أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - توفيق أبو شومر - من يوميات صحفي في غزة !















المزيد.....

من يوميات صحفي في غزة !


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 04:23
المحور: الصحافة والاعلام
    


قال :
عندما أصبحتُ مراسلا لإحدى وسائل الإعلام ، شعرتُ في البداية بنشوةٍ ، ليس مرجعها إلى ما أتقاضاه من مرتبٍ شهري ممتاز ، ولكن لأنه أتاح لي أن أحقق أمنيتي بأن أكون صحفيا مبدعا.
غير أن نشوتي تلك لم تكتمل ، فقد أصبحتُ في نظر المحيطين بي مسؤولا عن كل ما تُذيعه وسيلة الإعلام التي أعمل لحسابها ، فصرتُ مُطالبا بأن أفسّر كل ما تبثه تلك الوسيلة ، فانتقلت في نظر الكثيرين من مراسلٍ ضمن جيش المراسلين المنتشرين في كل أنحاء العالم إلى شريكٍ أو مالك لوسيلة الإعلام في نظر كثيرين من البسطاء والعامة وأنصاف المثقفين .
ومن هذا المنطلق فإنني كنتُ بين خيارين ، الأول أن أوضح لكل من يسألني صفتي كمراسل ضمن مراسلي المحطة ، وأنني مجرد موظف يُطارد الأخبار، وهذا التفسير بالطبع سيُقلل من الهالة والتاج الذي أحمله ، ويجعلني في نظر هؤلاء خادما وفردا من أفراد الكتيبة الإعلامية الكبيرة للمحطة ، أما الثاني فهو أنني مُطالبٌ بأن أتقمّص دور مالك المحطة والقناة ، وأن أفلسف توجهاتها وأشرح المهمات الإعلامية الواقعة على كاهلها ، وأغوص في شرح التوازن الإعلامي باعتباره جوهر الرسالة الإعلامية ، وأن أية محطة لا تلتزم به ، فرسالتها الإعلامية منقوصة .
وللحقيقة فقد كنتُ أميلُ إلى الثاني ، فأشرح لكثيرٍين التوازن والفلسفة الإعلامية، وأغضُّ الطرف عن بيان حقيقتي كمراسل ضمن أعداد المراسلين .
أما ورطتي الثانية فهي الأبشع ، لأن منطلقات الوسيلة التي أعمل فيها لا تتلاءم مع ما يطلبه الجمهور الكبير في وطني ، إذ أن الوسيلة الإعلامية التي أعمل لحسابها لا ترغب في أن أزعجها صباح مساء بأخبار القصف والقتل وهدم اليبوت، وتغلغل الدبابات في جسد غزة كل ليلة ، وهي تطلب مني أن أرسل لها الأخبار وهي التي تحدد أولوياتها ، وهذه هي أبجدية إعلامية معروفة .
وعندما لا تشير وسيلتي الإعلامية إلى بعض أخبار الوطن تطاردني العيون صباح مساء طالبة مني تفسيرا لعدم ظهوري على الشاشة ، وعدم متابعتي للأحداث الجسيمة التي حدثتْ .
وأخفّ سؤال وتقريعٍ أستقبله بالهاتف :
أين أنت من الأحداث التي جرتْ في منطقتنا ؟ !
أما الأبشع فهو أن وسيلة الإعلام التي أعمل بها طلبت مني ألا أستخدم كلمة الشهيد لمن يموتون !
حاولتُ أن أجد مرادفا يُرضى أبناء وطني ومحطتي فقلت :
قتل الجنود مقاومين ، وحاولت أن أُغيّرَ كلمة مات أو قُتل بكلمة ( قضى نحبه) !
غير أنني أصبحتُ مطاردا لكل مَن حولي، فمن قائلٍ بأنني جاسوسٌ أعمل ضمن الكتيبة الإعلامية المدسوسة أتقاضى مرتبا عاليا نظير خدماتي الإعلامية ، وإلا كيف أرضى بأن أصف الشهداء بالقتلى ؟!
وشرع هاتفي ينقل إلى كل أنماط التهديدات ، وأخذ كثيرون يستوقفونني مستغربين هذا التواطؤ بيني وبين جنود الاحتلال !
حتى أنني تلقيتُ مكالمة من مسؤول حزبي كبير، يلومني على استخدام تعبير قضى وقُتل بدلا من استشهد ويعتبُ عليّ أولا لأنني رضختُ لإملاءات الوسيلة الإعلامية ، وخُنتُ دماء الشهداء ، ولم أُفلح في تفسير موقفي ، ولم أكن أعلم بأن هذا المسؤول الحزبي الكبير كان يهدف لشيء آخر ، وهو أن أجعله ضيفا من ضيوف المحطة ، ولما أعلمته بأنني سأحاول أن أستضيفه بعد موافقة المحطة ، فرح وتنازل عن اتهامه لي ، وأعطاني رقما هاتفيا جديدا لا يعرفه سوى المقربين المقربين!
ونعمتُ بفترةٍ من الهدوء النسبي ، غير أن وسيلة الإعلام التي أعمل لحسابها ، طلبتْ مني ألا أستضيف الشخصية السابقة ، لأن آراءه تُناقضُ توجهاتها .
فأوقفتْ اتصالاتي به ، وشرع هاتفي يدقُّ من جديد ، وبدأ أنصارُ حزبه يعرقلون عملي عندما أودُّ تغطية حدثٍ من الأحداث !
أما قصتي مع كبار السياسيين في الأحزاب الأخرى ، فهي محزنةٌ ومحرجة ، فلم أكن أتوقعُ من مسؤولٍ حزبي كبير ، أن يقول لي بأن رقم هاتفي عنده مقدسٌ ، لدرجة أنه يقطع اجتماعاته الحزبية ليردّ عليها ، ويضع هاتفه إلى جوار المخدة حتى يرد على هاتفي .
ولم أكن أتوقعُ أن عدد هؤلاء ليس قليلا في وطني ، وحجتهم دائما هي مخاطبة الرأي العام ، إسهاما في الجهد الوطني الإعلامي ، ولو أنني كنتُ أعرف بأن معظمهم كان يسعى لجعل صورته في مرايا كل وسائل الإعلام كجزء من حب الذات ، فهو يستعد ويلبس أفخر ربطات العنق ويحضر في كل الأوقات ، حتى وهو يجهل الموضوع المطلوب أن يتحدث فيه ، فكثيرون من هؤلاء السياسيين يسألونني عن الموضوع وهم يستعدون للتصوير ، وكنتُ أفاجأ بأن بعضهم ليس على دراية بموضوع التعليق المطلوب منهم ، لأنهم لم يسمعوا آخر الآخبار ، فكنتُ أشرح لهم في البداية موضوع اللقاء ، وأقترح عليهم جزءا من التعليق !
أما فقهاء السياسة ممن يتقاضون مكافآت من عدة وسائل إعلامية ، فتكون منزلة هؤلاء وفق فهمهم للدور الواجب آداؤه في كل وسيلة من وسائل الإعلام .
كما أن منزلتهم تحددها قدرتهم على الحديث والردود المنطقية ، وحجم محفوظاتهم من الكلاشيهات السياسية التي يُجيدون ترديدها ، ويحددها أيضا قدرتهم على المراوغة وإعطاء إجابات تحتمل أكثر من ثلاثة تفسيرات على الأقل .
وهؤلاء يعتبون عليّ لأنني لا أستضيف إلا وجهين مكررين معروفين ، وهم لا يعرفون بأن هذين الوجهين مقبولان في وسيلة الإعلام التي أعمل لحسابها ، ولا أعرف السبب وراء ذلك ، لكنني رجحتُ بأن الشخصيتين السابقتين مطلعتان على الرسالة الإعلامية للمحطة ، كما أنهما اعتادا أن يُجيبا إجابات لا تقود إلى موقفٍ ، وهي أيضا غيرُ مفهومةٍ لا للجمهور ، ولا للمختصين الإعلاميين المنافسين لهما .
أعترف في النهاية بأن شهرتي لم تجلب لنفسي الراحة والسعادة، حتى وإن أصبحتُ صديقا لجميع السياسيين والمحللين والطامعين في أن يكونوا نجوما ، ولستُ سعيدا حتى عندما كنتُ أُشير من بعيد بإصبعي أثناء احتفالٍ جماهيري ،فينسلُّ لإشارة إصبعي مسؤول كبير ووجه سياسيٌ مرموق ، يترك الاحتفال والمحتفلين على الرغم من أنه هو نجم الاحتفال ، فأوقفه أينما أشاء ، وأسأله ما أشاء ، وأطلب منه أن يختصر في الحديث ، ولم أشعر بالنشوة وهو يبتسم في وجهي ، ولم أنتشِ بنظرات المسؤولين الكبار الآخرين الذين كنتُ أحسُّ بأن نظراتهم تقول لي :
نحن جاهزون لإشارة صغيرة بطرف عينك لنقف أينما تودّ وترغب !
فقد كنتُ متأكدا بأنّ تلك النشوة زائفة ، لأنها يمكن أن تنقلب إلى كوابيس في المساء ، وتهديداتٍ هاتفية ، وحتى اعتداءات جسدية لأنني نسيتُ شيئا ، أو أخطأت خطأ غير مقصود ، أو أنني نفذتُ الرسالة الإعلامية المطلوبة مني، أو أن المقابلات التي أجريتها جرى إعادة منتجتها في المحطة بعد ساعات ، فحذفتْ جملٌ كثيرة من جمل المتحدثين ، واختصرت الدقائق الخمس للمسؤول الكبير إلى دقيقتين فقط ، بدون أن أعرف ما الذي جرى !



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلام وصناعة الأزمات !
- محمود درويش يبحث عن ظله في الذكرى الستين للنكبة !
- مجامع اللغة العربية ليست أحزابا سياسية !
- لا تَبكِ.. وأنتَ في غزة !
- كارتر وهيلاري كلينتون وأوباما !
- الزمن في قصيدة محمود درويش (قافية من أجل المعلقات)
- أوقفوا هذا العبث في غزة !
- سؤال ديوان : لماذا تركت الحصان وحيدا لمحمود درويش ، حقلٌ من ...
- جمعية المختصرين !
- مأزق التعليم الجامعي في العالم العربي !
- هل المدرسون مُتطفلون على الوظائف الحكومية ؟
- موتوسيكلات .. لأوتو سترادات غزة !
- غفوة ... مع قصيدة مريم العسراء للشاعر أحمد دحبور
- في وصف إسرائيل !
- لقطات حديثة من العنصرية الإسرائيلية
- هل أصبح الرعب هو التجارة الإعلامية الرابحة؟1
- مرة أخرى .. إحراق مكتبة جمعية الشبان المسيحيين في غزة !
- ملاحظات حول تقرير البنك الدولي عن التعليم في العالم العربي !
- العرب ... يطلبون حق اللجوء الإعلامي للقنوات الأجنبية !
- إسرائيل إما أنها في حالة حرب... وإما أنها تستعد للحرب !


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - توفيق أبو شومر - من يوميات صحفي في غزة !