أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - أمي الفلسطينية














المزيد.....

أمي الفلسطينية


أشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2309 - 2008 / 6 / 11 - 09:20
المحور: الادب والفن
    



الألم والمعاناة00 كلمتان مترادفتان متلازمتان مغروستان في قلب المرأة الفلسطينية00 تتنفسهما00 تتجرعهما00 تنصهر معهما00 أحيانا يتبادلان الأماكن والألقاب00 تاريخ طويل وقاس مع المعاناة 00 اكسبها مناعة وخبرة جعلها تتعامل معهما باستهانة 00لم يستطعا التغلب عليها00 وكانت ندا قويا00 مارس الألم معها كل الألعاب المحظورة 00 لكنها وقفت له بالمرصاد00 فهي التي ارضعت للشهادة رجالا يتسابقون00
وبات الفراق أو الانفصال أمنية غالية في عصر لا تتحقق فيه المعجزات00 لكنه يقبل كل الاستثناءات المبالغ فيها00 والتي تخرج عن المألوف0
«ستحيا
رغم الموت مع الخضرة
في تلك الزهرة
في فجر غد
مت يا ولدي
ما دمت تموت لكي تحيا
بلند الحيدري
تنتظر الليل العائد من التفتيش والتركيل والتهديد لتحصي أنفاسه المتلاحقة ونبضات قلبه المهرولة الخائفة00 تطيب جراحه وتعد له العشاء، يأكل00 يغتسل00 يصلي00 ثم ينام في حضن عينيها00 تدثره بمعطفها00 وتمرر يديها عليه، تزيح القلق والأرق00 بينما تسبح الدنيا في نوم عميق00 تظل عيناها الساهرة مفتوحة ترقب الطريق من النافذة وتفرش في المكان السكينة حتي ينام الليل ملء عيونه00 فإذا أتي الذئاب ليلا متلثمين في صفير الريح والسكون00 أوقظت الليل المتعب من بين راحتيها حتي يهرب بعيدا من هؤلاء الزوار الذي يريدون خنقه00 وأحيانا تقف حائلا أمامهم00 درعا يوصد الطرق حتي لا تطوله أياديهم00 تتحمل التنكيل والتجريح لتفسح له الوقت كي يمر في سلام00 وربما تكون فدية لصيد تتعقبه العيون أينما ذهب00 فتكون حياتها ثمنا معنويا00 بينما الليل صريع النهار وحديث الصباح00
تجلس ليبدأ النحيب دورته اليومية00 تتوسل الآهات وتترجي الدموع00 لكن لا جدوي فالألم والمعاناة كلمتين مترادفتان متلازمتان مغروستان علي ستائرها وأوانيها وفنجان قهوتها، وداخل تفاصيل يومها00 الأم التي لا تودع أولادها إلي الزنازين والمقابر أم لم تلد ولم تحبل00 فالحزن ينمو في أرجاء بيتها00
في الكتب البيضاء تتصدر الأم الفلسطينية رءوس العناوين وحواشي النهايات00لأنها اختراع لم تشهده الدنيا00 ستظل دوما صاحبة التفرد0 تتعلم منها الأمهات الصبر علي البلاء وتطويع الظروف المستحيلة وترويضها00 سيتعلم منها الأمهات أن الصبار الذي ينمو في أصيص المرارة يروي من دموعها التي لا تنضب ولم يهدأ سريانها00
في عيد الأم يهدي الأبناء أرواحهم وشبابهم لأمهاتهم000 وتعطي الأمهات لأوطانها أولادها عن طيب خاطر ورضا00 ترياقا للوطن00 تفقد العائل والسند والحلم00 وأحيانا تدفعه إلي الشهادة00 فالألم والمعاناة00 كلمتان مترادفتان متلازمتان مغروستان في قلب المرأة الفلسطينية00
بعضهن (أم نبيل) كانت تشتري الحلوي وتعدها00حتي إذا ما جاء الخبر00 قامت بتوزيعها علي الجيران والأقارب00 وبعضهن (أم نضال) قالت لابنها : «ها هو الموعد أزف وأنا أنتظر أن تعود إليّ شهيدا 00 كن صامدا00 وصبورا00 وصابرا، وإياك أن يوقعوا بك ضررا أو يأسروك00 أريد منك أن ترجع لي مرة أخري شهيدا00 لا تحرق قلبي بغيابك00 لا أريد أن أحصي سنوات سجنك بما تبقي لي من أيام 00 عد شهيدا00 عد شهيدا» ولأن الأرض تلد أمهات صابرات مؤمنات، والأمهات الصابرات يلدن رجالا؛ فهم يوفون بالعهد ويرجعون لأمهاتهم ملفوفين في بيارق، ومحملين علي الأعناق حيث الموكب الأخير في العرس الذي لا ينتهي0
وبعضهن (ريم) يتركون صغارهم بلا شراب أو طعام ليكتبوا علي قرص الشمس أسماءهن 00 ويرصعون الوطن بلؤلؤ شبابهن 00 ويزيدون00 ويزيدون00 ويزيدون 00 يلقون القرنفل من عيونهم في رحابة 00 وبعضهن (آيات، هنادي، وفاء، عندليب، دلال، دارين) يغزلون أثواب عرسهن ليزفوا إلي الشهادة00 ويعزفن نشيدا جميلا يعجز وصفه أو تخيله0
يأتي عيد الأم مرة كل عام00 لكنه يأتي في أوطاننا كل يوم00 تغير فيها الأشجار أوراقها والعصافير غناءها، والأزهار رياحينها، والدنيا ألوانها00 فهن يستقبلن جثث أولادهن بالزغاريد والحلوي00 تملأ عيونهم الفرحة بينما قلوبهن الثكلي تحترق00 وتتجمد الدموع الملتهبة فيهن 00
تعتصر أفئدتهن، لكنهن لا يفقدن الأمل أو يتملك منهن اليأس، يواصلن الحياة رغم الصعاب ويتعاطن معها رغم كل هذا السيل من الانكسارات00 يتقبلن الموت وعيونهن تمرح في المكان00
«هأنذا أعود
إليك يا أمي00 ولكن
ظلت المدينة المنهارة
وامرأة حبلي تغني وحدها وتبكي
مائسة في الليل بين الريح والأشجار والستارة
سميح القاسم»
ينفض المولد ويذهب المهنئون أو المعزون إلي بيوتهن00 ويتردد صدي الذكريات 00 يوقظ من جديد الألم00 ويجدد الحزن 00 تترامي الصور علي الجدران00 تتعقب العيون كل من في البيت، ينقشع الليل ويأتي الصبح مختفيا ربما يكون خجلان من أم ثكلي نامت ليلتها علي وسادة ابنها المبللة بدموعها00 لكنها ترقبه وتدعوه لتناول الفطور00 وتهدئ من روعه 00 كل البيوت يا صبحنا الجميل حزينة 00 يتساقط أولادها كل لحظة00
ثم يبدأ النهار في دورته العادية00يحصد الأرواح والأنفاس 00 ومازالت تتعاطي الحياة00 وتعد الحلوي في انتظار الطارق الجديد00
يموت الرجال، لكن أنفاسهم الطاهرة تتجول في المكان00 دون إذن مسبق أو دوريات تفتيش00 أشياؤهم تتناثر هنا وهناك00 مازالت الجدران تحمل ملامحهم 000
تفقد الأم الفلسطينية ولدها0 وتقف علي رصيف الانتظار ترقب صناديق البريد الخاوية أن تملأ برسائل 00 تعلم أن الطائرات مرصودة والقطارات موقوفة والحمام في السماء محاصر00 فمن أين تأتي الرسائل0
يتدفق نهر عطائها ، ويطلق في الأرض سنابل الحب لتواجه جرافات التوحش00 تطحن آلامها فطائر ليأكل منها الجوعي 00 وتشيد جسرا من عظامها ليخطو عليها المجاهدون والمناصلون والمسافرون، والعائدون بعد سنين الغربة00 وتنتظر الغد بما يحمله من مآس00 لكنها لا تفقد الأمل في غد جميل تكون فيه البشارة تاجا علي رأسها ومعطفا تلتف به، تستقبل تراجيديا الحياة بابتسامة كبيرة؛ فالألم والمعاناة00 كلمتان مترادفتان متلازمتان مغروستان في قلب المرأة الفلسطينية00



#أشرف_بيدس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرحة الدنيا
- العاشقة الصغيرة
- سمراء
- الموت00 ورائحة الياسمين
- تبت أياديكم
- ريم00 امرأة فلسطينية
- شهداء وعملاء
- فاتن حمامة : السير علي حافة الهاوية
- رسالة إلى امرأة غير استثنائية
- مارسيل خليفة: صوت البسطاء
- الراقصات والسينما


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أشرف بيدس - أمي الفلسطينية