أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - مثل الدجاجتين















المزيد.....

مثل الدجاجتين


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 08:46
المحور: الادب والفن
    



زعموا أنه كان كانت في جزيرة من جزائر الله الواسعة تعيش دجاجتان، تنعمان بالأمن وأطياف الدعة، وفتائل الوداعة المعهودة في فصيلة الدجاج. كانت الجزيرة أفضل أرباع أرض الله الواطئة، فيها الشجر والماء والحجر، وطابت فيها مواسم العيش، تطلع فيها الشمس شروقا ولا تغيب، وتسرح فيها العين ولا تنوب، جنة الله على الأرض.
ونعمت الدجاجتان بظلال الرخاء في خلوات الجزيرة، وبالمودة والترف والمتعة الوارف، تسيران سير عادات أهل الجزيرة، وترامت سواحل حياتهما الداجنة في سعة المد والرحب، وطال بهما المقام على ذلك دهرا طويلا، و توطدت بينهما ومن وما في الجزيرة أواصر المودة وخلجان المحبة. غير أن الدجاجتين كما شاع في رمال الجزيرة، وسارت بذكره الخيل والطير، كانتا مغرورتين، يقطر ريشهما الصلف والجلف ، والكبرياء والأنفة الخاوية، وكان ذلك مدعاة ليتلافى أهل الجزيرة عشرتهما ويغلقوا أبواب الصداقات في وجههما، وما بينهما في الوقت نفسه، كانت الواحدة منهما لا تفتأ تباهي الأخرى وتزعم أن بيضها الأوفر، الأضخم من بيض صاحبتها، وأنها السيدة الأولى، طالت أياديها البيضاء سفائن الغدو والرواح، ومع ذلك طمت أنهار الصداقة، واشتدت أواصر اللقاء والتواد بينهما، على الرغم من عادات المباهاة التي تتملكها..

ودار الزمن دورته، وكاد اللحام أن يتصدع، وتنقطع حبال الود بينهما من جراء المناوشات والمناورات والمنافسات التي كانت تقرض حبال صداقتها، وكانت المعضلة كما شهد بذلك أهل الجزيرة أن الدجاجتين لا تبيضان على الإطلاق..

قد لا يعرف بالدقة المطلوبة عمرهما في تلك الجزيرة، ولكنهما كما وصفهما شهود عيان من أهالي الجزيرة أميل معا إلى البدانة إلا قليلا، تتشح إحداهما بلوثة من سواد يكاد يكون القاتم، الفاحم كالطرقات، وتعتري الثانية فسحة احمرار يتراءى من خلالها ريشها كبرية من صلصال.. وكبر في خوفهما مركب البيض إذ هما لا تبيضان، واستفحال الأمر حتى إن الواحدة منهما تتوهم أنها أنجبت ذريات لا تحصى من الدجاج، وتتخيل شعوبا وقبائل من الدجاج تسبح بحمدها، وتقدم مراسم البيعة آناء الليل وأطراف النهار. وادعت كل منهما أن كل دجاج الله في الجزيرة سليل بيضها، وبليل فيضها، وأن بيضها الأول و الأخير، لا يأتيه الفساد من بين يديه ولا من قشرته. وكان ذلك يعز على أهل الجزيرة ويأسون لحال ومآل الدجاجتين...

كان كل دجاج الجزيرة يكن لهما التقدير ويفسح لهما مجال الادعاء والتعالي، ويجاري طواف أوهامهما، ويظهر لهما قرابين السمع والطاعة والإقرار بالفضل، ولطالما دافعت عنهما أسراب الدجاج في منتديات الطير التي كانت تغشاها، وعملت جاهدة لأن تظل طيور الجزيرة بمنأى عن صدمهما بحقيقة ادعاءاتهما الزائفة، لأن ذلك ستنجم عنه عواقب وخيمة على أوضاع الجزيرة وتلاحم صفوف طيرها ووحشها، وعلى نفسية الدجاجتين بالضرورة والاحتمال. وقد زاد ذلك من حدة اتساع مجرى ادعاءات الدجاجتين وتأجج غرورهما، وصارتا تتدخلان في كل صغيرة وكبيرة ، وكل شاردة وواردة من شؤون أهل الجزيرة، وأعلنت أبوتهما لكل من هب ودب في كل أرجاء الجزيرة، وهو ما كان يثير مع مرور الوقت غيظ الأهالي جميعا...

قالت السوداء:
ـ أنا لي كل هذا السواد، الليل إذا ادلهم، وأديم السماء. كل سوداء تفور في برية الجزيرة هي مني، ما من سواد إلا وله السجود. تاريخ من الصمغ أنا، من فحم التاريخ ولدت، لي الغربان وكل السباع، وكل الطير وما أكلت السباع... إني المغارة الحبلى بكل التاريخ، وكل من حمل بشارة من سواد هو نجلي وحفيدي وبعض من عبيدي..

قالت الشهباء:
ـ إني لون الشفق، أنا من سويت هذه الأمواج كل ذرة حمراء من جلدي. اكتويت بحر التاريخ وجمر المعاناة الكبرى، لا أحد بمقدوره أن يسلبني لوني، ويفطم عني نسلي، في كل عرصات الجزيرة تتناثر قشور بيضي، ويتطاير ريش فراخي، إني ألأم الكبرى ملأت أعشاش الدنيا طيرا، كل سوام الجزيرة وهوامها مني .

وسارت بأوهام الدجاجتين قوافل الركبان في كل ربوع الجزيرة وأنحائها، ولم يعد من المجدي مجاراة مزاعهما، وأيقن جميع أهل الجزيرة أن لا مناص من مواجهة المعضلة ووضع حد لمزاعم الدجاجتين ومطامعهما، لما لذلك من آثار سيئة على أمن الجزيرة وطمأنينتها، وكان خبرهما قد بلغ بلاط حاكم الجزيرة، واستطارت سدرة الغضب منه، أرغى وأزبد، ولكنه أشفق لحال الدجاجتين، ودعا كل الأعوان وأولي الأمر من الأهالي لأخذ الأمر مأخذ الجد، وأصدر أوامره المطاعة للضرب على يد كل من تسول له نفسه اغتيال مسك التاريخ، أو تزييف إرادته، وتشويه سمعة الجزيرة... وتعبأ كل من وما في الجزيرة، واهتزت أوصال المنتديات ، وتوالت المؤتمرات، قال كل أهل الجزيرة ،تحال المسألة لمجمع دجاج الجزيرة، فأهل مكة أدرى بدجاجهم.

وعقد دجاج الجزيرة منتداهم، حضرت الدجاجتان مسلحتين بمزيد من الثقة بالنفس والعتاد وعدة الظفر، وتوالى على منبر الخطابة كل الدجاج، ووضعوا المشكلة في حدودها الحقيقية والفعلية، ولكن الدجاجتين رغم أن المنتدى تلافى إطلاق النار اتجاههما جهارا، تمادتا في الادعاء زاعمتين أن كل دجاج المنتدى من نسلهما، وأن على الجزيرة أن تقر لهما بهذا الفضل، وبما قدمتاه من بر عميم لتاريخ الجزيرة. وكانت الفرصة ليعلن دجاج الجزيرة عن الغلو في ما تزعمه الدجاجتان، واحتدم الجدال، الرد والأخذ، الأخذ والرد، وأعلن من برج المنتدى كل ديكة الجزيرة أن أحدا لم يسبق له أن سافح إحدى الدجاجتين أو كليهما، فكيف لهما ادعاء أنهما لتاريخ طويل وفرتا الاكتفاء الذاتي للجزيرة من البيض، وأنى لهما أن يبيضا دون سفاح... كان الموقف على حافة الحرج، ولم يكن بوسع الدجاجتين إثبات أي واقعة في هذا الباب، وقر القرار على أن تتوليا إحضار عينات من بيضهم أمام لجنة انبثقت عن المنتدى، لكشف الحقيقة. وبدأت المشكلة تزداد تعقيدا. قالت السوداء للشهباء: أي الطرق الآن تجدينا؟ قالت الشهباء: أن نتعلم لغة الهجوم، أن نبيض بيض المستحيل، ليس للتاريخ إلا أن يسير بسيرنا، نحن من خلقناه ومن سويناه. قالت السوداء: وأي الجسور تؤوينا؟. قالت الحمراء: ليس بالإمكان فعل أفضل مما كان. ليكن أملنا في عرض المسألة على المنتدى العام لكل أهالي الجزيرة طيرها ووحيشها..

وعادت المسألة لتعرض على المنتدى العام لوحيش الجزيرة الذي ضم كل ذي جناح، وكاسر وكل ذي ناب وجارح، ولم يكن أمام الدجاجتين غير الهروب إلى الأمام، وكاد المنتدى ينفض على مبدأ إدانة افتراءات الدجاجتين على تاريخ الجزيرة، غير أنه لم يخل من بعض المناصرين، فقد كان ثمة خنزير بري ، ودب قطبي، وديك رومي، دافعوا من أجل ألا تعامل الدجاجتان بالشدة، رغم أن الخنزير البري حاول أن يوهم المنتدى أنه طالما رأى الدجاجتين وكأنما يحضنان بيضا، وذلك ما أكده الدب القطبي على طريقته، وأكده الديك الرومي إذ زعم أن الدجاجتين طالما راودتاه، وتنزه عن أن يواقع من أهل الجزيرة من ليس من بني جنسه، غير أن كل هذا لم يغير من توجه المنتدى، حيث اقتنع كل وحوش الجزيرة وطيرها أن مزاعم الدجاجتين ليست إلا سلة أوهام...
وذاع في كل أرجاء الجزيرة خبر الدجاجتين وما جرى، ومنذ ذلك الحين وأهالي الجزيرة يتلافون لقاءهما. ومن عزلتهما في الجزيرة هزلتا، وصار لون السوداء منهما باهتا كلون الأشباح الإفريقية، والشهباء غبراء كآنية خزف يأكلها الصدأ..

حاشية بيزنطية
أنا هذا البيزنطي المجعد، أحمل أبراجا من التعب ، ومرارات الأقحوان، أجتاز جبين هذه المسافات الزائفة، وحيدا، أعرق كالصيحات. ما بال هذه الأوراق لا تصمد في وجه الريح. تلك المخاضات الكبرى انقرضت، وكل هؤلاء الذين يأتون، يمضون في عجالة الظل. لما وقفت بمرفأ السوق، وكل هذه الأسواق ملة واحدة، جاءني حنين البداوة يسألني:
أيها الطفل المهجور كالعتاد، أيهما أسبق في الوجود: البيضة أم الدجاجة، الدجاجة أم البيضة، الأصل أم الفرع،السوط أم الصوت، الجلاد أم الضحية، الحبيب أم المحبوب، الحبل أم الحابل، الليل أم النهار، السيف أم الغمد، الماء أم السماء، الحرب أم السلم، الطريق ، الطريق أم خطو الرفيق..فأيهما أسبق القلب أم المقلوب..
فقلت:
لا طريق. هذه الطرقات كلها مأهولة بالغدر والمكائد الخانقة. يأتيها البدو الأجلاف من كل الجهات، والراقصون على الحبال، واللصوص، والمتمردون، والمتملقون، والمخادعون، والخونة المتربصون، والمتخاذلون، والمنافقون، والأدعياء الجبناء... حيث الأصدقاء يلبسون جلد الأعداء، والأعداء يسرقون أجراس الصداقة... طالت أظافر هذا الليل، فأيهما أسبق: الطريق قبل خطو الرفيق، أم الرفيق قبل الطريق، ونحن في زمن يغرس جرحه فينا، حيث لا طريق ولا رفيق...

1991.



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب الفتنة
- باب القران
- باب العداوة
- ذكر ما جاء في باب التفويت
- باب التدشين
- لماذا تأسيس نقابة بالتعليم العالي
- بصدد الجدل الدائر حول الإطار النقابي للتعليم العالي: -إصابة ...
- في أن تحويل إطار نقابة التعليم العالي إلى -جمعية- أمر مقصود ...
- في حضرة الإمام مولانا الغلاء
- في الحاجة إلى تأسيس نقابة للأساتذة الباحثين بالتعليم العالي
- رسالة مفتوحة إلى الوزير الأول
- ما تحت جلباب الإصلاح الجامعي ( 1 )-المراقبة- و-المعاقبة-المس ...


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدي المولودي - مثل الدجاجتين