أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - غازي الصوراني - تلخيص كتاب : التطهير العرقي في فلسطين تأليف: إيلان بابيه













المزيد.....

تلخيص كتاب : التطهير العرقي في فلسطين تأليف: إيلان بابيه


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 10:25
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


 إصدار: مؤسسة الدراسات الفلسطينية – طـ أولى يوليو 2007
 غزة-فلسطين
حزيران 2008
  
المحتويات
 
البيان
رقم الصفحة
- مقدمة
6
- تطهير عرقي مزعوم
10
- استحضار واقع التطهير العرقي
12
نحو دولة يهودية حصراً
13
- التحضيرات العسكرية
14
- رافيد بن – غوريون: المهندس
17
- التقسيم والتدمير
20
- ردة الفعل اليهودية
20
- بلورة الخطة الرئيسية
21
- الخطة دالت 10 آذار/ مارس 1948
21
- مخطط التطهير العرقي – عملية نحشون – أول عملية في خطة دالت
26
- دير ياسين
27
- تدمير المدن الفلسطينية
27
- ردات فعل الحرب
30
- خيانة الأمم المتحدة
33
- الحرب المزيفة والحرب الحقيقية على فلسطين أيار/ مايو 1948.
34
- انكار النكبة وعملية السلام
34
- المشكلة الديموغرافية
49
- خاتمة
43
- قائمة بتواريخ مهمة
45
 
 
 
رفاقي وأصدقائي القراء عرباً وفلسطينيين ...
أضع بين أيديكم ملخصاً لكتاب "التطهير العرقي في فلسطين" ، تأليف "ايلان بابيه" وهو مؤرخ تقدمي إسرائيلي ، تميز بوضوح تحليله وموقفه الرافض للحركة الصهيونية وممارستها العنصرية البشعة ، خاصة فيما يتعلق بتنفيذها لعملية التطهير العرقي التي أدت إلى قتل وتشريد وطرد ثمانمائة ألف فلسطيني من وطنهم تحولوا منذ منتصف عام 1948 إلى لاجئين .
إن الفكرة المركزية التي أكد عليها "ايلان بابيه" في كتابه هذا، تقوم على أن عملية التطهير العرقي، قد تم التخطيط لها بصورة مسبقة وواعية عبر شبكة مترابطة وتنظيم محكم وأوامر صريحة وواضحة تنطلق كلها من فلسفة الحركة الصهيونية وممارساتها المرتبطة – بصورة كلية – بالرؤية والمخطط الرأسمالي العالمي باعتباره صاحب المصلحة الرئيسية في قيام دولة إسرائيل في بلادنا، من هنا جاء كتاب "ايلان بابيه" ليفضح بالوثائق دور الحركة الصهيونية وعنصريتها ووظيفتها وتحالفاتها، وذلك ارتباطاً بموقفه الصريح المعادي للحركة الصهيونية والامبريالية الأمريكية وكل أشكال العنصرية والاضطهاد، دون أن يعني ذلك موقفاً صريحاً منه ضد وظيفة دولة العدو ومبرر وجودها في خدمة النظام الرأسمالي من ناحية أو مع قيام دولة عربية ديمقراطية علمانية في فلسطين من ناحية ثانية، رغم تأكيده على فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة (إسرائيل) في ضوء المأزق المسدود الذي وصل إليه حل الدولتين.
لكننا في كل الأحوال نقدر عالياً، وبموضوعية واحترام كبيرين، انحياز المؤلف، المؤرخ اليهودي الألماني الأصل "ايلان بابيه"[1] لرؤية ورسالة اليسار التقدمي رغم ما يشوبها من نزعة مثالية طوباوية، حينما يتحدث في كتابه "أن إسرائيل لا خيار أمامها سوى أن تتحول طوعاً في يوم ما إلى دولة مدنية ديمقراطية" (ص 285) أو حينما يتمنى " لو أن جامعة تل أبيب قامت بتقدير قيمة الأملاك الفلسطينية التي فقدت في دمار 1948 بما يوفر إمكانية العمل من اجل السلام والمصالحة" (ص 287 )، وفي المقابل، فان غشاوة هذه النزعة أو المنهجية المثالية تتلاشى حينما يستنتج "ايلان بابيه" بحق ان "هدف المشروع الصهيوني كان دائماً بناء "قلعة" بيضاء (غربية) في عالم "أسود" (عربي) والدفاع عنها"  وهي رؤية تجسد  موقفه الشجاع ضد الحركة الصهيونية وممارساتها منذ نشأتها وتطورها في بلادنا، الأمر الذي دفع به إلى مغادرة "إسرائيل" والعودة إلى أوروبا عام 2007 بعد ان أدرك – كما يبدو – ان الإنسان اليساري الملتزم بمبادئه، لا يمكن ان يدافع عن الظاهرة ونقيضها في آن واحد، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون صهيونياً ويسارياً في آن، الا اذا كان انتهازياً كما هو حال الأغلبية الساحقة من لوحة اليسار اليهودي في إسرائيل[2]، اذ ان اليهودي اليساري (من مختلف الاصول والجنسيات) هو فقط من يرفض المساهمة في اغتصاب فلسطين واضطهاد شعبها من ناحية ويرفض الدور الوظيفي لدولة إسرائيل في خدمة النظام الامبريالي الرأسمالي من ناحية ثانية، وهو أيضا من يرفض الإقرار بوجود قومية يهودية او شعب يهودي، ما يعني بوضوح ان دولة "إسرائيل" نشأت وتأسست وفق مشروع رأسمالي امبريالي توسعي حدد لها وظيفتها منذ البدايات الأولى للفكرة الصهيونية التي تلفحت او تذرعت – كما تذرع النظام الرأسمالي أيضاً- بالفكرة الدينية او "التوراتية" لتضم في إطارها فسيفساء واسعة من أجناس بشرية، من أصول غربية وشرقية، من أوروبا وأمريكا وروسيا واسيا وإفريقيا، لا وجود لأي رابط اجتماعي او تاريخي بينهم، ويستحيل انصهارهم في مجتمع متجانس او قومية واحدة، لكنهم التقوا جميعاً بدوافع ومنطلقات وأهداف تعددت فيها الدرجات والوسائل والغايات، لخدمة المشروع الرأسمالي العالمي الذي حدد هدفه الاستراتيجي من إقامة هذه الدولة: "إسرائيل" تحقيقاً لوظيفة استهدفت وما زالت، اغتصاب بلادنا فلسطين أولاً، ثم الإسهام في إبقاء تطور شعوبنا العربية محتجزاً في اطار من التبعية والتخلف والخضوع كما هو حالنا اليوم، حفاظاً على المصالح الامبريالية في وطننا العربي بما يضمن استمرار الهيمنة على مقدراتنا وثروات شعوبنا ويحول دون تطورها او استنهاضها، ذلك هو الدور الوظيفي لدولة العدو الإسرائيلي التي تحولت اليوم الى دولة امبريالية صغرى تغذيها وتدعمها الامبريالية الأم ... الولايات المتحدة الأمريكية ... ذلك هو هدف عملية التطهير العرقي الذي مارسته الحركة الصهيونية على أبناء شعبنا الفلسطيني عشية 15/ايار/1948 او النكبة الأولى، التي تؤكد مقدماتها ونتائجها ان الصراع منذ اللحظة الأولى كان صراعاً عربياً صهيونياً.
 ففي ضوء أوضاعنا الفلسطينية الراهنة، يبدو ان الحل المطروح على أساس الدولة المستقلة بات افقه مسدوداً ان لم يكن بدأ في صيرورة التراجع او الصورة الممسوخة عبر حل تتوافق فيه المصالح الطبقية للقيادة المتنفذة مع المشاريع الأمريكية / الإسرائيلية في إطار حكم ذاتي موسع او دويلة ممسوخة في غزة.
لذلك فان الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة، كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها، أي انقسام وتفكك الفكرة التوحيدية الناظمة للنضال التحرري الوطني والقومي لشعبنا، ودمار النظام السياسي والمشروع الوطني وتوسع السيطرة الصهيونية على الأرض، وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية في اطار الصراع بين هويتين: هوية الاسلام السياسي والهوية الوطنية/ القومية.
لقد توضح خلال العقود الماضية، الى جانب تطورات الوضع الراهن والمفاوضات العبثية البائسة، بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة – المباشرة وغير المباشرة - على كل فلسطين، وأنها جزء من المشروع الامبريالي للسيطرة على الوطن العربي.
وبالتالي يجب ان تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار الماركسي القومي العربي، انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه، فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي –كما يقول بحق صديقنا سلامة كيلة- ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الامبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين.
لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية القومية الأشمل، التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل ان يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية.
ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي ، وهنا يمكن الإشارة إلى أن المسألة تتعلق بمدى وضوح الفكرة المركزية التوحيدية، (الوطنية والقومية برؤية ماركسية)، ووعينا والتزامنا بها، وهي أن الصراع ضد الدولة الصهيونية هو فرع من صراع ضد الرأسمالية والإمبريالية و"الرأسماليات" العربية التابعة، وهو صراع الطبقات الشعبية ضد هؤلاء، وليس من الممكن ان نصل الى تحرير فلسطين خارج إطار هذا الصراع، الذي يجب ان يفضي الى التحرير والوحدة القومية والتطور والدمقرطة والحداثة، وإقامة دولة فلسطين العربية الديمقراطية العلمانية التي سيتبلور فيها بالضرورة، الحل الديمقراطي للمسألة اليهودية. 
من أجل كل ما تقدم، آمل أيها الرفاق أن تقرؤوا باهتمام بالغ هذا الكتاب .
 
 
غازي الصوراني
4/حزيران/ 2008
 
 
مقدمة:
في 10 آذار / مارس 1948 ، وضعت مجموعة من أحد عشر رجلاً، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابين، اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً، وفي مساء اليوم نفسه، أرسلت الأوامر إلى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين في مناطق واسعة في البلد، وأرفقت الأوامر بوصف مفصل للأساليب الممكن استخدامها لطرد الناس بالقوة: إثارة رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل وأملاك وبضائع، طرد، هدم (بيوت، منشآت)، وأخيراً، زرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم، وتم تزويد كل وحدة بقائمة تتضمن أسماء القرى والأحياء المحددة كأهداف لها في الخطة الكبرى المرسومة، وكانت هذه الخطة، التي كان اسمها الرمزي الخطة دالت هي النسخة الرابعة والنهائية من خطط أقل جذرية وتفصيلاً عكست المصير الذي كان الصهيونيون يعدونه لفلسطين، وبالتالي لسكانها الأصليين .
وبحسب تعبير "سمحا فلابان"، من أوائل المؤرخين الذين أشاروا إلى أهمية هذه الخطة ومغزاها، فإن "الحملة العسكرية ضد العرب، بما في ذلك غزو المناطق الريفية وتدميرها، رسمت معالمها في خطة دالت التي أعدتها الهاغاناه ، وكان هدف الخطة، في الواقع تدمير المناطق الفلسطينية الريفية والحضرية على السواء.
ان هذه الخطة، كانت النتيجة الحتمية للنزعة الأيدلوجية الصهيونية التي تطلعت الى ان تكون فلسطين لليهود حصراً، واتت الاشتباكات المسلحة مع الميليشيات الفلسطينية المحلية لتوفر السياق والذريعة المثاليين من أجل تجسيد الرؤية الأيدلوجية التي تطلعت الى فلسطين نقية عرقياً، وكانت السياسة الصهيونية في البداية قائمة على ردات فعل انتقامية على الهجمات الفلسطينية في شباط/ فبراير 1948، لكنها ما لبثت ان تحولت في آذار/ مارس 1948 الى مبادرة لتطهير عرقي للبلد بأكمله.
بعد ان اتخذ القرار، استغرق تنفيذ المهمة ستة أشهر، ومع اكتمال التنفيذ، كانوا أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي ما يقارب 800.000 نسمة، قد اقتلعوا من أماكن عيشهم، و531 قرية دمرت، و11 حياً مدنياً أخلي من سكانه.
ان هذه الخطة تشكل مثالاً واضحاً جداً لعملية تطهير عرقي، وتعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية.
لقد أصبح من المستحيل تقريباً، بعد الهولوكوست، إخفاء جرائم شنيعة ضد الإنسانية، والآن، في عالمنا المعاصر، الذي يشهد ثورة في مجال الاتصالات، لم يعد في الإمكان إنكار كوارث من صنع البشر، او إخفاؤها عن أعين الرأي العام، ومع ذلك فان هناك جريمة كهذه جرى محوها كلياً تقريباً من الذاكرة العامة العالمية، وهي جريمة طرد الفلسطينيين من وطنهم في سنة 1948.
ان هذا الحدث المصيري، الأكثر أهمية في تاريخ فلسطين الحديث، جرى إنكاره بصورة منهجية منذ وقوعه، ولا يزال حتى الآن غير معترف به كحقيقة تاريخية، ناهيك عن الاعتراف به كجريمة يجب مواجهتها سياسياً وأخلاقياً.
لقد تحدثت القصة الإسرائيلية التاريخية التي جرى تلفيقها عن "انتقال طوعي" جماعي أقدم عليه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين قرروا ان يهجروا بيوتهم وقراهم مؤقتاً من أجل ان يفسحوا الطريق امام الجيوش العربية الآتية لتدمير الدولة اليهودية الوليدة.
غير ان المؤرخين الفلسطينيين، وفي طليعتهم وليد الخالدي، استطاعوا في السبعينات من القرن الماضي، من خلال جمع مذكرات ووثائق أصلية تتعلق بما جرى لشعبهم، ان يستعيدوا جزءاً كبيراً من الصورة التي حاولت إسرائيل محوها.
لكن سرعان ما عتم على الحقائق المستعادة مؤلفات مثل كتاب "نشوء 1948" لمؤلفه "دان كورتسمان"، والذي نشر في سنة 1970، وأعيد نشره في سنة 1992.
إنما لم يخل الأمر من قلة ساندت المجهود الفلسطيني، مثل مايكل بالومبو (Michael Palumbo) ، الذي أيد كتابه "النكبة الفلسطينية" (The Palestinian Catastrophe) ، الذي نشر في سنة 1987، صحة الرواية الفلسطينية لأحداث 1948، استناداً إلى وثائق الأمم المتحدة ومقابلات مع لاجئين ومعنيين فلسطينيين.
لقد كان في الإمكان تحقيق اختراق سياسي في المعركة بشأن الذاكرة في فلسطين عندما ظهر في ثمانينات القرن الماضي ما يسمى في إسرائيل "التاريخ الجديد"، وكانت تلك محاولة قامت بها مجموعة صغيرة من المؤرخين الإسرائيليين لمراجعة الرواية الصهيونية عن حرب 1948، وكنت واحداً منهم، لكننا ، أعني المؤرخين الجدد، لم نساهم مساهمة فعالة في النضال ضد إنكار النكبة لأننا تفادينا الخوض في مسألة التطهير العرقي وركزنا على التفصيلات، كما يفعل عادة المؤرخون الدبلوماسيون مع ذلك، نجح المؤرخون الإسرائيليون التصحيحيون، باستخدام الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية أساساً، في إظهار سخف وكذب الادعاء الإسرائيلي أن الفلسطينيين غادروا البلد "بمحض إرادتهم"، واستطاع هؤلاء المؤرخون أن يوثقوا حالات كثيرة لطرد جماعي من القرى والمدن، وان يبينوا أن القوات المسلحة اليهودية ارتكبت عدداً كبيراً من الأعمال الوحشية، بما في ذلك مجازر شنيعة.
لقد كان هناك حين ظهور المؤرخين الجدد، ولا يزال، حاجة تاريخية وسياسية إلى المضي إلى ما هو أبعد من مجرد السرد المقصور على الوصف الذي نجده في مؤلفات موريس وغيره، لا من أجل استكمال الصورة (أو بالأحرى جلاء نصفها الآخر) فحسب، بل أيضاً – وهذا هو الأهم – لأننا نفتقر إلى طريقة أخرى لفهم جذور الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الراهن، وفوق ذلك كله، طبعاً، هناك الواجب الأخلاقي الذي يحتم الاستمرار في النضال ضد إنكار وقوع الجريمة.
إن السعي للمضي إلى ما هو ابعد من ذلك بدأه فعلاً آخرون، واهم عمل صدر في هذا المجال هو كتاب وليد الخالدي الفذّ "كي لا ننسى"، انه توثيق علمي لتاريخ القرى الفلسطينية المدمرة وما جرى لها في سنة 1948 وسيبقى دليلاً لكل من يرغب في معرفة فداحة نكبة 1948.
وما أسعى إليه في الكتاب هو تفحص آلية التطهير العرقي الذي حدث في سنة 1948، ومنظومة المعرفة التي سمحت للعالم بان ينسى الجريمة التي اقترفتها الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في سنة 1948، ومكنت مرتكبيها من إنكارها.
فعندما أنشأت الحركة الصهيونية دولتها القومية لم تخض حرباً نجم عنها طرد "أجزاء" من السكان الفلسطينيين، بل بالعكس: كان الهدف الرئيسي للحركة تطهير فلسطين بأسرها تطهيراً عرقياً شاملاً، باعتبارها البلد الذي أرادت أن تقيم دولتها فيه.
إن هذه المقاربة – اعتماد نموذج التطهير العرقي أساسا مسلماً به لرواية أحداث 1948 قد تبدو للبعض، من أول نظرة، بمثابة اتهام، وهي فعلاً كذلك، من نواح عديدة.
إنني شخصياً أتهم السياسيين الذين خططوا، والجنرالات الذين نفذوا الخطة، بارتكاب جريمة تطهير عرقي.
إني أتهم، لكني أيضاً جزء من المجتمع المدان في هذا الكتاب، وأشعر بأنني جزء من الحكاية، وأيضاً أتحمل مسؤولية عما جرى، وأنا مثل كثيرين في المجتمع الذي أنتمي إليه، مقتنع – كما سيتضح بأن مثل هذه الرحلة الضرورية إلى الماضي هو الوسيلة للتقدم إلى الأمام إذا أردنا أن نصل إلى مستقبل أفضل لنا جميعاً، فلسطينيين وإسرائيليين على السواء، وهذا هو في الجوهر، القصد من وراء هذا الكتاب.
إن أحداً لم يجرب، على حد علمي، هذه المقارنة من قبل، فالروايتان التاريخيتان الرسميتان المتنافستان بشأن ما حدث في فلسطين سنة 1948، تتجاهلان مفهوم التطهير العرقي.
وبينما تدعي الرواية الصهيونية / الإسرائيلية أن السكان المحليين غادروا البلد "طوعاً"، يتحدث الفلسطينيون عن "النكبة" التي حلت بهم، وهذا أيضاً تعبير مراوغ كونه يحيل إلى الكارثة نفسها أكثر مما يحيل إلى من أوقعها، ولماذا فعل ذلك، لقد جرى تبني مصطلح "النكبة"، لأسباب مفهومة، كمحاولة لمواجهة الثقل المعنوي للهولوكوست اليهودية، لكن تجاهل من أوقعها قد يكون ساهم، إلى حد ما، في استمرار العالم في إنكار أن ما جرى في فلسطين سنة 1948، وبعد ذلك، كان تطهيراً عرقياً.
يقولون في بلدي: "الأجانب لا يفهمون، ولا يستطيعون أن يفهموا، هذه الحكاية المعقدة"، وبالتالي لا حاجة حتى إلى شرحها لهم، ويجب ألا نسمح لهم بالتدخل في محاولات حل النزاع، إلا إذا قبلوا وجهة النظر الإسرائيلية، وقصاري ما يمكن للعالم فعله، حسبما دأبت الحكومة الإسرائيلية، على القول دائماً، هو أن يسمح "لنا" ، نحن الإسرائيليين، بصفتنا ممثلين للطرف المتحضر و"العقلاني" في النزاع، بإيجاد حل عادل لـ "أنفسنا" وللطرف الآخر، الفلسطينيين، الذين هم في النهاية صورة مصغرة للعالم العربي "غير المتحضر" و"الانفعالي" الذي ينتمون إليه.
ومنذ يوم أبدت الولايات المتحدة استعدادها لتبني هذه المقاربة المشوهة والقبول بالغطرسة الكامنة وراءها، حصلنا على "عملية سلام" لم تؤد، بل لم يكن من الممكن أن تؤدي إلى أية نتيجة، لأنها تتجاهل تماماً لب المشكلة.
لكن قصة 1948 ليست، معقدة على الإطلاق، وبالتالي فان هذا الكتاب يتوجه إلى القادمين الجدد إلى هذا الحقل، وفي الوقت نفسه إلى أولئك الذين كانوا، لأعوام كثيرة ولأسباب متعددة، معنيين بالمسألة الفلسطينية، ويفتشون عن طريق للاقتراب من إيجاد حل لها.
إنها القصة البسيطة والمرعبة لتطهير فلسطين من سكانها الأصليين، وهي جريمة ضد الإنسانية أرادت إسرائيل إنكارها وجعل العالم ينساها، إن استردادها من النسيان واجب علينا، ليس فقط من أجل كتابة تاريخ صحيح كان يجب أن يكتب منذ فترة طويلة، أو بدافع من واجب مهني، إن ذلك كما أراه قرار أخلاقي، وبالذات الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها إذا أردنا أن نعطي المصالحة فرصة، وان نتيح للسلام أن يحل ويتجذر في فلسطين وإسرائيل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
تطهير عرقي مزعوم
يعتقد كاتب هذه السطور أن التطهير العرقي هو سياسة محددة جيداً لدى مجموعة معينة من الأشخاص تهدف إلى إزالة منهجية لمجموعة أخرى على أرض معينة، على أساس ديني، أو عرقي، أو قومي وتتضمن هذه السياسة العنف، وغالباً ما تكون مرتبطة بعمليات عسكرية، ويتم تنفيذها بكل الوسائل الممكنة، من التمييز إلى الإبادة، وتنطوي على انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
 وتشكل أساليب التطهير العرقي، في معظمها، انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف لسنة 1949، وللبروتوكولات الإضافية لسنة 1977.
أصبح التطهير العرقي حالياً مفهوماً معرفاً جيداً صار الآن يعرف انه جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي.
تعرف موسوعة "هاتشينسون" التطهير العرقي بأنه طرد بالقوة من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض يقطن فيها سكان من أعراق متعددة، وهدف الطرد هو ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان، بكل الوسائل المتاحة لمرتكب الترحيل.
عندما نلتفت إلى الأمم المتحدة، نجد أنها تستخدم تعريفات متشابهة إذ ناقشت المفهوم بصورة جدية في سنة 1993، ويعرف التقرير الذي نشره مجلس حقوق الإنسان أعمال التطهير العرقي ويذكر من ضمنها "فصل الرجال عن النساء، واحتجاز الرجال، ونسف البيوت" ومن ثم إسكان مجموعة أثنية أخرى في البيوت المتبقية.
إن الخطة الإسرائيلية "دالت" التي أقرت في سنة 1948 ، تحتوي على تشكيلة من أساليب التطهير المتطابقة، أسلوباً تلو الآخر، مع أساليب التطهير الموصوفة في التعريف الذي وضعته الأمم المتحدة للتطهير العرقي.
وتتفق هذه المراجع عن التطهير العرقي مع السائد في أوساط العلماء المختصين، وفي العالم الأكاديمي وقد نشر دريزون بتروفيك دراسة تعتبر من أهم المراجع وأوسعها اشتمالاً لتعريفات التطهير العرقي، وفيها يربط بين التطهير العرقي وبين القومية وإنشاء الدول القومية الجديدة والكفاح القومي، ومن خلال هذا المنظور يكشف عن الصلة بين الساسة والجيش في ارتكاب الجريمة، ويعلق على كيفية التعامل مع المجازر في إطار هذه الصلة، شارحاً أن القيادة السياسية تخوّل السلطة العسكرية تنفيذ التطهير العرقي من دون أن تزودها، بالضرورة بخطط منهجية أو تصدر إليها تعليمات صريحة، لكنها لا تترك مجالاً للشك فيما يتعلق بالهدف الشامل والنهائي.
وهكذا، في وقت ما – وهذا ينطبق أيضاً على ما حدث في فلسطين – تكف القيادة السياسية عن القيام بدور ناشط بينما تتحرك آلة الطرد وتتقدم كجرافة ضخمة مندفعة بقوتها الذاتية، ولا تتوقف إلا بعد أن تكون أنجزت مهمتها.
يصنف التطهير العرقي في المعاهدات الدولية جريمة ضد الإنسانية، كما في المعاهدة التي قامت على أساسها المحكمة الجنائية الدولية، وسواء أكانت الجريمة "مزعومة" أم معترفاً بها تماماً، فإنها خاضعة للمحاكمة بموجب القانون الدولي، وقد أنشئت محكمة جنائية دولية خاصة في لاهاي في حالة يوغسلافيا سابقاً لمقاضاة المخططين والمجرمين، وعلى نحو مشابه في أورشا، تنزانيا، في حالة رواندا.
لقد وضع هذا الكتاب بقناعة راسخة بأن التطهير العرقي الذي حدث في فلسطين يجب أن يتجذر في ذاكرتنا ووعينا بصفته جريمة ضد الإنسانية، ويجب أن يستثني من قائمة الجرائم "المزعومة" أن مرتكبيه هنا ليسوا مجهولين – أنهم مجموعة محددة من الأشخاص: أبطال حرب الاستقلال اليهودية، وأسماؤهم مألوفة جداً لدى معظم القراء، والقائمة تبدأ بزعيم الحركة الصهيونية غير المنازع في زعامته، دافيد بن – غوريون، الذي نوقشت في منزله الخاص وحبكت نهائياً الفصول الأولى والأخيرة في قصة التطهير العرقي.
وضع هؤلاء خطط التطهير العرقي وأشرفوا على تنفيذها إلى أن تم اقتلاع نصف السكان الأصليين من وطنهم، وقد اشتملت القائمة، أولاً وفي الصدارة، على أعلى الضباط رتبة في جيش الدولة اليهودية الذي سيتكون لاحقاً، كالقائدين الأسطوريين يغئيل يادين وموشيه دايان ويغال ألون ويتسحاق ساديه، ويوجد مع هؤلاء العسكريين من يمكن أن نصفهم في أيامنا هذه بـ "المستشرقين"، إما لأنهم أتوا من دول عربية، وإما لأنهم كانوا علماء في حقل دراسات الشرق الأوسط.
وساعد هؤلاء الضباط والخبراء قادة مناطق، مثل موشيه كالمان، الذي طهر منطقة صفد، وموشيه كرمل، الذي اقتلع معظم سكان الجليل، ونشط يتسحاق رابين في كل من اللد والرملة، وفي منطقة القدس الكبرى، هناك شمعون أفيدان، الذي طهر الجنوب، والذي قال عنه، بعد أعوام، زميله رحبعام زئيفي، الذي حارب معه، "شمعون أفيدان، قائد لواء غفعاتي، طهر جبهته من عشرات المدن والقرى، وساعده في ذلك يتسحاق بونداك، الذي أخبر صحيفة "هآرتس" في سنة 2004: "كان هناك مئتا قرية (في الجبهة) وجميعها أزيلت من الوجود، كان لا بد من تدميرها، وإلا لكان بقي لدينا هنا عرب مثلما هي الحال في الجليل، ولكان بقي لدينا مليون فلسطيني آخر.
ثم كان هناك ضباط الاستخبارات الميدانيون، وهؤلاء لم يكتفوا بجمع المعلومات عن "العدو"، وبالقيام بدور رئيسي في التطهير، بل أيضاً شاركوا في بعض أسوأ الأعمال الوحشية التي رافقت الطرد المنهجي للفلسطينيين، وكانوا مخولين سلطة اتخاذ القرار النهائي بشأن أي القرى يجب تدميرها، وأي أشخاص من القرويين يجب إعدامهم.
كان هؤلاء، بعد احتلال قرية أو حي ما في مدينة، هم وحدهم الذين يقررون مصير الأهالي: السجن أو الحرية، الحياة أو الموت، وقد أشرف على عملياتهم في سنة 1948
إيسر هرئيل، الذي أصبح لاحقاً أول رئيس للموساد والشاباك، جهازي استخبارات إسرائيل السريين.
أخيراً، يحتمل الأمر أن نكرر أن التطهير العرقي بات محدداً الآن بصورة لا تقبل الجدل بأنه جريمة ضد الإنسانية تتضمن جرائم حرب، وانه توجد حالياً محاكم دولية خاصة لمحاكمة المتهمين بالتخطيط لأعمال التطهير العرقي، والمشاركين في تنفيذه، لكن بعد النظر ملياً في الأمر، أود أن أضيف بصراحة إن في الإمكان التفكير، من أجل إعطاء السلام في فلسطين فرصة، في تطبيق قاعدة الإعفاء بسبب تقادم الزمن على هذه الحالة، لكن بشرط واحد هو تطبيق الحل السياسي الوحيد الذي تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة أساسياً من أجل المصالحة، أي عودة اللاجئين غير المشروطة إلى بيوتهم.
لقد أيدت الولايات المتحدة قراراً كهذا هو القرار 194 لكن هذا التأييد لم يستمر سوى فترة قصيرة جداً، إذ أنها بحلول ربيع سنة 1949 كانت قد غيرت وجهتها نحو تأييد إسرائيل بوضوح تام.
 
استحضار وقائع التطهير العرقي:
مع تمسكنا بتعريف التطهير العرقي كما أوردناه أعلاه، نجد أنفسنا في حل من الحاجة إلى التعمق في أصول الصهيونية كسبب أيديولوجي لارتكابه، لأنه عولج بنجاح من جانب عدد من العلماء المختصين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل وليد الخالدي، ونور الدين مصالحة، وغرشون شافير، وباروخ كيمرلينغ، وسواهم، إلا انه سيكون مفيداً للقراء تلخيص الحجج الرئيسية لهؤلاء العلماء.
نبدأ بكتاب جيد من تأليف نور الدين مصالحة عنوانه "طرد الفلسطينيين" يظهر بوضوح كم كانت جذور مفهوم الترحيل، ولا تزال، عميقة جداً في الفكر السياسي الصهيوني، فمن مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هيرتسل، إلى القادة الرئيسيين للمشروع الصهيوني في فلسطين، كان تطهير الأرض من سكانها الأصليين عندهم خياراً شرعياً وكما أوضح واحد من أكثر مفكري الحركة الليبرالية، ليو موتسكين، في سنة 1917، فان "فكرتنا إن استعمار فلسطين يجب أن يسير في اتجاهين: استيطان يهودي في أرض إسرائيل، وإعادة توطين عرب أرض إسرائيل في أراض خارج البلد".
إن واقع كون مرتكبي الطرد قادمين جدداً إلى البلد، وجزءاً من مشروع استعماري، يحيل حالة فلسطين إلى تاريخ التطهير العرقي الاستعماري في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وفي إفريقيا واستراليا، حيث ارتكب المستوطنون البيض جرائم كهذه بشكل روتيني.
وقد شكل هذا الجانب المخادع من تاريخ إسرائيل موضوعاً لعدة دراسات حديثة وممتازة، شرح لنا غرشون شافير وباروخ كيمرلينغ الصلة بين الصهيونية والاستعمار، وهي صلة يمكن أن تقودنا في البداية إلى الاستغلال لا الطرد، لكن ما إن صارت فكرة الاقتصاد اليهودي، حصراً، جزءاً مركزياً من الرؤية الصهيونية حتى خلت من مكان للعمال والفلاحين العرب.
وربط وليد الخالدي وسميح فرسون المكانة المركزية التي صارت أيدلوجيا الترحيل تحتلها (في التفكير الصهيوني) باقتراب موعد انتهاء الانتداب البريطاني، وطرحا السؤال: لماذا عهدت الأمم المتحدة بمصير هذا العدد الكبير من الفلسطينيين إلى حركة اشتملت أيدلوجيتها على الترحيل بوضوح.
وعلى الرغم من ذلك فانه لا يمكن إنكار أن التطهير العرقي الذي جرى في سنة 1948 تم اقتلاعه تقريباً من الذاكرة العالمية الجماعية، ومحوه من ضمير العالم. تخيل انه في وقت ليس بعيداً، في بلد مألوف لديك، جرى طرد نصف سكانه بالقوة في غضون نصف عام، وأزيل من الوجود نصف قراه ومدنه، ولم يتبق منها سوى الأنقاض والحجارة، تخيل الآن إمكان ألا يجد مثل هذا الحدث المفجع، لسبب ما، طريقه إالى كتب التاريخ، وان تتفاداه، إن لم نقل تتجاهله، جميع الجهود الدبلوماسية لحل النزاع.
 
نحو دولة يهودية حصراً
ترفض الأمم المتحدة بشدة أية سياسات أو أيدلوجيات تهدف إلى التشجيع على التطهير العرقي بأي شكل من الأشكال القرار 47/80،16 كانون الأول / ديسمبر 1992.
لقد وجه المستوطنون الصهيونيون الأوائل معظم طاقتهم ومواردهم لشراء قطع من الأرض في محاولة لدخول سوق العمل المحلية وإيجاد شبكات جماعية وطائفية قادرة على إسناد مجموعات القادمين الجدد التي كانت لا تزال صغيرة وهشة اقتصادياً، أما الاستراتيجيات الأكثر دقة فيما يتعلق بأفضل السبل للاستيلاء على فلسطين بكاملها وإقامة دولة قومية فيها، فقد تم وضعها في وقت لاحق، وبارتباط وثيق بالأفكار البريطانية بشأن الوسيلة الأفضل لحل النزاع الذي فعلت بريطانيا الكثير لمفاقمته.
حتى سنة 1928، تعاملت الحكومة البريطانية مع فلسطين كأنها دولة واقعة ضمن نطاق النفوذ البريطاني، وليست مستعمرة، دولة يمكن أن يتحقق فيها، برعاية بريطانية، الوعد المعطى لليهود وطموحات الفلسطينيين سواء بسواء، وقد حاول البريطانيون إنشاء بنية سياسية يتمثل فيها الطرفان على قدم المساواة في برلمان الدولة وفي الحكومة، لكن عملياً، عندما قدم العرض اتضح انه أقل إنصافاً مما يجب، إذ كان فيه تمييز لمصلحة المستعمرات الصهيونية وضد الأغلبية الفلسطينية. فالميزان داخل المجلس التشريعي المقترح كان مائلاً إلى مصلحة المجتمع اليهودي، الذي كان سيتحالف مع الأعضاء المعنيين من جانب الإدارة البريطانية.
وشجع هذا الرفض القادة الصهيونيين على الموافقة على الاقتراح، لكن بعد ذلك سيبرز نمط سلوك معين، ففي سنة 1928، عندما وافقت القيادة الفلسطينية، وقد أخافتها الهجرة اليهودية المتنامية إلى البلد وتوسع المستعمرات، على قبول صيغة التكافؤ أساساً للمفاوضات، سارعت القيادة الصهيونية إلى رفضها، وكانت ثورة الفلسطينيين في سنة 1929 النتيجة المباشرة لرفض بريطانيا أن تفي على الأقل بوعدها تطبيق مبدأ التكافؤ.
بعد ثورة 1929، بدت الحكومة العمالية في لندن كأنها تميل إلى احتضان المطالب الفلسطينية، لكن اللوبي الصهيوني نجح في إعادة توجيه الحكومة البريطانية للسير في طريق وعد بلفور، وهذا ما جعل اندلاع ثورة أخرى أمراً حتمياً وفعلاً اندلع العنف في سنة 1936 بشكل ثورة شعبية قاتلت بتصميم شديد أرغم الحكومة البريطانية على حشد قوات عسكرية في فلسطين أكثر مما كان موجوداً في شبه القارة الهندية.
وبعد ثلاثة أعوام، تخللتها هجمات وحشية وعديمة الرحمة على الريف الفلسطيني، نجحت القوات البريطانية في إخماد الثورة، ونفيت القيادات الفلسطينية، وحلت الوحدات شبه النظامية التي أدارت حرب عصابات ضد قوات الانتداب، وفي غضون ذلك اعتقل وقتل وجرح عدد كبير من القرويين الذين شاركوا في الثورة، وقد سهّل غياب معظم القادة الفلسطينيين، وحل الوحدات المقاتلة الفلسطينية، على القوات اليهودية في سنة 1947 اجتياح المناطق الريفية الفلسطينية من دون أية صعوبة.
وفيما بين الثورتين، لم يهدر القادة الصهيونيون الوقت لوضع الخطط من أجل تحويل فلسطين إلى بلد يقطن فيه اليهود حصراً:
أولاً: في سنة 1937، بقبولهم بجزء متواضع من البلد عندما رحبوا بتوصية لجنة بيل الملكية
      البريطانية بتقسيم فلسطين إلى دولتين.
ثانياً: في سنة 1942، بتجريب استراتيجيا أكثر طموحاً، مطالبين بفلسطين كلها.
ولربما تغيرت المساحة الجغرافية التي وضعوها نصب أعينهم تبعاً للوقت والأوضاع والفرص، لكن الهدف الرئيسي بقي كما هو، فالمشروع الصهيوني ما كان ليتحقق إلا بإقامة دولة يهودية محضة في فلسطين، لتكون ملجأ آمناً لليهود من الاضطهاد، ومهداً للقومية اليهودية الجديدة، ومثل هذه الدولة كان لا بد من أن تكون يهودية حصراً، لا في بنيتها الاجتماعية – السياسية فحسب، بل أيضاً في تركيبتها الإثنية.
 
التحضيرات العسكرية
منذ البداية، سمحت السلطات الانتدابية البريطانية للحركة الصهيونية بإنشاء كيان مستقل لها في فلسطين ليكون بمثابة بنية تحتية للدولة العتيدة، وفي أواخر الثلاثينات من القرن الماضي تمكن قادة الحركة من ترجمة رؤيتهم المجردة، المتعلقة بجعل فلسطين مقصورة على اليهود، إلى خطط ملموسة.
وقد اشتملت التحضيرات الصهيونية للتمكن من الاستيلاء على البلد بالقوة، في حال عدم الحصول عليه عن طريق المساعي الدبلوماسية، على إنشاء منظمة عسكرية فعالة -  بمساعدة ضباط بريطانيين متعاطفين – وعلى البحث عن موارد مالية وفيرة (كان في استطاعتهم اللجوء إلى يهود الشتات من أجل الحصول عليها)، كما كان إنشاء نواة سلك دبلوماسي جزءاً عضوياً من التحضيرات العامة نفسها الهادفة إلى إنشاء دولة في فلسطين بالقوة.
وهنا، ثمة ضابط بريطاني جدير بالذكر بصورة خاصة، هو "أُورد تشارلز وينغيت"، الذي جعل القادة الصهيونيين يدركون بصورة أفضل أن فكرة إقامة دولة يهودية يجب أن تقترن بشكل وثيق بتحضيرات عسكرية وإنشاء جيش، أولاً وقبل كل شيء من أجل حماية الأعداد المتزايدة من الأراضي والمستعمرات اليهودية في فلسطين المحاطة بسكان معادين، لكن أيضاً – وهذا أكثر أهمية – لأن الأعمال المسلحة الهجومية من شأنها أن تشكل رادعاً فعالاً ضد المقاومة المحتملة للفلسطينيين، ومن هنا إلى التفكير في طرد جميع السكان الأصليين بالقوة بات الطريق، كما برهنت التطورات اللاحقة، قصيراً جداً.
كان هناك حاجة إلى ما هو أكثر من مجرد الاستمتاع بمهاجمة قرية فلسطينية حاجة إلى تخطيط منهجي.
وأتى الاقتراح من مؤرخ شاب من الجامعة العبرية يدعى "بن – تسيون لوريا"، الذي كان وقتئذ موظفاً في الدائرة التعليمية التابعة للوكالة اليهودية.
وقد أشار لوريا إلى أنه سيكون من المفيد جداً إعداد سجل مفصل للقرى العربية، واقترح أن يقوم الصندوق القومي اليهودي بإعداده، "هذا سيساعد جداً في تحرير البلد".
لقد كان الصندوق القومي اليهودي، الذي أنشئ في سنة 1901، الأداة الصهيونية الرئيسية لاستعمار فلسطين، وكان بمثابة الوكالة التي استخدمتها الحركة الصهيونية لشراء الأراضي الفلسطينية التي جرى توطين المهاجرين اليهود فيها، ومنذ تدشينه في المؤتمر الصهيوني الخامس، صار رأس الحربة في صهينة فلسطين خلال أعوام الانتداب.
ولقد صمم منذ البداية ليصبح "القيم"، باسم الشعب اليهودي، على الأراضي التي استملكها الصهيونيون في فلسطين، اقترن معظم نشاطات الصندوق القومي اليهودي خلال فترة الانتداب وفي زمن النكبة باسم يوسف فايتس، مدير دائرة الاستيطان.
وذات مرة، أُخبر أحد مساعدي فايتس، واسمه يوسف نحماني، رئيسه أن الفلاحين الأجراء رفضوا "للأسف" أن يرحلوا، وان بعض الملاك اليهود الجدد ظهرت عليهم، على حد قوله، أعراض "الجبن، وهم يفكرون في خيار أن يسمحوا للفلاحين بالبقاء"، وكانت مهمة نحماني والمساعدين الآخرين أن يتأكدوا من أن مشاعر "الضعف" يجب أن تتلاشى، وبفضل جهودهم سرعان ما أصبحت عمليات الطرد هذه تتم بشكل شامل وفعال.
إن تأثير مثل هذه النشاطات في ذلك الوقت ظل محدوداً لأن الموارد الصهيونية كانت ضئيلة، والمقاومة الفلسطينية شرسة، والسياسات البريطانية تقييدية، وعند نهاية الانتداب في سنة 1948، لم يكن اليهود يمتلكون سوى 5.8% تقريباً من أراضي فلسطين.
ولذلك بلغت حماسة فايتس الذروة عندما بلغه خبر ملفات القرى، واقترح على الفور تحويلها إلى "مشروع قومي".
وأصبح كل من يمكن أن تكون له يد في المشروع متحمساً بشدة للفكرة، يتسحاق بن – تسفي، العضو البارز في القيادة الصهيونية، والمؤرخ الذي أصبح لاحقاً ثاني رئيس لدولة إسرائيل، شرح في رسالة إلى موشيه شرتوك (شاريت)، رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية (لاحقاً واحداً من رؤساء الحكومة)، أنه بالإضافة إلى تسجيل مخططات القرى من الناحية الطبوغرافية، يجب أن يتضمن المشروع أيضاً كشف "الأصول العبرية" لكل قرية.
كانت المحصلة النهائية لجهود الطوبغرافيين والمستشرقين ملفات مفصلة لجميع قرى فلسطين، عمل الخبراء الصهيونيون على استكمالها بالتدريج، بحيث أصبح "الأرشيف" مكتملاً تقريباً في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وقد تضمن ملف كل قرية تفصيلات دقيقة عن موقعها الطوبغرافي، وطرق الوصول إليها، ونوعية أراضيها، وينابيع المياه، ومصادر الدخل الرئيسية وتركيباتها الاجتماعية – الاقتصادية، والانتماءات الدينية للسكان، وأسماء المخاتير، والعلاقات بالقرى الأخرى، وأعمار الرجال (من سن 16 إلى سن 50)، ومعلومات كثيرة أخرى، ومن فئات المعلومات المهمة كان هناك مؤشر يحدد درجة "العداء" (للمشروع الصهيوني)، بناء على مدى مشاركة القرية في ثورة 1936، وكان هناك قائمة بأسماء كل شخص شارك في الثورة والعائلات التي فقدت أشخاصاً في القتال ضد البريطانيين، وأعطي الأشخاص الذين زعم أنهم قتلوا يهودا اهتماماً خاصاً، وكما سنرى لاحقاً، فان هذه الأجزاء الأخيرة من المعلومات نجم عنها في سنة 1948 أشد الأعمال وحشية في القرى، وقادت إلى إعدامات جماعية وتعذيب للضحايا.
أدرك الأعضاء النظاميون في الهاغاناه، الذين كلفوا جمع المعلومات من خلال رحلات "استطلاعية" إلى القرى، منذ البداية أن المهمة لم تكن تمريناً أكاديمياً في الجغرافيا وكان واحداً من هؤلاء موشيه باسترناك، الذي شارك في إحدى رحلات الاستطلاع وجمع المعلومات المبكرة في سنة 1940.
وفي الواقع كانت المشكلة الملحوظة في كثير من ملفات القرى هي كيفية إيجاد نظام تعاون استخباراتي مع أناس يعتبرهم باسترناك ورفاقه بدائيين وبرابرة، "أناس يحبون شرب القهوة، ويأكلون الأرز بأيديهم، الأمر الذي جعل من الصعب جدا استخدامهم مخبرين"، ويتذكر باسترناك انه في سنة 1943 كان هناك إحساس متنام بأنه أصبح لديهم أخيرا شبكة من المخبرين تستحق التسمية ويرجع الفضل في ذلك، بصورة رئيسية إلى شخص واحد هو عزرا دانين، الذي سيقوم بدور قيادي في التطهير العرقي في فلسطين.
من نواح كثيرة، كان تجنيد عزرا دانين، هو ما نقل العمل الاستخباراتي وتنظيم ملفات القرى إلى مستوى جديد من حيث الكفاءة.
وتتضمن الملفات في فترة ما بعد سنة 1943 وصفاً مفصلاً للزراعة وتربية الحيوانات، وللأراضي المزروعة، ولعدد الأشجار في المزارع، ولنوع وجودة الفواكه في كل بستان، ولمعدل مساحة الأرض بالنسبة إلى كل عائلة، ولعدد السيارات ، ولأصحاب الدكاكين، وللعاملين في الورشات، ولأسماء الحرفيين في كل قرية ونوع مهاراتهم.
وفي وقت لاحق، أضيف إلى ذلك تفصيلات دقيقة جداً عن كل حمولة وانتماءاتها السياسية، والفوارق الطبقية بين الأعيان والعامة، وأسماء الموظفين العاملين في دوائر الحكومة الانتدابية.
ومع اكتساب عملية جمع المعلومات قوة دفع تلقائية، يجد المرء مع حلول سنة 1945 مزيداً من التفصيلات، مثل وصف المساجد في القرى وأسماء الأئمة فيها، مع صفات مثل "هو رجل عادي"، بل حتى وصف دقيق لغرف الاستقبال داخل بيوت هذه الشخصيات.
ومع اقتراب فترة الانتداب من نهايتها، أصبح جمع المعلومات موجهاً بصراحة نحو المعطيات ذات الطابع العسكري، مثل: عدد الحراس (معظم القرى لم يكن لديه أي حراس) وكمية الأسلحة الموجودة ونوعيتها.
وقد جند دانين يهودياً ألمانياً اسمه يعقوب شمعوني – أصبح لاحقاً أحد أهم المستشرقين الإسرائيليين – وعينه مسؤولاً عن مشاريع خاصة داخل القرى، ولا سيما الإشراف على عمل المخبرين.
وبعد وقت قصير انضم إلى دانين وشمعوني شخصان هما يهوشواع بالمون وطوفيا ليشنسكي، وهذان اسمان يجب تذكرهما قاما بدور فعال في الإعداد للتطهير العرقي في فلسطين.
وكان ليشنسكي في أربعينات القرن الماضي مشغولاً بتنسيق الحملات ضد المزارعين الأجراء ووجه كل طاقته نحو تخويف هؤلاء الناس ومن ثم إجلائهم هم وعائلاتهم عن الأراضي التي كانوا وأسلافهم يزرعونها منذ قرون.
وروى يغئيل يادين أن هذه المعرفة الدقيقة والتفصيلية بما كان يجري في كل قرية فلسطينية على حدة هي التي مكنت القيادة العسكرية الصهيونية، في تشرين الثاني / نوفمبر 1947، من الاستنتاج "انه لم يكن لدى الفلسطينيين العرب من ينظمهم التنظيم الصحيح".
 
دافيد بن – غوريون: المهندس
قاد بن – غوريون الحركة الصهيونية منذ أواسط العشرينيات من القرن الماضي حتى أواسط الستينات منه.
ولد في سنة 1886 في بلونسك، في بولندا (التي كانت وقتئذ جزءاً من روسيا القيصرية"، واتى إلى فلسطين في سنة 1906، وكان قبل قدومه صهيونياً متحمساً، إن هيئته باتت مألوفة الآن لدى كثيرين في أنحاء العالم، بقامته القصيرة، وبكتلة شعره البيضاء المسحوبة إلى الوراء، وبارتدائه البزة الحاكية دائماً.
وعندما بدأت عمليات التطهير العرقي، أضاف مسدساً إلى لباسه العسكري، ولف كوفية حول رقبته، مقلداً اللباس العسكري لوحدات النخبة في قواته، وكان عمره آنذاك ستين عاماً، ويشكو آلاماً حادة في الظهر، ومع ذلك كان أكثر قادة الحركة الصهيونية حيوية وانهماكاً في العمل.
في سنة 1942، كان طموح بن – غوريون كبيراً جداً عندما طرح علناً المطالبة الصهيونية بكامل فلسطين، وكما كان عليه الحال في أيام إعلان بلفور، فان القادة الصهيونيون فهموا الوعد انه يشمل البلد بأسره، لكن بن – غوريون كان استعمارياً براغماتياً، وباني دولة أيضاً، وكان يعرف أن الخطط ذات الأهداف القصوى، مثل برنامج بلتمور، الذي طالب بشكل صارخ بكل فلسطين الانتدابية، لن ينظر إليه على انه واقعي.
في الأيام الأخيرة من آب / أغسطس 1946، جمع بن – غوريون قادة الحركة الصهيونية في فندق رويال مونسو في باريس، لمساعدته على إيجاد بديل من برنامج بلتمور الذي كان هدفه الاستيلاء على فلسطين بكاملها، وعادت إلى الظهور فكرة "قديمة – جديدة" للحركة الصهيونية: تقسيم فلسطين، "أعطونا الاستقلال، ولو في جزء صغير من البلد"، ناشد ناحوم غولدمان الحكومة البريطانية في لندن، بينما كان زملاؤه في باريس يتداولون في شأن خطوتهم التالية.
وكان غولدمان أكثر أعضاء القيادة الصهيونية "حمائمية" في ذلك الوقت، ودعوته إلى الاكتفاء بجزء "صغير" من فلسطين لم تكن تعكس طموحات بن – غوريون، الذي قبل المبدأ، لكن لا المساحة.
"سوف نطالب بقطعة كبيرة من فلسطين" قال للذين استدعاهم إلى العاصمة الفرنسية، ووجد بن – غوريون، مثل أجيال من القادة الإسرائيليين بعده، وصولاً إلى أرئيل شارون في سنة 2005، انه يتعين عليه أن يكبح جماح الأعضاء الصهيونيين الأكثر تطرفاً، وأخبرهم أن نسبة ثمانين إلى تسعين في المئة من فلسطين الانتدابية كافية لإقامة دولة قابلة للحياة، بشرط أن يكونوا قادرين على ضمان التفوق اليهودي، ولم يتغير المفهوم، ولا النسبة، خلال الأعوام الستين التالية، وبعد أشهر قليلة من اجتماع باريس ترجمت الوكالة اليهودية "القطعة الكبيرة في فلسطين" التي أشار إليها بن – غوريون، إلى خريطة وزعتها على كل من كانت له صلة وثيقة بمستقبل فلسطين، وقد تخيلت هذه الخريطة المرسومة في سنة 1947 دولة يهودية حدودها مطابقة حرفياً تقريباً لإسرائيل ما قبل حزيران / يونيو 1967، أي فلسطين من دون الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي ضوء انعدام القوة لدى الجانب الفلسطيني، لم يكن من المستغرب رؤية صانعي القرار الصهيونيين يتصرفون وكأن الفلسطينيين لا يشكلون عاملاً يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لكنهم طبعاً كانوا ما زالوا يشكلون الأغلبية العظمى في البلد وبصفتهم هذه كانوا "مشكلة".
ومع انه لم يكن هناك دولة بعد، فان بن – غوريون نشط كوزير للدفاع وكرئيس للحكومة بمعنى ما (إذا أخذنا في الاعتبار قدرته على تمرير قرارات داخل الحكومة).
وكان في عدة نواح، يشرك الآخرين في المسؤولية، وكانت القضايا المدرجة في جدول أعمال المجتمع اليهودي تناقش في معظمها بأسلوب ديمقراطي داخل المؤسسات التي كانت تمثل تركيبة المجموعات السياسية الرئيسية لليهود في فلسطين، لكن عندما اقترب وقت اتخاذ القرارات الحاسمة بشأن مصير الفلسطينيين، بدأ بن – غوريون يتجاهل الهيكلية الرسمية، وأخذ يعتمد على التشكيلات السرية.
وكان بن – غوريون أدرك مع نهاية سنة 1946 أن البريطانيين كانوا في طريقهم إلى المغادرة، وأخذ يعمل مع مساعديه على وضع استراتيجيا عامة يمكن تطبيقها ضد السكان الفلسطينيين في اللحظة التي يغادر البريطانيون البلد، وتمثلت هذه الاستراتيجيا في الخطة (ج) "غيمل" بالعبرية.
كانت الخطة (ج) نسخة مطورة من خطتين سابقتين، (أ) و (ب)، وكانت الخطة (أ) تسمى أيضاً "خطة إليميلخ"، على اسم إليميلخ أفنير، قائد الهاغاناه في تل أبيب الذي وضع في سنة 1937، بناء على طلب من بن – غوريون، خطوطاً موجهة للاستيلاء على فلسطين في حال انسحاب بريطاني منها، أما الخطة (ب) فقد وضعت في سنة 1946، وجرى دمج الاثنتين معاً لتشكلا الخطة (ج).
طمحت الخطة (ج)، مثل الخطتين (أ) و (ب)، إلى إعداد القوات المسلحة التابعة للمجتمع اليهودي من أجل القيام بحملات هجومية على مدن فلسطين وقراها فور خروج البريطانيين من البلد، وكان الغرض من تلك الحملات "ردع" السكان الفلسطينيين عن مهاجمة المستعمرات اليهودية، والرد الثأري على مهاجمة منازل يهودية، أو طرقات، أو حركة سير، وقد حددت الخطة (ج) بوضوح ما تتضمنه الأعمال التأديبية من هذا النوع، كالتالي:
-       قتل القيادة السياسية الفلسطينية.
-       قتل المحرضين الفلسطينيين والذين يقدمون لهم دعما مالياً.
-       قتل الفلسطينيين الذين نشطوا ضد يهود.
-       قتل الضباط والموظفين الفلسطينيين الكبار في النظام الانتدابي.
-       إلحاق الضرر بحركة النقل الفلسطينية.
-       إلحاق الضرر بمصادر عيش الفلسطينيين: أبار المياه، الطواحين... الخ.
-       مهاجمة القرى الفلسطينية المجاورة التي من الممكن أن تساعد عناصر معادية في هجمات مستقبلية.
-       مهاجمة النوادي، والمقاهي، وأماكن التجمع الفلسطينية، وما شابه ذلك.
وذكر في الخطة (ج) إن المعطيات اللازمة للقيام بهذه الأعمال موجودة كلها في ملفات القرى: قوائم بأسماء القادة والناشطين، و"الأهداف البشرية المحتملة". ومخططات دقيقة للقرى ..الخ.
لكن خلال بضعة أشهر، تم وضع خطة أخرى، الخطة (د) (داليت) في 10/3/1948 وكانت هذه هي الخطة التي حسمت مصير الفلسطينيين القاطنين داخل الأراضي التي أراد القادة الصهيونيون الاستيلاء عليها لإقامة الدولة اليهودية العتيدة.
وبغض النظر عما إذا كان من الممكن أن يتخذ هؤلاء الفلسطينيون قراراً بالتعامل مع الدولة اليهودية أو مقاومتها، فإن الخطة دالت قضت بطردهم من وطنهم بشكل منهجي وكلي.
 
التقسيم والتدمير
عندما اختارت الأمم المتحدة التقسيم هدفاً أساسياً لخطتها، فإنها تجاهلت بذلك اعتراضا أساسيا مبدئيا كان الفلسطينيون يثيرونه ضد الخطة، وكان معروفا لدى الوسطاء منذ يوم أصدرت بريطانيا إعلان بلفور قبل ثلاثين عاماً، وقد أوضح وليد الخالدي بشكل محكم، الموقف الفلسطيني على النحو التالي: "إن سكان فلسطين الأصليين، مثل السكان الأصليين في كل بلد آخر في العالم العربي، وفي آسيا وإفريقيا وأمريكا وأوروبا، رفضوا أن يتقاسموا البلد مع جماعة من المستوطنين".
إذا ألقينا نظرة فاحصة إلى الخريطة التي اقترحتها الأمم المتحدة في سنة 1947 ماذا نرى؟ كانت فلسطين ستقسم عملياً إلى ثلاثة أجزاء: على 42% من الأرض سيقيم 818.000 فلسطيني دولة تضم 10.000 يهودي، بينما الدولة المقترحة لليهود ستمتد على ما يقارب 56% من الأرض، ويتشارك فيها 499.000 يهودي مع 438.000 فلسطيني، أما الجزء الثالث فكان كياناً صغيراً يحيط بمدينة القدس، خاضعاً لحكم دولي، نصف سكانه الـ 200.000 من الفلسطينيين، ونصفهم الآخر من اليهود.
وفي الواقع، فان خريطة الأمم المتحدة كانت وصفة مؤكدة للمأساة التي بدأت تتجلى للعيان منذ اليوم التالي لتبني القرار 181، ومثلما لاحظ واضعوا نظرية التطهير العرقي في وقت لاحق، فانه حيث يتم تبني أيدلوجيا اقصائية في واقع اثني شديد التوتر، فان النتيجة الحتمية هي التطهير العرقي، ولأنهم رسموا الخريطة على هذا النحو، فان أعضاء الأمم المتحدة الذين صوتوا في مصلحة قرار التقسيم ساهموا مساهمة مباشرة في الجريمة التي كانت على وشك أن ترتكب
 
ردة الفعل اليهودية
بحلول سنة 1947ن كان دافيد بن – غوريون هو من قاد زملاءه إلى قبول قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947، وفي الوقت نفسه إلى تجاهله.
ومع أن بن – غوريون كان غير راض عن خريطة الأمم المتحدة، إلا انه أدرك أن رسم الحدود النهائية في الأوضاع القائمة – الرفض الكلي للخريطة من جانب العالم العربي والفلسطينيين – سيبقى المسألة قائمة، وأهم من ذلك كان الاعتراف الدولي بحق اليهود في أن تكون لهم دولة خاصة بهم في فلسطين.
 
بلورة الخطة الرئيسية
يمكن تنفيذ العمليات على النحو التالي: إما تدمير القرى بإحراقها، ونسفها، وزرع ألغام بين الأنقاض، وخصوصاً تلك المراكز السكانية التي من الصعب السيطرة عليها بصورة متواصلة، وإما القيام بعمليات تمشيط وسيطرة وفقاً للتوجيهين التاليين: تطويق القرى، والقيام بعمليات تفتيش داخلها، وفي حال حدوث مقاومة، يجب إبادة القوى المسلحة وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة.
 
الخطة دالت، 10 آذار / مارس 1948.
أساليب التطهير
تسلسل الأحداث الرئيسية بين شباط / فبراير 1947 وأيار / مايو 1948.
في شباط / فبراير 1947، اتخذت الحكومة البريطانية قراراً بالانسحاب من فلسطين الانتدابية وتركها للأمم المتحدة.
تم تبني قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947، وبدأ التطهير العرقي في فلسطين أوائل كانون الأول / ديسمبر 1947.
في 9 كانون الثاني / يناير 1948، دخلت وحدات من جيش المتطوعين العرب فلسطين واشتبكت مع القوات اليهودية في معارك صغيرة بشان الطرق والمستعمرات اليهودية المنعزلة، ومع انتصار القوات اليهودية بسهولة في هذه المناوشات، غيرت القيادة اليهودية تكتيكاتها، من أعمال انتقامية إلى عمليات تطهير وتبع ذلك عمليات طرد بالقوة في أواسط شباط / فبراير 1948 عندما نجحت القوات اليهودية إلى إخلاء خمس قرى من سكانها في يوم واحد.
وفي 10 آذار / مارس 1948، ثم تبني خطة دالت، وكان الهدف الأول المراكز الحضرية في فلسطين، التي اكتمل احتلالها جميعاً مع حلول نهاية نيسان / ابريل، وقد جرى في هذه المرحلة اقتلاع نحو 250.000 فلسطيني في أماكن سكنهم، ورافق ذلك مجازر عديدة، أبرزها مجزرة دير ياسين.
ونتيجة هذه التطورات اتخذت جامعة الدول العربية، في اليوم الأخير من نيسان / ابريل، قراراً بالتدخل عسكرياً، لكن ليس قبل انتهاء الانتداب البريطاني.
غادر البريطانيون البلد في 15 أيار/ مايو 1948، وأعلنت الوكالة اليهودية على الفور قيام دولة يهودية في فلسطين، وفي اليوم نفسه، دخلت القوات المسلحة النظامية العربية فلسطين.
قبل آذار/ مارس 1948، كان من الممكن تصوير النشاطات التي قامت بها القيادة الصهيونية لتحقيق رؤيتها على أنها ردات فعل تأديبية على أعمال عدائية فلسطينية، أو عربية، لكن بعد آذار / مارس لم يعد الأمر كذلك، فقد أعلنت القيادة الصهيونية صراحة – قبل شهرين من نهاية الانتداب – أنها ستسعى للاستيلاء على البلد وطرد السكان الفلسطينيين بالقوة: الخطة دالت.
وكانت الوكالة اليهودية أواخر سنة 1946 قد شرعت في مفاوضات مكثفة مع ملك الأردن، عبد الله
وتوصل بعد الحرب العالمية الثانية إلى اتفاق من حيث المبدأ مع الوكالة اليهودية بشأن كيفية اقتسام فلسطين بينهما بعد انتهاء الانتداب.
وعد الملك عبد الله ألا ينضم أية عمليات عسكرية ضد الدولة اليهودية.
إن هذا الاتفاق الضمني مع الأردن شكل، من نواح عديدة، الخطوة الثانية في اتجاه ضمان أن تتقدم عملية التطهير العرقي من دون عوائق.
عشية حرب 1948، كان إجمالي عدد القوات اليهودية نحو 50.000 جندي، منهم 30.000 جندي مقاتل، والباقون احتياط يعيشون في مستعمرات متعددة، وكان في استطاعة هؤلاء الجنود أن يعتمدوا، في أيار / مايو 1948، على مساندة من سلاحي جو وبحر صغيرين، وعلى وحدات دبابات وعربات مدرعة ومدفعية ثقيلة مرافقة لها، وكانت تقف في مواجهتهم مجموعات فلسطينية شبه عسكرية لا يتجاوز عدد أفرادها 7000 مقاتل: قوة مقاتلة تفتقر إلى هيكلية أو هرمية قيادية، ومجهزة تجهيزاً رديئاً قياساً بالقوات اليهودية، وبالإضافة إلى ذلك، دخل فلسطين في شباط / فبراير 1948 نحو 1000 متطوع من العالم العربي، وارتفع هذا العدد إلى 3000 في الأشهر القليلة التالية.
بعد إنشاء الجيش الإسرائيلي بفترة وجيزة، حصل بمساعدة الحزب الشيوعي في البلد، على شحنة كبيرة من الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا والاتحاد  السوفياتي، بينما جلبت الجيوش العربية النظامية معها عندما دخلت فلسطين بعض أسلحتها الثقيلة، وخلال أسابيع من بدء الحرب، كانت التعبئة الإسرائيلية فعالة إلى حد بلغ معه عديد قوات الجيش الإسرائيلي في نهاية الصيف 80.000 جندي، أما عديد القوة العربية النظامية فلم يتجاوز قط تعبئة الـ 50.000 جندي.
بكلمات أخرى: خلال المراحل المبكرة للتطهير العرقي (حتى أيار / مايو 1948)، كان بضعة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين غير النظاميين يواجهون عشرات الآلاف من الجنود اليهود المدربين جيداً، وفي المراحل التالية، لم تواجه قوة يهودية، أية صعوبة في استكمال انجاز المهمة.
على هامش القوة العسكرية اليهودية الرئيسية نشطت مجموعتان متطرفتان الأرغون وعصابة شتيرن (ليحي)، والأرغون منظمة انشقت عن الهاغاناه سنة 1931، وكان يقودها في أربعينات القرن الماضي مناحم بيغن، وكانت طورت سياسات خاصة بها معادية جداً للوجود البريطاني وللسكان المحليين سواء بسواء، أما عصابة شتيرن، فكانت فرعاً من الأرغون انشق عنها سنة 1940، ومع الهاغاناه، شكلت المنظمات الثلاث جيشاً موحداً خلال أيام النكبة.
إن جزءاً مهماً من المجهود العسكري الصهيوني كان تدريب وحدات الكوماندو الخاصة، البالماخ، التي أنشئت في سنة 1941.
وابتداء من سنة 1944، أصبحت هذه الوحدات أيضاً القوة الرائدة الرئيسية في بناء المستعمرات اليهودية الجديدة، وقبل أن يتم حلها في خريف سنة 1948، كان أفرادها نشيطين جداً، ونفذوا عدداً من عمليات التطهير الرئيسية في شمال البلد ووسطه.
في عمليات التطهير العرقي اللاحقة، كانت قوات الهاغاناه والبالماخ، والأرغون تحتل القرى، وتسلمها بعد فترة وجيزة لقوات أقل قدرة قتالية، لوحدات من سلاح الميدان ("حيس" بالعبرية)، الذي أنشئ في سنة 1939، وكان يشكل الذراع اللوجستية للقوات اليهودية.
وكان لدى الهاغاناه وحدة استخبارات أيضاً أسست في سنة 1933 كانت مشرفة على إعداد ملفات القرى وإنشاء شبكات التجسس والمتعاونين داخل المناطق الريفية، وساعدت في تحديد هوية آلاف من الفلسطينيين أعدموا لاحقاً فور اعتقالهم.
لقد شكلت هذه القوى المسلحة مجتمعة قوة حربية بما فيه الكفاية لتعزز ثقة – بن غوريون بقدرة المجتمع اليهودي على أن يرث الدولة الانتدابية ويستولى على معظم الأراضي الفلسطينية والأملاك الفلسطينية والأملاك والثروات الموجودة فيها.
رسم قادة المجتمع اليهودي، في العلن، سيناريوهات مرعبة، وحذروا جمهورهم من "هولوكوست ثانية" وشيكة لكن في لقائاتهم الخاصة لم يستخدموا قط مثل هذا الخطاب، إذ كانوا يعرفون جيداً أن لغة الحرب الطنانة العربية لم تكن مقرونة بأية استعدادات جدية على أرض الواقع، وكما رأينا، كانوا على علم تام بافتقار الجيوش العربية إلى العتاد العسكري الجيد، والى الخبرة القتالية، والى التدريب، وبالتالي كانت قدرتها على شن أي نوع من الحروب محدودة، وكان القادة الصهيونيون واثقين بتفوقهم عسكرياً، وبقدرتهم على تنفيذ معظم خططهم الطموحة، وكانوا مصيبين في تقديراتهم.
كانت القوات الموجودة في تصرف القادة الصهيونيين كافية للتأهب لمواجهة محتملة مع العالم العربي، وأيضاً لتطهير البلد من السكان المحليين، وعلاوة على ذلك، لم يحدث التدخل العربي إلا في 15 أيار / مايو 1948، أي بعد خمسة أشهر ونصف شهر من تبني الأمم المتحدة قرار التقسيم، وخلال تلك المدة الطويلة بقي معظم الفلسطينيين – باستثناء جيوب قليلة كانت تحاول فيها مجموعات شبه عسكرية تنظيم نوع من المقاومة – من دون قدرة على الدفاع في وجه عمليات عسكرية يهودية كان يجري تنفيذها.
إن السؤال المتعلق بما يجب فعله بالسكان الفلسطينيين في الدولة  اليهودية العتيدة أصبح يناقش بتركيز شديد في الأشهر الأخيرة القريبة من نهاية الانتداب وأخذت فكرة جديدة تعاود الظهور في أروقة السلطة الصهيونية: "الميزان" وهو مصطلح يشير إلى "الميزان الديموغرافي" بين العرب واليهود في فلسطين، وكان ميله في غير مصلحة أغلبية يهودية، أو سيطرة يهودية حصرية على البلد، يوصف بأنه كارثي.
في خطاب أمام كبار أعضاء حزب مباي (حزب عمال ارض إسرائيل) ، لخص بن جوريون بصورة أوضح كيف يجب التعامل مع حقائق لا يمكن قبولها، مثل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة.
هناك 40% من غير اليهود في المناطق المخصصة للدولة اليهودية، إن هذه التركيبة ليست أساساً متيناً لدولة يهودية، ويجب أن نواجه هذا الواقع الجديد بكل قسوته ووضوحه، إن ميزاناً ديمغرافياًُ كهذا يطرح علامة استفهام بشان قدرتنا على المحافظة على سيادة يهودية فقط دولة 80% من سكانها على الأقل يهود يمكن إن تكون قابلة للحياة ومستقرة.
بعد أن أصبحت المساحة محددة والتفوق العسكري مؤكداً، كانت الخطوة الرابعة للقيادة الصهيونية، في اتجاه استكمال تطهير فلسطين، توفير الوسائل الفعلية الملموسة التي من شانها أن تمكنهم من إزاحة هذه الكتلة الكبيرة من السكان، ففي الأراضي التي ستتكون منها مساحة دولتهم اليهودية الكبرى العتيدة، كان يعيش في أوائل كانون الأول / ديسمبر 1947 مليون فلسطيني من مجموع السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة، بينما كان المجتمع اليهودي أقلية مكونة من 600.000 نسمة.
أعلنت الهيئة العربية العليا إضرابا لمدة ثلاثة أيام ونظمت تظاهرات جماهيرية احتجاجاً على قرار الأمم المتحدة بتبني قرار التقسيم، ولم يكن هناك أي جديد في هذا النوع من ردات الفعل، لقد كانت ردات الفعل الفلسطينية المألوفة تجاه سياسات اعتبروها ضارة أو خطيرة، قصيرة الأمد وغير فعالة.
وفي أية حال، بعد ثلاثة أيام لاحظ المراسلون الصحافيون الأجانب، الذين كانوا يتابعون التظاهرات والإضرابات، معارضة متنامية بين الناس العاديين للاستمرار في الاحتجاج، ورغبة واضحة في العودة إلى الحياة الطبيعية، ففي نهاية المطاف، كان القرار 181 بالنسبة إلى معظم الفلسطينيين فصلا كئيبا، لكن ليس جديداً، في تاريخهم، فعلى مر القرون، انتقلت فلسطين من يد إلى أخرى، أحياناً امتلكها غزاة أوروبيون وآسيويين وأحياناً امتلكتها أجزاء من إمبراطوريات إسلامية.
أما الناس فقد استمرت حياتهم، إلى حد ما، من دون تغيير: زرعوا أراضيهم، أو مارسوا تجارتهم حيثما كانوا، واستسلموا إلى الوضع الجديد إلى حين حدوث تغيير ما مرة أخرى، وبالتالي انتظر القرويون وسكان المدن سواء بسواء، بصبر ليروا ما سيعني لهم أن يكونوا جزءاً من دولة يهودية، أو أي نظام قد يحل محل الحكم البريطاني، ولم يكن لدى معظمهم أي فكرة عما ينتظرهم، أو أن ما كان وشيك الحدوث، سيشكل فصلاً غير مسبوق في تاريخ فلسطين، لا مجرد انتقال من حاكم إلى أخر، وإنما طرداً فعلياً للسكان القاطنين في البلد.
لقد تم وضع النموذج ومن هذا المنظور فان كانون الأول/ ديسمبر 1947 ربما كان الفصل الأكثر مراوغة في تاريخ التطهير العرقي في فلسطين، كانت ردة الفعل المعتدلة في العواصم العربية المحيطة بفلسطين محط ترحيب لدى الهيئة الاستشارية لبن – غوريون، لكن ردة الفعل الفلسطينية اللا مبالية، والمتقاعسة تقريباً، أزعجتهم.
إن العودة السريعة إلى الحياة الطبيعية ورغبة الفلسطينيين في الابتعاد عن التورط في حرب أهلية أربكتا القادة الصهيونيين الذين كانوا مصممين على خفض عدد الفلسطينيين داخل دولتهم اليهودية العتيدة بصورة جذرية، إن لم يكن التخلص منهم كلياً كانوا بحاجة إلى ذريعة.
لـ "حسن حظهم" وسع جيش المتطوعين العرب في وقت ما نشاطاته ضد القوافل والمستعمرات اليهودية، وبذلك سهل على الهيئة الاستشارية وضع سياسة الاحتلال والطرد في إطار شكل مبرر من أشكال الرد "الانتقامي".
الفارق الواضح في ردة فعل المجتمع في كل من الطرفين حيال الواقع السياسي الجديد الآخذ في التكون حولهم، المزارعون اليهود في الكيبوتسات والمستعمرات التعاونية أو القائمة على أساس الملكية الخاصة، حولوا أماكن إقامتهم إلى مواقع عسكرية مستعدة للدفاع والهجوم، فعززوا التحصينات، وأصلحوا السياجات، وزرعوا الألغام...الخ، وتم تزويد كل فرد ببندقية ودمجه في القوة العسكرية اليهودية، أما القرى الفلسطينية وهذا ما أدهش فقد "واصلت حياتها كالمعتاد".
كما أن الجنود الأردنيين بدوا كأنهم يعتبرون الوضع طبيعياً، ولم ينشغلوا بأي استعدادات خاصة.
النخبة الحضرية الفلسطينية أخذت تترك بيوتها وتنتقل إلى مساكنها الشتوية في سورية ولبنان ومصر، وكان ذلك ردة فعل نموذجية من جانب النخب الحضرية في أوقات الأزمات – الذهاب إلى مكان آمن ريثما يهدأ الوضع[3].
إن جيش الإنقاذ فشل في التعاون مع المجموعات شبه العسكرية التي كان يقودها عبد القادر الحسيني في القدس، وحسن سلامة في يافا وتسبب فقدان التعاون هذا باتخاذ جيش الإنقاذ، في كانون الثاني / يناير 1948، قراراً بعدم العمل في المدن، ومحاولة مهاجمة المستعمرات اليهودية المنعزلة بدلاً من ذلك، وكان قائد جيش الإنقاذ، الضابط السوري فوزي القاوقجي، هو من قاد مجموعة المتطوعين، المشكلة أساساً من عراقيين، إلى فلسطين في ثورة 1936، ومنذ ذلك الوقت ظل على خلاف مع عائلة الحسيني، وقدم هؤلاء إلى حكومتي سورية والعراق، اللتين كلفتاه الذهاب إلى فلسطين في سنة 1936 وسنة 1948، وكانت الحكومة العراقية ترى في الحاج أمين الحسيني منافساً للأردن الذي تحكمه العائلة الهاشمية، بينما كانت الحكومة السورية في ذلك الوقت تخشى طموحاته القومية الوحدوية ومن ثم، فان قرار جامعة الدول العربية بتقسيم فلسطين بين ثلاثة قادة، القاوقجي في الشمال، وعبد القادر في القدس، وسلامة في يافا، كان مهزلة وما كان لدى الفلسطينيين أنفسهم من قوة عسكرية قليلة أصبح عديم الفعالية تماما بسبب الطريقة التي استخدم فيها.
بعد أيام من انجاز طباعة الخطة دالت، وزعت على قادة ألوية الهاغاناه، التي أصبح عددها اثني عشر لواء، ومع كل قائمة تسلمها القائد كان هناك وصف مفصل للقرى الواقعة في مسرح عملياته، والمصير الذي يجب أن تؤول إليه: احتلال وتدمير وطرد وتظهر الوثائق الإسرائيلية في أرشيفات الجيش الإسرائيلي التي أفرج عنها أواخر التسعينات بوضوح أن الخطة دالت التي أرسلت إلى قادة الألوية لم تكن، كما ادعى مؤرخون مثل بني موريس، خطوطاً موجهة مبهمة، وإنما أوامر للتنفيذ واضحة جداً.
تصف كتب التاريخ الإسرائيلية الشهر التالي، نيسان / ابريل 1948، بأنه كان نقطة انعطاف، وبحسب رؤيتها للأمور، فان مجتمعاً يهودياً معزولاً ومهدداً في فلسطين كان ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، بعد إن كان على وشك أن يهزم، أما حقيقة الأمر، فهي أن الوضع كان دائماً أبعد ما يكون عن ذلك، فالميزان العام العسكري والسياسي والاقتصادي بين المجتمعين لم يكن يعني أن أغلبية اليهود لم تكن عرضة لأي خطر على الإطلاق فحسب، بل أيضاً إن الجيش اليهودي كان قادراً، بين بداية كانون الأول / ديسمبر 1947 ونهاية آذار / مارس 1948، على انجاز المرحلة الأولى من تطهير فلسطين عرقياً، حتى قبل وضع الخطة الرئيسية موضع التنفيذ، وان كان هناك نقطة انعطاف في نيسان / ابريل، فإنها تمثلت في الانتقال من الهجمات المتفرقة والهجمات المضادة على السكان المدنيين الفلسطينيين إلى عملية ضخمة منظمة هدفها تطهير فلسطين عرقياً.
 
مخطط التطهير العرقي - عملية نحشون - أول عملية في خطة دالت:
طلب من كل لواء مفرز للعملية الاستعداد للانتقال إلى "متساف دالت" ، أي الحالة "د" التي تعني التأهب لتنفيذ أوامر الخطة "د" سوف تنتقلون إلى الحالة دالت من أجل التنفيذ العملي للخطة دالت – هذه كانت الجملة الأولى في الأوامر الصادرة إلى كل وحدة، ثم تلاها: "سيتم تحديد القرى التي يجب احتلالها وتطهيرها أو تدميرها.
وإذا حكمنا بموجب المحصلة النهائية لهذا المرحلة، واعني بها نيسان / ابريل – أيار / مايو 1948، فإن المشورة كانت عدم الإبقاء ولو على قرية واحدة، وبذلك تحولت الخطة الرئيسية إلى أمر عسكري بالشروع في تدمير القرى.
تلقت وحدات البالماخ أوامرها بالقيام بعملية نحشون في اليوم الأول بالذات من نيسان / ابريل 1948.
كانت الأوامر واضحة، الهدف الرئيسي للعملية هو تدمير القوى العربية وطرد القرويين كي يصبحوا عبئاً اقتصادياً على القوات العربية العامة.
واقترنت "عملية نحشون" بتجديدات في نواح أخرى أيضاً، فقد كانت أول عملية حاولت فيها جميع المنظمات العسكرية اليهودية المتعددة أن تعمل كجيش موحد، واضعة بذلك الأساس للجيش الإسرائيلي المترقب.
وفي ذلك اليوم نفسه سقطت أول قرية من القرى الفلسطينية العديدة الموجودة حول القدس بأيدي اليهود. (القسطل).
وفي 9 نيسان / ابريل، قتل عبد القادر الحسيني في المعركة بينما كان يدافع عن القرية، وقد أدى موته إلى تدهور معنويات جنوده إلى حد أن القرى الأخرى في القدس الكبرى سقطت كلها بسرعة بأيدي القوات اليهودية، حوصرت واحدة تلو الأخرى، ثم هوجمت واحتلت، وطرد سكانها، وهدمت بيوتهم ومبانيهم، وفي عدد منها، رافق الطرد مجازر كأن أسوؤها صيتاً المجزرة التي ارتكبتها القوات اليهودية، يوم سقوط القسطل نفسه في دير ياسين.
دير ياسين:
في 9 نيسان/ ابريل 1948، احتلت القوات اليهودية قرية دير ياسين الواقعة على هضبة إلى الغرب من القدس، على ارتفاع ثمانمائة متر فوق سطح البحر بالقرب من حي غفعات شاؤول اليهودي، وتستخدم مدرسة القرية القديمة اليوم مستشفى للأمراض العقلية يخدم الحي الغربي الذي تمدد فوق أراضي القرية المدمرة.
عندما اقتحم الجنود اليهود القرية، رشقوا البيوت بنيران المدافع الرشاشة، متسببين بقتل كثير من سكانها، ومن ثم جمعوا بقية القرويين في مكان واحد وقتلوهم بدم بارد، وانتهكوا حرمة أجسادهم، في حين اغتصب عدد من النساء ثم قتلن.
قريتان في المنطقة نفسهما أعفيتا من التدمير: أبو غوش والنبي صموئيل، وكان السبب في ذلك أن مختاريهما أقاما علاقات ودية مع القادة المحليين لعصابة شتيرن ومن سخريات القدر إن هذا كان ما حال بينهما وبين الدمار والطرد، إذ أرادت الهاغاناه تدميرهما، لكن الجماعة الأكثر تطرقاً، عصابة شتيرن، سارعت إلى نجدتهما.
 
تدمير المدن الفلسطينية:
               إن ثقة القيادة اليهودية في أوائل نيسان / ابريل بقدرتها لا على الاستيلاء على المناطق التي منحتها الأمم المتحدة للدولة اليهودية فحسب، بل أيضا على تطهيرها، يمكن سبْرِها من الطريقة التي وجهت فيها الهاغاناه، مباشرة بعد عملية نحشون، اهتماماً إلى المراكز الحضرية الرئيسية في فلسطين، وقد هوجمت هذه المراكز بصورة منهجية خلال بقية الشهر، بينما كان موظفو الأمم المتحدة والموظفون البريطانيون يراقبون ما يجري بلا مبالاة ومن دون أن يحركوا ساكناً.
بعد أن سقطت حيفا لم يبق في فلسطين سوى مدن قليلة حرة، بينها عكا والناصرة وصفد.
لم تتخط حملة تدمير المدن الفلسطينية القدس، التي تحولت بسرعة من "المدينة الخالدة"، كما يصفها كتاب لسليم تماري صدر مؤخراً، إلى "مدينة أشباح".
قصفت القوات اليهودية الأحياء العربية الغربية ثم هاجمتها واحتلتها في نيسان / ابريل 1948، وكان عدد من السكان الأثرياء والقاطنين في الأحياء الفخمة قد غادر المدينة قبل عدة أسابيع.
عندما جرى تطهير هذه المناطق واحتلالها كانت القوات البريطانية لا تزال موجودة في فلسطين، لكنها ظلت بعيدة ولم تتدخل إنما في منطقة واحدة فقط، قرر قائد بريطاني التدخل، وكان ذلك في الشيخ جراح، وهو أول حي فلسطيني بني خارج أسوار البلدة القديمة، وكانت تقيم به العائلات العريقة الرئيسية، مثل آل الحسيني والنشاشيبي والخالدي.
يخبر الدكتور الخالدي، في إحدى برقياته في أوائل كانون الثاني / يناير، الحاج أمين، الموجود في القاهرة، كيف انه في كل يوم تقريباً يتظاهر حشد غاضب من المواطنين أمام منزله باحثاً عن قيادة، ومطالباً بالمساعدة، ويضيف أن الأطباء أخبروه أن المستشفيات تغص بالمصابين، وان الأكفان التي لديهم لا تكاد تكفي الموتى، وان حالة من الفوضى العارمة تعم المدينة، والناس مصابون بذعر شديد.
واصلت حملة تدمير المدن الفلسطينية اندفاعها، فاحتلت عكا على الساحل، وبيسان في الشرق، في 6 أيار/ مايو 1948، في بداية أيار/ مايو برهنت عكا مرة أخرى أن نابليون لم يكن وحده من اكتشف أن من الصعب إخضاعها، وعلى الرغم من الازدحام الشديد الناجم عن تدفق اللاجئين الهائل من مدينة حيفا المجاورة إليها، والقصف اليومي العنيف، فقد فشلت القوات اليهودية في قهر المدينة الصليبية.
ويبدو أنه جرى خلال الحصار تلويث المياه بجراثيم التيفوئيد، وقد رفع مبعوثو الصليب الأحمر الدولي المحليون إلى مركزهم الرئيسي تقارير بذلك، ولم يتركوا أدنى شك فيمن يشتبهون: الهاغاناه، وتصف تقارير الصليب الأحمر تفشياً مفاجئاً لمرض التيفوئيد.
مع تدهور المعنويات جراء وباء التيفوئيد والقصف العنيف، استجاب الناس للدعوة المنطلقة من مكبرات الصوت التي كانت تصرخ بهم: "استسلموا أو انتحروا سنبيدكم حتى آخر رجل فيكم"، وروى الملازم بوتيت، وهو مراقب فرنسي تابع للأمم المتحدة، أنه بعد سقوط المدينة بيد القوات اليهودية، تعرضت لحملة نهب منظمة واسعة النطاق قام بها الجيش، وشملت الأثاث والملابس وأي شيء قد يكون مفيداً للمهاجرين اليهود الجدد، أو من شأن أخذه أن يثني اللاجئين عن العودة.
جرت محاولة مشابهة لتسميم مصادر مياه غزة في 27 أيار / مايو، لكنها أحبطت، وقد ألقى المصريون القبض على يهوديين، دافيد حورن ودافيد مزراحي، بينما كانا يحاولان تلويث آبار المياه في غزة بجراثيم التيفوئيد والديزنطاريا، وأعدم المصريون اليهوديين لاحقاً، ولم تصدر عن الإسرائيليين أية احتجاجات رسمية.
في الوقت الذي احتلت عكا تقريباً، احتل لواء غولاني مدينة بيسان بعملية جدعون.
كانت يافا آخر مدينة يجري احتلالها، وحدث ذلك في 13 أيار/ مايو، قبل يومين من انتهاء الانتداب، في 13 أيار/ مايو هاجم 5000 جندي تابعين للهاغاناه والأرغون المدينة، بينما حاول متطوعون عرب بقيادة ميشيل العيسى، وهو مسيحي محلي، الدفاع عنها.
إجمالا كان ثمة في يافا قوة دفاعية أكبر مما كان لدى الفلسطينيين في أي موقع آخر: 1500 متطوع في مقابل 5000 جندي يهودي، وقد صمدت المدينة ثلاثة أسابيع في وجه الحصار والهجوم الذي بدأ في أواسط نيسان / ابريل وانتهى في أواسط أيار/ مايو وعندما سقطت طرد جميع سكانها البالغ عددهم 50.000 نسمة.
وبسقوط يافا، تم للقوات اليهودية إخلاء جميع مدن وبلدات فلسطين الرئيسية وطرد سكانها.
وكانت العمليات التي نفذت في الريف في نيسان/ ابريل متصلة بشكل أوثق بتدمير المدن الفلسطينية، فالقرى الواقعة بالقرب من المراكز الحضرية كانت تحتل ويطرد سكانها، وأحياناً تتعرض لمجازر، في حملة إرهابية مصممة لتمهيد الأرض لاحتلال ناجح للمدن.
وكان المراقبون التابعون للأمم المتحدة شهوداً على عملية الطرد وكان ممثلو وسائط الإعلام الغربية، بمن في ذلك مراسل الـ "نيويورك تايمز"، ما زالوا يرسلون قصصاً عن قرى منفردة، وعلى أية حال، فان القراء في الغرب لم تنقل إليهم قط الصورة الكاملة للأحداث، وعلاوة على ذلك، يبدو أن أياً من المراسلين الأجانب لم يكن يجرؤ على أن ينتقد علناً ما كانت تفعله الأمة اليهودية بعد مرور مجرد ثلاثة أعوام على الهولوكوست.
وكانت واحدة من النتائج المأساوية لهذا الانتقال إلى معسكر العدو أن القوات الدرزية أصبحت الأداة الرئيسية بأيدي اليهود لتنفيذ تطهير الجليل عرقياً، كما أن هذا التحالف مع الحركة الصهيونية ولد لدى بقية الفلسطينيين نفوراً شديداً من الدروز.
كما أن طائفة أخرى، الشركس القاطنين في عدة قرى شمال البلد، قررت هي أيضاً إظهار ولائها للقوة العسكرية اليهودية المتفوقة، وانضم 350 من أبنائها إلى القوات اليهودية في نيسان/ ابريل، وسيشكل هذا المزيج من الدروز والشركس لاحقاً نواة حرس الحدود الإسرائيلي، الوحدة العسكرية الرئيسية لحفظ الأمن، أولاً في المناطق العربية قبل سنة 1967، ثم لتعزيز الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بعد سنة 1967.
 
 
 
ردات فعل العرب:
عندما احتلت القوات اليهودية أول القرى العربية في كانون الأول/ ديسمبر 1947 ودمرتها، بدا الأمر كما لو أن الجليل هو المنطقة الوحيدة التي تتوفر فيها الفرصة لإيقاف الهجمات اليهودية، بمساعدة فوزي القاوقجي.
فبعد أن هاجم القاوقجي عدداً من المستعمرات المعزولة والقوافل التي تحركت لنجدتها، بدأ يسعى في كانون الثاني / يناير إلى هدنة، وواصل مساعيه طوال شباط/ فبراير وآذار/ مارس 1948، فقد أدرك أن اليهود يتمتعون بالتفوق في جميع النواحي العسكرية، وحاول التفاوض مباشرة مع الهيئة الاستشارية، التي كان يعرف بعض أعضائها في فترة الثلاثينات، وفي نهاية آذار/ مارس، اجتمع بيهوشواع بالمون، بمباركة، كما يبدو مع ملك الأردن عبد الله، وعرض على بالمون معاهدة عدم اعتداء تبقى القوات اليهودية بموجبها داخل المناطق المخصصة للدولة اليهودية وتسمح في النهاية بالتفاوض في شأن فلسطين مكونة من كانتونات، ومن نافلة القول أن مقترحات القاوقجي قوبلت بالرفض، ومع ذلك لم يشن أي هجوم ذي قيمة، ولم يكن في قدرته أن يفعل ذلك، إلى أن اندفعت القوات اليهودية إلى داخل المناطق التي خصصتها الأمم المتحدة للدولة العربية.
ورافق ظهور القاوقجي وصول متطوعي الإخوان المسلمين من مصر إلى الساحل الجنوبي، وكانوا مفعمين بالحماسة، لكنهم غير فعالين على الإطلاق كجنود وقوات، كما ثبت بسرعة عندما احتلت القرى التي كان من المفروض أن يدافعوا عنها، وأخليت ودمرت بتتابع سريع.
في كانون الثاني يناير 1948، بلغ الحديث الطنان عن الحرب في العالم العربي ذروة جديدة، لكن الحكومات العربية بصورة عامة لم تذهب إلى ما هو أبعد من الكلام عن الحاجة إلى إنقاذ فلسطين.
وقد سيطر الأردنيون فعلاً في نهاية المطاف على المنطقة التي أصبحت معروفة باسم الضفة الغربية، وجرى ضم معظمها من دون أن تطلق رصاصة واحدة.
تأثر القرار العربي بشان حجم التدخل والمساعدة تأثراً مباشراً بالتطورات على الأرض، وما كان يجري على الأرض تابعه السياسيون بقلق متزايد، والمثقفون والصحافيون برعب: بداية عملية إخلاء البلد من سكانه العرب وهي تتكشف بالتدريج أمام أبصارهم، وفي تلك المرحلة المبكرة، بداية سنة 1948، لم يكن لديهم، إلا قلة منهم، أدنى شك في أن كارثة رهيبة على وشك أن تحل بالشعب الفلسطيني، غير أنهم ماطلوا، بقدر ما استطاعوا، وأجلوا التدخل العسكري المحتم، وعندما تدخلوا كانوا سعداء بإنهائه بأسرع وقت ممكن: كانوا يعرفون تمام المعرفة لا أن الفلسطينيين هزموا فحسب، بل أيضاً انه لا توجد فرصة أمام جيوشهم في مواجهة مع القوات اليهودية المتفوقة، وفي الواقع أرسلوا قواتهم إلى حرب كانوا يعرفون أن لا فرصة أمامهم لكسبها.
وكي لا تسحب القادة دوامة يمكن أن تقوض مكانتهم المهتزة أصلاً في مجتمعاتهم، أحالوا أمر اتخاذ القرار على مؤسستهم الإقليمية، مجلس جامعة الدول العربية وكان هذا هيئته غير فعالة لأنه كان في الإمكان رفض قراراته، أو إساءة تفسيرها، أو – إذا قبلت – تنفيذها جزئياً، وقد تباطأت هذه الهيئة في مناقشتها حتى بعد إن أصبحت حقيقة ما يجري في أرياف فلسطين ومدنها واضحة ومؤلمة إلى حد لم يعد من الممكن تجاهلها، وفي نهاية نيسان/ إبريل 1948 فقط قررت إرسال جيوش إلى فلسطين، وذلك بعد إن كان تم فعلاً طرد ربع مليون فلسطيني، وتدمير مائتي قرية، وإخلاء عشرات المدن.
قبل أن يتخذ القرار النهائي بالدخول، في 30 نيسان/ أبريل، كانت ردات فعل الدول العربية متباينة، فقد طلب مجلس الجامعة من الجميع إرسال أسلحة ومتطوعين، لكن البعض لم يستجب للطلب، المملكة العربية السعودية ومصر تعهدتا بمساعدة مالية قليلة، ووعد لبنان بإرسال عدد محدود من البنادق، ويبدو أن سورية كانت الدولة الوحيدة الراغبة في القيام باستعدادات عسكرية جدية، وأقنعت العراق بتدريب متطوعين وإرسالهم إلى فلسطين.
لم يكن هناك نقص في المتطوعين، كثيرون في الدول العربية المحيطة بفلسطين تظاهروا ضد تقاعس حكوماتهم عن العمل، وآلاف من الشبان كانوا راغبين في التضحية بحياتهم من أجل الفلسطينيين.
الشخص الغريب في هذه التركيبة كان ملك الأردن عبد الله، الذي استخدم الوضع الجديد لتكثيف مفاوضاته مع الوكالة اليهودية من أجل اتفاق مشترك بشأن فلسطين ما بعد الانتداب، وتكشف مذكرات فوزي القاوقجي عن الإحباط المتنامي لدى ضباط جيش الإنقاذ من عدم استعداد وحدات الفيلق العربي، المرابطة في فلسطين للتعاون مع قواته.
في أثناء العمليات اليهودية ما بين كانون الثاني / يناير وأيار/ مايو 1948، عندما طرد ما يقارب 250.000 فلسطيني من بيوتهم، لم يحرك الفيلق العربي ساكناً.
وفي أوائل شباط/ فبراير 1948، سافر رئيس الحكومة الأردنية إلى لندن لاطلاع البريطانيين على التحالف الضمني المبرم مع القيادة اليهودية بشان تقسيم فلسطين ما بعد الانتداب بين الأردنيين والدولة اليهودية ويضم الأردنيون معظم المناطق المخصصة للدولة العربية في قرار التقسيم، وفي المقابل لا يشتركون في العمليات العسكرية ضد الدولة اليهودية، وبارك البريطانيون الخطة.
كان الفيلق العربي، أي الجيش الأردني، أفضل الجيوش تدريباً في العالم العربي، وكان يعادل القوات اليهودية، بل حتى كان يتفوق عليها في بعض المناطق، لكن نشاطه اقتصر، بناء على أوامر من الملك عبد الله ورئيس هيئة أركانه البريطاني، جون غلوب باشا، على المناطق التي اعتبرها الأردنيون لهم: القدس الشرقية، والمنطقة المعروفة حالياً باسم الضفة الغربية.
فيما يتعلق بالقيادة الفلسطينية، فإن ما بقي منها كان مجرد شظايا وفي حالة فوضى كاملة، بعض أعضائها رحل بسرعة على أمل أن يكون رحيله مؤقتاً، لكن هذا الأمل خاب، عدد قليل جداً منهم رغب في البقاء ومواجهة العدوان اليهودي في كانون الأول/ ديسمبر 1947 وبداية عمليات التطهير في كانون الثاني/ يناير 1948، وبقي فعلاً، وظل رسمياً في عضوية اللجان القومية، وكان من المفروض ان تنسق بين نشاطات هؤلاء الأعضاء وتشرف عليهم الهيئة العربية العليا، الحكومة غير الرسمية للفلسطينيين منذ الثلاثينات، لكن نصف أعضائها كان رحل والنصف الباقي وجد من الصعب عليه القيام بالعبء.
مع انه كان في استطاعتهم بكل سهولة اختيار الرحيل، ونذكرهم بالاسم: اميل الغوري، أحمد حلمي، رفيق التميمي، معين الماضي، حسين الخالدي، وكان كل منهم على اتصال بعدة لجان قومية محلية، وبالحاج أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا، الذي كان يتابع الأحداث مع زميليه المقربين منه، الشيخ حسن أبو السعود واسحق درويش، من القاهرة، حيث كان يقيم.
اما قريبه جمال الحسيني، القائم بأعمال رئيس الهيئة العربية العليا في أثناء غيابه، فكان سافر الى الولايات المتحدة لمحاولة اطلاق حملة دبلوماسية متأخرة ضد قرار الأمم المتحدة وهكذا، فان المجتمع الفلسطيني كان من جميع النواحي شعباً بلا قيادة.
في هذا السياق لا بد من العودة الى ذكر عبد القادر الحسيني مرة أخرى، لأنه حاول ان ينظم وحدة شبه عسكرية من القرويين ليحموا انفسهم، وقد صمد جيشه، "الجهاد المقدس"، الذي كان اسمه المهيب أبعد ما يكون عن واقع المجموعات غير المستقرة التي كان مكوناً منها، حتى 9 نيسان/ أبريل، عندما هزم وقتل قائده على يد قوات الهاغاناه المتفوقة عدداً وعدة وخبرة عسكرية.
وبذل جهد مشابه في منطقة يافا الكبرى من جانب حسن سلامة، ومحمد نمر الهواري (الذي استسلم لاحقاً لليهود وأصبح اول قاض فلسطيني في اسرائيل في الخمسينات)، وقد حاول الاثنان تحويل حركتيهما الكشفيتين الى وحدتين عسكريتين، لكنهما أيضاً هزمتا خلال أسابيع قليلة.
اذا، قبل نهاية الانتداب البريطاني لم يشكل المتطوعون العرب القادمون من الخارج، ولا القوات شبه العسكرية في الداخل، خطراً جدياً على المجتمع اليهودي من شانه ان يؤدي الى خسارته المعركة او الاضطرار الى الاستسلام.
غير ان الرأي العام الاسرائيلي، والامريكي بصورة خاصة، نجحا في تخليد أسطورة أن الدولة اليهودية المرتقبة كانت عرضة لخطر التدمير أو لـ "هولوكوست أخرى" وباستغلال هذه الأسطورة، ستحصل اسرائيل في وقت لاحق على دعم هائل للدولة من الجوالي اليهودية في مختلف انحاء العالم، بينما حولت العرب ككل، والفلسطينيين بصورة خاصة، الى شياطين في نظر الرأي العام الأمريكي، اما الواقع على الأرض فكان طبعاً، نقيض ذلك تماماً: الفلسطينيون كانوا يتعرضون لطرد جماعي هائل.
 
خيانة الأمم المتحدة:
بموجب قرار التقسيم، كان ينبغي للامم المتحدة ان تكون حاضرة على الأرض لتشرف على تنفيذ خطتها للسلام، أي جعل فلسطين بكاملها بلداً مستقلاً، يشتمل على دولتين متميزتين تجمعهما وحدة اقتصادية، وقد تضمن القرار الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 أموراً الزامية واضحة جداً، منها التعهد بأن تمنع الأمم المتحدة أية محاولة من أي الطرفين لمصادرة أراض تعود ملكيتها الى مواطني الدولة الأخرى، أو أية مجموعة قومية اخرى – سواء كانت أراضي مزروعة، أي أراضي مراحة من غير زرع لمدة عام تقريباً.
وكان وجود الأمم المتحدة في فلسطين محدوداً لان السلطات البريطانية منعت وجود فريق منظم من الأمم المتحدة على الأرض، متجاهلة بذلك الجزء من قرار التقسيم القاضي بوجود لجنة من الأمم المتحدة في فلسطين.
لقد سمحت بريطانيا بحدوث التطهير العرقي الذي جرى تحت بصر وسمع جنودها وموظفيها خلال فترة الانتداب التي انتهت في منتصف ليل 14 أيار / مايو 1948، كما أنها أعاقت جهود الأمم المتحدة للتدخل بطريقة كان من الممكن أن تؤدي الى انقاذ كثيرين من الفلسطينيين.
أما الأمم المتحدة، فلا يمكن تبرئتها من ذنب التخلي، بعد 15 أيار/ مايو، عن الشعب الذي قسمت أرضه وسلمت أرواحه وأرزاقه الى اليهود الذين كانوا، منذ نهاية القرن التاسع عشر، يريدون اقتلاعه والحلول مكانه في البلد الذي كانوا يعتقدون انه ملك لهم.
 
الحرب المزيفة والحرب الحقيقة على فلسطين أيار / مايو 1948:
لا عجب في أن رئيس هيئة أركان الفيلق العربي الانكليزي، غلوب باشا، سمى حرب 1948 في فلسطين بـ "الحرب المزيفة"، وكان يعلم، مثل المستشارين البريطانيين للجيوش العربية – وكانوا كثيرين – أن التحضيرات الأساسية التي كانت تقوم بها الجيوش العربية الأخرى من اجل عملية انقاذ في فلسطين كانت عقيمة – بعض زملائه وصفها بأنها "مثيرة للشفقة".
التغيير الوحيد الذي نجده في السلوك العربي العام فور انتهاء الانتداب كان في الخطاب البلاغي، طبول الحرب أصبح ضجيجها أعلى واكثر صخباً من ذي قبل لكنها فشلت في تغطية التقاعس والارتباك والفوضى التي كانت سائدة.
في بداية حزيران/ يونيو، كانت قائمة القرى التي مسحت من على وجه الأرض تشمل على كثير من القرى التي كانت في حماية الكيبوتسات المجاورة، ومن هذه القرى في لواء غزة: نجد، برير، سمسم، كوفخة، المحرقة، هوج، ويبدو ان الكيبوتسات المجاورة أصيبت بصدمة حقيقة عندما عرفت ان هذه القرى الصديقة هوجمت بوحشية ودمرت بيوتها وطرد سكانها.
وصل الكونت فولك برنادوت الى فلسطين في 20 أيار/ مايو وبقي هناك إلى ان اغتاله ارهابيون يهود في أيلول / سبتمبر لأنه "تجرأ" على تقديم اقتراح بتقسيم البلد مناصفة، وعلى المطالبة بعودة جميع اللاجئين، وكان طالب بالسماح للاجئين بالعودة خلال الهدنة الأولى، وقوبل طلبه بالتجاهل، وعندما كرر توصيته في التقرير النهائي الذي رفعه إلى الأمم المتحدة تبنت في وقت لاحق، في كانون الأول/ ديسمبر 1948، مطلبه فأوصت بعودة غير مشروطة لجميع اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل، وكان ذلك قراراً من جملة قرارات كثيرة للأمم المتحدة تجاهلتها إسرائيل بانتظام، وكان ذلك قراراً من جملة قرارات كثيرة للأمم المتحدة تجاهلتها إسرائيل بانتظام، وكان برنادوت، بصفته رئيساً للصليب الأحمر السويدي، قد ساهم في إنقاذ يهود من أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب وافقت الحكومة الإسرائيلية على تعيينه وسيطاً للأمم المتحدة، لكنها لم تتوقع منه ان يحاول ان يفعل للفلسطينيين ما فعله لليهود قبل أعوام قليلة.
عندما هدأ الضغط الدولي ووضعت إسرائيل قواعد واضحة لتقسيم الغنائم، أضفت لجنة الشؤون العربية أيضاً صفة رسمية على الموقف الحكومي تجاه الفلسطينيين الذين بقوا داخل أراضي الدولة وصاروا الآن مواطنين إسرائيليين، وكان عددهم نحو 150.000 نسمة، وأصبحوا يسمون "العرب الإسرائيليين" – كما لو ان من المعقول ان تتحدث عن "سوريين عرب" أو "عراقيين عرب"، لا عن "سوريين" او "عراقيين" وقد وضعوا تحت حكم عسكري، قائم على أساس قوانين الطوارئ التي سنت خلال فترة الانتداب البريطاني في سنة 1945، والذي وضعهم كان مناحم بيغن لا غيره، وقد ألغت هذه القوانين، الشبيهة بـ "قوانين نورمبرغ" لسنة 1935، فعلياً الحقوق الأساسية: الحق في التعبير، والحركة، والتنظيم، والمساواة أمام القانون، وترك لهم حق التصويت والترشيح في الانتخابات لمجلس النواب الإسرائيلي، لكن مع تقييدات شديدة وظل هذا النظام سارياً رسمياً حتى سنة 1966، لكنه لمقاصد وأغراض كثيرة، ما زال مطبقاً حتى الآن.
وقد استمرت الحكومة في مصادرة أراضي الفلسطينيين منذ خمسينات القرن الماضي فصاعداً برعاية الصندوق القومي اليهودي.
ان الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لم يتضمن طرد أصحابها الشرعيين ومنعهم من العودة واسترداد ملكيتهم لها فحسب، بل أيضاً اعادة ابتكار القرى الفلسطينية كأمكنة يهودية محضة، او امكنة عبرية "قديمة".
 
إنكار النكبة وعملية السلام
بينما أخضع الفلسطينيون الذين أخفقت إسرائيل في طردهم من البلد لنظام الحكم العسكري الذي وضعته موضع التنفيذ في تشرين الأول/ أكتوبر 1948، وأصبح الموجودون منهم في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت احتلال عربي، تفرق الباقون في أرجاء الدول العربية المجاورة حيث وجدوا مأوى لهم في مخيمات خيام زودتهم بها منظمات الإغاثة الدولية.
في أواسط سنة 1949 تدخلت الأمم المتحدة لمحاولة التعامل مع النتائج المرة التي نجمت عن خطة السلام التي أقرتها في سنة 1947.
وكان واحداً من أول القرارات المضللة التي اتخذتها عدم إشراك منظمة اللاجئين الدولية وإنما إنشاء وكالة خاصة للاجئين الفلسطينيين وكانت إسرائيل والمنظمات اليهودية في الخارج وراء القرار بابقاء منظمة اللاجئين الدولية خارج الصورة.
وهكذا ولدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا / UNRWA) في سنة 1949، ولم تكن الأونروا ملتزمة عودة اللاجئين وفقاً لما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وإنما أنشئت فقط لتوفير عمل ومساعدات لنحو مليون لاجئ فلسطيني انتهى الأمر بهم إلى الإقامة بالمخيمات.
ولم يمض وقت طويل في ظل هذه الأوضاع قبل ان تعود القومية الفلسطينية الى الظهور، وتمحورت حول حق العودة وزودت هذه القومية الصاعدة الناس بإحساس جديد بوجهة القصد، والهوية، بعد النفي والدمار الذين تعرضوا لهما في سنة 1948.
أول الخطوط الموجهة الإسرائيلية الثلاثة – أو بالأحرى البديهيات – كان ان الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يرجع في أصله الى سنة 1967، ومن اجل حله، فان كل ما يحتاج المرء اليه هو اتفاقية تقرر مكانة الضفة الغربية وقطاع غزة المستقبلية، بكلمات أخرى: بما ان هاتين المنطقتين تشكلان فقط 22% من فلسطين، فان إسرائيل بضربة واحدة قصرت أي حل سلمي على جزء صغير فقط من الوطن الفلسطيني الأصلي.
البديهة الإسرائيلية الثانية هي ان كل شيء مرئي في هاتين المنطقتين، الضفة الغربية وقطاع غزة، يمكن تقسيمه أكثر مرة أخرى، وهذه القابلية للقسمة تشكل واحداً من مفاتيح التوصل الى السلام، ومن ناحية إسرائيل، فان تقسيم كل ما هو مرئي لا ينحصر في الأرض فقط، بل يشمل أيضا الناس والموارد الطبيعية.
اما البديهة الثالثة، فهي ان لا شيء مما حدث قبل سنة 1967، بما في ذلك النكبة والتطهير العرقي، يمكن التفاوض في شأنه وما ينتج من ذلك واضح تماماً، أنها تشطب كلياً مشكلة اللاجئين من جدول أعمال السلام، وتحذف حق الفلسطينيين في العودة معتبرة إياه مطلباً يحول أصلاً دون قيام مفاوضات، وهذه البديهة الأخيرة تعادل بين نهاية الاحتلال ونهاية الصراع، وهي مترتبة تلقائياً عن البديهيتين السابقتين، اما بالنسبة الى الفلسطينيين، فان سنة 1948 هي طبعاً لب المشكلة، ومعالجة ما ارتكب فيها وهي وحدها الكفيلة بوضع حد للصراع في المنطقة.
ومن اجل تفعيل هذه الخطوط الموجهة، المقصود منها بوضوح وضع الفلسطينيين خارج الصورة، كانت إسرائيل بحاجة إلى العثور على شريك يمكن ان يقبل بها وقد ورد في الاقتراحات التي قدمت لهذا الغرض الى ملك الأردن، حسين، بواسطة الدبلوماسي الماهر، وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، هنري كيسنجر.
وقد اقر الأمريكيون ما يسمى "الخيار الأردني" حتى سنة 1987، أي حتى اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى في كانون الأول/ ديسمبر من تلك السنة، بينما كان الملك حسين في أعوام تالية مرتبكاً وغير قادر على التفاوض بالنيابة عن الفلسطينيين لان منظمة التحرير الفلسطينية كانت تتمتع بشرعية عربية وعالمية.
واقترح الرئيس المصري أنور السادات، خياراً مشابهاً في مبادرته للسلام التي قدمها إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني، مناحم بيغن، وكانت الفكرة القبول باستمرار سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينية المحتلة، ومنح الفلسطينيين فيها حكماً ذاتياً، وكان ذلك في الجوهر نسخة أخرى عن التقسيم، اذ ترك لإسرائيل 80% من فلسطين ملكية مباشرة، وللـ 20% المتبقية سيطرة غير مباشرة عليها.
سحقت الانتفاضة الفلسطينية في سنة 1987 جميع خيارات الحكم الذاتي، وأدت الى تخلي الاردن عن طرح نفسه شريكاً في أية مفاوضات مستقبلية.
وكانت نتيجة هذه التطورات ان اضطر معسكر السلام الإسرائيلي الى قبول الفلسطينيين شركاء في أية تسوية مستقبلية، وقد حاول في البداية بمساعدة الأمريكيين، كالعادة التفاوض من اجل السلام مع القيادة الفلسطينية في المناطق المحتلة، التي سمح لها بالمشاركة، بصفتها وفداً رسمياً، في مؤتمر مدريد للسلام سنة 1991.
جرى إعادة ربط وتوضيح بديهيات إسرائيل بشان "السلام" خلال أيام يتسحاق رابين، يتسحاق رابين نفسه الذي قام، كضابط شاب، بدور فعال في التطهير العرقي سنة 1948، لكنه انتخب في سنة 1992 رئيساً للحكومة على أساس برنامج تعهد فيه باستئناف جهود السلام.
في صميم مساعي رابين السلمية كان يقف اتفاقا أوسلو اللذان بدآ تدحرجهما في أيلول/ سبتمبر 1993، وهنا، مرة أخرى كان التصور وراء العملية صهيونياً كانت النكبة غائبة تماماً وكان مهندسو صيغة أوسلو مثقفين إسرائيليين ينتمون طبعاً إلى "معسكر السلام" وأدوا دوراً مهماً في الحياة العامة الإسرائيلية منذ سنة 1967، وقد أسسوا حركة غير برلمانية سميت "السلام الآن" ووقفت إلى جانبها عدة أحزاب سياسية لكن حركة السلام الآن تجنبت دائماً مسألة حرب 1948، وتحاشت قضية اللاجئين.
وعندما فعلت ذلك في سنة 1993، بدا انها وجدت شريكاً فلسطينياً في شخص ياسر عرفات مستعداً لسلام يدفن حرب 1948 وضحاياها.
وأسفرت الآمال الكاذبة التي أثارتها إسرائيل في أوسلو عن نتائج كارثية للشعب الفلسطيني، ضاعفها سقوط عرفات في فخ أوسلو الذي نصب له.
وكانت النتيجة حلقة مفرغة من العنف، فردات الفعل الفلسطينية اليائسة تجاه الاضطهاد الإسرائيلي، وأعاد الناخبون الإسرائيليون، الذين يسهل تخويفهم، حكومة يمينية الى الحكم، وفشل نتنياهو (1996 – 1999) في كل جانب من جوانب الحكم، وعاد حزب العمل الى سدة الحكم في سنة 1999 ومعه "معسكر السلام" بقيادة ايهود باراك.
ما كان بالنسبة إلى باراك مجرد خطوة تكتيكية لإنقاذ ماء وجهه، تصوره الفلسطينيون – خطأ – ذروة مفاوضات أوسلو، وعندما دعا رئيس الولايات المتحدة كلينتون رئيس الحكومة براك، والرئيس عرفات، الى الاجتماع في كامب ديفيد صيف سنة 2000، ذهب الفلسطينيون إلى هناك متوقعين مفاوضات حقيقية لإنهاء الصراع.
واعتقد الفلسطينيون ان المرحلة النهائية أتت وحان الوقت معها لمناقشة "أساسيات الصراع الثلاث" حق العودة، القدس، مستقبل المستعمرات الإسرائيلية.
وكان يتعين على منظمة التحرير الفلسطينية المتشظية – التي فقدت تأييد كل من أدرك خطورة أوسلو، بما في ذلك الحركات الإسلامية التي بدأت بالبروز في الثمانينات – ان تقدم خطة سلام مضادة وللأسف شعرت بأنها غير قادرة على القيام بذلك، وطلبت المشورة من جهات من المستغرب اللجوء إليها، مثل معهد ادم سميث، وبإشرافه، أدرج مفاوضون فلسطينيون النكبة ومسؤولية إسرائيل عنها في رأس جدول الأعمال الفلسطيني.
وكان معنى ذلك أنهم أخطئوا تماماً في قراءة مشروع السلام الأمريكي: إسرائيل فقط كان مسموحاً لها بوضع بنود جدول أعمال السلام، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتسوية الدائمة، وكان ما وضع على طاولة المفاوضات في كامب ديفيد الخطة الإسرائيلية حصراً، الحاصلة على موافقة كاملة من جانب الولايات المتحدة.
وعرضت إسرائيل بموجبها الانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، تاركة للفلسطينيين 15% من فلسطين الأصلية، لكن تلك الـ 15% ستكون عبارة عن كانتونات منفصلة تشطرها طرقات، ومستعمرات، ومعسكرات للجيش، وجدران.
والأفدح من ذلك، استثنت الخطة الإسرائيلية القدس – لن يكون هناك ابدا عاصمة فلسطينية في القدس، كما لم يكن هناك حل لمشكلة اللاجئين.
بكلمات أخرى: كانت مواصفات الدولة الفلسطينية المستقبلية، بحسب الاقتراح، تعادل تشويهاً كلياً لمفاهيم الدولة والاستقلال كما صرنا نقبلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكما أرادتها الدولة اليهوديهة لنفسها، بدعم من المجتمع الدولي، في سنة 1948.
وهنا حتى عرفات الضعيف الذي بدا حتى تلك اللحظة سعيداً بمظاهر السلطة التي حصل عليها على حساب السلطة الحقيقة التي لم يحصل عليها قط، أدرك ان من شان الاملاءات الإسرائيلية تفريغ المطالب الفلسطينية من أي محتوى، ورفض أن يوقع.
إن هذا الإذلال، مضافاً إليه الزيارة الاستفزازية التي قام بها أرئيل شارون للحرم الشريف في أيلول / سبتمبر 2000، أشعلا شرارة الانتفاضة الثانية، ومثل الانتفاضة الأولى، كانت هذه البداية احتجاجاً شعبياً خالياً من العسكرة، لكن اندلاع العنف الفتاك الذي قررت إسرائيل مواجهة الانتفاضة بها تسبب بتصاعدها الى صدام مسلح، الى حرب مصغرة غير متكافئة بصورة مريعة.
ويقف العالم متفرجاً بينما تهاجم القوة العسكرية الأعظم في المنطقة، بطوافات الأباتشي والدبابات والجرافات الضخمة، مدنيين عزلاً وغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ولاجئين معدمين، بينهم مجموعات ميليشيوية صغيرة تحاول بشجاعة، لكن من دون فعالية، المقاومة.
بالنسبة الى الفلسطينيين، الشيء الوحيد الايجابي الذي نجم عن حكاية كامب ديفيد هو ان القيادة الفلسطينية نجحت، على الأقل لفترة وجيزة، في لفت انتباه الجمهور المحلي والإقليمي، والى حد ما العالمي، الى نكبة 1948 فالناس المعنيون حقاً بالقضية الفلسطينية، لا في إسرائيل فحسب، بل في الولايات المتحدة أيضاً، وحتى في أوروبا، كانوا بحاجة الى تذكيرهم بان هذا الصراع لا يتعلق بمستقبل المناطق المحتلة فقط، بل في الصميم منه باللاجئين الذين طردتهم إسرائيل من فلسطين في سنة 1948، وتلك كانت مهمة شاقة جداً بعد أوسلو، لان الأمر بدا وقتها كان قضيتهم نحيت جانباً بموافقة الدبلوماسية والاستراتيجيا الفلسطينيين اللتين جرى إدارتهما بصورة سيئة.
وفي الواقع كانت النكبة حجبت عن جدول أعمال عملية السلام بإحكام شديد إلى درجة أنها عندما ظهرت فجأة عشية كامب ديفيد شعر الإسرائيليون بان صندوق باندورا فتح أمام أبصارهم، وكان اشد ما أخاف المفاوضين الإسرائيليين إمكان أن تصبح مسؤولية إسرائيل عن نكبة 1948 مسألة قابلة للتفاوض، ومن نافل القول أن هذا "الخطر" تمت مجابهته فوراً، فقد سارعت وسائط الإعلام الإسرائيلية والكنيست إلى بلورة إجماع كلي، محظور على أي مفاوض إسرائيلي حتى ان يناقش حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى البيوت التي كانت ملكاً لهم قبل سنة 1948، واقر الكنيست بسرعة قانوناً يؤكد ذلك، والتزم براك علناً، الإذعان له بينما كان يصعد سلم الطائرة التي أقلته إلى كامب ديفيد.
وراء هذه الإجراءات المفرطة التي لجأت إليها الحكومة الإسرائيلية لمنع أي مناقشة بشأن حق العودة، يكمن خوف عميق الجذور من أي نقاش بشأن أحداث 1948، لأن "معاملة" إسرائيل للفلسطينيين في تلك السنة من المحتم ان تثير أسئلة مقلقة تمس شرعية المشروع الصهيوني الأخلاقية بأسره، وهذا ما يجعل المحافظة على آلية إنكار قوية أمراً حيويا بالنسبة إلى الإسرائيليين، لا من اجل الاستعانة بها لإحباط المطالب المضادة التي كان الفلسطينيون يطرحونها خلال العملية السلمية فحسب، بل أيضاً – وهذا الأهم جداً – من أجل تفادي أي نقاش جدي بشأن جوهر الصهيونية وأسسها الأخلاقية.
بالنسبة إلى الإسرائيليين فان من شان الاعتراف بان الفلسطينيين ضحايا أفعال إسرائيلية ان يزعجهم بشدة، على الأقل من ناحيتين، فيما ان اعترافاً كهذا يعني الوقوف أمام ظلم تاريخي أوقعته إسرائيل خلال تطهير فلسطين عرقياً في سنة 1948، فانه يستدعي أسئلة تمس الأساطير التأسيسية لدولة إسرائيل، ويثير جملة من الأسئلة الأخلاقية التي تنطوي على مضامين متصلة بمستقبل الدولة لا مفر من التعامل معها.
ظاهرياً أعيد أحياء عملية السلام في سنة 2003 مع ظهور "خارطة الطريق"، وحتى مع مبادرة أجرأ الى حد ما، هي اتفاقية جنيف، وكانت خريطة الطريق من إنتاج اللجنة الرباعية، التي عينت نفسها وسيطاً (للعمل على حل الصراع) وتشكلت من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، وعرضت مخططاً رئيسياً لتحقيق السلام تبنى بسرور الموقف الإسرائيلي المجمع عليه كما تجسد في سياسات أرئيل شارون (رئيس الحكومة في سنة 2001، ومرة ثانية من سنة 2003 الى حين مرضه وخروجه من الحياة السياسية في سنة 2006) وقد نجح شارون، من خلال تحويله الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وفي سنة 2005 الى منجم ذهب إعلامي ، في خداع الغرب وإيهامه بأنه رجل سلام، لكن الجيش لا يزال يسيطر على القطاع من الخارج إلى الآن، وسيظل على الأرجح مسيطراً على الضفة كلياً، حتى لو سحب في المستقبل بعض المستوطنين والجنود من أماكن معينة هناك.
وما له دلالته أيضا ان لاجئي 1948 لا يرد أي ذكر لهم في جدول أعمال اللجنة الرباعية.
 
المشكلة الديموغرافية:
تتطلع ردة الفعل الصهيونية الى حل مشكلة "الميزان الديموغرافي" اما بالتخلي عن مناطق (تسطير عليها إسرائيل بشكل غير شرعي وخلافاً للقانون الدولي)، واما بـ "تقليص" المجموعة السكانية "الإشكالية".
وهذا لا جديد فيه، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر حددت الصهيونية "المشكلة السكانية" إنها العقبة الرئيسية امام تحقيق حلمها، كما أنها حددت الحل: "سوف نسعى لطرد السكان الفقراء عبر الحدود من دون ان يلحظهم أحد، ونوفر لهم أعملاً في دول العبور، لكن سنمنعهم من القيام بأي عمل في بلدنا".
وكان بن – غوريون واضحاً جداً في كانون الأول/ ديسمبر 1947 عندما قال انه "لا يمكن أن يكون هناك دولة يهودية مستقرة وقوية ما دامت الأغلبية اليهودية فيها لا تتعدى 60%".
ولقد أدى التطهير العرقي في فلسطين، الذي حرض عليه بن – غوريون في السنة التالية، والذي يمكن اعتباره تجسيداً لـ "مقاربته الجديدة" الى إنقاص عدد الفلسطينيين الى ما دون 20% من إجمالي عدد السكان في الدولة اليهودية الجديدة.
وفي كانون الأول / ديسمبر 2003، استحضر بنيامين نتنياهو إحصاءات بن – غوريون "المزعجة" قائلاً: "إذا صار العرب يشكلون 40% من السكان، فان هذا سيكون نهاية الدولة اليهودية"، وأضاف: "لكن نسبة 20% هي أيضاً مشكلة، وإذا صارت العلاقة بهؤلاء الـ 20% إشكالية، فان للدولة الحق في اللجوء الى إجراءات متطرفة" ولم يفصل أكثر في القول.
حالياً تحرر معظم الصحافيين والأكاديميين والسياسيين في إسرائيل، المنتمين إلى التيار المركزي، من أية كوابح سابقة عندما يتعلق الامر بالتحدث عن "المشكلة الديموغرافية"، ففي الداخل لا أحد يشعر بان عليه ان يشرح ما هو جوهر المشكلة، وعلى من يقع تأثيرها، وفي الخارج، منذ يوم نجحت إسرائيل بعد 9/11 في جعل الغرب يفكر في "العرب" في إسرائيل والفلسطينيين في المناطق المحتلة كـ "مسلمين"، وجدت من السهل عليها الحصول على تأييد لسياساتها الديموغرافية هناك أيضا، وبالتأكيد حيث الأمر شديد الأهمية: في الكابيتول هيل (مقر الكونغرس الأمريكي) ، وقد نشرت "معاريف"، الصحيفة الأكثر شعبية في إسرائيل، في 2 شباط/ فبراير 2003، مقالة تعكس بصورة نموذجية المزاج الجديد، تحت العنوان الرئيسي التالي: "ربع الأطفال في إسرائيل مسلمون" ووصفت المقالة هذه الحقيقة بأنها "القنبلة الموقوتة" التالية، فالزيادة السكانية الطبيعية لم تعد فلسطينية، وإنما أصبحت "مسلمة" – 2.4 % سنوياً – ولم تعد توصف بأنها مشكلة، وانما "خطر".
في سياق التوجه لانتخابات الكنيست في سنة 2006 ناقش العلماء المختصون مسألة "الميزان الديموغرافي" مستخدمين لغة شبيهة باللغة التي تستخدمها أغلبية السكان في أوروبا والولايات المتحدة في المناقشات بشأن الهجرة وكيفية استيعاب المهاجرين، او إعاقة استيعابهم، لكن ما يحدث في فلسطين هو ان مجتمع المهاجرين، هو الذي يقرر مستقبل السكان الأصليين، لا العكس.
لكن على الرغم من المثابرة الصهيونية فقد نجت جماعة كبيرة  الحجم من الفلسطينيين من التطهير العرقي، واليوم، أصبح أطفالها طلاباً في الجامعات حيث يتابعون مقررات تعليمية يلقي في سياقها أساتذة العلوم السياسية او الجغرافيا محاضرات عن تفاقم مشكلة "الميزان الديموغرافي" في إسرائيل، أما طلاب الحقوق – المحظوظون الذين قبلوا لدراسة الموضوع بموجب كوتا غير رسمية – في الجامعة العبرية في القدس، فقد يصادفون هناك الأساتذة روث غبيسون، وهي رئيسة سابقة لجمعية الحقوق المدنية ومرشحة لعضوية محكمة العدل العليا، والتي بدأت مؤخراً آراء متشددة تجاه الموضوع تعتقد انها تعكس اجماعاً عريضاً، اذ صرحت ان "لإسرائيل الحق في ضبط النمو الطبيعي الفلسطيني".
وبعيداً عن الجامعات، لا يستطيع الفلسطينيون الا ان يدركوا انه ينظر اليهم كمشكلة، فمن اليسار الى أقصى اليمين الصهيوني، يسمعون يومياً ان المجتمع اليهودي يتوق الى التخلص منهم، ويساورهم القلق، وبحق، كلما سمعوا انهم وعائلاتهم أصبحوا "خطراً"، لانهم ما داموا مشكلة فانهم قد يشعرون بانهم محميون بالادعاء الذي تشيعه إسرائيل في العالم الخارجي انها ديمقراطية ليبرالية، لكنهم يعرفون انه ما ان تعلن الدولة رسمياً انهم يشكلون خطراً حتى يتم إخضاعهم لسياسات الطوارئ الموروثة من فترة الانتداب البريطاني، والتي تحافظ عليها لاستخدامها عند اللزوم.
في كانون الأول/ ديسمبر 1948، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل في سنة 1948، في العودة الى ديارهم وهذا الحق راسخ في القانون الدولي، ومتوافق مع جميع أفكار العدالة الإنسانية، وما قد يفاجئ المرء هو انه معقول أيضاً من ناحية السياسة الواقعية.
ما لم تعترف إسرائيل بالدور الرئيسي الذي قامت به وتواصل القيام به، في نهب أراضي الفلسطينيين وطردهم، وما لم تقبل ما يتضمنه هذا الاعتراف بقيامها بالتطهير العرقي من نتائج، فان محاولات حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني جميعها سيكون نصيبها الفشل، كما اتضح في سنة 2000 عندما انهارت مبادرة أوسلو بسبب حق الفلسطينيين في العودة.
لكن هدف المشروع الصهيوني كان دائماً بناء قلعة "بيضاء" (غربية) في عالم "أسود" (عربي)، والدفاع عنها.
ويكمن في صميم رفض السماح للفلسطينيين بممارسة حق العودة خوف اليهود الإسرائيليين من أن يتفوق العرب عليهم عددياً في النهاية، ويثير هذا التوقع – ان تصبح قلعتهم مهددة – مشاعر قوية الى درجة ان الإسرائيليين لم يعد يهمهم، كما يبدو، ان يدين العالم بأسره أفعالهم.
وهذا الوضع ليس مختلفاً عن وضع الصليبيين الذين بقيت مملكتهم اللاتينية في القدس قرناً كاملاً تقريباً جزيرة منعزلة محصنة بينما هم محتمون بقلاع حصينة ضد الاندماج مع جيرانهم المسلمين.
ونجد مثالاً حديثاً لمثل عقلية الحصار هذه في المستوطنين البيض في جنوب أفريقا في أوج فترة حكم الفصل العنصري، ولم يصمد طموح البوير الى المحافظة على رقعة نقية عرقياً، بيضاء، مثل الصليبيين في فلسطين، الا فترة تاريخية وجيزة قبل ان ينهار.
يدل الانسحاب من الجنوب اللبناني في أيار/ مايو 2000، ومن قطاع غزة في آب/ أغسطس 2005، على ان الحكومة الإسرائيلية انتقلت الى التركيز على الجوانب التي تعتقد انها أجدى في المحافظة على مناعة القلعة: القدرة النووية، والدعم الأمريكي غير المشروط، وجيش قوي.
ومثلما حدث في سنة 1948، عندما قاد بن – غوريون الهيئة الاستشارية الى "التصالح" مع دولة مستقبلية على 78% من مساحة فلسطين، فان المشكلة لم تعد كم هي مساحة الأرض التي يجب الاستيلاء عليها، وإنما ما هو مستقبل الفلسطينيين الأصليين الذين يعيشون على الأرض التي تشتهيها إسرائيل لنفسها، ففي سنة 2006، يعيش في الـ 90% من الأرض التي تشتهيها إسرائيل لنفسها نحو 2.5 مليون فلسطيني آخرين في قطاع غزة وفي المناطق التي لا تريدها إسرائيل في الضفة الغربية، وفي نظر معظم السياسيين في التيار المركزي الإسرائيلي والجمهور اليهودي، فان هذا الميزان الديموغرافي كارثة.
لكن رفض إسرائيل القاطع حتى لمجرد التفكير في إمكان التفاوض بشأن حق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، من أجل المحافظة على أغلبية يهودية مهيمنة يقوم على أساس متقلقل.
وفي الواقع، لم يكن في استطاعة دولة إسرائيل، على امتداد العقدين الماضيين تقريباً، ان تدعي ان فيها أغلبية يهودية ساحقة، بسبب تدفق المسيحيين اليها في الثمانينات من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، والعدد المتزايد من العمال الأجانب، وحقيقة ان اليهود العلمانيين يجدون من الصعب عليهم أكثر فأكثر ان يحددوا ماذا تعني يهوديتهم في الدولة "اليهودية" وهذه الحقائق معروفة جيداً من قادة الدولة، لكن أي واحدة منها لا تقلقهم، اذ ان هدفهم الرئيسي هو إبقاء سكان الدولة "بيضاً" أي غير عرب.
ان رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين يعادل تعهداً غير مشروط بمواصلة الدفاع عن الجيب "الأبيض" وتدعيم القلعة، ان التمييز العنصري مرغوب فيه بصورة خاصة من جانب اليهود الشرقيين، الذين هم اليوم أشد مؤيدي القلعة صخباً، مع ان قليلين منهم، وخصوصاً الآتين من دول شمال إفريقيا، سيجدون أنفسهم يعيشون حياة مريحة على غرار حياة نظرائهم الاشكنازيين، وهم يعرفون ذلك، ويدركون ان خيانتهم لتراثهم وثقافتهم العربيين لم تحصل لهم مكافأة القبول الكامل.
مع ذلك فان الحل يمكن ان يكون بسيطاً: بما ان إسرائيل هي الجيب الاستعماري الأوروبي الأخير المتبقي في العالم العربي بعد انتهاء الاستعمار، فلا خيار أمامها سوى أن تتحول طوعاً في يوم ما الى دولة مدنية وديمقراطية[4].
ونستطيع ان نرى ان هذا الحل ممكن عندما ننظر الى العلاقات الاجتماعية الوثيقة التي نشأت بين فلسطينيين ويهود داخل إسرائيل وخارجها، خلال هذه الأعوام الطويلة الحافلة بالمتاعب، وعلى الرغم من كل الأوضاع الصعبة المعاكسة، والدليل على أننا نستطيع أن ننهي الصراع في أرض فلسطين الممزقة، يصبح أكثر وضوحاً عندما ننظر الى تلك الشرائح في المجتمع اليهودي في إسرائيل التي اختارت أن تؤثر في تكوينها الاعتبارات الإنسانية، لا الهندسة الصهيونية الاجتماعية، ونعرف ان السلام في متناول اليد، قبل كل شيء، من أغلبية الفلسطينيين التي رفضت ان تفقدها عقود من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي إنسانيتها، والتي على الرغم من الطرد والاضطهاد، ما زالت تأمل بالمصالحة.
لكن نافذة الفرص لن تبقى مفتوحة إلى الأبد، وقد يكون كتب على إسرائيل ان تبقى بلداً مملوءاً بالغضب، وان تظل أفعالها وسياساتها محكومة بالعنصرية والتعصب الديني، وان يشوه السعي للمعاقبة ملامح الناس فيها بصورة دائمة، إلى متى نستطيع ان نستمر في الطلب من إخواننا  الفلسطينيين، ناهيك عن ان نتوقع منهم، ان يظلوا متمسكين معنا بالأمل وألا يستسلموا كلياً لليأس والأسى اللذين استوليا عليهم يوم أقامت إسرائيل قلعتها فوق قراهم ومدنهم المدمرة؟.
 
 
خاتمة:
جامعة تل أبيب، كما الجامعات الإسرائيلية كافة، مخلصة لحرية البحث الأكاديمي، ويدعى نادي هيئة التدريس والإدارة فيها البيت الأخضر، وكان أصلا بيتاً لمختار قرية الشيخ مونس.
بكلمات أخرى: البيت الأخضر هو الصورة المصغرة لإنكار الخطة الصهيونية الرئيسية لتطهير فلسطين عرقياً.
لو كانت جامعة تل أبيب مخلصة للبحث الأكاديمي السليم لكان من الجائز الافتراض ان علماء الاقتصاد فيها، على سبيل المثال، قد قاموا بتقدير قيمة الأملاك الفلسطينية التي فقدت في دمار 1948، كي يوفروا قائمة يمكن ان تساعد مفاوضين مستقبليين على بدء العمل من أجل السلام والمصالحة[5].
وعلماء الجغرافيا المثبتون في وظائفهم، الذين يتجولون في أروقة جامعة تل أبيب، كان يمكن ان يرسموا لنا خريطة موضوعية تبين مساحة أراضي اللاجئين التي صادرتها إسرائيل: ملايين الدونمات من الأرض المزروعة، وعشرة ملايين دونم تقريباً من الأراضي التي خصصها القانون الدولي والأمم المتحدة للدولة الفلسطينية.
وكان في إمكان أساتذة الفلسفة في الجامعة ان يفكروا ملياً في المضامين الأخلاقية للمجازر التي ارتكبتها القوات اليهودية في أثناء النكبة، فالمصادر الفلسطينية، مضافاً إليها الأرشيفات العسكرية والشهادات الشفهية الإسرائيلية، تثبت حدوث إحدى وثلاثين مجزرة مؤكدة – ابتداء بالمجزرة في طيرة حيفا في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1947 وانتهاء بخربة علين في منطقة الخليل في 19 كانون الثاني/ يناير 1949.
على بعد خمس عشرة دقيقة بالسيارة تقع قرية كفر قاسم حيث قتلت القوات الإسرائيلية، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956، تسعة وأربعين قروياً كانوا عائدين من حقولهم الى بيوتهم.
ثم كان هناك مجزرة قبية في الخمسينات، والسموع في الستينات، وقرى الجليل في سنة 1976، وصبرا وشاتيلا في سنة 1982، وقانا في سنة 1999، ووادي عارة في سنة 2000، ومخيم جنين في سنة 2002، وبالإضافة الى ذلك أعمال القتل الكثيرة التي تواصل بِتسيلم، منظمة حقوق الإنسان الرئيسية في إسرائيل، متابعتها، لا نهاية لقتل الفلسطينيين الذي تمعن إسرائيل فيه.
وكان يمكن للمؤرخين العاملين في جامعة تل أبيب ان يزودونا بصورة كاملة للحرب والتطهير العرقي، فلديهم امتياز الاطلاع على الوثائق الرسمية العسكرية والحكومية والمادة الأرشيفية اللازمة لذلك، لكنهم في معظمهم مرتاحون أكثر، بدلاً من ذلك، الى كونهم ناطقين بلسان الايدولوجيا المهيمنة، وتصف أعمالهم أحداث 1948 بأنها "حرب الاستقلال"، وتمجد الجنود والضباط اليهود الذين شاركوا فيها، وتخفى الجرائم، وتحط من قدر الضحايا.
وفي الواقع، أصبحت أعداد أكثر فأكثر من الإسرائيليين مدركة حقيقة ما جرى في سنة 1948، وتفهم تماماً المضامين الأخلاقية للتطهير العرقي الذي اجتاح البلد، وتدرك أيضاً مخاطر إعادة تفعيل برنامج التطهير في محاولة يائسة للمحافظة على الأغلبية اليهودية المطلقة.
وبين هؤلاء نجد الحكمة السياسية التي افتقدتها، ويفتقر إليها كلياً، جميع وسطاء السلام الذي سعوا في الماضي ويسعون حالياً لحل الصراع، ويعي هؤلاء تماماً أن مشكلة اللاجئين تقف في صميم الصراع، وان مصير اللاجئين محوري لأي حل لديه فرصة للنجاح.
صحيح ان اليهود الإسرائيليين من هذا النمط قليلون ومتفرقون، لكنهم موجودون وإذا أخذنا بعين الاعتبار رغبة الفلسطينيين في السعي لإعادة الأمور إلى نصابها، لا للمعاقبة، فان الطرفين معاً يملكان مفتاح المصالحة والسلام في أرض فلسطين الممزقة.
لكن قبل ان يتمكن هؤلاء القليلون من أحداث تأثير ذي شأن، لا بد من أن يتم في أرض فلسطين وناسها، يهوداً وعرباًن مواجهة نتائج التطهير العرقي الذي ارتكب في سنة 1948.
اننا لان نعرف الثمن، ونعرف ان الايدولوجيا التي أدت الى طرد لا رحمة فيه، أحياناً غير مرئي، لأولئك الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون في بلدهم.
ان هذه الأيدلوجيا لا تزال قوية اليوم، والسبب في ذلك لا يرجع الى كون المراحل السابقة للتطهير العرقي في فلسطين مرت من دون ان تلحظ فحسب، بل أيضاً وأساساً لأن تمويه الكلمات الذي قامت الصهيونية به كان ناجحاً إلى حد ابتكار لغة جديدة غطت على النتائج المدمرة لممارستها.
لا الفلسطينيون سينجون من اليهود، ولا اليهود سينجون من الفلسطينيين، ولا أي طرف من الطرفين سينجو من نفسه، اذا لم يتم تعريف الأيدلوجيا التي لا تزال تحرك السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بصورة صحيحة.
المشكلة مع إسرائيل لم تكن قط يهوديتها – اليهودية لها أوجه كثيرة، وكثير منها يوفر قاعدة متينة للسلام، والتعايش – انما المشكلة هي مع شخصيتها الصهيونية الاثنية، فالصهيونية لا تتوفر فيها هوامش التعددية نفسها الموجودة في اليهودية، وعلى الأخص فيما يتعلق بالفلسطينيين، فهم لا يمكن أبداً ان يكونوا جزءاً  من الدولة والقضاء الصهيونيين، وسيستمرون في النضال – ويأمل المرء بان يكون نضالهم سليماً وناجحاً، وإذا لم يكن كذلك، فسيكون يائساً وتواقاً الى الانتقام، وكالزوبعة سيمتص الجميع في ثنايا عاصفة رملية جبارة مستمرة لن تهب في العالمين العربي والإسلامي فحسب، بل أيضا في بريطانيا والولايات المتحدة، القوتين العظميين اللتين، كل منهما بدورها، تغذي العاصفة التي ستدمرنا جميعاً.
 
قائمة بتواريخ مهمة:
 
1878                      أول مستعمرة زراعية صهيونية في فلسطين (بيتح تكفا).
1882         25.000 مهاجر يهودي يبدأون الاستيطان في فلسطين، معظمهم من أوروبا الشرقية.
1891         البارون موريس دو هيرش، وهو يهودي، يؤسس جمعية الاستعمار اليهودي في لندن لمساعدة المستوطنين في فلسطين. (Jewish Colonization Association)
1896         Der Judenstaat ، كتاب يدعو الى اقامة دولة يهودية، نشره الكاتب اليهودي النمساوي – الهنغاري تيودور هيرتسل.
1897         المؤتمر الصهيوني يدعو الى انشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين، كراس ألّفه مؤسس الاشتراكية الصهيونية، نحمان سيركين، يذكر أن فلسطين "يجب أن يتم اخلاؤها لليهود".
المؤتمر الصهيوني الاول في سويسرا ينشيء المنظمة الصهيونية العالمية، ويطالب بانشاء "وطن للشعب اليهودي في فلسطين".
1901         إنشاء الصندوق القومي اليهودي، من اجل شراء أراض في فلسطين لحساب المنظمة الصهيونية العالمية، الأراضي يجب ان يستخدمها اليهود حصراً ويعملون فيها.
1904                      توترات بين الصهيونيين والمزارعين الفلسطينيين في منطقة طبرية.
1904 – 1914 وصول 40.000 مهاجر صهيوني الى فلسطين، عدد اليهود الآن يبلغ ما         نسبته 6% من إجمالي السكان.
1905         يسرائيل زانغويل يصرح أن اليهود يجب أن يطردوا العرب الى الخارج، أو "سيضطرون الى التخبط في مشكلة عدد كبير من السكان الغرباء".
1907                      إنشاء أول كيبوتس.
1909                      إنشاء تل أبيب شمالي يافا.
1911                      مذكرة الى اللجنة الصهيونية تتحدث عن "نقل محدود للسكان".
1914                      بدء الحرب العالمية الأولى.
1917         إعلان بلفور، وزير الدولة البريطاني يتعهد بدعم إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين".
 القوات العثمانية في القدس تستسلم للجنرال البريطاني أللنبي.
1918         الحلفاء، بقيادة أللنبي، يحتلون فلسطين، إنتهاء الحرب العالمية الاولى، وانتهاء الحكم العثماني في فلسطين.
1919         - المؤتمر العربي الفلسطيني الاول في القدس يرفض اعلان بلفور، ويطالب بالاستقلال.
- حاييم وايزمن، عضو اللجنة الصهيونية، يطالب في مؤتمر السلام في باريس بفلسطين "يهودية مثلما انكلترا انكليزية"، أعضاء آخرون في اللجنة يقولون: "يجب إقناع أكثر ما يمكن من العرب بالهجرة". ونستون تشرشل يكتب: "هناك يهود تعهدنا بأن ندخلهم إلى فلسطين، ويفترضون كأمر مسلّم به، لتحقيق غاياتهم، ان السكان المحليين يجب ان يُرحَّلوا".
1919-1933 35.000 يهودي يهاجرون الى فلسطين، نسبة اليهود الى مجموع السكان بلغت الآن 12%، وهم يملكون 3% من الأراضي.
1920         انشاء الهاغاناه، المنظمة العسكرية السرية اليهودية.
 المجلس الأعلى لمؤتمر سان ريمو للسلام يعهد الى بريطانيا بالانتداب على فلسطين.
1921         احتجاجات على حيفا ضد الهجرة الصهيونية الواسعة.
1922         عصبة الامم تقر الانتداب البريطاني على فلسطين.
 احصاء بريطاني للسكان في فلسطين: 78% مسلمون و11% يهود و9.6% مسيحيون، إجمالي عدد السكان 757.182 نسمة.
1923         الانتداب البريطاني على فلسطين ساري المفعول رسمياً.
1924-1928 67.000 مهاجر صهيوني يأتون الى فلسطين، نصفهم من بولندا، فيرفعون نسبة اليهود إلى 16% من مجموع السكان، يملك اليهود الآن ما نسبته 4% من الأرض.
1925         تأسيس الحزب التصحيحي في باريس، وهو يصر على إقامة دولة يهودية في فلسطين وشرق الأردن.
1929         اضطرابات في فلسطين بسبب ادعاءات تتعلق بحائط المبكى، قتل فيها 133 يهودياً و116 عربياً، وأساساً على يد البريطانيين.
1930         عصبة الامم تنشيء لجنة دولية لتحديد الوضع القانوني بالنسبة الى اليهود والعرب فيما يتعلق بحائط المبكى.
1931         انشاء منظمة الإرغون (الإيتسل) لمواجهة العرب بعنف أشد.
 إحصاء يظهر ان عدد السكان هو 1.03 مليون نسمة، 16.9% منهم يهود، مدير تطوير فلسطين البريطاني ينشر تقريراً عن "عرب بلا أرض" جرّاء الاستعمار الصهيوني.
1932         تأسيس اول حزب سياسي فلسطيني منظم: حزب الاستقلال.
1935         اكتشاف أسلحة صهيونية مهربة في ميناء يافا.
1936         مؤتمر للجان القومية الفلسطينية يرفع شعار "لا ضرائب بلا تمثيل".
1937         لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين، بحيث يصبح 33% من البلد دولة يهودية، ويُرحَّل جزء من السكان الفلسطينيين عن هذه الدولة.
 البريطانيون يحلّون جميع المنظمات السياسية الفلسطينية، ويرحّلون خمسة من الزعماء، ويشكلون محاكم عسكرية، وكل ذلك اجراءات ضد الثورة الفلسطينية.
1938         متفجرات الارغون تقتل 119 فلسطينياً، قنابل وألغام الفلسطينيين تقتل 8 يهود. البريطانيون يجلبون تعزيزات للمساعدة في قمع الثورة.
1939         - الزعيم الصهيوني جابوتنسكي يكتب "يجب ان يخلي العرب المكان لليهود في أرض اسرائيل، وما دام امكن نقل شعوب البلطيق، يمكن أيضاً نقل الفلسطينيين العرب".
- مجلس العموم البريطاني يصوت في مصلحة الكتاب الأبيض، الذي يقضي بمنح فلسطين استقلالاً مشروطاً بعد 10 أعوام، ويسمح بهجرة 15.000 يهودي سنوياً خلال الأعوام الخمسة التالية.
بدء الحرب العالمية الثانية.
1940         بدء سريان مفعول أنظمة انتقال ملكية الأراضي التي تحمي الأرض الفلسطينية من الاكتسابات الصهيونية.
1943         تمديد الأعوام الخمسة المنصوص عليها في الكتاب الأبيض لسنة 1939.
1945         انتهاء الحرب العالمية الثانية.
1947         - بريطانيا تعلم الامم المتحدة، المشكّلة حديثاً، بأنها ستنسحب من فلسطين.
- الأمم المتحدة تنشئ اللجنة الخاصة بفلسطين لجنة الامم المتحدة الخاصة بفلسطين توصي بالتقسيم.
- 29 تشرين الثاني/ نوفمبر: الامم المتحدة تتبنى القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين. اليهود يشرعون في طرد جماعي واسع للسكان الفلسطينيين العرب الأصليين.
1948
كانون الثاني/ يناير
عبد القادر الحسيني يعود إلى فلسطين بعد عشرة أعوام من النفي كي يشكل مجموعة لمقاومة التقسيم.
شباط/ فبراير الحرب تنشب بين اليهود والعرب.
18             الهاغاناه تعلن تطبيق الخدمة العسكرية، وتستدعي الشبان والشابات ما بين 25 و35 عاماً.
24             مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة يعلن ان دور مجلس الامن هو حفظ السلام لا فرض التقسيم.
آذار/مارس
6                           الهاغاناه تعلن التعبئة العامة.
10                          الخطة دالت، وضع اللمسات النهائية على مخطط تطهير فلسطين عرقياً.
18                          الرئيس ترومان يتعهد بدعم القضية الصهيونية.
19-20        القادة العرب يقررون قبول هدنة ووصاية محدودة، وليس التقسيم كما اقترح مجلس الامن، اليهود يرفضون الهدنة.
30 آذار/ مارس – 15 أيار/ مايو
عملية "تطهير" الساحل"، التي قامت الهاغاناه بها، تؤدي الى طرد الفلسطينيين من المنطقة الساحلية بين حيفا ويافا.
نيسان/ أبريل
1               وصول اول شحنة من الاسلحة التشيكية الى الهاغاناه، وهي تشتمل على              4500 بندقية، و200 مدفع رشاش خفيف، و5 ملايين طلقة (بترتيب من الحزب الشيوعي الاسرائيلي).
4               الهاغاناه تشرع في تطبيق الخطة دالت، احتلال القرى الواقعة على طريق تل أبيب – القدس، وطرد سكانها.
9                            وقوع مجزرة دير ياسين.
17                          قرار لمجلس الامن يطلب هدنة.
20                          الولايات المتحدة تقدم للأمم المتحدة اقتراحاً بوصاية على فلسطين.
22                          تطهير حيفا من سكانها الفلسطينيين.
26-30        الهاغاناه تهاجم منطقة في القدس الشرقية، وترغم على تسليمها للبريطانيين، الهاغاناه تحتل منطقة في القدس الغربية، القوات اليهودية تطرد جميع الفلسطينيين المقيمين في القدس الغربية.
3                            تقرير يدعي ان ما بين 175.000 و250.000 فلسطيني طردوا من بيوتهم.
12-14       وصول أسلحة تشيكية الى الهاغاناه.
13             الفيلق العربي يهاجم مستعمرات يهودية رداً على أعمال عسكرية يهودية، يافا تستسلم للهاغاناه.
14             اسرائيل تعلن الاستقلال، والانتداب البريطاني ينتهي، الرئيس ترومان يعترف بدولة اسرائيل.
20             الكونت برنادوت يُعين وسيطاً للأمم المتحدة في فلسطين.
22             قرار لمجلس الامن يطالب بوقف اطلاق النار.
11 حزيران/ يونيو – 8 تموز/ يوليو
الهدنة الاولى تصبح سارية المفعول.
 
تموز / يوليو
8-18         القتال ينشب مرة اخرى والجيش الاسرائيلي يحتل اللد والرملة.
17             الجيش الاسرائيلي يشن هجوماً، لكنه يفشل في احتلال البلدة القديمة في القدس.
18 تموز/ يوليو – 15 تشرين الأول/ أكتوبر.
الهدنة الثانية تصبح سارية المفعول، لكن الجيش الاسرائيلي يخرقها باحتلال عدة قرى.
أيلول/ سبتمبر
17             اغتيال وسيط الامم المتحدة، الكونت برنادوت، على يد ارهابيين يهود في القدس، الوسيط الجديد هو رالف بانش.
تشرين الاول/ أكتوبر
29- 31       طرد آلاف من الفلسطينيين خلال عملية حيرام.
تشرين الثاني/ نوفمبر
4              مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو الى هدنة فورية وانسحاب القوات.
                الأمم المتحدة تتبنى القرار 194 بشأن حق اللاجئين في العودة.
                إسرائيل تمنع العودة.
تشرين الثاني/ نوفمبر – 1949
الجيش الإسرائيلي يشرع في طرد قرويين من مواطنهم داخل الحدود اللبنانية.
1949
24 شباط/ فبراير الهدنة الإسرائيلية – المصرية.
نهاية شباط/ فبراير الجيش الإسرائيلي يطرد ما بين 2000 و 3000 قروي من جيب الفالوجة.
23 آذار/ مارس   الهدنة الإسرائيلية – اللبنانية.
3 نيسان/ ابريل   الهدنة الإسرائيلية – الأردنية
20 تموز/ يوليو  الهدنة الإسرائيلية – السورية
 
 
 
 
 
 


[1] د. ايلان بابيه كان محاضراً في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة حيفا ورئيساً لمجلس إدارة معهد إميل توما للدراسات الإسرائيلية والفلسطينية في حيفا، ويعد من أكثر "المؤرخين الجدد" راديكالية، ويدل على ذلك كتابه "صنع الصراع العربي ـ الإسرائيلي، 1947 ـ 1951". وقد أدت مواقفه الفكرية إلى التصادم مع جامعته، وظهر ذلك خصوصاً بعد إشرافه على رسالة جامعية قدمها المؤرخ "تيدي كاتس" عن مجزرة ارتكبتها العصابات الصهيونية في قرية الطنطورة قرب حيفا. واتخذت إدارة الجامعة قرارا بفصل بابيه، وأجبرت كاتس على الاعتذار وسحب إجازة رسالته، ولكن حملة عالمية للتضامن معه (خصوصا قرار جمعية أساتذة الجامعات البريطانية بمقاطعة جامعة حيفا) أجبرت الجامعة على التراجع عن قرارها.
لكن "ايلان بابيه" قرر مغادرة إسرائيل عام 2007، وقد غادرها فعلا إلى بريطانيا، ويحرص على المشاركة في العديد من الفعاليات والأنشطة التي تنظمها الهيئات واللجان الفلسطينية والعربية والدولية من اجل الدفاع عن حق العودة والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
 
 
 
 
[2] ما يؤكد على موقفنا هذا، دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي في عقد صفقات أسلحة مع الكتلة الشرقية لحساب الحركة الصهيونية كما أورد تفاصيلها "ايلان بابيه" في كتابه ص 156. 
[3] الموقف التاريخي منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا لما يسمى بـ "القيادة الوطنية قبل عام 1948" سواء من "الأفندية" وكبار الملاك والبرجوازية الفلسطينية – والعربية الرثة، وهو موقف ينحاز بسرعة هائلة لمصالحه الطبقية حيث يتخلى بصورة وقحة ورخيصة وجبانة عن الشعارات والأهداف الوطنية لحساب مصالحه الطبقية الأنانية ... وهو موقف ممتد حتى اللحظة في رام الله وغزة (رغم اختلاف الخطاب) كما في كل عواصم البلدان العربية عبر الطغم الطبقية الحاكمة فيها التي استمرأت الخضوع للعدو الأمريكي الصهيوني، ما يعني بوضوح شديد أن النضال الطبقي بمنطلقاته الماركسية بقيادة فقراء شعبنا وكادحيه، ضد هذه الطغم الطبقية في فلسطين وكل بلدان الوطن العربي هو شرط أساسي لانتصار حركة التحرر القومي الديمقراطي وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد (غازي الصوراني).
[4] أوهام إيلان بابيه ومثاليته الطوباوية، اذ لا يمكن تحقيق حل الدولة الواحدة إلا عبر حل عربي مرهون بدوره بتجاوز النظام السياسي العربي الراهن وإلغاء - التبعية للنظام الرأسمالي – بما يوفر مقومات القوة العربية – عبر دور فلسطيني مميز – لمجابهة العدو الصهيوني وتحطيم دولته، وإقامة الدولة العربية الديمقراطية العلمانية في فلسطين في إطار الدولة العربية والمجتمع العربي الاشتراكي الذي يحفظ حق الأقليات فيه – غازي .
[5]  هنا تتجلى مثالية "ايلان بابيه" أو حسن نواياه، حينما يفترض بأن تقدير قيمة الأملاك الفلسطينية المدمرة عام 1948 تساعد في عملية السلام والمصالحة، وهي فرضية لا تعزز تطبيق الحق في العودة وتكتفي بالتعويض عن قيمة الأملاك!!، علماً بأن القيمة الإجمالية لإنتاجية الأراضي والمنشآت التي صادرتها الحركة الصهيونية عام 1948 تصل إلى ما يقدر بحوالي (150) مليار دولار طوال الستين عاماً الماضية، أما بالنسبة لقيمة الأملاك فهي مسألة غير قابلة للنقاش إذ أنها ترتبط بالحقوق الأساسية والأهداف الوطنية والتقدمية الإستراتيجية الكبرى ولا يجوز الاقتراب منها. (غازي) .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين
- حق العودة وخيار الدولة العربية الديمقراطية
- الصراع الداخلي الفلسطيني وأثره على مستقبل الدولة الفلسطينية
- تضامن رفاقي
- حالة الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة وإمكانية التنمية وخلق فر ...
- ورقة حول إسهامات د. فتحي الشقاقي الفكرية والسياسية
- أثر الحصار والإغلاق على الحالة الاقتصادية في قطاع غزة
- حيدر عبد الشافي الإنسان والسياسي والقائد الذي جاء إفرازاً لا ...
- إمكانية استئناف الحوار الوطني الفلسطيني في ضوء التطورات الأخ ...
- محاضرة في :الندوة المعقودة بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين ...
- حول المأزق الراهن
- الأوضاع الدولية والعربية الراهنة وآثارها على القضية الفلسطين ...
- كلمة أ. غازي الصوراني* في المؤتمر الشعبي لمواجهة الفلتان الأ ...
- بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين للنكبة: الحقوق الثابتة والصر ...
- ورقة حول -التنمية في برنامج وتطبيقات الحكومة الحادية عشرة
- تقديم وتلخيص التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005
- مستقبل الديمقراطية في فلسطين راهناً ودور قوى اليسار
- حول تبعية وتخلف المجتمع والاقتصاد العربي وسبل التجاوز والنهو ...
- الأوضاع الاقتصادية والتنموية في فلسطين
- المجتمع السياسي الفلسطيني ومشروعه الوطني إلى أين ..؟


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - غازي الصوراني - تلخيص كتاب : التطهير العرقي في فلسطين تأليف: إيلان بابيه