أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناجح شاهين - حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية















المزيد.....

حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 716 - 2004 / 1 / 17 - 06:26
المحور: حقوق الانسان
    


عندما كنت في زيارة إلى شرق أوروبا قبل أكثر من عشر سنوات وتحديداً لحظات سقوط جدار برلين، وانفتاح العالم على بعضه لتتقدم كل أنواع الحريات بعد سقوط الظلم، كانت تنتابني أنماط مختلفة من المشاعر: فمن ناحية كان هناك سعادة البشر بالحرية وخصوصاً في صحبة الماكدونالدز والكوكاكولا، ومن ناحية أخرى كان هناك عجز قطاع من الجمهور عن شراء السائل والطعام السحريين. لقد كانت الدنيا تملئ بكل أنواع السلع التي إن نمت عن شيء فإنها إنما تنم بدقة عن عالم الألوان الوردية والليبرالية الذي يولد على الرغم من حراس الليل في دول الستار الحديدي. لسبب ما كنت سعيداً على الرغم من أنني لم أكن من عشاق الكولا ولا المارلبورو ولا .. لكنني كنت أحس أنه في النهاية من حق البشر أن يفرحوا حتى وإن كانوا يفرحون لإصابتهم بالسرطان ظناً منهم أنهم في الواقع قد أصبحوا مفتولي العضلات. وأذكر في هذا السياق " المتنبي ":
            أعيذها نظرات منك فاحصة    أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
كنت أعي بحزن شفيف كما قطرات الندى الصباحية، أن الإنسان المعاصر يتحول إلى عبد للسلع والألوان والروائح من كل حدب وصوب. كان تداخل الألف مع اللام يصاحبه الأحمر والأسود هو كل سحر المارلبورو. لكن الحقيقة هي أن عالماً عملاقاً يتجاوز في قدراته دولاً بأكملها خلف السور وخارجه على السواء، كان يجعل لتلك الخطوط طعم الحياة ذاته بل أحياناً الحياة ذاتها. لقد كان القوم يعيشون عالماً رائعاً يولد من بعد شتاء طويل ومظلم وبارد. ولأن الشمس قد انبثقت على غير توقع فقد انطلق الناس كالفراش. لقد كان يوم الدينونة الكبرى وكان البشر جميعاً يلوحون بأيديهم سعداء للملاك الأمريكي الذي أنقذهم من شيطان الشيوعية الأسود المحمر العيون.
ما كان ماركس ليحلم بكل هذه الصنمية. وقد قيل إن شركة " كنت "  kent لإنتاج السجائر قد أصرت على أنها في واقع الأمر لا تبيع سجائر أو تبغ أو أي شيء من ذلك القبيل. إنها في الواقع تبيع منتج " كنت " الذي يكتفي بنفسه ولا يحتاج إلى إعلان عن طبيعته قط. إنها السلعة تحتل القمة، القمة بالتمام والكمال ولا تجد من يزاحمها. إنه زمن جديد يحل محل أزمنة الخرافات المتعلقة بالإنسان قيمة وسمة. إنه الربح يتسيد الموقف كله.
لكن الناس في بلاد الستار الحديدي كانوا غاضبين أشد ما يكون الغضب بسبب غياب السلع، وخصوصاً الويسكي ماركة " الرجل الماشي ". وكانوا لا يريدون إلا دخول السلعة إلى بلادهم. كانت حريات جون لوك والفيزيوقراطيين وآدم سميث تصيح بأعلى صوتها:" دع السع تمر ". وكان هذا أمراً عظيماً. وليس بوسع المرء أن ينسى ولو للحظة أن الحق في التنقل والتجمع والتعبير والرأي ..الخ كل هذه الحريات مقدسة تماماً بالنسبة لكل البشر الأحرار في الشمال الغربي من مناطق كوكبنا الشاسع المترامي الأطراف. وكان المثقفون يلحون على حرية الفكر والتعبير كل الإلحاح. أما حريات معينة مثل الصحة والغذاء والسكن والحد من سيطرة النفوذ الهائل لبعض الناس فلم تعن أحداً كثيراً  أو قليلاً.
لكن والحق كل الحق يجب أن يقال، إن المريض يحتاج أولاً إلى مشفى للعلاج. ويجب أن يكون واضحاً بالفعل حتى للمثقفين من أبناء جلدتنا التعساء أن الجائع في حاجة إلى الخبز أولاً وقبل كل شيء. وأن كل حريات التعبير الفرنسية والأنجلوسكسونية لا تستطيع أن تفيده بأكثر مما تفيده خطب الإذاعات العربية عن الوحدة والتنمية.
يجب أن يتحقق أولاً تحرر وتنمية. وفيما يخص شعب فلسطين " المحتار " في مواجهة شعب الله " المختار " والمدعوم جيداً لا يجد الفلسطيني صدراً حنوناً ليشتكي له إنكار حقوقه جميعاً: الحياة وتقرير المصير والإقامة الآمنة في وطنه وحق العودة إلى بلاده وممتلكاته. لا حاجة بنا للقول أن الحريات الليبرالية لا تعني اللاجئين إلا بعد إنهاء اللجوء.
أما في المشافي فالموت بسبب الإهمال والأخطاء الطبية المتنوعة يسجل يومياً. ولا يجد ذوو الموتى من جهة يشتكون إليها بالنظر إلى ضعفهم في مواجهة الطبيب والأجهزة  المختلفة في القطاعين الخاص والحكومي. الأغنياء يتلقون العلاج في المشافي الأرقى وخصوصاً الأوروبية والأمريكية. وفي حالتنا الفلسطينية فإن الناس الذين هم الناس يتلقون العلاج في القدس الغربية. بينما يحرم على الفقراء دخولها حتى للصلاة.
يكتظ الفقراء بالعشرات وحتى بالمئات في العيادات العامة وعيادات وكالة الغوث . ولا يقوى أحد على الاعتراض على اللامبالاة والسلبية التي يتحرك على هديها العاملون في الحقل الطبي. وعندما يسأل أحد عن شيء فإن الأطباء يتنمرون مدعومين بكل الهيبة والجاه والهالة التي يتمتع بها الطبيب والتي تجعله في مكانة لا تقل عن مكانة رجل المخابرات المرعب حقاً من المحيط غلى الخليج.
لا يجد الفقراء من يحميهم من جشع التاجر ولا الطبيب ولا صاحب المسكن الذي يطلب منهم أحياناً أجرة تساوي دخلهم أو تزيد. وفي الحالة الفلسطينية فإن القاصي والداني على اطلاع بأن رواتب الموظفين – وهم أغلبية الشعب الفلسطيني – تدور في فلك 300-400 دولار أمريكي بينما تتراوح أجرة السكن بين 300-550 دولار وهذا ببساطة يؤشر على مستوى ونوعية حياة الناس في مثل هذه الظروف. ولعل ذلك من بين عوامل أخرى ما يفسر استهانة الفلسطينيين بالموت؛ إذ ما قيمة حياة تحت الاحتلال وبطشه والجوع وقهره. علماً أن حق الرأي والتعبير مكفول تماماً باعتبار غياب أية سلطة على الأرض، لكن ما الجدوى من التعبير؟ وبمعنى من المعاني فإن الحالة العربية كلها بدأت تستمرئ لعبة النقد ومهاجمة العرب وحكوماتهم لكن ذلك يبقى في إطار العموميات. أما التخصيص فهو ممنوع تحت ستار أنه يدخل في باب التشهير مع العلم أن التشهير الفعلي يحدث عندما يتعرض النقد لحياة الناس الخاصة. أما انتقاد أو حتى مهاجمة رجل السياسة أو الأستاذ الجامعي أو الطبيب أو رجل الشرطة أو الفنان فإنها تتعلق بقضايا عامة تهم الناس جميعاً مما ينفي موضوعة الخصوصية والتشهير جملة وتفصيلاً.
المشكلة أن القوانين تعمل في خدمة علية القوم. لكن ذلك ليس اكتشافاً جديداً. في الواقع أن الأمور كانت دائماً كذلك. وليس بعجيب أيضاً أن مدير الأمن يتعامل مع طبيب مشهور بشكل يختلف عن تعامله مع زبال الحي، والعكس صحيح بالطبع. ولا بد أن إزالة الفروق الطبقية هي الحل الوحيد لمثل هذه الأشكال من التمييز. وأما الحديث عن حقوق الإنسان فيبقى لغواً باطلاً ما دام الناس تحت ضغط الحاجات الأساسية وما دام هناك من يتمتع بنفوذ هائل يمكنه من التلاعب بحيوات الآخرين مصائرهم. وذلك ببساطة يعمني أن لا حقوق للإنسان بالفعل إلا في ظل بناء اشتراكي ربما علينا في هذا السياق أن نستعيد مقولة سمير أمين المعروفة: البشر إما أن يتجهوا نحو الاشتراكية وإما نحو البربرية، ولا نظن البربرية وحقوق الإنسان على وفاق.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقيد القذافي
- في فلسطين شهادة عليا لكل أسرة نظرة إلى التعليم ما بعد أسلو
- الليل وآخره
- العولمة، المتوسطية، والشرق أوسطية
- رحلة البحث عن المعنى
- حساب الأجيال
- تصفية المقاومة غايتها الأسمى: قراءة في النص الرسمي لخريطة ال ...
- الجماهير هي الخندق الوحيد الجماهير هي الخندق الأخير
- أمريكا تواصل حروبها التحريرية
- وأخيراً: أمريكا لا تمثل المسيحية
- تطويع المنطق في خدمة - عملية نهب العراق
- من يوقف هتلر الجديد؟
- الميلودراما العراقية الفلسطينية
- السيرك العربي وخروف العيد العراقي
- حقوق الإنسان بين الخصوصية والعالمية
- العراق وأوروبا وخروج العرب من التاريخ
- السيف والنار في فتح السودان
- حول تأسيس المجتمع مدني
- المجتمع المدني والديمقراطية
- حول الكل الاجتماعي


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناجح شاهين - حقوق الإنسان لا تكون إلا اشتراكية