطابق، وحدة، تواحد) الضدَّين مشروط، مؤقت، عارض، نسبي. أما صراع الضدَّين المتعارضين فهو مطلق، تماماً كما أن التطوُّر والحركة مطلقان«(35).
فما الذي يعنيه لينين هنا؟
إن لجميع العمليَّات بداية ونهاية، وكل عمليَّة تتحول إلى نقيضها. إن ثبات جميع العمليَّات نسبي، أما تغيرها الذي يظهر في تحل عمليَّة إلى عمليَّة أُخرى فهو مطلق.
إن كل شيء يتخذ في حركته شكلين: شكل السُّكون النسبي، وشكل التَّبدُّل الملحوظ. وإن كلا شكلي الحركة مسبب عن صراع العاملين المتناقضين اللذين ينطوي عليهما الشَّيء. فعندما يتخذ الشَّيء في حركته الشَّكل الأول، فإنه يطرأ عليه تبدلٌ كميّ فقط لا تبدلٌ نوعي، لذلك يبدو في حالة من السُّكون الظَّاهريّ. وعندما يتخذ الشَّيء في حركته الكل الثاني، فإنه يكون قد بلغ نقطة معينة هي قمة التَّبدُّل الكميّ الذي حصل في الشَّكل الأول، فيتسبب عن ذلك تفكك الكيان الواحد، ويحدث تبدل نوعي، لذلك يبدو الشَّيء في حالة من التَّبدُّل الملحوظ. وإن ما نشاهده في الحياة اليومية من وحدة وتضامن واندماج وانسجام وتوازن وتعادل وتأزق وسكون وثبات وتوازٍ وتخثر وانجذاب..إلخ، هي جميعاً ظواهر الأشياء وهي في حالة تبدل كميّ. ومن جهة أُخرى فإن تفكك الكيان الواحد، وانحطام حالة التضامن والاندماج والانسجام والتوازن والتعادل والتأزق والسُّكون والثبات والتوازي والتخثر والانجذاب..إلخ، وتحولها إلى حالات مضادة لها، هي جميعاً ظواهر الأشياء وهي في حالة تبدل نوعي أثناء انتقال عمليَّة إلى عمليَّة أُخرى. إن الأشياء تتحول على الدَّوام من الشَّكل الأول إلى الشَّكل الثاني بلا انقطاع بينما صراع الضدَّين موجود في كلا الشَّكلين ويتم حلّ التَّناقضات بواسطة الشَّكل الثاني. لذلك نقول إن اتحاد الضدَّين مشروط ومؤقت ونسبي، بينما الصِّراع بين ضدين متعارضين هو مطلق.
وقد قلنا آنفاً إن ثمة وحدة بين شيئين متضادين، لذلك يمكنهما أن يتواجدا في كيان واحد ويمكن أيضاً لكل منهما أن يتحول إلى نقيضه، ونحن نقصد بذلك الشرطية، أي أن الضدَّين يمكنهما تحت عوامل معينة أن يتحدا وأن يتحول أحدهما إلى نقيضه؛ وبدون هذه العوامل لا يمكن لشيئين أن يصبحا ضدين، ولا يمكن أن يتواجدا ولا أن يتحول أحدهما إلى نقيضه. ولما كانت وحدة الضدَّين لا تتحقق إلا بوجود عوامل معينة، قلنا إن الوحدة مشروطة ونسبية. ثم أضفنا أن صراع الضدَّين يسري في العمليَّة من البداية حتى النِّهاية ويسبب تحول عمليَّة إلى عمليَّة أُخرى، وأن صراع الضدَّين موجود في كل شيء، لذلك نقول إن صراع الضدَّين غير مشروط ومطلق.
إن الوحدة المشروطة النسبية تشكل مع الصِّراع المطلق غير المشروط حركة التَّناقض في جميع الأشياء.
ونحن الصِّينيون كثيراً ما نقول: »شيئان متناقضان يكمل أحدهما الآخر«(36). وهذا يعني أن ثمة وحدة بين المتناقضين. وهذه ملاحظة ديالكتيكية، وهي منافية للميتافيزيقا. ويعني ""التَّناقض"" هنا تعارض الطَّرفين المتناقضين أو صراعهما. ويعني ""يكمل أحدهما الآخر"" أن الطَّرفين المتناقضين يترابطان في ظلِّ عوامل معينة، وتتم الوحدة بينهما. فالصِّراع يكمن بالضبط في الوحدة، ولا وحدة بدون صراع.
إن في الوحدة صراعاً، وفي الخاصّيَّة عموميَّة، وفي الصِّفة الفرديّة صفة مشتركة. هذا ما يقصده لينين حين قال: »فثمة مطلق في النسبي«(37).


6- مركز التَّعادي في التَّناقض

من بين المسائل المتعلقة بصراع الضدَّين مسألة التَّعادي بينهما وما هو. وجوابنا على ذلك هو أن التَّعادي شكل من أشكال صراع الضدَّين، لكنه ليس الشَّكل الوحيد.
في التَّاريخ البشري يوجد التَّعادي الطَّبقيّ، وهو مظهر خاصّ من مظاهر صراع الضدَّين. إن التَّناقض قائم بين الطبقة المستغِلة والطبقة المستغَلة، سواء في المجتمع العبوديّ أو المجتمع الإقطاعيّ أو في المجتمع الرَّأسماليّ، وهاتان الطبقتان المتناقضتان تتعايشان وتتصارعان زمناً طويلاً في مجتمع واحد، لكن الجانبين لا يتخذان شكل التَّعادي الصريح الذي يتطوُّر إلى ثورة إلا بعد أن ينمو التَّناقض بين الطبقتين ويبلغ مرحلة معينة. ومثل ذلك تحول السلم إلى حرب في المجتمع الطَّبقيّ.
إن المرحلة التي تمرّ على القنبلة قبل انفجارها هي مرحلة تتواجد فيها المتناقضات في كيان واحد بسبب عوامل معينة. ولا يقع الانفجار إلا عندما يحصل عامل جديد (الاشتعال). وثمة وضع مماثل في جميع الظواهر الطبيعية عندما تتخذ في النِّهاية شكل التَّعادي الصريح كي تحل تناقضات قديمة وتنتج أشياء جديدة.
وإنه لأمر فائق الأهميَّة أن ندرك هذا. فهو يساعدنا على أن نفهم أن الثورات والحروب الثَّوريّة لا يمكن تجنبها في المجتمع الطَّبقيّ، وبدونها يستحيل تحقيق أي قفزة في التطوُّر الاجتماعيّ، والإطاحة بالطبقات الحاكمة الرَّجعيّة، ليظفر الشَّعب بالسُّلطة السياسيّة. وينبغي للشيوعيين أن يفضحوا الدعايات المضللة التي ينشرها الرَّجعيّون عن عدم ضرورة الثَّورة الاجتماعيّة واستحالتها وغير ذلك، وأن يتمسكوا بالنظريَّة الماركسيَّة اللينينية عن الثَّورة الاجتماعيّة بحيث يساعدون الشَّعب على أن يفهم أن الثَّورة الاجتماعيّة ليست ضرورية كل الضَّرورة فحسب، بل هي ممكنة كل الإمكان أيضاً، وهي حقيقة علمية قد أكدها تاريخ الجنس البشري كله وانتصار الاتحاد السُّوفياتيّ.
على أنه ينبغي لنا أن ندرس مختلف أنواع الصِّراع بين الأضداد بصورة محددة، ولا ينبغي لنا أن نفرض بصورة تعسفية الصيغة المذكورة آنفاً على كل شيء. إذ إن التَّناقض والصِّراع شيئان عامان ومطلقان، إلا أن طرق حلّ التَّناقضات، أي أشكال الصِّراع، تختلف تبعاً لاختلاف طبيعة التَّناقضات. فبعض التَّناقضات تتميز بصفة عدائية مكشوفة، وبعضها على خلاف ذلك. وتبعاً للتطوُّر المحدد للأشياء، تتطوُّر بعض التَّناقضات التي كانت في الأصل ذات صفة غير عدائية فتصبح تناقضات ذات صفة عدائية؛ وهناك تناقضات أُخرى هي في الأصل ذات صفة عدائية، ولكنها تتطوُّر فتصير تناقضات صفتها غير عدائية.
وكما أشرنا آنفاً، فإن التَّناقض بين الأفكار الصَّحيحة والأفكار الخاطئة داخل الحزب الشيوعيّ هو انعكاس للتناقضات الطَّبقيَّة في الحزب، عندما يكون الطبقات موجودة. وليس محتماً أن يظهر هذا التَّناقض فوراً، في البداية، أو فيما يتعلق بمسائل خاصّة، في شكل عدائي. لكنه يمكن أن يتطوُّر، مع تطوُّر الصِّراع الطَّبقيّ ويصبح تناقضاً ذا صفة عدائية. إن تاريخ الحزب الشيوعيّ في الاتحاد السُّوفياتيّ يبين لنا أن التَّناقض بين التَّفكير الصحيح للينين وستالين والتَّفكير الخاطئ لتروتسكي(38) وبوخارين وآخرين، لم يظهر في البداية في شكل التَّعادي، لكنه تطوُّر فيما بعد وأصبح تناقضاً ذا صفة عدائية. وقد حدث مثل ذلك في تاريخ الحزب الشيوعيّ الصِّيني. فالتَّناقض بين التَّفكير الصحيح لعدد كبير من رفاقنا في الحزب وبين التَّفكير الخاطئ لتشن دو شيو وتشانغ قوه تاو(39)، وآخرين، لم يظهر أيضاً في البداية في شكل التَّعادي، لكنه تطوُّر فيما بعد وأصبح تناقضاً ذا صفة عدائية. والتَّناقض بين التَّفكير الصحيح والتَّفكير الخاطئ في حزبنا في الوقت الراهن لم يظهر في شكل التَّعادي، وهو لن يتطوُّر إلى تناقض ذي صفة عدائية إذا أصلح الرفاق المخطئون أخطاءهم. ولهذا ينبغي للحزب من جهة أن يخوض غمار صراع جدي ضد التَّفكير الخاطئ، وينبغي له من جهة أُخرى أن يعطي الفرصة الكافية للرفاق الذين ارتكبوا أخطاء كي يدركوا أخطاءهم. ومن الواضح أن خوض صراع مبالغ فيه ضدهم في مثل هذه الحال أمر غير مناسب. لكنه إذا أصرّ المخطئون على أخطائهم وتمادوا فيها، فمن الممكن أن يتطوُّر التَّناقض ويصبح تناقضاً ذا صفة عدائية.
وفي المجتمع الرَّأسماليّ (حيث تنهب المدينة في ظلّ الحكم البرجوازيّ الريف دونما شفقة أو رحمة) وفي المناطق التي يسيطر عليها الكومينتانغ في الصِّين (حيث تقوم المدينة في ظل حكم الإمبرياليّة الأجنبيّة والبرجوازيّة الكومبرادورية الكبيرة المحليّة بنهب الريف في وحشية بالغة) فإن التَّناقض بين المدينة والريف من الناحية الاقتصاديّة هو تناقض في أعلى درجات التَّعادي. لكن مثل هذا التَّناقض ذي الصِّفة العدائية يصبح، في بلد اشتراكي وفي قواعدنا الثَّوريّة، تناقضاً ذا صفة غير عدائية، وهو سوف يتلاشى عندما يظهر المجتمع الشيوعيّ إلى الوجود.
لقد قال لينين: »إن التَّعادي والتَّناقض شيئان مختلفان كل الاختلاف. ففي ظلّ الاشتراكيَّة سيتلاشى التَّعادي، أما التَّناقض فيظل قائماً«(40). وهذا يعني أن التَّعادي ليس سوى شكل من أشكال ضراع الضدَّين، وليس الشَّكل الوحيد، فلا يجوز أن نفرض هذه الصيغة على كل شيء.


7- خاتمة

نستطيع الآن، وقد بلغنا هذا الحد، أن نجمل كل ما ذكرناه في عبارات موجزة. إن قانون التَّناقض في الأشياء أي قانون وحدة الضدَّين هو القانون الأساسيّ في الطَّبيعة والمجتمع وهو بالتالي القانون الأساسيّ للتفكير. إنه مناقض للنظرة الميتافيزيقيّة إلى العالم. وهو يعني ثورة عظيمة في تاريخ المعرفة البشريَّة. ووفقاً لوجهة نظر المادِّيّة الدِّيالكتيكيّة، فإن التَّناقض يوجد في جميع عمليات الأشياء الموضوعيّة والتَّفكير الذاتي ويسري في جميع العمليَّات من البداية حتى النِّهاية، هذه هي عموميَّة التَّناقض وإطلاقه. ولكل تناقض وكل طرف من طرفي التَّناقض خصائصه، هذه هي خاصّيَّة التَّناقض ونسبيته. والشيئان المتضادان بينهما وحدة في ظل عوامل معينة. ولهذا يمكنهما أن يتعايشا في كيان واحد، ويمكن أيضاً لكل منهما أن يتحول إلى نقيضه، وهذه هي أيضاً خاصّيَّة التَّناقض ونسبيته. لكن صراع الضدَّين لا ينقطع، فالصِّراع يوجد حين يتعايش الضدان أو حين يتحول أحدهما إلى نقيضه على حد سواء، والصِّراع واضح على الأخص في الحالة الأخيرة، وهذه هي أيضاً عموميَّة التَّناقض وإطلاقه. وحين ندرس خاصّيَّة التَّناقض ونسبيته، ينبغي أن نلاحظ الفرق بين ما هو رئيسيّ وما هو غير رئيسيّ من التَّناقضات ومن أطراف التَّناقضات، وحين ندرس عموميَّة التَّناقض والصِّراع القائم فيه، ينبغي أن نلاحظ الفرق بين مختلف أشكال صراع الضدَّين؛ وإلا وقعنا في الخطأ. وإذا فهمنا حقاً، بعد الدِّراسة، النقاط الجوهريّة المذكورة أعلاه، فإننا نستطيع إذن أن نسحق تلك الأفكار العقائدية الجادة المخالفة للمبادئ الأساسيّة للماركسيَّة اللينينية والمؤذية لقضيتنا الثَّوريّة؛ وكذلك يمكن لرفاقنا المجربين أن ينظموا خبرتهم ويبلوروها في شكل مبادئ متجنبين بذلك تكرار أخطاء التجريبية. وهذه هي بعض النتائج البسيطة التي توصلنا إليها في دراستنا لقانون التَّناقض.

ملاحظات:
(1) انظر ""ملخص مبحث ""فلسفة مدرسة الإيليين"" من الجزء الأول من ""تاريخ الفلسفة"" لهيجل، في ""الدفاتر الفلسفية""، تأليف لينين.
(2) يقول لينين في كتابه ""في مسألة الديالكتيك"": »إ انقسام شيء واحد إلى شطرين وإدراك أجزائه المتناقضة هو جوهر الديالكتيك«. ويقول أيضاً في ""ملخص علم المنطق لهيجل"": »يمكن تلخيص الدِّيالكتيك وتعريفه بأنه نظريَّة وحدة الضدَّين. وبذلك نستطيع الإمساك بلبِّ الديالكتيك، غير أن هذا يتطلب إيضاحاً وتطويراً«.
(3) ديبورين (1881 – 1963) فيلسوف سوفياتي، عضو أكاديمية العلوم بالاتحاد السُّوفياتيّ. في عام 1930 شنت الأوساط الفلسفية في الاتحاد السُّوفياتيّ حملة نقد ضد مدرسة ديبورين، أشارت فيها إلى أن أتباع المدرسة ارتكبوا أخطاء ذات صفة مثالية، حيث فصلوا النَّظرات عن الممارسة والفلسفة عن السياسة – المعرب.
(4) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(5) قال دونغ جونغ شو (179 – 104 ق.م) الممثل الشهير للمدرسة الكونفوشيوسية في أسرة هان، للإمبراطور وودي: »إن عظمة ""داو"" مصدرها السماء، السماء لا تتبدل، وداو كذلك لا يتبدل«. وكلمة ""داو"" اصطلاح شائع الاستعمال لدى فلاسفة الصِّين القدامى، وهي تعني ""الدرب"" أو ""المبدأ""، ويمكن تفسيرها بمعنى ""القانون"" أو ""الناموس"".
(6) انجلز: ""ضد دوهرنك""، الباب الأول، المبحث الثاني عشر: ""الديالكتيك. الكميّة والنوعية"".
(7) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(8) انجلز: ""ضد دوهرنك""، الباب الأول، المبحث الثاني عشر: ""الديالكتيك. الكميّة والنوعية"".
(9) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(10) كان بوخارين (1888- 1938) زعيماً لجماعة مناهضة للينينية في حركة الثَّورة الروسية، ثم طرد من الحزب عام 1937 بسبب اشتراكه في طغمة خونة الوطن، وفي عام 1938 حكمت عليه المحكمة العليا في الاتحاد السُّوفياتيّ بالإعدام. ونقد الرفيق ماو تسي تونغ هنا رأياً خاطئاً أصرَّ عليه بوخارين زمناً طويلاً، مؤداه التستر على التَّناقضات الطَّبقيَّة، وإحلال التعاون الطَّبقيّ محل الصِّراع الطَّبقيّ. وفي فترة ما بين 1928 و1929، حينما كان الاتحاد السُّوفياتيّ على استعداد لتطبيق النِّظام الجماعي على الزراعة بصورة شاملة، عرض بوخارين هذا الرأي الخاطئ في صورة سافرة أكثر، وحاول بكل جهوده ستر التَّناقضات الطَّبقيَّة القائمة بين الكولاك وبين الفلاحين الفقراء والفلاحين المتوسطين، وعارض خوض نضال حازم ضد الكولاك زاعماً أنه يمكن إقامة تحالف بين الطبقة العاملة والكولاك، وأنه في وسع الكولاك أن »يصلوا إلى الاشتراكيَّة بصورة سلمية« - المعرب.
(11) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(12) انظر مقالة ""الشُّيوعيَّة"" (المؤلفات الكاملة للينين، المجلد الحادي والثلاثين)، التي نقد لينين فيها أحد أعضاء الحزب الشيوعيّ المجري بيلاكون بقوله إنه »قد تخلى عن الشَّيء الجوهريّ الأول في الماركسيَّة، وروحها الحيَّة، وهو التَّحليل المحدد للظروف المحددة«.
(13) سون تسي، ويدعى أيضاً سون وو، أو سون وو تسي، قائد عسكري شهير وعال في العلوم العسكرية عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، ألّف كتاباً بعنوان ""سون تسي"" في 13 فصلاً. وهذه العبارة مأخوذة من الفصل الثالث من الكتاب تحت عنوان ""استراتيجية الهجوم"".
(14) وي تشنغ (580 – 643) رجل سياسيّ ومؤرخ عاش في أوائل أسرة تانغ. وهذه العبارة مأخوذة من كتاب ""تسي تشي تونغ جيان"" (عبر الأيام في حكم الأنام)، الجزء الثاني والتسعين بعد المائة.
(15) ""أبطال على شاطئ البحيرة"" رواية دونت وقائع حرب فلاحية دارت رحاها في أواخر أسرة سونغ الشَّماليَّة. وسونغ جيانغ هو الشخصية الرئيسيّة في هذه الرواية. وتقع قرية تشو بالقرب من بحيرة ليانغشانبوه قاعدة حرب الفلاحين، وكان سيد القرية مالك أراض طاغية يدعى تشو تشاو فنغ.
(16) حيلة حصان طروادة قصة معروفة في الأساطير اليونانية، تقول إن الإغريق حاصروا مدينة طروادة زمناً طويلاً دون أن يتمكنوا من الاستيلاء عليها، فتظاهروا بالانسحاب، وخلفوا في ثكناتهم خارج المدينة حصاناً خشبياً ضخماً يكمن في جوفه عدد من المقاتلين الأشداء. ولم يفطن الطرواديون إلى حيلة العدو فأدخلوا الحصان الخشبي مدينتهم باعتباره غنيمة من غنائم الحرب. ولما جنّ الليل خرج المقاتلون من جوف الحصان وهجموا على الطرواديين على حين غرة، واستولوا على المدينة سريعاً بالتعاون مع رجالهم الذين كانوا قد عادوا وتربصوا خارج المدينة – المعرب.
(17) لينين: ""مزيد من القول حول النقابات والوضع الراهن وأخطاء تروتسكي وبوخارين"".
(18) كانت ثورة 1911 ثورة برجوازية أطاحت بحكومة أسرة تشينغ الاستبدادية. ففي 10 أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام قام قسم من جيش أسرة تشينغ بانتفاضة في مدينة ووتشانغ بتحريض من الجماعات الثَّوريّة للبرجوازية والبرجوازيّة الصَّغيرة يومذاك، وأعقبت ذلك انتفاضات قامت في مقاطعات أُخرى فانهار حكم أسرة تشينغ سريعاً. وفي أول يناير/ كانون الثاني 1912 تشكلت الحكومة المؤقتة لجمهورية الصِّين في نانكين وانتخب صون يات صن رئيساً مؤقتاً لها. وقد انتصرت هذه الثَّورة بفضل التَّحالف بين البرجوازيّة والفلاحين والعمال والبرجوازيّة الصَّغيرة في المدن. ولكن الجماعات التي قادت الثَّورة كانت تميل بطبيعتها إلى المهادنة، فلم تمنح الفلاحين أي منافع حقيقية، وبدلاً عن ذلك خضعت لضغط الإمبرياليّة والقوى الإقطاعيّة مما أدى إلى وقوع السُّلطة السياسيّة في يد أمير الحرب الشَّمالي يوان شي كاي، وبسبب ذلك فشلت الثَّورة نهائياً.
(19) كانت ثورة 1924- 1927، والمعروفة أيضاً بالحرب الأهلية الثَّوريّة الأولى، نضالاً ثورياً مناهضاً للإمبرياليّة والإقطاعيّة قوامه هو الحملة الشَّماليَّة القائمة على أساس التعاون بين الحزب الشيوعيّ الصِّيني والكومينتانغ. ولما انتهى الجيش الثَّوريّ الذي أنشأه الحزبان بالتعاون بينهما من توطيد القواعد الثَّوريّة في مقاطعة قواندونغ، بدأ في يوليو/ تموز 1926 حملته الشَّماليَّة ضد أمراء الحرب الشَّماليين الذين ساندتهم الإمبرياليّة، وحظي هذا الجيش بالتأييد الحماسي من قبل جماهير العمال والفلاحين الغفيرة، واحتل معظم المقاطعات الواقعة على امتداد نهر اليانغتسي والنهر الأصفر على التوالي خلال النصف الثاني من عام 1926 والنصف الأول من عام 1927. ولكن إبان انطلاق الثَّورة ظافرة، قامت الطغمة الرَّجعيّة بزعامَّة تشيانغ كاي شيك والطغمة الرَّجعيّة الأُخرى بزعامَّة وانغ جينغ وي داخل الكومينتانغ (اللتان تمثلان مصالح الكومبرادوريين وطبقة العتاة المحليّين والوجهاء الأشرار)، بتأييد من قبل الإمبرياليّة، بانقلابين معاديين للثورة، أولهما في أبريل/ نيسان 1927، وثانيهما في يوليو/ تموز من نفس العام. وفي ذلك الوقت تطوُّرت الأفكار الانحرافية اليمينية التي كان يمثلها تشن دو شيو وقتذاك في الحزب الشيوعيّ الصِّيني إلى خط استسلامي، مما أدى إلى عجز الحزب والشَّعب عن تنظيم مقاومة فعالة ضد الهجوم المباغت الذي شنته طغمة الكومينتانغ الرَّجعيّة، فمنيت الثَّورة بالفشل.
(20) إشارة إلى النضال الثَّوريّ الذي قام به الشَّعب الصِّيني خلال 1927- 1937 تحت قيادة الحزب الشيوعيّ الصِّيني الذي يمثله الرفيق ماو تسي تونغ، ذلك النضال الذي قام به الشَّعب الصِّيني خلال 1927- 1937 تحت قيادة الحزب الشيوعيّ الصِّيني الذي يمثله الرفيق ماو تسي تونغ، ذلك النضال الذي كان يشتمل بصورة رئيسيّة على خلق السُّلطة السياسيّة الحمراء وتطويرها وإجراء الثَّورة الزِّراعيَّة ومقاومة الحكم الكومينتانغي الرَّجعيّ مقاومة مسلَّحة. وهذه الحرب الثَّوريّة تسمى أيضاً بالحرب الأهلية الثَّوريّة الثانية – المعرب.
(21) المقاطعات الشَّماليَّة الشَّرقية الأربع كانت وقتذاك هي مقاطعات لياونينغ وجيلين وخيلونغجيانغ وزهخه الواقعة بشمال الصِّين الشَّرقي (وتضم هذه المنطقة اليوم مقاطعات لياونينغ وجيلين وخيلونغجيانغ، والجزء الشَّمالي الشَّرقي من مقاطعة خبي الواقع شمال السور العظيم، والجزء الشَّرقي من منطقة منغوليا الدَّاخليَّة ذات الحكم الذاتي – المعرب)، وبعد وقوع حادثة 18 سبتمبر/ أيلول 1931 استولت القوات اليابانيّة المعتدية على لياونينغ وجيلين وخيلونغجيانغ، ثم استولت على رهخه عام 1933.
(22) كان جيش الشَّمال الشَّرقي الكومينتانغي الذي يقوده تشانغ شيويه ليانغ، والجيش السابع عشر الكومينتانغي الذي يقوده يانغ خو تشنغ وافقا، بتأثير الجيش الأحمر الصِّيني والحركة الشَّعبية المعادية لليابان، على سياسة الجبهة الوطنية المتحدة ضد اليابان، التي تقدم بها الحزب الشيوعيّ الصِّيني، فطالبا تشيانغ كاي شيك بالتَّحالف مع الحزب الشيوعيّ الصِّيني بهدف مقاومة اليابان. بيد أن تشيانغ كاي شيك رفض طلبهما هذا، بل تمادى في غيه، حيث باشر بنشاط أعظم تدبير حملات ""إبادة الشّيوعيّين""، وقتل الشبان المعادين لليابان في شيآن. فقام تشانغ شيويه ليانغ ويانغ خو تشنغ بعمل مشترك حيث اعتقلا تشيانغ كاي شيك، هذه هي حادثة شيآن المشهورة التي وقعت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1936. اضطر تشيانغ كاي شيك حينئذ إلى قبول الشروط التي تقضي بالتَّحالف مع الحزب الشيوعيّ من أجل مقاومة اليابان، وعلى أثر ذلك تم إطلاق سراحه وعاد إلى نانكين.
(23) كان تشن دو شيو أستاذاً في جامعة بكين، وقد اشتهر لتحريره مجلة ""الشباب الجديد""، وهو أحد مؤسسي الحزب الشيوعيّ الصِّيني، واستطاع أن يتولى منصب الأمين العام للحزب بفضل شهرته في عهد حركة 4 مايو/ أيار وعدم نضوج الحزب في الأيام الأولى من تأسيسه. وفي المرحلة الأخيرة من ثورة 1924- 1927 كانت الأفكار الانحرافية اليمينية في الحزب التي يمثلها تشن دو شيو قد تطوُّرت إلى خ استسلامي، وحينئذ ""فإن الاستسلاميين تخلوا من تلقاء أنفسهم عن قيادة الحزب لجماهير الفلاحين والبرجوازيّة الصَّغيرة في المدن والبرجوازيّة الوسطى وخاصّة عن قيادة الحزب للقوات المسلَّحة مما أدى إلى فشل تلك الثَّورة (ماو تسي تونغ: ""الوضع الراهن ومهماتنا""). وبعد فشل الثَّورة في عام 1927، أصيب تشن دو شيو وحفنة العناصر الاستسلامية بتشاؤم وخيبة أمل من مستقبل الثَّورة فانحطوا إلى عناصر تصفوية. وقد اتخذوا موقف التروتسكية الرَّجعيّ وشكلوا مع عناصر تروتسكية كتلة صغيرة معادية للحزب. وبنتيجة ذلك طرد تشن دو شيو من الحزب في نوفمبر/ تشرين الثاني 1929. ومات من المرض عام 1942.
(24) خلال عشرات السنوات منذ أواخر القرن الثامن عشر ظلت بريطانيا تصدر الأفيون إلى الصِّين بكميّات متزايدة. وقد ألحقت بريطانيا بذلك ضرراً بالغاً بصحة أبناء الشَّعب الصِّيني، ونهبت من الصِّين كميّات كبيرة من الفضة. وقد قاومت الصِّين تجارة الأفيون. وفي عام 1840 أرسلت الحكومة البريطانية قواتها لغزو الصِّين بحجة حماية التجارة البريطانية. وخاضت قوات الصِّين بقيادة لين تسه شيو حرب المقاومة ضد الغزاة. ونظم أهالي قوانغتشو من تلقاء أنفسهم ""فصائل قمع البريطانيين""، وأنزلوا ضربات قاسية بالغزاة البريطانيين. وفي عام 1842 عقدت حكومة أسرة تشينغ المتفسخة مع الغزاة البريطانيين ""معاهدة نانكين"" التي تنص، إلى جانب دفع تعويضات لبريطانيا والتخلي لها عن هونغ كونغ، على فتح موانئ شانغهاي وفوتشو وشيامن (آموي) ونينغبوه وقوانغتشو في وجه التجارة البريطانية وتحديد الرسوم الجمركية على البضائع البريطانية المصدرة إلى الصِّين عن طريق التشاور بين الطَّرفين الصِّيني والبريطاني.
(25) وقعت الحرب لصينية اليابانيّة عام 1894 من جراء عدوان اليابان على كوريا واستفزازاتها ضد قوات الصِّين البرية والبحرية. وقد قاتلت القوات الصِّينية في الحرب بشجاعة وبسالة. ولكن نظراً لتفسخ حكومة أسرة تشينغ وانعدام الاستعداد لصد العدوان بحزم انهزمت الصِّين في الحرب. وفي عام 1895 عقدت حكومة تشينغ مع اليابان ""معاهدة شيمونوسيكي) المخزية.
(26) كانت حرب يي خه توان حركة عفوية واسعة النطاق قامت بها جماهير الفلاحين والحرفيين بشمال الصِّين في عام 1900، وكافحوا فيها الإمبرياليّة بقوة السلاح، منظمين أنفسهم في جمعيات سرية يحيطها الكتمان والغموض. ولكنها تعرضت للقمع المتناهي الوحشية من قبل القوات المسلَّحة المشتركة المؤلفة من قوات ثماني دول إمبرياليّة بعد احتلالها لتيانجين وبكين.
(27) لينين: ""ما العمل؟""، الفصل الأول، المبحث الرابع.
(28) لينين: ""ملخص علم المنطق لهيجل"".
(29) ألف ""كتاب الجبال والبحار"" في عصر الممالك المتحاربة (403- 221 ق.م). وفي الكتاب أسطورة تقول أن كوافو، وهو شخصية أسطورية، طارد الشمس، فلما وصل إلى مغرب الشمس عطش عطشاً شديداً فشرب ماء النهر الأصفر ونهر وي فلم يرتوِ، فاتجه شمالاً ليشرب من نهر أعظم، وفي منتصف الطَّريق مات من العطش الشديد. أما عصاه التي خلفها فقد تحولت إلى غابة.
(30) يي هو بطل من الأبطال الأسطوريين عند قدماء الصِّين، اشتهر بمهارته في رمي النبال. وتقول أسطورة في ""خواي نان تسي""، وهو كتاب صنفه ليو آن من أسرة هان (كان من الأشراف عاش في القرن الثاني قبل الميلاد)، أنه »أشرقت في عهد الإمبراطور ياو عشر شموس في وقت واحد، فأحرقت جميع الزروع والنباتات، وحرمت الشَّعب مما يقتات به، وفي الوقت نفسه خرجت الأرواح الخبيثة تفسد في الأرض في صورة السباع والجوارح والثعابين، فأمر الإمبراطور ياو البطل يي بأن يرمي الشموس العشر في السماء والأرواح الخبيثة في الأرض.. وفرح الشَّعب بذلك جميعاً«. ويقول وانغ يي من أسرة هان الشَّرقية (وهو مؤلف مشهور عاش في القرن الثاني بعد الميلاد) في شرحه لقصيدة ""الاحتجاج على السماء"" للشاعر تشيويوان: »ذكر ""خوان نان تسي"" أنه أشرقت عشر شموس في عهد الإمبراطور ياو فأحرقت الزروع والنباتات. فأمر الإمبراطور ياو البطل يي بأن يرمي الشموس فأسقط تسعاً منها.. وأبقى واحدة«.
(31) ""الحج إلى الغرب"" قصة صينية أسطورية كتبت في القرن السادس عشر. وبطل القصة سون وو كونغ إله القرود يملك قدرة عجيبة على أن يغير صورته حسب إرادته إلى اثنتين وسبعين صورة كالطيور والوحوش والحشرات والأسماك والرياحين والأشجار والأدوات والكائنات البشريَّة.
(32) ""الغرائب المسجلة في قاعة السمر"" مجموعة قصص كتبها بو سونغ لينغ من عهد تشينغ، الذي عاش في القرن السابع عشر، وهي تضم 431 قصة قصيرة مأخوذة من الأقاصيص الشَّعبية ومعظمها حكايات عن الجن والأشباح والثعالب.
(33) ماركس: ""مقدمة في نقد علم الاقتصاد السياسيّ"".
(34) كانت كومونة باريس أول جهاز للسلطة البروليتارية في تاريخ العالم. ففي 18 مارس/ آذار 1871 قامت البروليتاريا الفرنسية بانتفاضة في باريس واستولت على السُّلطة. وفي 28 من نفس الشهر أنشئت عن طريق الانتخاب كومونة باريس بقيادة البروليتاريا. وكانت كومونة باريس أول تجربة للثورة البروليتارية في تحطيم جهاز الدولة البرجوازيّة، وأول عمل عظيم في نوعه لإحلال السُّلطة البروليتارية محل السُّلطة البرجوازيّة المحطمة. ونظراً لأن البروليتاريا الفرنسية يومذاك لم تكن ناضجة تماماً، فإنها لم تُعِر اهتماماً للاتحاد مع الجمهور الغفير من حلفائها الفلاحين، وفضلاً عن ذلك قد تساهلت كثيراً مع العناصر المعادية للثورة، فلم توجه إليها هجمات عسكرية حازمة في حينها، الأمر الذي تمكنت معه القوى المعادية للثورة من أن تجمع قواتها المشتتة في تؤدة وتعود لتسفك دماء جماهير الشَّعب التي قامت بالانتفاضة، في جنونية ووحشية. وانتهى أمر الكومونة بالفشل في 28 مايو/ أيار – المعرب.
(35) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(36) ظهرت هذه العبارة للمرة الأولى في ""تاريخ أسرة هان الأولى"" الذي كتبه بان قو (وهو مؤرخ صيني شهير عاش في القرن الأول بعد الميلاد).
(37) لينين: ""في مسألة الديالكتيك"".
(38) كان تروتسكي (1879 – 1940) زعيماً لجماعة مناهضة للينينية في الحركة الثَّوريّة الروسية، ثم انزلق تماماً في هوة العصابة المعادية للثورة. وطرد من الحزب الشيوعيّ السُّوفياتيّ من قبل اللجنة المركزية للحزب عام 1927. وفي عام 1929 طردته الحكومة السُّوفياتيّة خارج الحدود. وفي عام 1932 سحبت منه الجنسية السُّوفياتيّة. ومات عام 1940 خارج الاتحاد السُّوفياتيّ – المعرب.
(39) تشانغ قوة تاو أحد المرتدين عن الثَّورة الصِّينية. انضم في شبابه إلى الحزب الشيوعيّ الصِّيني، من أجل استغلال الثَّورة كفرصة لتحقيق أغراضه الشخصية. وارتكب في حق الحزب جرائم جسيمة من جراء أخطائه الكثيرة. ومن أكثرها خطورة أنه نشر الروح الانهزامية وروح التصفية، بأن عارض عام 1935 مسيرة الجيش الأحمر نحو الشَّمال، ودعا إلى انسحاب الجيش الأحمر إلى مناطق الأقلّيات القومية في حدود سيتشوان وشيكانغ (كانت شيكانغ مقاطعة من مقاطعات الصِّين، ثم ألغيت عام 1955 وضم بعض مناطقها إلى مقاطعة سيتشوان وبعضها الآخر إلى منطقة التيبت ذات الحكم الذاتي – المعرب)، وفضلاً عن ذلك قام بخيانات علنية ضد الحزب واللجنة المركزية، فشكل من عنده لجنة مركزية صورية، وعمل على تقويض وحدة الحزب ووحدة الجيش الأحمر، وسبب خسائر قادحة لجيش الجبهة الرابعة التابع للجيش الأحمر. ولكن بفضل الأعمال التثقيفية الصبورة التي قام بها الرفيق ماو تسي تونغ ولجنة الحزب المركزية، سرعان ما عاد جيش الجبهة الرابعة وكوادره العديدون ووقفوا من جديد تحت قيادة اللجنة المركزية الصَّحيحة، ولعبوا دوراً شريفاً في النضالات التي تلت ذلك. أما تشانغ قوة تاو فقد ظل غير قابل للإصلاح. وفي ربيع 1938 هرب بمفرده من منطقة حدود شنشي – قانسو – نينغشيا وانضم إلى طغمة جواسيس الكومينتانغ.
(40) راجع تعليق لينين على كتاب ""الاقتصاد في مرحلة الانتقال"" لبوخارين.



#ماو_تسي_تونغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نحلل الطبقات في الريف
- حول مسألة البرجوازية الوطنية والوجهاء المستنيرين
- ضد القوالب الجامدة في الحزب
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان - ( مايو ...
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -4-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الثاني
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الأول
- فلنصلح دراستنا
- ضد الليبرالية
- في الممارسة العلمية، في العلاقة بين المعرفة و الممارسة العلم ...
- ضد عبادة الكتاب


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - في التَّناقض